بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا لا ننظر بعينين لواقع الفكر الشيعي
مع أننا لا نكف عن الاستدلال بقوله تعالى ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هوأقرب للتقوى ) عندما نرد على خصومنا إلا أن هذا الاستدلال يغيب عنا كثيرا حين نكون في أمس الحاجة إليه , وهذا الإغفال أو النسيان من أظهر صور المجافاة للعدالة , إذ إن العدالة هيئة راسخة في النفس تتوجه بأمرها أدوات البصيرة الظاهرة والكامنة لاستيعاب محيطها قبل الحكم عليه أو تجاوزه .
ومن صور العدالة التمييز في الأحكام وتخصيصها وإيراد القيود التي تمنع تعديها إلى غير أهلها , وكل هذا إذا عدم في حكم ما أثمر غيظ الطرف المظلوم أو المتجاهل وبالتالي انضمامه شعر أو لم يشعر إلى الشريحة التي يصدق فيها هذا الحكم .
وهذا يفسر كيف أن كثيرا من أعدائنا في العصر الحاضر كانوا صناعة أيدينا , إذ إنهم في وقت من الأوقات لم يكونوا ضدنا ولما لم نستثنهم بخطابنا كما ينبغي ولم نأخذ بأيديهم إلى صفنا وجدوا أنفسهم في صف خصومنا مختارين أو مضطرين .
نريد من هذا الخطأ أن لا يتكرر مع الأزمة الطائفية في العراق , فنحن نرى أن سرقة التشيع من قبل التيار الصدري وكتائب بدر تحضى بمصادقة كاملة من قبلنا وذلك بخطابنا العام ضد الشيعة حين نستنكر ما يحصل لإخواننا من أهل السنة من مذابح .
ولا يقدح في هذا التعميم عبارات الاستثناء التي يتضح جليا من السياق الذي توضع فيه أنها غير مرادة حقيقة أو أنها وضعت تحرزا أو مجاملة أو ذكاء أو تقية .
فالواقع على أرض العراق لا يدل على أن كل الشيعة يقتلون السنة كما لا يدل على أن كل الشيعة راضون عن قتل السنة , بل إن الواقع يشير إلى أن من الشيعة من يقتلون لأنهم غير راضين عن قتل السنة , ولا أدل على ذلك من قتل شيخ مشايخ بني تميم الشيخ حامد بن سهيل وهو شيعي أرادت كتائب الصدر جره إلى قتال أهل السنة وجر قبيلته بني تميم التي تعتنق في العراق المذهب الشيعي إلى قتال السنة , ومع ذلك لم يحض قتله بما يستحقه من تغطية إعلامية سواء على مستوى القنوات الإخبارية أم على مواقع الإنترنت .
كما لا تحضى الفتاوى التي تصدر باستمرار عن آية الله حسين المؤيد بما يناسبها من دراسة وتحليل على المستوى الإعلامي والثقافي .
وكذلك المواقف الصريحة منذ بداية الاحتلال الأمريكي لرموز التيار الخالصي , ولا يخفى أن مواقف المؤيد والخالصي تميزت بالصراحة في مناصرة أهل السنة ولا أصرح في تقديري من أن يعترف مرجع شيعي بأن هناك مؤامرة يجب الوقوف أمامها ضد أهل السنة ويعلن هذا الموقف على أكثر الفضائيات العربية انتشارا في العالم .
كما لا نجد أي تغطية إعلامية لمواقف عقلاء الشيعة ضد تصفية أهل السنة ويترك عبء نشر هذه المواقف ملقى على عاتق أصحابها فقط , ونحن نعلم أن كثيرا من العقبات والتحديات تحول بينهم وبين نشر مواقفهم , وليس لهم من معين على نشرها إلا من يفترض كونهم أكثر المستفيدين منها وهم نحن أهل السنة . لأننا حين لا نذكر إلا مواقف أولئك المصرحين بعداوتنا أو أولئك الذين ينكرون هذه المذابح دون أن يستنكرونها بغية المداراة عليها فإننا نساهم في ترويج هذه المواقف الخبيثة على أنها هي الموقف الشيعي وبذلك نكون قد سعينا بجد إلى إقناع المواطن الشيعي بأن عداوة السنة وقتلهم هي الحكم الشرعي الذي ينبغي أن يتعبد الله به حيث لا يسمع من حوله إلا هذا القول .
أما إذا ساهمنا في نشر فتاوى مراجع الشيعة المعتدلين وكتابهم المنصفين والتي تعترف بهذه المذابح وتستنكرها فإننا حينذاك نقدم لإخواننا السنة في العراق أكبر العون حين نخفف الوطأة عليهم ونسعى في فك الحصار المضروب حولهم .
لا يخفى علي أبدا : أن في مذهب الشيعة الإثنعشرية الكثير من الأقوال المعتبرة في كتبهم المعتمدة تشرع الكراهية والقتل ولا يخفى علي أبدا أن من يمارس القتل والتعدي على أهل السنة لا يعدو أمره أن يكون عاملا بما هو مسطور عنده في الكتب المعتمدة .
ولكن من العدل والعقل أيضا أننا حين نجد من يدين هذا القتل ويدين من وراءه بصراحة ودون تلاعب بالألفاظ نرحب بقوله ونستنصر به ونفتح له مواقعنا نشرا وأقلامنا تحليلا وإشادة وتأييدا .
كنا قبل أسابيع قليلة خلت نحاول نشر مقالات عن مذهب التشيع وفضائحه لنساهم في الوقوف أمام فتنة تشييع السنة في مصر وسوريا والمغرب وغيرها من البلاد ثم لا نجد من المواقع إلا القليل ممن يستجيب لمثل هذه المقالات من شدة الافتتان بالشيعة والخوف على مشاعرهم , واليوم نجد أن الأمر أصبح سيئا ولكن من الجهة المقابلة فنجد أن كثيرا من الكتاب وأهل العلم استغلوا ما فشا من فضائح الشيعة في العراق للتشفي من التشيع وبدعه وضلالاته .
وهذا التصرف فيه كثير من الانتصار للنفس حيث لا يفوت كل من يتكلم الآن عن فضائح الشيعة أن يقول كنت أنا قبل سنوات أحذر من التشيع وأهله وقد عرف فضل قولي اليوم ولا شك أن الانتصار للنفس فطرة إنسانية ولكنها في مثل هذه الأزمات يجب أن تكون مضبوطة بضوابط المصلحة والمفسدة .
والعقل والمصلحة تشير إلى ضرورة إشاعة أقوال المعتدلين من الشيعة فنحن على يقين أننا لا نستطيع إلغاء التشيع من واقع الأمة ولا القضاء على الشيعة , وإذا كان الأمر كذلك فلا أقل من أن ندرأ خطرهم عنا بتأييد عقلائهم وتبني نشر اتجاهاتهم التي هي أكثر رشادا ومسالمة .
د: محمد بن إبراهيم السعيدي
رئيس قسم الدراسات الإسلامية
بكلية المعلمين بمكة