البنية العقدية والخطط الأمريكية لتحريف الشريعة


لقد بذلت أمريكا والصليبيون الكثير من الوقت والجهد والمال في سبيل تحريف الإسلام، وقد وفروا الإمكانات الكبيرة على مختلف المستويات، والدعم السخي لمن يتعاونون معهم من المسلمين في سبيل تحقيق مشروعهم التخريبي، وفي سبيل ذلك تغاضت تلك الأمم عما ترتكبه الحكومات الموالية لهم بحق شعوبها من بطش وتنكيل، بل ومجازر، وخاصة عندما يرتكب ذلك ضد أصحاب الاتجاهات الإسلامية، رغم تبجحها بالدعوة إلى احترام حقوق الإنسان.

ورغم كل ما بذل على كل صعيد لم تكن النتائج المتحققة بخصوص التغريب وإماتة الدين مرضية، فما أن يضعف في منطقة حتى يقوى في منطقة أخرى، كالبخار إذا أغلقتَ عليه وحبسته من ناحية خرج من ناحية أخرى، لأن هذا طبيعته.
لذلك لم يشعر الصليبيون أنهم قاربوا على تحقيق حلمهم وهدفهم في تحريف الدين الإسلامي، وتحويله إلى نسخة من النصرانية المحرفة، وقد يسر الله من شاء من عباده الصالحين من يقف لهذه المخططات بالمرصاد، ويسعى في كشفها وفضحها، وهؤلاء الصالحون وإن كانوا لم يتمكنوا من إيقاف هذه المشاريع التخريبية كليةً إلا أنهم تمكنوا من تعطيل سيرها بعضًا من الوقت، ومن إبطاء سرعتها وإيقافها في بعض المحطات.

ولقد نفذ صبر الصليبيين من هذا الصمود الطويل للبنية العقدية للدين الإسلامي، حتى إنهم لم يعودوا يرون نهاية لهذا الأمر، فها هم قد قوضوا أركان الخلافة الإسلامية بصورة رسمية عام 1924م، (أي منذ ثلاثة أرباع قرن من الزمان)، وهدموا بنيانها، وأقاموا على أنقاضها دولًا علمانية، نصَّ بعضها في الدستور على علمانية الدولة، بينما جعل الباقون العلمانية مسلكًا عمليًا في القانون، وفي مؤسسات الدولة، وفي الحياة الأخلاقية والثقافية، ومع هذا ورغم معاول الهدم الخارجية والداخلية، في ظل الإمكانات الضخمة المرصودة لذلك، ومع التضييق الشديد على الحركة الإسلامية، فما زال الإسلام يقف صامدًا شامخًا كالطود العظيم الأشم، ينظر إليهم من علٍ، وهم بعْدُ في السفح، مستعصيًا على التغيير والتبديل، وقد باءت كل المحاولات بالإخفاق، ومن باع نفسه للشيطان من أشباه العلماء، وحاول ذلك انكشف علمه، وافتُضح أمره، ولفظته الجماهير المسلمة، وباء بالخيبة والخذلان، لذا لم يكن هناك من بدٍّ لدى الصليبيين من فرض التغيير فرضًا، عن طريق التلويح بالقوة والتهديد باستخدامها، واستخدامها فعلًا في نهاية المطاف.

وقد سارت الخطة في اتجاهين متوازيين، لكنهما يتفقان في النهاية على هدف واحد: أحدهما قصير المدى يقوم على استخدام القوة في محاولة اجتثاث الإسلاميين الذين لا تجدي معهم المحاورات والإغراءات، والثاني: طويل المدى عن طريق التغيير في مناهج التعليم، والإعلام بجميع وسائله ونحو ذلك، لمنع تكرار حدوث الظاهرة الإسلامية مرة أخرى، وعلى ذلك فهدف الاتجاه الأول: هو مواجهة الوضع القائم، أما هدف الاتجاه الثاني: فهو الحيلولة دون تكوُّن جيل جديد يتمسك بفهم السلف الصالح للدين.

[LIST][*]العوامل التي ساعدت على اللجوء إلى القوة لفرض التغيير: [/LIST]
أولًا: انهيار توازن القوى الذي كان سائدًا في الفترة التي عرفت باسم "حقبة الحرب الباردة"، مما أدى إلى انفراد أمريكا بالقوة، وفرض نفسها على العالم وعلى المؤسسات الدولية، فلم تعد تخشى مساءلة أو حسابًا، بل لا يقدر أحد على ذلك.
ثانيًا: طول الطريق السابق وبطؤه، واحتمال امتداده لعقود طويلة، بل قرون، قد يحدث في أثنائها أن تعود العافية إلى الأمة الإسلامية بظهور شخصيات مثل: صلاح الدين رحمه الله، فتعود الأمة إلى مركز الصدارة من جديد، وتضيع عليه بذلك الفرصة الحالية النادرة.
ثالثًا: وجود معوقات حقيقية تقف بشدة في وجه الطريق السابق تتمثل في أمرين:

1- طبيعة الدين الإسلامي الذي يستحيل عمليًا تغييره أو تبديله، وذلك للترابط الشديد بين أحكامه وتشريعاته وأدلته في سائر الجوانب، لذلك فإن محاولة التغيير في جانب يكشفه جانب آخر، ولذلك فإن التغيير لا يمكن حدوثه عمليًا إلا إذا حدث التغيير في جميع الجوانب: في العقيدة والشريعة، في التفسير والحديث، وفي التاريخ والتراث، في الأوضاع الاجتماعية والشرائع العملية التي تمثل نوعًا من الإجماع العملي بين المسلمين، وهذا الأمر ليس بالهين ولا اليسير، فهناك عشرات الآلاف من الكتب المؤلفة في العقيدة والحديث والفقه والتفسير والتاريخ والسير والغزوات وغير ذلك، وكل ذلك مكتوب بلغات متعددة، فكيف يمكنهم ذلك؟ إنه أمر فوق طاقتهم رغم تقدمهم وإمكاناتهم وإرادتهم، وهذا يمثل نوعًا من التحدي لهم، وصدق ربي العظيم إذ يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].

2- وجود فئة من الناس قيدهم الله لحفظ دينه ونصرته، أخذت على عاتقها رصد محاولات التغيير والتزييف وكشفها والإعلان عنها، رغم كل الصعوبات التي تواجههم، وهذه الفئة هي جزء من الطائفة المنصورة التي امتدحها الرسول بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» [رواه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، (225)، ومسلم واللفظ له، كتاب الإمارة، باب قول النبي لا تزال طائفة من أمتي، (3544)].
رابعًا: حالة الضعف الشديد التي تخيم على المنطقة العربية والإسلامية، حيث دوله مفككة، وأغلب زعاماته هزيلة جوفاء، وشعوبه ما بين مقهور مغلوب على أمره وبين جاهل غارق في تحصيل شهوات الدنيا وحطامها، وهو بذلك قد وصل إلى درجة شديدة جدًا من الضعف، لم يصل إليها من قبل، لا في زمن الحروب الصليبية، ولا في زمن التتار، ولوصاح صائح فيهم لخرَّ كثير منهم لإستهم من شدة الخوف.
خامسًا: حالة الاستعجال الشديد لإحداث ذلك التغيير، لقد بدأ الأمريكان في حرصهم الشديد على إحداث التغيير، وضغطهم في سبيل تحقيقه، وكأنهم يسابقون شيئًا يخشون أن يسبقهم.

هذه العوامل- فيما رأيت- التي ساعدت على اللجوء إلى خيار القوة، لقد كانت الخطط معدَّة وجاهزة لضرب بعض بلاد المسلمين وغزوها واحتلالها، ولا ينقص إلا صدور الأوامر بالتنفيذ، وظل الأمريكيون يتحينون الفرصة المناسبة لإعطاء الأوامر بتنفيذ الخطط المعدَّة، ولم يطل بالأمريكيين الصبر- بعد إعداد خططهم وترتيب أمورهم- فقد جاءتهم الفرصة التي كانوا ينتظرون مثلها، ووقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر للسنة الأولى بعد الألفين بالتقويم الميلادي، وكانت بالنسبة لهم فرصة ما بعدها فرصة، فقد هيأت لهم الجو بالكلية، وأفسحت الطريق أمامهم بلا منازع، حتى لم يتمالكوا أنفسهم- من شدة حقدهم على المسلمين وفرحهم بالفرصة التي واتتهم- أن يحددوا الجاني ومكانه، والعقوبة التي ينبغي إنزالها به، من قبل أن تتوفر أية أدلة أو قرائن أو شيء، وظهر على ألسنتهم ما كان مخبوءًا في صدورهم، حتى قال رئيس أمريكا معلنًا عن خطوته القادمة: (سنشنها حربًا صليبية)، وبدأ يعلن كثير من الساسة في أمريكا وبريطانيا وإيطاليا وغيرهم القدح في الإسلام وشريعته.


المصدر :
http://www.al-oglaa.com/?section=article&SubjectID=505