بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
اشتهر عند الكثير من المسلمين ـ في بعض البلاد الإسلامية ـ إطلاق كلمة ( مولانا ) على أهل العلم والفضل ، ولا أدري مصدر انتشار هذه العبارة ، فأحببت أن أكتب هذه الكلمات في هذه اللفظة أو العبارة وما تدل عليه من معنى ، وأرجو من الأخوة الأفاضل المشاركة في هذا ، حيث أن الغرض من ذلك الوصول إلى ما هو حق وصواب وإلى ما كان عليه الهدي النبوي ومن اتبع نهجه إلى يوم الدين : فأقول والله المستعان :
قال تعالى : )لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( (البقرة286) ( أنت مولانا ) : أي أنت ولينا وناصرنا ، وعليك توكلنا ، وأنت المستعان ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . تفسير ابن كثير ص (221).
وقال تعالى : )بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ( (آل عمران150) . قال ابن كثير في تفسيره ص (162) : " ثم أمرهم بطاعته ومولاته والاستعانة به والتوكل عليه ، فقال : )بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ( (آل عمران150) . وقال تعالى :)وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ((الأنفال40) مولاكم ، سيدكم وناصركم على أعدائكم ، فنعم المولى ونعم النصير . تفسير ابن كثير ص ( 572 )
وقال تعالى : )يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ((الحج13) . قال مجاهد : يعني : الوثن ، يعني : بئس هذا الذي دعا من دون الله مولى ، يعني : ولياً وناصراً . تفسير ابن كثير ص (884) .
وقال تعالى :)وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ((الحج 78) ، (هو مولاكم ) أي حافظكم وناصركم ومظفركم على أعدائكم . (فنعم المولى ونعم النصير ) : يعني نعم الولي ونعم الناصر من الأعداء . تفسير ابن كثير ص ( 902 ) .
وقال تعالى : )يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ( (الدخان41) . أي لا ينفع قريب قريباً . تفسير ابن كثير ص (1202) .
وقال تعالى : )فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( (الحديد15) ، ( هي مولاكم ) : أي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير . تفسير ابن كثير ص ( 1298 ) .
وقال تعالى :)قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ((التحريم 2) .
وقال تعالى : )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ( (محمد11 ) أي لا ولي لهم .
أخرج البخاري في صحيحه (3737) في كتاب المغازي ـ باب غزوة أحد :
عَنْ الْبَرَاءِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ ـ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جَيْشًا مِنْ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ ، وَقَالَ : لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَاعَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَافَلَا تُعِينُونَا. فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَيَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ ،فَأَخَذُوا يَقُولُونَ : الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ لَا تَبْرَحُوا ، فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَقَتِيلًا وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ : أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ؟فَقَالَ : " لَا تُجِيبُوهُ " . فَقَالَ : أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟قَالَ : "لَا تُجِيبُوهُ " . فَقَالَ : أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ:إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لَأَجَابُوا ، فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُعَلَيْكَ مَا يُخْزِيكَ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : اعْلُهُبَلُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَجِيبُوهُ " ، قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ : " قُولُوا اللَّهُأَعْلَىوَأَجَلُّ " قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : لَنَا الْعُزَّىوَلَا عُزَّى لَكُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : "أَجِيبُوهُ " ، قَالُوا : مَا نَقُولُ ؟ قَالَ : " قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَىلَكُمْ " . الحديث .
فالمولى فلها معان كثيرة منها :
1ـ السيد ، والناصر على الأعداء .
2 ـ طاعة الله وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه .
3 ـ الحافظ والناصر والمظفر على الأعداء .
وهذا جاء الوصف به لله تعالى .
فالولي أسم من أسماء الله تعالى ، ذكره الشيخ العلامة ابن عثيمين في القواعد المثلى ص (40) . يشمل تلك المعاني السابقة .
4 ـ الوثن . كما ذكر مجاهد في قوله تعالى : )يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ((الحج13) .
5 ـ المولى بمعنى العصبة ومنه قوله تعالى : )وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً ( (مريم 5)
ومنه قول اللهيبي :
مهلا بني عمنا،،،،،،،،،، مهلا موالينا
امشوا رويدا كما كنتم تكونونا
6 ـ القريب .)يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ( .
7 ـ المولى بمعنى الحليف : وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك .
8 ـ المولى بمعنى : المعتق انتسب بنسبك ولهذا قيل للمعتقين : الموالي .
9 ـ المولى الذي يلي عليك أمرك .
10 ـ المولى: المعتق لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك نصره وترث ماله إن مات ولا وارث له . وهناك معان أخرى .
فلم يرد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ولا التابعين لهم بإحسان ـ فيما اعلم ـ ؛ أنهم كانوا يستعملون هذا اللفظ بخصوص نبينا ورسولنا محمد ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ فكيف بمن سواه ؟
واستعمال لفظة أو عبارة ( مولانا ) على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أو على أهل العلم ، لا أظن أنها استعملت إلا في العصور المتأخرة ، وبالأخص يكثر استعمالها في الشيعة عند تسمية أئمتهم . وكذا الصوفية عند ذكر أوليائهم أو شيوخهم .
وقول الله تعالى : )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِين َ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِي نَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ( (الأحزاب6)
فهذه الآية لا علاقة لها بالمولى فان كلمة أولى مشتقة من الأولية وأولى هنا بمعنى الأحق . والله تعالى أعلم .