معنى قول المعتزلة : الصفة لا تقوم بمحل
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ,وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
من عجائب المتكلمين قول أهل الاعتزال أن الصفة لا تقوم بمحل ؛ وهذا القول كما بين العلماء لا يقبله العقل فالصفة لا تقوم إلا بذات أو موصوف أو محل ولا يتصور أن الصفة أو العرض على تسمية المتكلمين أن تقوم بنفسها بل لا بد لها من محل أو الأصح في العبارة أن تقوم في ذات أو موصوف ولذلك كان قولهم ذلك أضحوكة للعقلاء .
سبب قولهم بذلك
نظر المعتزلة إلى ذات الرب سبحانه مجردة عن كل وصف وقالوا بتغاير الصفات عن الذات والتزموا أن إثبات الصفات المتعددة للذات يستلزم منه تعدد القدماء أو الواجبات وهذا محال فأثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات ونفوا نعوت وصفات الرب سبحانه ولما علموا أن من مسلمات اللسان العربي أنه لا يمكن أن يقال عليم لمن لا علم له ولا قدير لمن لا قدرة له ولا سميع لمن لا سمع له .. فراموا الجمع بين ذلك وبين ماالتزموه فقالوا بقيام الصفة بلا محل ؛ وأرادوا بذلك نفي قيام الصفات بالله سبحانه وتعالى ؛ وهذا في الحقيقة مناف للمعقول فكيف يتصور أن يقوم العلم أو القدرة أو الكلام بغير موصوف أو ذات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وهذا مما اتفقنا على بطلانه ومحال أن يكون خلقه لا في محل من جهة أن الكلام صفة والصفات لا بد لها من محل تقوم به ولو جاز أن يقال كلام الله لا في محل لجاز أن يقال إرادة وحركة وشهوة وفعل ولون لا في محل وهذا مما يعلم إحالته قطعا .
الفتاوى الكبرى (5|92)
وقال أيضا : كما أن كثيرا من أهل الكلام ألجأتهم أصول لهم فيها إلى أقوال يعلم فسادها بضرورة العقل مثل إرادة أو كلام لا في محل .
منهاج السنة (1|237)
قال شيخ الإسلام : فالمعتزلة القدرية : إما أن ينفوا إرادة الرب تعالى : وإما أن يقولوا بإرادة أحدثها في غير محل بلا إرادة كما يقوله البصريون منهم وهم أقرب إلى الحق من البغداديين منهم وهم في هذا كما قيل فيهم : طافوا على أبواب المذاهب وفازوا بأخس المطالب ـ فإنهم التزموا عرضا يحدث لا في محل وحادثا يتحدث بلا إرادة .
درء التعارض (1|192)
والله أعلم