السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعوام من الإعلام الرمادي والأسود على صفحات الـ BBC
معمر الخليل

لم يستغرب الكثيرون من رفض هيئة الإذاعة البريطانية الـ(BBC) رفض بث نسخة إذاعية من مسرحية "سبعة أطفال من اليهود" للمؤلف البريطاني كاريل تشرشل؛ والتي تحتوي على انتقادات لتاريخ الكيان الصهيوني وعدوانه الأخير على قطاع غزة، فكل التاريخ الماضي والحاضر لهذه الهيئة الإعلامية، يدل على موقف معادٍ للقضايا الإسلامية والعربية.
وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد، فالمسلمون اليوم، الذين تفتّحت أعينهم على الإعلام الموالي والمعارض وما بينهما، بات يعرفون كيف يقرؤون مفردات اللغة الإعلامية والخطاب السياسي الموجود ضمن الرسائل الإعلامية الموجهة لهم على مدار الساعة والدقيقة.
موقف حيادي متحيّز!
في الأيام التي تلت المجزرة الإسرائيلية في غزة، امتنعت الـ (BBC) عن نشر شريط مصور أنتجته لجنة الطوارئ لمواجهة الكوارث، يطالب بدعم الأهالي الفلسطينيين في غزّة، الذين تضرروا من العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع. واعترفت الشبكة البريطانية أن نشرها لمثل هذا الإعلان الداعم للفلسطينيين، سوف يضعها في خطر، لأنها "ممولة" من قبل الحكومة البريطانية. كما ادعى المدير العام للقناة، مارك طومبسون، أن نشر هذا الإعلان، سوف يؤثّر في "الحيادية"! التي تتبعها البي بي سي.
وفي الفيلم القصير يقول المعلق مع مرور صور الأطفال الضحايا على الشاشة "أطفال غزة يعانون. كثيرون يكافحون للبقاء على قيد الحياة. اليوم، الأمر لا يتعلق بما هو صح أو خطأ في الصراع. بكل بساطة. هؤلاء الأشخاص بحاجة لمساعدتكم".
ورغم كثرة الانتقادات الإنسانية والدولية التي وجّهت للـ (BBC)، إلا أنها لم تكترث بكل ذلك، بحجة حماية "الحيادية"، إلا أن هذه "الحيادية" كان لها اتجاه آخر، عندما تعلّق الأمر بمسرحية ضد الصهيونية. مدعية هذه المرّة بأن هذه المسرحية "لن تناسب الجمهور"!
فبعد رسالة إلكترونية نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، قالت شبكة الـ "بي بي سي": "هذه المسرحية لم يتم التفويض ببثها، وليست هناك أية دلائل على أنها ستبث، وبعد النظر في الأمر وجدنا أنها لن تناسب جمهورنا".!
وتتألف مسرحية تشرتشل- ومدتها 10 دقائق- من سبعة مشاهد قصيرة يتناقش خلالها يهود راشدون حول كيفية تفسير سبع لحظات مهمة في التاريخ اليهودي و"الإسرائيلي" لأطفال لا يظهرون على المسرح.
وتشمل هذه اللحظات الهولوكوست (محارق النازية)، والانتفاضة الفلسطينية الأولى، وقصف غزة في يناير الماضي، وبحسب المؤلف تشرتشل، فإن المسرحية تتفحَّص الصعوبات في تفسير العنف لدى الأطفال.
بريطانيون يؤكدون التحيّز الإعلامي:
لم تقف الانتقادات للشبكة الإعلامية البريطانية على المسلمين والعرب وحدهم، بل إن الكثير من البريطانيين يعترفون أن الـ (BBC) ليست أمينة في نقلها للأحداث. على سبيل المثال، في عام 2006م ذكر تقرير لمجلس حزب المحافظين البريطاني أن تغطية مراسل الـ (BBC) للصراع الفلسطيني الصهيوني كانت "غير متسقة، وغير مكتملة ومضللة"، وانتقد التقرير تقاعس الـ (BBC) عن رصد المصاعب التي يواجهها الفلسطينيون الذين يعيشون في ظل الاحتلال الصهيوني.
ويمكن ملاحظة التحيّز الإعلامي بسهولة خلال رصد الأخبار التي تنشرها الشبكة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
على سبيل المثال، تعالج الـ (BBC) خبر استشهاد فلسطينيين بالقول: "أعلنت حركة حماس أن اثنين من أعضائها قتلا في قصف إسرائيلي على غزة، ولقي الفلسطينيان حتفهما في غارة شنتها الطائرات الإسرائيلية الأحد قرب مدينة بيت لاهيا في قطاع غزة، وقالت إسرائيل: إنها استهدفت مسلحين في طريقهم إلى إطلاق صواريخ ضد أهداف إسرائيلية انطلاقاً من أراضي قطاع غزة، كما قالت حماس: إنها أطلقت عدداً من القذائف الصاروخية على أهداف إسرائيلية، وإن رجلاً إسرائيليا أصيب بجروح بسبب القصف، وأعلن مستشفى في بلدة سديروت الإسرائيلية عن إصابة فرد بجروح خطيرة بسبب القذائف الصاروخية لحماس".
فرغم أن الخبر يتحدث عن استشهاد فلسطينيين بسبب غارة إسرائيلية، إلا أن الخبر يقفز من المقدمة التي تتضمن هذا المحتوى، إلى صلب الخبر الذي يحتوي أخباراً عن قصف حماس للمستعمرات الإسرائيلية، واستهدافها للمدنيين الإسرائيليين. في تسييس واضح للخبر، بغية إفراغه من مضمونه، ودفع القارئ إلى إيجاد مسوّغ لاستهداف الفلسطينيين.
كما شكّلت التغطية الإعلامية لشبكة الـ (BBC) أحداث غزّة الأخيرة، تحيّزاً واضحاً ضد الفلسطينيين، الذين كانت الأخبار تستدرك أهداف الإسرائيليين، ومحاولاتهم وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، ومطالب الصهاينة بإطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، وتسترسل في الخلافات الفلسطينية الفلسطينية بدل التركيز على حجم الدمار الذي خلفته آلة الحرب الصهيونية.
واليوم.. نجد أن الشبكة البريطانية الإعلامية، تقوم بإغلاق بعض مكاتبها وقنواتها في العالم، بسبب "أزمة مالية" في الوقت الذي تزيد فيه من الحصة الإعلامية الموجّهة للمسلمين والعرب، عبر إطلاق قناة فضائية خاصة بها ناطقة باللغة العربية، والتي تم افتتاحها قبل أشهر.
ومع الإشارة إلى الترابط الإعلامي والسياسي الأمريكي والبريطاني، يمكن القول: إن التوجّه البريطاني عبر شبكة الـ (BBC) للعرب، ربما يحاول تخطّي الفشل الإعلامي الأمريكي الأخير، الذي ظهر واضحاً بعد إيقاف نشر مجلة "هاي" الأمريكية التي ظهرت في الأسواق العربية بعيد احتلال العراق، وفشل قناة "الحرّة" ذات التوجهات الأمريكية الواضحة، وفشل المواقع الإعلامية الأمريكية، كموقع "سوا" وغيره. فقد يستطيع الإعلام البريطاني تحقيق ما فشل في تحقيقه الإعلام الأمريكي في المنطقة.
المصدر :
http://www.salmajed.com/node/7091