ان موقفنا من العلمانيين العرب كما اعلناه في كتابينا اقطاب العلمانية الاول والثاني هو موقف ناتج عن خبرة بالخطاب العربي العلماني بشقيه -الصريح -في المواجهة مع الاسلام- وغير الصريح- في تغيير مفاهيمنا الاسلامية
وموقفنا قائم علي ادلة واضحة لالبس فيها ونصوص لاغموض فيها او تحتمل اكثر من تاويل كما ان قيام الخطاب العلمانية بنقد نفسه يوضح للقاريء المسلم اننا فهمناهم كما فهموا انفسهم وقرأناهم كما يقرؤون انفسهم وعلمناهم كما علموا هم انفسهم
لن احاول الخروج عن منهجي -الذي استنشقت عبيره وتعرضت لصوره او اشعاعاته من كتاب المنطق لشيخ الاسلام ابن تيمية وان اختلفت الطريقة وتباين السياق-في الكشف والرصد -وهو منهج مراغمة شديد الوطئة علي العلمانيين-خصوصا في هذا التوقيت الذي نتهم فيه باننا نلفق التهم للعلمانيين ونزور مذاهبهم ومبادئهم ولذلك فان اقرب طريق لكشفهم هو بخطابهم ذاته وعرض نقدهم لبعض في مشاريع نقدهم الكبيرة والصغيرة لنصوصهم ذاتها
وفي سياق المسألة الجابرية هنا نجد ان طيب تيزيني-الذي وصف مواقف الجابري العلمية بالملفقة والمفتعلة وذلك في مقدمة كتابه من الاستشراق الغربي الي الاستغراب المغربي (لاحظ ان تيزيني يصفه بالاستغراب فيما يصفه الدكتور محمود اسماعيل بالاستشراق العربي الجديد!-وكذلك الدكتور العلماني محمود اسماعيل ومحمود امين العالم -مادي جدلي-–في كتاب التراث والحداثة للجابري قال انه يستمتع بنقد محمود امين العالم اكثر من مدحه!-وابو زيد وحنفي وعلي حرب وعزيز العظمة والسيد يسين-قال ان الجابري يجيد صياغة الانساق المغلقة!-وادونيس- الذي قال الجابري لم يقدم جديدا وانما استفاد من المناهج الغربية-انظر كلام ادونيس والسيد يسين في (من الاستشراق العربي الي الاستغراب المغربي لطيب تيزيني )ص21- وحتي تركي الحمد ومن تلاميذ الجابري كمال عبد اللطيف نجد ان هؤلاء كلهم قاموا بنقد مشروع الجابري واظهار وقوعه اما في اسر العنصرية الغربية او مفاهيم استشراقية مزيفة متعالية وعنصرية النظرة او لاستعمال ادوات لم يفهمها الجابري كما قال طرابيشي ومحمود اسماعيل وغيرهما- او انتقي منها ماغير من معالمها الحقيقية
ان عدم قيام الجابري بنقد العقائد الاسلامية والشرائع الاسلامية بصورة مباشرة كما يفعل محمد اركون -وهو صديقه - هو ان الوقت كما يصرح الجابري لم يحن -وسياتي ذلك من كلامه-اوانه لذلك وكما بينت في كتابي الاقطاب 1 فالوضع لايسمح كما ان الامر يحتاج قرن او قرنين كما اشار في التراث والحداثة وسياتي في نصه المحكم
قال في كتابه التراث والحداثة :
(
لااري ان الوطن العربي في وضعيته الراهنة يتحمل مايمكن ان نعبر عنه بنقد لاهوتي يمكن ان نمارس النقد الاهوتي من خلال القدماء يعني ان نستعيد-بشكل او باخر-الحوارالذي دار في تاريخنا الثقافي مابين المتكلمين بعضهم مع بعض ومابينهم وبين الفلاسفة ونوظف هذا الحوار في قضايا عصرنا--- اما ان نقوم بهتك حرماتنا فلايمكن لنا حرمات يجب ان نحترمها حتي تتطور الامور ونتطور معها حتي لانقفز علي التاريخ---لانه لا الوضعية الثقافية والبنية الفكريةالعامة المهيمنة ولادرجة النضوج الثقافي لدي المثقفين انفسهم يسمح بهذا النوع من الممارسة الفولتيرية ولا السياسة تسمح) ص259-260
ويعلق المفكر العلماني-فرويدي النزعة مع نزعات اخري-جورج طرابيشي علي جملة من النص الفائت
وهي
(لااري ان الوطن العربي في وضعيته الراهنة يتحمل مايمكن ان نعبر عنه بنقد لاهوتي )
بقوله:
( ومن هنا مطالبته المدوية ب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي –ص69 من كتاب طرابيشي( نقد نقد العقل العربي(اشكاليات العقل العربي)) وقال بوضوح (
اعلانه عن عدم ازوف ساعة الثورة الاهوتية وبالتالي عن ضرورة ارجاءها الي اجل غير مسمي)-ص69 من المرجع نفسه
وفي كتاب التراث والحداثة لايتردد الجابري او يحجم عن عرض منهجه الذي يدرس به تراثنا وهو المنهج المعرفي الغربي وادواته الحديثة -سنذكر بعضها في نهاية البحث وبعضها الان -مع الالتزام بالروح الماركسية والفكر التاريخي المادي كما سياتي من كلامه
وقد صرح الجابري في حواره مع الدكتور فهمي جدعان في كتاب الجابري ( التراث والحداثة وهوالمطبوع سنة1991 ) بانه يستعمل (البنيوية ثم التاريخية )(المعالجة البنيوية ثم التحليل التاريخي)ص332
(المزاوجة بين المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي) نفس الصفحة (
والمناهج بالنسبة لي كلها صالحة)!!
وفي نفس الكتاب يقول
(حقيقة الماركسية في نظري روح الماركسية هي كونها اداة للعمل مرشد للعمل يجب ان نسترشد بالنظرية العامة بالمنهج---
يجب الا نياس والا نقنط لان المرحلة مرحلة قرن او قرنين وهو لاشيء بالنسبة لتحقيق تهضة علي المستوي الذي نطمح اليه ----لااريد هنا ان اقول ان جميع الاخطاء او المراحل التي مرت بها اوروبا يجب ان نمر بها حتي من حيث الزمان العصر الحاضر هو عصر حرق المراحل----مامن شك ان هناك هيمنة قوية للموروث القديم علي فكرنا ----ان مهمة الفكر مهمتنا جميعا-يقول الجابري للجمع النخبوي من العلمانيين في الندوة التي عرض صورتها في كتابه هذا-هي التحرر من هذه الهيمنة وهذا هو الذي يبرر ماقلناه من قبل من ضرورة الفلسفة من ضرورة العقلانية)ص252-253
ويقول -في التراث والحداثة-بعد ان يذكر ان من عوائق تقدم الفلسفة والعقلانية هو الرجعية!
(
هناك من يري ان من الواجب مهاجمة الاعقلانية في عقر دارها وهذا خطأ في رأيي لان مهاجمة الفكر الاعقلاني في عقر داره في مسبقاته في فروضه يسفر في غالب الاحيان عن ايقاظ عن عملية تنبيه عن حفزه علي رد الفعل وبالتالي تعميم الحوار بين العقل والاعقل والسيادة ستكون في النهاية حتما للاعقل لان الارضية ارضيته والميدان ميدانه لذلك افضل ان يكون الحوار معه في الدائرة العقلانية تعميم العقلانية من خلال نقد العقلانية نفسها----الا ان المسألة مسألة تخطيط وليست خاضعة للصدفة ولالمجرد الرغبة وهي كذلك مسألة وعي وعي بالمخاطب بالخصم بميدانه و قوته ومدي قوة ردود افعاله)ص258-259
والنص واضح في طريقة معالجة منهجية الجابري المستخفية داخل الحقل الاسلامي للاسلام والعقائد والتراث الاسلامي والتاريخ الاسلامي وان كان لم يتعرض للعقائد بصورة مباشرة كما ذكرت
كما انه حرصا علي التخفي داخل المعسكر الاسلامي رفض استعمال مصطلح العلمانية كحد سيف قاطع للتراث ناف للحقيقة ولان مصطلح العقلانية غير صادم فانه يستخدمه ويضع تحته طرائق العلمانية المنتقاة من طرفه لتغيير معالم ديننا واعلام حصوننا
فالجابري رفض مصطلح العلمانية لانه فضح وقال في نفس الكتاب للجمع من العلمانيين في الندوة المذكورة في الكتاب وكانت ندوة حضرها كبار العلمانيين العرب -وهو كتاب التراث والحداثة ان الشباب الاسلامي يستعملون الان -يقصد في جامعته في المغرب كما اشار في التراث والحداثة-نفس المفاهيم التي يستعملها ويعارضونه لكننا في واد واحد قال!
(
لافرق بيننا ان نختلف في الرؤي ونختلف في الايديولوجيا---اعتقد ان هذه وسيلة من وسائل الوصول الي الجماهير) التراث والحداثة ص360
لنتعرف الان علي طبيعة وحقيقة معرفة العلمانيين الكبار بمناهج الجابري التي يستعملها في كتاباته والتي يعالج بها امور اسلامية متشابكة ومختلفة المشارب والمناحي
في كتابه (في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري) للدكتور
محمود اسماعيل كتب يقول عن الجابري:
(
ونلاحظ أن الجابري برغم رفضه التمذهب والأدلجة تشهد كتاباته الاولي عن بعد ماركسي واضح لكنه عدل عنه في كتاباته التالية متبنيا المناهج الغربية الحداثية)-ص 26 من طبعة رؤية للتوزريع والنشر الطبعة الاولي 2005
ولايقف عن حدود بيان خلفية الجابري بل ايضا بيان بعض قناعات الجابري العنصرية والتي تاثر بها من خلال الرؤي الغربية الشديدة العنصرية
(
نجد مؤرخي بلاد المغرب في الاعم الاغلب يرددون مزاعم الاستشراق الغربي في تاكيد الاقليمية والشعبوية والخصوصية) –ص11 من كتابه( فكرة التاريخ بين الاسلام والماركسية المطبوع سنة1988 )
وفي ص83 اشار صراحة الي الجابري كما اشار الي ان الجابري يستهل اسهاماته العلمية بالرؤية المادية والمنهج الجدلي للتاريخ –ص84
ثم يقول في ص 85 (وقد بهر الاستاذ الجابري وتلامذته علي نحو خاص بالمنهج البنيوي الذي جري تطبيقه في دراسات ادبية ونقدية وانتربولوجية)
ولايعني ذلك ان الدكتور محمود اسماعيل من خلفية اسلامية يدافع بها عن الاسلام وانما بين في نفس الكتاب ان له هو الاخر رؤية مادية-الرؤية المادية للتاريخ-ص14- كطوق نجاة لدراسة التاريخ الاسلامي ص13
ولذلك يعتب اسماعيل علي الجابري انه لم ياخذ بالمنهج المادي للتاريخ للتحليل بدلا من المذاهب الحديثة الا ان الجابري يستعمل ايضا التاريخية هذه ولكن ليست خالصة ولذلك يستغرب اسماعيل من التارجح والاستعمال السييء من قبل الجابري !! كما في ص 93 من المرجع السابق
ويقول ص 95 (
من المفيد ان اوضح ان الاستاذ الجابري كان في مستهل حياته العلمية ماديا جدليا تاريخيا وبرغم نكوصه فانه لم يستطع الانفكاك من رؤيته السابقة يستعين بها في الملمات لغطية عجز منهجه البنيوي وسواء اكان ذلك عجزا ام بوعي فالثابت تواجد اصداء التحليل الماركسي في كتاباته الاخيرة )
ويقول
(وننوه بان المادية التاريخية في صيغتها الماركسية ماهي الا استقراء امين للتاريخ البشري) ص20 نفس المرجع
ويقول الدكتور محمود اسماعيل ايضا في كتابه اخر له وهو كتاب ( الاسلام السياسي بين الاصوليين والعلمانيين المطبوع سنة 1993) ص 49
(
يبدي الاستاذ العالم-يقصد محمود امين العالم –اعجابا وانبهارا بانجازات المفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي اعتمد البنيوية منهجا ورؤية لدراسة الفكر الفلسفي الاسلامي
لقد انجر الجابري عملين هامين بصرف النظر عن الاختلاف حول منطلقاته ومقوملاته- نحن والتراث وهو عبارة عن دراسات تتناول بعض الجوانب والسمات في انساق ومنظومات بعض فلاسفة الاسلام وفق تحليل ماركسي اما الكتاب الاخر تكوين العقل العربي فيتضمن رؤية الجابري للتراث من خلال التطبيق المنهجي للبنيوية)
وهو هنا يشير الي فكرة الجابري المركزية المشهورة من عقلانية المغرب العربي وعرفانية وصوفية المشرق العربي !
وهذه الفكرة عنصرية واستعلائية وتفتح مجال الاحقاد وتصنع مناخ التلبيس ومن ثم الخلخلة في البناء الاسلامي العلمي والتاريخي من اجل ازاحته فيما بعد
وقد حاول الجابري ان يحط من قيمة العقل العربي باستخدام آراء (رخيصة عفي عليها الزمن) بتعبير محمود اسماعيل في كتابه اخر وهو(قراءات نقدية في الفكر العربي المعاصر المطبوع سنة1997)ص13
وذلك بمقارنة العقل العربي باليوناني (
الذي يعتبره الجابري عقلا برهانيا في مقابلة العقل العربي ذي البنية الميتافيزيقية---وبذلك يدعم نظرية المركزية الاوروبية باعتبارها تمثل المحتكر الوحيد للفكر العقلاني ) يقول محمود اسماعيل في قراءات نقدية ص 13(
والانكي اعتباره العقل اليوناني-يقول محمود اسماعيل- معيارا وانموذجا يقاس عليه---كشف المؤلف-يقصد جورج طرابيشي—بعد ذلك عن خطأ ماذهب اليه الجابري عن اتسام العقلية اليونانية بالتعددية والديمقراطية وتبجيل المجتمع المدني وسمو الفكر السياسي والاجتماعي بوجه عام بينما اتصفت العقلية العربية-في نظره- بالبداوة والطغيان والفساد )ص20 من قراءة نقدية لمحمود اسماعيل
ايضا يقول محمود اسماعيل في (في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري) عن مصطلح العلمانية المطلوب عدم اعلانه جابريا في الوقت الحاضر لسبب حصاره
(إتفق الجابري مع محاوره -يقصد حسن حنفي-علي نفي العلمانية وأكد انها شعار ملتبس يجب محوه من قاموس الفكر العربي واستبداله بالديمقراطية والعقلانية باعتبارهما يعبران عن حاجة المجتمعات الاسلامية الماسة من اجل التطور كما اكد انهما لايتعارضان ألبتة مع قيم الاسلام الحضاري فضلا عن تاكيده عن الايمان بما اسماه الاسلام الروحي)-ص32
كذلك :
( برغم اتفاقه مع محاوره حول الاسلام دينا الا ان هذا الاتفاق كان ظاهريا ليس الا. فتصوره لمفهوم الدولة في الاسلام يخالف راي الاصوليين القائلين بالحاكمية وهو مايعتقد ان محاوره يأخذ به ثانيا ان جماع رايه عن مفهوم لدولة ماخوذ عن الليبراليين –خصوصا الشيخ علي عبد الرازق- بما يعني تاييده لليبرالية)-ص 32( في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري)
كما اكد قناعته بان الاسلام دين ودولة وان اي مشروع نهضوي مأمول يجب ان ينطلق من داخله لكنه تحفظ في القول بوجود نمط ثابت بل ادعي ضرورة الاجتهاد من اجلان يكون الاسلام صالحا لكل زمان ومكان-(في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري)ص59-60
ثم قال ص 61
(أما عن ادعاء الجابري مشاركة محاوره في كون الاسلام دينا ودولة فامر لاينهض علي صحته مقولاته المتداولة خلال حلقات الحوار التي يتاكد من خلالها قناعاته بالديمقراطية الليبرالية في صيغتها الغربية)
قلت اغفل الدكتور محمود اسماعيل ان يؤكد ان قول حنفي هنا يخالف ايضا كتاباته لا في نفي ان يكون الاسلام دين ودولة فقط وانما ان يكون الاسلام دين ودنيا وحضارة وعلم
وكتاب حنفي الذي استشهد به الباحث الاسلامي الكريم -خالد كبير علال -وهو من العقيدة الي الثورة اي الثورة علي العقيدة يدل علي ذلك
وفي ص65 من كتابه في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري يقول الدكتور محمود اسماعيل ( يستهل الجابري عرضه بخطأ طرح سؤال حسن حنفي عن البدأ بماذا التثوير ام التنوير وعنده ان المجال يقتضي الاخذ بهما معا فهما متكاملان وغير متناقضين
كمايذكر الدكتور محمود اسماعيل ان الجابري ارجع سبب انتكاسة حركة التنوير في العالم العربي الي الحركة السلفية كان تاثيرها اوسع واعمق واعم-يقصد من الثورة الفرنسية
يقول
(واحتكم الي التاريخ لبرهنة اطروحته فعرض لتاثير الحركة الوهابية التي كانت اسبق زمانيا من الثورة الفرنسية)
والشيء اللطيف من تحليل الدكتور محمود اسماعيل لرؤية الجابري وحنفي من حوارهما هو محاولته كشف تحولاتهما من النقيض الي النقيض في الحوار ذاته بل وتبني كل منهما لراي الاخر ولو لهنيهة
(يدهش المرء من هذا التحول الشديد في موقفي المتحاورين اذ يتبني حسن حنفي موقف الجابري في الحلقات السابقة-بالالحاح علي الليبرالية بينما يتبني الجابري موقف محاوره في الالحاح علي التراث
حسن حنفي يشيد بليبرالية الثورة الفرنسية ويوسع من دوائر اثارها في افكار النخبة العربية بينما يري الجابري ان هذا التاثير كان محدودا وقاصرا علي الشام وفي مصر تبنته نخبة محدودة!!
أمام هذا المنطق الغريب يثار سؤال هل المقصود هو الاختلاف في حد ذاته يميل أحدهما الي اليمين فيميل الاخر الي اليسار والعكس بالعكس هل عاد الطرفان الي المراهقة بعد ان تجاوزاها في الحوارات السابقة
الامر في نظري ملتبس
حسن حنفي الذي صنفه محاوره يساريا اسلايا يعول علي التغيير من الخارج من الغرب الذي طالما ندد به خصوصا في كتابه مقدمة في علم الاستغراب والجابري –المتهم بانه مستشرق عربي- يلح علي ضرورة التغيير من الداخل وينحاز الي الحركة السلفية التي- رغم موقفها المشرف في مواجهة الاستعمار-تعد مسؤولة عن الانحطاط في العالم –مكتوبة العام- العربي المعاصر بدرجة او باخري!!!
ان مفارقة تبادل المواقف تحتاج الي من المفكرين الكبيرين الي تفسير)-(في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري)ص 66-67
وفي الحقيقة انا قدمت التفسير في كتابي اقطاب العلمانية الجزء الاول وقلت ان حنفي يلعب علي التناقضات ويتبناها كلها-تقية وتمذهبا ولاجل الخلخلة وزرع الشك- ولم اقل ذلك انا فقط بل عرضت لاقوال كبار العلمانيين الذين لااقول شعروا بجنون تناقضات حنفي اثناء قراءتهم له وانما خبروا بذلك من فكر ه ومن هؤلاء الدكتور فؤاد ذكريا والدكتور علي حرب-الاول مصري والثاني لبناني
كذلك فقد عرض الدكتور طيب تيزيني تناقض الجابري في زعمه انه اشعري ثم قول له اخر ان العقل الاشعري ينتحر وينهي مهمته-انظر هامش كتاب من الاستشراق الغربي الي الاستغراب المغربي ص 34 ومن الاسباب التي ادت الي الجابري لذلك اربعة اسباب ذكرها طيب تيزيني هناك ومنه نزوع انتهازي وتوفيقي لدي الكاتب!
اما عن الحداثة والتقليد فيقول الدكتور محمود اسماعيل في (في نقد المشرق والمغرب بين حنفي والجابري)ص48
(بادر الدكتور الجابري –للمرة الثانية –بطرح موضوع الحوار وهو الحداثة والتقليد وفي هذا الصدد يحمل المحاور علي نفر من المثقفين العرب لتعصبهم الاعمي للتراث ضد الحضارة الغربية رغم تلقيهم العلم في معاهدها والتاثر بها حتي في السلوكيات والعادات اليومية وذلك –في نظره- لايمكن تبريره بالغيرة القومية او الحمية الوطنية
صحيح ان الجانب الروحي في التراث-وهو العقيدة والشريعة-لافكاك من التشبث به لكنه بهد تطويره وتجديده عن طريق الاجتهاد فالاجتهاد ربط للحاضر بالماضي وتجاوز له في آن
وفيما عدا ذلك اصبح التراث تاريخا يدرس ويدرس دونما حاجة للتشبث به لالشيء الا لان العصر تجاوزه كما هو حال العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية
ثم
وتكملة لكلام الدكتور محمود نقلا عن الجابري-اي ان الكلام للجابري- يقول
(بل ان التشبث بالتراث واجتراره يصبح عائقا امام الحداثة التي هي التقدم فالحداثة ثورة علي التراث باحتواءه ثم القطع معه كسبيل للتجاوز ولامانع من النهل من حداثات الغير فالحداثة لاوطن لها-ويشير في الهامش الي كتاب الحوار )ص 70-انظر ص49 من كتاب -اشار محمود اسماعيل الي ص 69 من كتاب الحوار قال (اسعدني تقديم قراءة نقدية لكتاب اصدراه بعنوان حوار المشرق والمغرب)-ص7من( في نقد حوار المشرق والمغرب لاسماعيل)
فهذا تحليل قطب من اقطاب العلمانية للمشهد الحواري بين الجابري وحنفي يبين فيه وهو الماركسي المادي الجدلي موقف الجابري وانتماؤه القديم والحديث وموقفه من الحداثة والتراث ومااسماه الوهابية
ولم يعلق اسماعيل وحده علي الحوار وانما غيره قام في كتابات اخري بالتعليق عليه
ولابد ان يتسابق الي الذهن ان جورج طرابيشي لابد ان يكون علق علي الكتاب لانه ناقد متخندق لمدة عقدين من الزمان ( الي الان او اقل قليلا) لمشروع الجابري
خصص جورج طرابيشي مجموعة من الكتب النقدية الضخمة لنقد الجابري لكن لنذهب الي كتاب يجمع فيه طرابيشي بين نقد الجابري ونقد اخرين ويعلق فيه علي حوار الجابري-حنفي الذي علق عليه ايضا الدكتور محمود اسماعيل في كتاب خاص بذلك وكتاب طرابيشي هو (هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية طبعة دار الساقي )
ان علينا ان نذهب اليه لنري التعليق الطرابيشي يبدا من هناك وعلي نص الحوار ومن ص 65
فنجد ان اول وصف للمناظرة بين حنفي والجابري من طرف طرابيشي هو
انها تمثل ( إضراب عن التفكير)
(الواقع ان عنوان كل من المداخلتين بالذات ينطوي علي قدر لايستهان به من الاتفكير )ص65
(واحدهما يتبرأ من العلمانية بحجة ان الاسلام ليس كنيسة كي نفصله عن الدولة كما يقول عنوان مداخلة محمد عابد الجابري وثانيهما يغسل يديه منها بحجة ان الاسلام لايحتاج الي علمانية غربية كما يقول عنوان مداخلة حسن حنفي)ص65
كنت قد ذكرت من اقوال طرابيشي نفسه ونقولاته-في الاقطاب 1- عن حنفي ان حنفي مرة ينادي بالعلمانية الغربية ومرة يطالب بنفيها ومرة يامر باتباع الحضارة الغربية ومرة يطالب بتحجيمها -وقد بين ذلك طرابيشي ايضا في كتابه الكبير (المثقفون العرب والتراث التحليل النفسي لعصاب جماعي) وهكذا هو حنفي يثبت وبنفي حتي في مقالاته التي تصدر في المجلات العلمية والصحف اليومية حتي الان
وعلي كل فالقاريء الجيد يعرف ماذا يعني ذلك كله وتحت اي معني يقيمون مشاريعهم ومن يواجهون وباي طريقة يخوضون ويلعبون -سماها طرابيشي كما سياتي من كلامه لعبة الاستغماية!-فالامر اصبح واضح للعيان وخصوصا للاصحاب والخلان من بني حداثية وعلمان!
طرابيش يقول عن تسمية الجابري في الحوار للعلمانية بانها فصل الدين عن الدولة يقول بانها ( حيلة شكلة)-ص66
ثم يقول
(وبما ان الجابري يعرف النتيجة التي يريد ان يصل اليها وبما انه لم يقم اصلا استدلاله العقلي الا تبريرا مسبقا لها فانه لم يكن امامه من خيار اخر حتي يضبط الاستدلال سوي أن يتلاعب علي تعريف العلمانية ويزيحه بوصة او بوصتين عن منطوقه الاكثر شمولا ليجعله يعني فقط فصل الكنيسة عن الدولة لافصل الدين عن الدولة)-ص66
ويصف طرابيشي محاولة التنازل عن مصطلح العلمانية من قبل الجابري لمصطلح العقلانية او الديمقراطية بانه ضربا من لعبة الاستغماية-ص 71
لنذكر نص الجابري اولا-وقد ارودته في الاقطاب الجزء الاول- ثم تعليق طرابشي عليه
النص
(مسالة العلمانية في العالم العربي مسالة مزيفة بمعني انها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات – وانه من الواجب استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي وتعويضه بشعاري الديمقراطية والعقلانية فهما اللذان يعبران عن حاجات المجتمع العربي)
التعليق الطرابيشي:
(والحق انه يندر ان يجتمع في نص بمثل هذا الاقتضاب عدد كبير من الادلة والشواهد علي مااسميناه حالة الاضراب عن التفكير:
1-فالنص بدلا من التفكير يمارس مع ادوات الفكر التي هي الالفاظ والمفاهيم ضربا من لعبة الاستغماية : فهو يقر بان ثمة حاجات في العالم العربي قد تستدعي تطبيق العلمانية ولكن من الافضل ان يستعمل بدل العلمانية شعار العقلانية والديمقراطية
2-والنص بدل التفكير يمارس ضربا من تحريم التفكير :فمن الواجب بكل بساطة وبمنتهي الصراحة استبعاد شعار العلمانية من قاموس الفكر العربي والعجيب ان هذه الدعوة الي استبعاد اللفظة الرجيمة صادرة لا عن محقق في محكمة تفتيش ما بل عن مفكر مهمته كمفكر ان يوسع –ماامكنه- قاموس الفكر لا ان يضيقه فضلا عن انها صادرة عن مفكر ينسب نفسه الي المدرسة الابستمولوجية ----
3- النص بدل التفكير يمارس ضربا من التناقض في التفكير-قلت وهنا طرابيشي يظهر التناقض كما فعل محمود اسماعيل وكما فعل فؤاد ذكريا وعلي حرب وكلهم علمانيون من المستوي الثقيل!- فهو لايجد ماينعت به مسالة العلمانية في العالم العربي الا بانها مسالة مزيفة والحال ان صاحب النص نفسه في كتابه عن الخطاب العربي المعاصر الصادر عام 1982 كان قد وجه النقد –وعن حق في راينا- الي برهان غليون لانه حكم في كتابه الطائفية ومشكلة الاقليات علي اشكالية فصل الدين عن الدولة في الفكر العربي الحديث والمعاصر بانها اشكالية مصطنعة ومنقولة عن الغرب ولانه طالب بالاستعاضة عنها باشكالية اكثر مطابقة منها هي اشكالية علاقة افراد المجتمع ككل بالدولة اي اشكالية الديمقراطية وقد عزز الجابري نقده لغليون في حينه بالتساؤل:(واشكال ية الديمقراطية نفسها الا يمكن البرهنة علي انها هي الاخري –اذا انطلقنا من المنطق نفسه وسلكنا السبيل نفسه- اشكالية مصطنعة ومنقولة من الغرب)؟ ------فهل يكفي والحال هذه عندما نجد الجابري ينقلب عام1988 بزاوية 180 درجة عن موقفه عام1982فينبري بدوره لنعت مسالة العلمانية في الوطن العربي بانها مسالة مزيفة هل يكفي ان نقول انه يناقض نفسه مناقضة صريحة سافرة ام ينبغي ان نضيف ايضا ان تناقضه هذا مع نفسه بتبنيه لمقولة زيف اشكالية العلمانية انما مصدره انقطاع العلاقة المباشرة بين الفكر وموضوعه بين منطوقه ومضمونه-تعليقا علي كلام طرابيشي هنا اقول بان طرابيشي يعرف ان الجابري متلاعب بمقولاته لاجل انه يلعب في ادخل حصوننا الثقافية ولكن طرابيش لسبب العداوة مع الجابري لايصرح هنا الا بالفاظ التناقض والتلاعب والاستغماية وماالي ذلك من افكار غير كافية بل الفاظ حاجبة! الا انه ذكر الحقيقة من موقف الجابري في هامش كتابه
4-ان النص بدل التفكير يمارس ضربا من العزل والتقطيع والبتر للمفاهيم فهو يريد الاستعاضة عن شعار العلمانية بشعاري العقلانية والديمقراطية وعلي هذا النحو تتحول الحداثة الي سوق للخردة نبتاع منها بابخس الثمان-مانشاء وندع منها مانشاء اذا ماتخوفنا من ارتفاع مافي ثمن التكلفة (قلت في الحقيقة يتفق طرابيشي هنا مع فؤاد ذكريا بان فريق الضرب الغير مباشر يرخصون العلمانية والحداثة في سوق النقد -بحسب طبعا كلام هؤلاء النقاد-والسبب انهم لايستطيعون اللعب بصورة فوقية من خارج الاسلام لسبب قوة الاسلام في عالمنا ولله الحمد)- والواقع-يضيف طرابيشي-ان استبعاد الجابري للعلمانية أشبه بفعل من يريد ان يجلس علي كرسي الحداثة يقف علي قائمتين اثنتين بدلا من ثلاث او اربع-قلت هذا تعبير رائع لطرابيشي طبيعة حركة هذه الطائفة في المجتمع الاسلامي ومده التواءها خشية الانكشاف وهي تقوم بالتعلاعب -ومثل هذه العملية البهلوانية كان يمكن مع ذلك ان تكون ممكنة لولا ان المنشار لايستطيع ان ينشر قائمة العلمانية بدون ان ينشر بعضا من قائمتي العقلانية والديمقراطية بالذات-قلت هذا التعبير ايضا من طرابيشي غاية في الاهمية اذ انه يوضح الترابط العضوي بين العلمانية الغربية والعقلانية الغربية والديمقراطية الغربية التي يتبناها هؤلاء فكلها من مزود واحد خصوصا في المقومات والقواعد المخالفة للاسلام ورد الجابري قديما علي برهان غليون -كما اورده طرابيشي قبل قليل ورد طرابيشي علي الجابري في هذا النص يوضح مقصودنا هنا-وهذا ماتنبه له تلميذ وزميل للجابري حين قال في رد ضمني عليه :ان المبدأ العلمانية يعد في نظرنا من المباديء المؤسسة للاختيار الديمقراطي ونحن نعتقد –اذا جاز لنا الحديث عن ثوابت ومتغيرات في المعتقد الليبرالي وانماط الحكم الديمقراطي داخله –ان العلمانية ثابت من ثوابت العلم والممارسة الديمقراطية)-هرطقات ص71-73
وتلميد الجابري كما اشار طرابيشي هو كمال عبد اللطيف وقد اشرت اليه مرة في فصل اركون في الاقطاب الاول
ولذلك قلت في كتابي الاقطاب1 ان الجابري من فريق الضرب الغير مباشر من طائفة العلمانيين التي تتخذ الاسلام سترا لها وهي تحاول زعزعة اليقين الاسلامي وزحزحة الثوابت الاسلامية في اذهان العامة والخاصة لو صح التعبير
ان محمد عابد الجابري علماني التوجه ماركسي الروح مع خليط من مذاهب المعرفة الغربية الجديدة
وهو لم ينطلق من اصول الشريعة الاسلامية او اصول الفقه وانما انطلق من المذاهب الغربية كما يحكي هو ويؤكد غيره عنه ايضا
قال في كتابه الخطاب العربي المعاصر ص 92
ومن الموقع الابستمولوجي الذي ننظر منه الي الاشياء نقول---
ويقول علي حرب في كتابه الماهية والعلاقة نحو منطق تحويلي ص179(اقل مايمكن قوله في هذا الخصوص انه حرث في ارض معرفية لم يجر الحرث فيها من قبل واستخدم عدة فكرية جديدة في الدرس والتحليل ---مدشنا بذلك الدرس المعرفي الابستمولوجي علي ساحة الفكر العربي)طبعة المركز الثقافي العربي اولي1998
ويقول طرابيشي في هرطقات ص 78
(ان الجابري في طرحه للتناول عن مصطلح العلمانية انما تراجع عن موقعه الابستمولوجي الي الموقع الايديولوجي)ومن مناهج وادوات الجابري
-الإبستمية الفوكوية
يقول الدكتور طيب تيزيني بان منهجية فوكو هي احدي المرجعيات للجابري ص 26 من كتاب من الاستشراق الغربي الي الاستغراب المغربي
-المذهب البنيوي لباشلار وفوكو وبياجيه
يقول الدكتور محمود اسماعيل في كتابه )التاريخ بين الاسلام والماركسية) ص 88
(في الوقت الذي اشهرت فيه البنيوية افلاسها أمام البناء الشامخ للعلم الماركسي يسطو الاستاذ الجابري علي احدي مقولاتها ويجردها من موضعها ليعتسفها منهجا ورؤية لدراسة التراث الفكري العربي الاسلامي )
-البنية الاشعورية الليفيستراوسية
-كتابات لالاند وليفي شتراوش في موقف النظرية المعرفية من العقل!
-مفهوم المخيال الاجتماعي او الاشعور السياسي كما سماه ريجي دوبريه –انظر التراث والحداثة للجابري ص 356
وتطبيقه علي الاسلام ومجتمعاته كلها وعلاقة المفهوم بالاسطورة وحرية الباحث العلماني في اتهام الاسلام بحمل الاساطير كما فعل ابو زيد واركون والعالم وعلي حرب ومحمود اسماعيل والجابري وغيرهم
يعترف الجابري ان
( المفاهيم الاوروبية مشتقة فعلا من الواقع الاوروبي ومن التجربة الاوروبية لكني اخذتها كقوالب واحاول ان املئها من جديد)ص 358 من التراث والحداثة للجابري
-مفهوم الكتلة التاريخية اخذه من غرامشي-كما في كتابه نفسه هو التراث والحداثة ص344
-كتابات جاك اولمو خصوصا مقولته عن العقل الكوني(الذي قرأ من خلاها العقل العربي-انظر قراءات نقدية لمحمود اسماعيل ص18
-طبق الجابري الرؤية العنصرية لهيجل ورينان علي العقل الاسلامي-انظر قراءات نقدية لمحمود اسماعيل ص 19
-الاشعور المعرفي لعالم النفس السوسري جان بياجيه
-الفكر الالماني اللغوي ممثلا في هردر-يري طرابيشي انه كان ابنا عاقا للتنوير الالماني-ص 110 من نقد النقد- وهمبولت كما تري ذلك في كتابه تكوين العقل العربي ص 76-77 في مسألة ضبط العلاقة بين اللغة والفكر وان كان الجابري كما وضح طرابيشيفانه قد فهم هؤلاء الفلاسفة خطأ
فاللغة عند الجابري-يقول طرابيشي – تحدد القدرة علي الكلام كما القدرة علي التفكير-ص 110 وهو مذهب جبرية اللغة حتمية او بتعبير طرابيشي في نقد النقد ص 112 الجبرية اللغوية الجابرية التي تريد حبس العقل ورؤيته للعالم ككل وكاجزاء في سجن اللغة او يقاربه بخلاف هردر باللغة شرط للفكر بقدر ماالفكر شرط لها –
فالجابري يزعم ان اللغة تنقل تراثها وتتقيد به وتنغلق عليه واذا انتقل الانسان الي حضارة اخري او عالم لغة اخري فانه لايقبل منه الا ماكان منه اصلا وهذا يعني ان اللغة هي المحدد والعادات والتقاليد فاذا كان الجابري يريد ان نتحرر من الاهوت اي العقيدة في وقت التحرر المناسب فانه بذلك يقول لنا اخرجوا من اطار لغتكم المنغلقة علي مفاهيمها الخاصة الي عالم العلمانية التي يدعو اليها فكر لالفظا!
ومعلوم ان المذاهب الغربية تفسر الامر من خلال الرؤية المادية التي ترجع الامور الي ظواهر مادية او معنوية بشرية او اجتمعاية في عالم تجربة ضيق علي اسباب ضحلة او قاصرة او محدودة لايمكن ان تكون هي عقيدة الاسلام الشاملة للعالم البشري والكون المادي واللغة ليست هي المحدد ولاحتي البئية او الاجتماع او الاتقصاد ولا الصحراء او البداوة-يصور الجابري حياة اعراب الجاهلية بانها حياة حسية بدائية اي لاعقل لها اي انها خارج التاريخ !--هنا يقول الجابري:عالم هذه اللغة محدودا بحدود عالم اولئك الاعراب-ص144 التراث والتجديد- او المدنية ايا كانت فليست ايا من هذه قاهرة للعقل واما الزعم بان لغة العرب لم تلاحق التطورات الحضارية او المدنية وبقيت وابقت العرب في اطار منغلق من الثقافة والفكر فهذا اتهام علماني يضيق مجال اللغة والعقل وينفي الوحي والغيب والتغيير الذي احدثه في عالم العرب بل وفي العالم ومن ثم لغته ومصطلحاته الشاملة في كافة مجالات الحياة ومن هذه الرؤية الغربية الرؤية الماركسية مثل زعمها بتاثير الانعكاس الاجتماعي علي اللغة وتفكير البشر وتاويلهم للعالم وان كان الجابري لم ياخذ بهذا الاخير الا انه واقع في التحديد الغربي ولم يخرج منه وان تضاربت مذاهب هذه الرؤية وحطم بعضها بعضاويذهب الجابري الي ان اللغة هي التي تحدد القدرة علي التفكير فالعقل نسخة عن اللغة
ان كتابه تدوين العقل العربي يجعل الازمة في عصر التدوين الذي هو عنده(في ذات الوقت الاطار المرجعي الذي يتحدد به ماقبله فصورة العصر الجاهلي وصورة صدر الاسلام والقسم الاعظم من العصر الاموري انما نسجتها خيوط منبعثة من عصر التدوين-وليس العقل العربي في واقع الامر شيئا اخر غير هذه الخيوط بالذات –ص 60-61
وهو عند الجابري علي امتداد المائة سنة مابين منتصف القرن الثاني ومنتصف القرن الثالث الهجري
(فعصر التدوين هو الاطار المرجعي الحق للعقل العربي وليس العقل الجاهلي ولاالعصر الاسلامي الاول ولاماقبلهما)
يعلق الجابري علي نصوص اسلامية كما علي نص لتاريخ الخلفاء للسيوطيف يقول انه يمكن قراءة النص قراءة مزدوجة قراءة المجهور به وقراءة المسكوت عنه
ونراه يتهم الامام الذهبي صاحب النص المنقول عن السيوطي بانه سكت عن التدوين عند الشيعة والتدوين في السياسة وعلم الكلام كما اشار طرابيشي في اشكاليات العقل العربي ص 24
ان الجابري كما اشار هو نفسه يصنع تدوين جديد للتاريخ الاسلامي يقلب اصوله وحرف مفهومه وذلك بالادوات السابقة واخري شبيهة
ونتج عن هذا اقوال له خطيرة جدا منها نسبة العقل للحضارة اليونانية وسحبها من الحضارة الاسلامية التي بناها السلف الصالح ومنها تفرقة الامة بجعل المغرب عقلاني والمشرق عرفاني اي صوفي سينوي لاعقل له!
كما ان اخطر شيء سعي الي تثبيته هو الاحتكام للمناهج الغربية الحديثة في احداث قطيعة مع الفقه الاسلامي او عمل خلخلة بطيئة لكنها فعالة في الوعي الاسلامي
هذا ماكان يجب كشفه حتي يتعرف المسلم علي قادة العلمانية الكبار وتعريضهم لنور النقد الاسلامي بايضاح خلفياتهم المذهبية الحقيقية والفكرية المنقولة استعبادا للغرب العلماني
كتبه
طارق منينة