بقلم سعد محيو
بيد أن المتنبئ الأول والأهم بسقوط الولايات المتحدة كان الشخصية نفسها التي كانت أول من تنبأ في العالم بسقوط الاتحاد السوفييتي: الفيلسوف وعالم الاجتماع والأنثروبولوجيا الفرنسي إيمانويل تود
لم يكن البروفيسور الروسي إيغور بانارين فريد عصره في التنبؤ باحتمال تفكك الولايات المتحدة إلى دول عدة. صموئيل هانتينغتون، شيخ القوميين الأمريكيين المحافظين، تتمحور كل كتبه ودراساته تقريباً حول الخوف على مآل اللحمة القومية الأمريكية (البروتستانتية البيضاء والناطقة بلغة واحدة هي الإنجليزية الشكسبيرية). وهو أصلاً صاغ نظرية “صدام الحضارات” لمحاولة إنقاذ القومية الغربية الأمريكية من التحلل الأخلاقي والإيديولوجي ومن ثم السياسي.
وقبل سنتين، كانت المؤلفة الأمريكية جويل غارو تصدر كتاباً يتحدث عن تفكك امريكا إلى تسع دول في كتاب حمل العنوان “الأمم التسع لامريكا الشمالية”. وعلى رغم أن جويل نشرت قبل أيام مقالاً في “واشنطن بوست” اعتذرت فيه عن تبني هذه الأفكار قائلة إنها نشرت الكتاب لمجرد جني المال، كما أنها حملت بعنف على بانارين، إلا أن الأفكار الواردة في كتابها حول وجود عناصر تحلل في المجتمع القومي الأمريكي كانت لها قيمة أكاديمية وموضوعية حقيقية.
بيد أن المتنبئ الأول والأهم بسقوط الولايات المتحدة كان الشخصية نفسها التي كانت أول من تنبأ في العالم بسقوط الاتحاد السوفييتي: الفيلسوف وعالم الاجتماع والأنثروبولوجيا الفرنسي إيمانويل تود.
ففي كتابه الذي عرضناه سابقاً في هذه الزاوية “ما بعد الامبرطورية: انهيار النظام الأمريكي” رأى تود أن الولايات المتحدة تحوّلت منذ ثمانينات القرن العشرين، ثم بالتحديد في الفترة بين 1990 و،2000 من دولة منتجة وصناعية ومكتفية ذاتياً، الى دولة مستهلكة غير منتجة ومعتمدة على العالم صناعياً ومالياً. وهو فسّر المحاولات الامريكية لإقامة امبراطورية عسكرية وسياسية على أنها دليل ضعف لا قوة. إنحدار لا صعود. فأمريكا تحاول عبر سلسلة الحروب التي تشنها ضد الأطراف الضعيفة في العالم (أفغانستان، والعراق، وتنظيم “القاعدة”) إرهاب القوى الكبرى الرئيسية في العالم (أوروبا، واليابان، وروسيا، والصين)، والإثبات لها بأنه لا غنى عن دورها للحفاظ على أمن النظام الاقتصادي العالمي.
بيد أن تود استنتج أن أمريكا لن تنجح في النهاية في إقامة هذه الامبراطورية لانها تفتقد الى أهم عناصر بناء الامبرطوريات: القدرات المالية والاقتصادية الكافية لتمويل التوسع الأمبراطوري؛ الإيديولوجيا العالمية القادرة على استيعاب كل دول العالم الأخرى بوصفها قوى متساوية الحقوق كما فعلت الامبراطورية الرومانية، وأخيراً العجز عن إرضاء القوى الكبرى الأخرى.
وتبعاً لذلك، توقع تود انهيار النظام العالمي الامريكي عبر أحد طريقين: انفصال محور فرنسا- المانيا واليابان وروسيا والصين (أي القوى الرئيسية في قارة أوراسيا) عن الزعامة الأمريكية وتشكيل تحالف مستقل ضدها، أو كساد كبير في البورصة المالية الامريكية سيكون أضخم بكثير من انهيار العام 1929.
حسناً. الكساد، أو شبه الكساد، يطل برأسه على المشهد الأمريكي منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وهو ينتظر أن يصل إلى ذروته خلال هذه السنة (2009) أو السنة التي تليها (2010)، الأمر الذي يثبت أن إيغور بانارين لم يكن يقرأ الكف حين حدد 2010 كموعد للحرب الاهلية الأمريكية وبالتالي لتفك الولايات المتحدة، بل كان يقرأ في معطيات اقتصادية ومالية وثقافية وإيديولوجية.
لماذا لم يتعرّض تود إلى الحملات العنيفة نفسها التي تعرض إليها بانارين؟
ربما لسبب يتيم: تود غربي يهودي، فيما بانارين شرقي روسي وبالتالي من السهل اتهامه بسوء النوايا وشر المقاصد. لكن، هل مجرد التعريض بمفكر روسي كافٍ لمنع تعرّض الولايات المتحدة إلى التحلل إلى ست جمهوريات؟
ربما، ولكن فقط في أذهان الحانقين الأمريكيين على بانارين.
المصدر
http://www.royaah.net/detail.php?id=62