بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اطلعت على المقال المنشور في جريدة الجزيرة للكاتب :
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ في يوم الأحد 06 صفر 1430هـ في العدد 13275 بعنوان : [
لفتة جيدة من الشيخ ] .
وخلاصة مقالة المذكور :-
يقول الكاتب مقدما مقالته بالثناء على الشيخ عبدالله بن منيع -حفظه الله- : " الشيخ
عبدالله بن منيع أحد أعضاء هيئة كبار العلماء كتب قبل أيام رسالة نشرت في وسائل الإعلام، وجهها إلى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما. الرسالة كانت مبادرة رائعة، ومشكورة، من الشيخ تدل على سعة علمه، وسعة أفقه، و إدراكه لمستجدات العصر، ما يتطلبه من مفاهيم تتواكب مع هذه المستجدات "ا.هـ
بينما حطَّ من شأن أخوة الشيخ عبدالله و زملاءه العلماء فقال : "
مشكلة بعض علمائنا (التقوقع) في الذات، ورفض الآخر، والميل للتشدد، و الفضاضة، وأحيانا التسفيه بالآخرين، واستخدام لغة التجهيل، وكذلك احتكار المعرفة، وفي المقابل نزعها من الآخرين ... "ا.هـ إلى آخر كلامه -هداه الله-، و الذي يصف فيه علمائنا بالعزلة وغير ذلك من مساوي الصفات.
ثم جعل ما قام به الشيخ عبدالله بن منيع -حفظه الله- تغيير إيجابي في طريقة ونمط علماء المملكة في التعامل مع الآخرين!! فقال : "
أن يبادر عالم من علماء المملكة إلى الفعل، فيمد يد التواصل إلى الرئيس الأمريكي الجديد، ولا ينتظر ليتحول إلى ( ردَّة فعل ) كما هو للأسف ديدن كثير من علمائنا، فهذا تغيير إيجابي لا يمكن لنا أن نقف له إلا مرحبين ومؤيدين"ا.هـ
ثم دندن حول واقع المتغيرات والأخذ بها بعين الاعتبار وجعل من لمن يتفاعل معها – بحسب فهمه – لا يمت للواقع بصلة فقال : "
ألا تأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار فأنت لا تمت للواقع ولا لفقه الواقع بصلة "ا.هـ
ثم بين سبب وصف علمائنا بما وصفهم به وهو لزومهم ما كان عليه السلف الصالح فقال: "
نحن نعيش في زمن يختلف تماماً عن زمن السلف رحمهم الله "ا.هـ
ولي مع هذين المقتبسات وقفات :
الوقفة الأولى :
الثناء على العلماء بين المنظار الشرعي والمنظار البدعي :-
الملاحِظ لكلام الكاتب – هداه الله- يلحظ أن ( مناط ) ثناءه على الشيخ عبدالله بن منيع -حفظه الله- و وصْفِه بـ : (
سعة العلم، وسعة الأفق، والإدراك لمستجدات العصر ) إرسال الشيخ رسالة للرئيس الأمريكي الجديد!
بينما جاء الحط من شأن بقيّة العلماء في مقابل ذلك وهو ما وصفهم به وبهتم بقوله (
التقوقع في الذات ... ) إلى آخر كلامه.
والسؤال :
ما هو المناط الشرعي – لا البدعي - الذي يتحقق به الثناء على العلماء ؟
الجواب : هو ما جاء في كتاب الله الكريم وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد أبانت الشريعة هذا أتم بيان، وفصَّلته بما لا يدع لصحاب هوى أو جهل أن يخلط بين ما يرفع العالم وما لا يزيده رفعة .
ومن ذلك :
قال الله تعالى : {
شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم }[ آل عمران:18 ] قال ابن كثير رحمه الله : "
شهد تعالى وكفى به شهيداً وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم وأصدق القائلين { أنه لا إله إلا هو } أي : المنفرد بالألهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه وهو الغني عمَّا سواه كما قال تعالى: { لكن الله يشهد بما أنزل إليك } الآية، ثم قرن شهادة ملائكته وألي العلم بشهادته فقال : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة أولوا العلم } وهذه خصوصيّة عظيمة للعلماء في هذا المقام "ا.هـ
فالله تعالى، شهد على نفسه أنه لا إله إلاَّ هو وأنه قائم بالقسط والعدل كامل القيّومية، وأنه عزيز في حكمه، حكيم في قضائه، وكفى بالله شهيداً، ثم أشهد على ذلك ملائكته الكرام، و أولي العلم . فأي منزلة لأهل العلم أرفع من هذه؟!
وفي هذا دلالة وتنبيه لمهمَّة أهل العلم وهي : القيام بحقوق هذه الشهادة وهي البلاغ. وذلك ببلاغ التوحيد، وإرشاد الناس إلى ما يعتقدونه في ذات الله وأسمائه وصفاته، وأفعاله، و ألوهيته، وما يجب عليهم في ذلك وما يتبع ذلك من لوازم ومقتضيات ومكملات.
وهذا مناط علو شأن أهل العلم، ومرتكز الثناء عليهم، ومتى أخل العالم بهذا فَقَدَ مما يرفع شأنه عند الله بحسبه.
هذه هي مهمتهم، وهي مهمَّة الرسل كما قال الله تعالى : {
ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا واجتنبوا الطاغوت } [ النحل : 36 ]
و قال تعالى : {
وما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } [79 آل عمران ] قال ابن سعدي رحمه الله : "
ربانيين : أي علماء حكماء حلماء معلمين للناس ومربيهم بصغار العلم قبل كباره ، عاملين بذلك ، فهم يأمرون بالعلم والعمل والتعليم التي هي مدار السعادة ، وبفوات شيء منها يحصل النقص والخلل والباء في قوله : { بما كنتم تعلمون } إلخ ؛ باء السببية أي : بسبب تعليمكم لغيركم المتضمن لعلمكم ودرسكم لكتاب الله وسنّة نبيه التي بدرسها يرسخ العلم و يبقى وتكونون ربانيين "ا.هـ
و الشيخ عبدالله بن منيع -حفظه الله- عالم شهد له الكبير فبل الصغير، والعالم قبل المتعلم بما ذكرنا من هذا الوصف العظيم والبيان الواضح لمهمة العلماء.
وإنما أردا الكاتب –هداه الله- (
نفخ ) ما قام به الشيخ – مشكوراً – (
للحط ) من أقدار علماء آخرين، وهذه الرسالة من الشيخ ابن منيع حفظه الله أمر يحمد له، و مع ذلك لا يذم من تركها، أو ترك مثلها، أو يوصف بما وصف الكاتب العلماء بالتقوقع على الذات وغير ذلك، مما لا يليق أن يوصف به أدنى رجل لا يملك من العلم شيئاً فكيف بعلماء الشريعة، الذين يحفظ لهم جهدهم في العناية بها وبيانها للناس ودلالتهم على ما يقربهم إلى الله، وما يباعدهم منه.
ومع ذلك : فإن العالم إذا أبان للناس ما ينفعهم من أمر دنياهم حُمد له، ولكن لا يعد ترك ذلك منقصَة ما أقام الحق، وسعى في بيانه.