أحبتي الكرام وإخوتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة وبعد...
أبين لكم حفظكم الله في هذه العجالة من الأسطر، ما قد يزيل لبس ووهم ما طال من كلام حول وصف الله تعالى بـ(القديم) وإطلاقه عليه، مما دعا بعض الأخوة إلى الاستعجال في التكلم عن هذه المسألة بدون تحقق ولا تثبت، بل رأى المسألة من وجه وتركها من وجهها الآخر، على أن الكلام عليها وتقريرها وإثباتها مما تواطأ عليه أهل العلم المعتبرين، وهذه كتبهم طافحة بوصف الله فيها بها، وقد حصرت تقديرا لا تحديدا أكثر من عشرة مصادر مختلفة كل مؤلفيها يستخدمون هذه الكلمة في وصف الله تعالى، وإليك أخي الكريم غيض من فيض حول ما قرره العلماء حول هذه اللفظة:
قبل أن نبدأ أقول: كل من نفى هذه اللفظة نفاها لسبب أنها لم تثبت لا في الكتاب ولا في السنة، وعليه نقول: فإذا ثبتت في أحدهما فهل تذعن؟ وقد جرى على هذا ابن حزم رحمه الله كما في الفصل، وغيره من أهل العلم.
فأقول وبالله التوفيق:
قال الامام البيهقي: وأخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل رحمه الله أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا حدثني حميد بن الربيع حدثني خالد بن مخلد حدثنا عبد العزيز بن الحصين ثنا أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها كلها دخل الجنة الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البادي الأول الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي الحميد المغيث الدائم المتعالي ذو الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجليل الصادق الحافظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر القدير المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجميل". (الاعتقاد ص51).
وقال الحاكم في (المستدرك): حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا الأمير أبو الهيثم خالد بن أحمد الذهلي بهمدان ثنا أبو أسد عبد الله بن محمد البلخي ثنا خالد بن مخلد القطواني حدثناه محمد بن صالح بن هانئ وأبو بكر بن عبد الله قالا ثنا الحسن بن سفيان ثنا أحمد بن سفيان النسائي ثنا خالد بن مخلد ثنا عبد العزيز بن حصين بن الترجمان ثنا أيوب السختياني وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة الله الرحمن الرحيم الآله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبديء المعيد النور الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب القادر الأحد الصمد الكافي الباقي الوكيل المجيد المغيث الدائم المتعال ذو الجلال والاكرام المولى النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القدير الهادي الشاكر الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق الكفيل الجليل الكريم" هذا حديث محفوظ من حديث أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مختصرا دون ذكر الأسامي الزائدة فيها كلها في القرآن وعبد العزيز بن الحصين بن الترجمان ثقة وإن لم يخرجاه وإنما جعلته شاهدا للحديث الأول.
وقال اللالكائي: أخبرنا علي أنا الحسين أنا عبد الله بن محمد ثنا أحمد بن إبراهيم عن غسان بن مفضل عن العباس بن زريق السلمي وقد أدرك مالكا قال: كانت امرأة قد أصابه الماء الأصفر في بطنها فعظمت ليتها فأتت مالكا فقالت: يا أبا يحيى ادع الله لي. فقال لها: إذا كنت في المجلس فقومي حيث أراك. فأتته في مجلسهم فقال لأصحابه: إن هذه المرأة قد ابتليت بما ترون وقد فزعت إلينا فادعوا الله لها فرفع مالك يده ورفع القوم أيديهم فقال: يا ذا المن القديم يا عظيم يا من لا إله إلا أنت عافها وفرج عنها. فانخمص بطنها وعوفيت فكانت تكون مع النساء تحدثهم. (كرامات الأولياء ص217).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".
وفي حديث آخر: "أعوذ بوجه الله الكريم وباسم الله القديم وبكلماته التامة من شر السامة واللامة ومن شر ما خلقت أي رب ومن شر هذا اليوم ومن شر ما بعده ومن شر الدنيا والآخرة".
وقال ابن ابي الدنيا: حدثني أبو الخطاب زياد بن يحيى حدثني عبد الله بن بكر السهمي حدثني رجاء بن سفيان قال: كان رجل على عهد عبد الملك بن مروان إذ جاءه عبد الملك فجعل يسيح في البلاد ولا يؤويه أحد فبينا هو في سياحة إذا هو برجل في حفرة أو في واد يصلي فلما رآه يطيل الصلاة استأنس به فجاء حتى قام خلفه فصلى ركعتين ثم قعد وصلى الآخر ثم أقبل علي فقال: يا عبد الله من أنت؟ أو ما أنت؟ قال: أنا رجل من هؤلاء الناس قد أخافني الخليفة وطردني فليس أحد يؤويني وأنا شيخ كما ترى. قال: فأين أنت من السبع؟ قال: أي سبع رحمك الله؟ قال: أن تقول سبحان الواحد الأحد الذي ليس غيره إله سبحانه الدائم الذي لا نفاد له سبحان القديم الذي لا بدء له سبحان الله يحيي ويميت سبحان الله كل يوم هو في شأن سبحان الله خلق ما يرى وما لا يرى سبحان الذي علم كل شيء من غير تعليم اللهم إني أسألك بحق هذه الكلمات وحرمتهن أن تعطيني كذا وكذا. قال: فأعادهن علي حتى حفظتهن. (الهواتف ص56).
وقد سئل الامام أحمد رحمه الله: هل الموصوف القديم وصفته قديمان فقال هذا سؤال خطأ لا يجوز أن ينفرد الحق عن صفاته ومعنى ما قاله من ذلك أن المحدث محدث بجميع صفاته على غير تفصيل وكذلك القديم تعالى قديم بجميع صفاته. (اعتقاد الإمام المبجل ابن حنبل(ذيل طبقات الحنابلة) ج1/ص299).
وقال الشاطبي: وثانيهما أي ثاني الأمرين من مباحث القديم أنه يوصف به أي بالقدم ذات الله تعالى اتفاقا من الحكماء وأهل الملة ويوصف به أيضا صفاته عند الأشاعرة ومن يحذو حذوهم فإنهم أجمعوا على أن لله سبحانه صفات موجودة قديمة قائمة بذاته تعالى. (المواقف ج1/ص371).
وقال العلامة المناوي: القديم: يطلق على الموجود الذي ليس وجوده مسبوقا بالعدم وهو القديم بالذات والقديم بالذات يقابله المحدث بالذات وهو ما يكون وجوده من غيره كما أن القديم بالزمان يقابل المحدث بالزمان وهو ما سبق عدمه وجوده مسبقا زمانيا فكل قديم بالذات قديم بالزمان ولا عكس فالقديم بالذات أخص من القديم بالزمان فيكون الحدوث بالذات أعم من الحدوث بالزمان.
القدم الذاتي: كونه الشيء غير محتاج إلى الغير.
القدم الزماني: كونه غير مسبوق بالعدم كذا قرره ابن الكمال وقال الراغب القدم الحقيقي ما لم يسبقه عدم وهو المعبر عنه بالقدم الذاتي المختص بالباري تقدس والقديم ما لا يسبق وجوده عدم وهو معنى قولهم ما لا ابتداء لوجوده. (التعاريف ج1/ص576).
هذا توضيح موجز بسيط في بيان تقرير المسألة، فلعله يجلو كثيرا مما قد علق في الأذهان حول هذه اللفظة.