بسم الله الرحمن الرحيم
الليلة الفائتة تابعت بعضاً من لقاءٍ جرى على قناة المستقلة ، مِن لقاءات الحلم العربي الكبير ، الذي تنظمه القناة هذه الآونة ..
كان ضيوف اللقاء في الاستوديو : د . علي الجهني من السعودية ، مؤيداً للمرشح الفيصلي ، و د. مهدي السعيد من العراق ، مؤيداً للمرشح اليساري ( عبد الكريم قاسم ) .
أما الضيوف من خارج الاستوديو فهم د . محمد النجيمي ، و د . محمد آل زلفة ، وكلاهما فيصليان .
هذه اللقاءات بصفة عامة تكشف المدى الحقيقي ( الكبير ) لمصاب الأمة العربية في رجالاتها ، خصوصاً في مجال الفكر والثقافة ، فإن تلك النخب - التي من المفترض أن تسهم في النهضة وتقود الأمة نحو هويتها بوحدة واجتماع - تعاني أشد المعاناة من جرثومة التفرق والتحزب والانشطارات التي ليس لها نهاية ، بل كل ما عنَّ لقائد ما فكرة ، أنشأ لأجلها حزباً ، وصارت له موالاة ، وعليه معاداة ، وهلم جرا في مسلسل مضحك مبكي !
وليس بخاف على من له عينين ما يتكئ عليه الغالب منهم من فلسفات فكرية ، حتى أضحى المتكئون على الإسلام حقيقة قلة ، ويقولونها على استحياء ، والآخرون جعلوا الإسلام أمنيات ، ودعايات ، تناقضها وتكذبها الحقائق الواقعة .
على كل ٍ ، فإني ما كتبت هذا الموضوع إلا لأجل الكلام عما يخصنا في بلاد الحرمين ، فإن الحلقة المشار إليها آنفاً حظيت بنقاش مسألة بالغة الخطورة ( الإعلام السعودي ) كان محور أخذ ورد ، ونقاش ساخن ، ومؤلم ، ومؤسف ، ومخزي !
خرجت الشرارة من ضرب حجري النجيمي وآل زلفة ، وكان النقاش بينهما حول سلفية الدولة السعودية ، التي كان ينكرها زلفة ثم عاد ليقرها واصفاً إياها ( بالمنفتحة ) ، وما كان ليعود لولا أن حاصره النجيمي بنصوص لزعماء الدولة رحم الله من مات وأصلح من بقي ، وكان آخرها كلام للأمير نايف - قبل أيام - أكد فيه على منهج الدولة والشعب : الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح .
باشر د . علي الجهني ، التعليق على هذه الجزئية ، وأبدى فرحه بكلام الأمير نايف ، لكنه يتألم حينما يرى الواقع في التلفزيون السعودي ، ويرى التنكر لمنهج الدولة ومنهج أهل السنة من قبل الإعلام ، و أنه لا يعمل على غرس القيم والمثل في نفوس الناشئة ، حتى صار كثير منهم يجهل التاريخ ولا يهتم به ولا يعرف رجاله ... الخ ما قال .
لا يهمني اعتراض آل زلفة على هذا الحديث ، ولكن المؤسف المخزي حينما يعترض رجل بحجم الدكتور النجيمي ، يمثل الرأي الفقهي والشرعي ، و يوصف بأنه الرجل الذي يحمل السلفية ويدافع عنها في الفضاء ، لقد كان اعتراضه أولاً : بأنها مسائل فرعية يمكن حلها في الداخل ، وليته سكت عند هذا الحد !
تكلم من يصف نفسه بالليبرالي التقدمي اليساري د . مهدي السعيد ، ونطق بالحق ، فوصف الإعلام السعودي بأنه فاشل ، فهو لا يقدم السعوديين ورسالتهم إلى العالم بل يقدم نساء العرب ويتفنن في عرض أجسادهن ، بمليارات كان الأولى أن تصرف للدفاع عن الأمة العربية خصوصاً في فلسطين ... الخ كلامه الذي يستحق الإكبار ، لولا أن صاحبه يتكئ على فلسفة ترى الخير في تصرف الفرد الحر وما يعود عليه بالنفع .
وكانت الباقعة التي آسفتني ، حينما دافع النجيمي ضد هذه التهم بأن الإعلام الذي يقوم عليه سعوديون ، ويبث من الخارج لسنا مسؤولين عنه ، فمن خرج خارجاً فليفعل ما يشاء ، وولي الأمر ليس ملزماً ( شرعاً ) ولا قانوناً بمنعهم !!
هتف الدكتور الجهني - جزاه الله خيراً - بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ... " الحديث فكأنما سكب على النجيمي ماءً بارداً ، إلا أنه قد استمر في موقفه الدفاعي الذي لا يشرف العلماء وطلبة العلم !
قال العراقي كلاماً يسطر بماء الذهب ، وجهه إلى الاثنين النجيمي وآل زلفة ، أوضح فيه مسؤوليتهما كمثقفين ورجلا ثقافة ، وسائر من ورائهما من الرجال السعوديين أعضاء الشورى والعلماء في مواجهة هذا المنكر وخطاب ولي الأمر بضرورة إزالته ، وكان يرشدهما إلى واجبهما !
وضرب مثالاً لمن يقول : ليس بقدرة ولي الأمر منعهم ، بأن ولي الأمر قد منع هذه القنوات من لقاء المنشقين السعوديين ، أو نشر أخبارهم ، فكيف لا يمنع ما يسوء السعوديين ، خصوصاً وأن من يقوم عليه أمراء ومقربين للملك سلطة عليهم ؟ !
لقد أزعجني كلام النجيمي غاية الإزعاج ، وبرزت في ذهني الحاجة الملحة لعلماء وطلبة علم يحملون منهج السلف لا يضغط عليهم ضاغط ولا يحكمهم حاكم غير كتاب الله وسنة رسوله ، فكيف نريد للناس معرفة الحق الذي جاء من عند الله ، ونحن لا نقدم لهم أمثال هؤلاء الرجال يعلمونهم ، ويقيمون الحجة ، ويرفعون للحق مناراً في الفضاء !
مع كامل احترامي لجهود د . النجيمي ، التي تذكر فتشكر ، إلا أنه ما كان موفقاً في حديثه البارحة ، وكان بودنا لو قام بواجبه في الانكار ، فلو قام العلماء بهذا الواجب ، لفطن له الناس ، ولو فطن الناس لهذا المنكر ، لفطن له ولي الأمر ، ولصار السعودي - فضلاً عن كبارهم - يخشى ما يشوه سمعة الإسلام ويسيء للبلد الحرام .
( شيء يزرع الحزن في الصدر ) قالها جزائري متصل على البرنامج ، كان يرى في المملكة قبلة الإسلام والمسلمين ، وكان يصف بها : ( السعوديين الذين على الهاتف يدافعون عن الإعلام ) !