تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لبّيكِ أختاه المتحجّبة التّونسية ج1

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    147

    افتراضي لبّيكِ أختاه المتحجّبة التّونسية ج1

    لبّيكِ أختاه المتحجّبة التّونسية !
    (1/3)



    - المقدّمة... صرخة حرّة
    - رسائل أخرى...
    - واقع الحجاب بين بلاد النّصارى و بلد الزّيتونة
    - قصّة معاناة
    - المتحجّبات يحكين معاناتهنّ...


    بسم اللّه و الحمد للّه ربّ العالمين، الحمد للّه الّذي جعل المؤمنين إخوة بعضهم أولياء بعض.
    و الصّلاة و السّلام على محمّد خاتم النبيّين و إمام المرسلين القائل: (( المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يكذبه و لا يخذله ))، و على آله و أصحابه و أتباعه إلى يوم الدّين، أمّا بعد.


    المقدّمة... صرخة حرّة

    لا يزال صوت تلك الفتاة الّذي انتشر عبر الشّبكة العنكبوتية -الإنترنت- و هي تجهش بالبكاء مناديةً يهزّ صدورنا؛ نداء امتزَج بدموع تقطِّع القلب و عبارة تقرع الآذان...، عبارتها كما وردَت: "وا خليفتاه أنقِذْني مِن هذا الطّاغوت! الّذي كشف عورتي و نزع عنّي خماري و جلبابي! و قال لي هذه خِرَق ترمز للتطرّف و الطّائفية،..."، نداء يلخّص مأساة و معاناة الكثير مِن الأخوات التّونسيات العفيفات الطّاهرات البارّات التقيّات، اللاّتي يعانين ظلما و ضَيما منذ عشرات السّنين، لا لشيء إلاّ لأنّهن استجبن للنّداء الربّاني و ارْتَضين الحجاب زينةً و سِتراً.
    متحجّبات ما عَرفن السّياسة يوما و لا خُضن غِمارها و لا ركبن جِمالها، يُطارَدْن شرّ مطاردَة و يُمانَعْن أشدّ مُمانَعة، و كأنّ تحت خمارهنّ قنابل موقوتة و تحت حجابهنّ أحزمة ناسفة يُهدِّدْن بها مَن يقربهنّ! و أكثر المُسْتهدفات بالمطاردَة و الممانعة طالبات المعاهد و الجامعات و الثّانويات؛ يُؤكّد هذا الرّسائل الكثيرة الصّادرة منهنّ و الّتي يستنجدن فيها بالعلماء و المنظّمات الحقوقية و وسائل الإعلام...


    رسائل أخرى...

    و لعلّنا نَذكر بعض تلك الرّسائل الحاكية لقصّة هذه المعاناة كما جاءت على ألسنة صاحباتهنّ، لعلّها ترفع شكَّ صاحب شكّ و تُحرّك قلبَ صاحب قلب، فيُسعى سعيا حكيما لردّ حقّ ضُيِّع و رفع باطل سُلِّط، و إنّا و اللّه لَعلينا لهؤلاء الأخوات مِن النّساء و الفتيات حقّا؛ فإنّهنّ وصيّة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم لنا بقوله في حجّة الوداع: (( استوصوا بالنّساء خيرا )).
    فهذه فتاة تُوجّه رسالة متقطِّعَة الجُمل مقَطِّعة المشاعر؛ خلاصتها: "ما إنْ تضع أخت محجّبة ساقها على عتبة الباب... حتّى يهبّوا نحوها و يصرخوا في وجهها: انزعي الحجاب أو لا تدخلي!... أريني شعرك و رقبتك و ادخلي!!!. في الحقيقة يتيسّر لنا أحيانا أن نتسلّل... و لكنْ إذا ضُبطت إحدانا داخل الكلّية مرتدية الحجاب، فيجبرونها على توقيع إلتزام... حتّى إذا أعادت الكَرّة تُطرد مِن الجامعة!!! هذا حالنا... أمّا حال المدارس و المعاهد... فلا مجال للتسلّل أو حتّى المحاولة... و الكثير مِن الأخوات تَرَكن الدّراسة و وقعن في المشاكل مع عائلاتهنّ... لا أدري... أقول لكم فعلا... أنّي كرهت الخروج مِن البيت... لقد سمحوا لنا مؤخّرا بارتداء المحرمة التّونسية... و لكنّها... وجودها كعدمها... فهي تغطّي الرّأس ثمّ تُربَط على العُنق بحيث لا تغطّي الصّدر و الكتفين... و صار هذا و للأسف مُحتَّما علينا ارتداؤه أينما ذهبنا... هل تريدون المزيد ...!!! هذا ما نعانيه كلّ يوم... نسألكم الدّعاء... فوالله مازال الشّيء الكثير... لم نسمع عن أيّ تحرّك أو مبادرة مِن أيّ دولة عربية مسلمة!!! و لا حتّى كلمة يندّدون بها على الموقف!!! ألا يهمّهم أمرنا!!! أم أنّ المصالح الاقتصادية ألجمتهم... إنّا لله و إنّا إليه راجعون... لا نريد صمودا على السّاحة العربية و الإسلامية... فهذه قضية الأمّة... و ليست قضية تونس فقط... نحن نحتاج إلى يد تمتدّ إلينا بالمساعدة... فلو تُركنا لحالنا... فلنْ تقوم لنا قائمة... و لنْ يُدافع عنّا أحد... فنحن مكبَّلون بقيود مِن حديد... نريد صرخة تعيد إلينا حريّتنا الّتي لم نعرفها قط... نُريد مُساندة... أين حتّى علماء المسلمين عن هذا الواقع المدمي؟؟ يا قارئ خطّي لا تبكي على موتي... فاليوم أنا معك و غداً في التّراب، فإنْ عِشتُ فإنّي معك و إن مِتّ فاللذّكرى...! و يا مارّاً على قبري لا تعجب مِن أمري... بالأمس كنتُ معك و غداً أنت معي... أموت و يبقى كلّ ما كتبته ذِكرى. فيا ليت كلّ مَن قرأ خطِّي دعا لي".هـ.
    و هذه رسالة صدرت في آخر العام الماضي مِِن طالبة تروي فيها قصّتها، و لم نُرِد و اللّه اختصارها و لا التصرّف فيها رغم طولها؛ إنّه صراخ على ورق أَبينا الإمساك على حنجرة صاحبته، تقول الأخت الفاضلة: "إنّي الطّالبة زينب بوملاسة، سنة ثانية ثانوي، أدْرُس بمعهد الامتياز الواقع بمنطقة السّواسي الجديدة مِن ولاية منوبة، متحصّلة على معدل 18.38 و أُعَدُّ الأولى في المعهد خلال السّنة الفارطة، إنّني و بشهادة جميع أصدقائي و جميع أساتذتي تلميذة ممتازة سلوكا و عملا، لم تكن لي في أيّ يوم مشكلة مع أيّ شخص سواء في المعهد أو خارجه، لكنّني أرى نفسي اليوم و مِن دون سبب أُطرد بثلاثة أيّام بتَعِلَّة سوء السّلوك و عدم الامتثال لأوامر الإدارة، إنّني أرى نفسي مُهانة كما لو أنّي مِثل أيّ طالب تعدّى حدود اللّياقة و الأدب، فأين أنا مِن كلّ هذا ؟ أيُمكن لأحد أن يشكّ في حُسن أخلاقي و أنا الطّالبة المِثال في المعهد؟ سأخبركم بقصّتي؛ أنا طالبة عادية مِثلي كمِثل بقية زملائي في المعهد، أنا طالبة شاءت كما شاء غيرها ارتداء الحجاب لتطبيق أوامر الله سبحانه و تعالى، ليست لديّ أيّة خلفيّة سابقة، ارتديت الحجاب مع الحرص على عدم نزعه في أيّ ظروف كانت، لكن قصّتي انطلقت مع بداية العودة المدرسية حيث مُنعتُ في البداية من التّرسيم في المعهد و أنا أجدر التّلاميذ بذلك، و مُنعت مِن مباشرة دراستي في اليوم الأوّل حتّى وصلنا إلى حلّ وسط بيني و بين مدير المعهد و هو (الفولارة التونسية) و أمضيتُ التزاما بعدم ارتداء غيرها، و مرَّت أيّام و أنا ممتثلة لما أمضيتُ و إذا بي اليوم أُعرَّض للطّرد مِن قِبل مدير المعهد لا لشيء سوى لأنّني أرتدي هذه الفولارة؛ منعني مِن الدّخول و أمرني بالخروج بتَعِلَّة أنّه صاحب المؤسّسة، و أنّه القانون و أنّ مِن حقّه فعل ما يريد دون أن يُناقَش، رفضتُ الخروج و تمسّكتُ بحقّي الطّبيعي في مزاولة دراستي، لكن المدير عادل الفهري، أخذ يصرخ في وجهي بكلّ عنف قائلا و مكرِّراً: "برّا روّح" (كلمة فظّة في سياقها و تعني طرد الطّلبة)، أجبته في كلّ مرّة بأنّني جئت لمزاولة دراستي وليس لأنْ "نروّح"، و قلتُ له بأنّني لنْ أغادر ما دام لي الحقّ في الدّراسة، أخذ يصرخ مرارا و تكرارا و مع عدم انصياعي لكلامه في كلّ مرّة، نظر إلى القيِّم العام و أمره بأنْ يرفتني بثلاثة أيام لمجرّد أنّني أبَيْت الخروج مِن المعهد و أنا أرتدي الفولارة التونسية، خرجتُ و توجّهتُ مباشرة رفقة والدتي -و هي أستاذة تزاول عملها بنفس المعهد الّذي أدرس فيه- إلى الإدارة الجهوية للتّعليم بمنوبة، تقدّمَت والدتي الّتي تعاني هي الأخرى من ظلم مدير المعهد على جميع المستويات بشكوى إلى المدير الجهوي لينصفها و ينصف ابنتها، فإذا به يرفض ويقول حرفيا: "حتّى لو عندها 20.6 معدّل ماتدخلش بمحرمة يعني ماتدخلش" (يعني لا يمكن لها مواصلة تعليمها ما دامت مصرّة على تغطية شعرها حتّى لو كان معدّلها الدّراسي مرتفعا)، صُدِمَت أمّي بهذا الكلام وهي الّتي رأت أنّ صفتها كممثّلة للنّقابة في المعهد، و أنّ كُره المدير لها هو السّبب في ما فعله بي خاصّة، أصيبت أمّي بانهيار عصبي ممّا استوجب لها راحة لمدة 17 يوما و هي الآن طريحة الفراش لما أحسّته مِن وَقْع الظّلم عليها. أمّا أنا فعند عودة أخي مِن الدّراسة و هو يدرس في نفس المعهد، أخبرني بأنّه تمّ رفتي بثلاثة أيام بسبب سوء السّلوك و عدم الامتثال لأوامر الإدارة، و تمّ تعليق هذا الإعلان في سبّورة المعهد ليقرأه جميع التّلاميذ و أنا الأولى في المعهد و أمّي أستاذة و حاملة لشهادة دكتوراه، أُصِبتُ في تلك اللّحظة بموجة مِن البكاء و لم أَقدِر أنْ أتماسك نفسي فأنا الّتي لم أُطْرد يوما مِن أيّة حصّة و أنا الّتي يشهد الجميع بحسن سلوكها أُطرد اليوم بسبب سوء السّلوك، أُصِبت فورا بانهيار عصبي استوجب راحة لمدة 10 أيام. هذه كلّ قصّتي أرويها بكلّ صِدق، فانظروا فيها و أنْصفوني بالله عليكم إنْ كنت صاحبة حقّ رغم أنّه لاشكّ في ذلك. ملاحظة: رسالتي هذه صورة مصغّرة لما تعانيه فتيات تونس مِن ظلم و قهر، هي على ذِمَّتِكم لكم أنْ تنشروها في أيّ موقع شئتم عَسانا نجد يداً رحيمة تَمسح دموع طفولتنا المهدورة و لكم الشّكر. زينب بوملاسة".اهـ.
    إنّها رسائل الكثيرات مِن النّساء و الفتيات التّونسيات، مدرّسات و طالبات و عاملات، شققن الفضاء بصراخهنّ، باكيات حجابهنّ، مناديات و لا مُجيب، مستغيثات و لا مُغيث...
    لو حدث هذا في بلد غربي لا يدين بالإسلام، و ربّما كَنّ بعض أهله حِقدا صليبيا على دين الإسلام و أهله و ما يرمز إليه؛ لتعجّب المرء مِن ذلك لِما يعرفه عن الغرب مِن ادّعاءٍ للدّيمقراطية و كفلٍ للحرّيات، فكيف يكون الحال لو حدَث هذا في بلد يدّعي الدّيمقراطية و ينتسب إلى الإسلام في آن واحد! و الحقيقة المرّة هو هذا ما حدث و يحدث...


    واقع الحجاب بين بلاد النّصارى و بلد الزّيتونة

    يحدث هذا في بلد مسلم في الوقت الّذي يجد المسلمون حرّيتهم الكاملة في التديّن و إظهار شعائر الإسلام بما فيها الحجاب الشّرعي الكامل، في بلدان غربية لا تدين بالإسلام، بل يقع الدّفاع عنهم مِن أعالي أهرام سلطات تلك البلدان أحيانا إذا ما ضُيِّق عليهم أو أُحرِجوا في ذلك!.
    و ها هو مثلا وزير العدل الإسباني ماريانو فيرنانديز بيرميخو؛ صرَّح مؤخَّرا بأنّ حجاب المرأة المسلمة في إسبانيا لا يُعَدّ مشكلة و هو أمر مشروع تماما.
    كما أكّد رئيس الوزراء التّركي رجب طيّب أردوغان؛ رفضه قرار المحكمة الدّستورية العليا الذي منع ارتداء الحجاب في الجامعات، رغم ما تُعرف به تركيا بعلمانياتها الأتاتوركية الشّديدة!.
    و ها هي أسماء عبد الحميد الفتاة الدّانماركية المسلمة المتحجّبة الفلسطينيّة الأصل، تُقدّم برنامجا متسلسلا على القناة الدّانماركية الثّانية و هي في كامل حجابها.
    و ها هنّ النّساء المسلمات في بريطانيا يؤدّين عملهنّ في سلك الشّرطة و هنّ متحجّبات!.
    بل أعلنت شركة (نورتورا) النّرويجية للصّناعات الغذائية مؤخّرا؛ أنّها ستعتمد للمرّة الأولى في هذه الدّولة الاسكندنافية حجابا إسلاميا يستخدم مرّة واحدة و يُلقى بعد ذلك، في محاولة منها للتّوفيق بين المعتقدات الدّينية للموظّفات المسلمات و بين متطلّبات القواعد الصحية. و قالت نينا سوندكفيست مديرة الاتّصالات في الشّركة "إنّه لأمر هام بالنّسبة لنا أنْ نُكيّف ظروف العمل مع تنوع العاملين"، و أضافت: "نحن نريد تمكين المسلمات العاملات في مصانعنا مِن ارتداء ملابس مهنية تنسجم في وقت واحد مع ممارساتهنّ الدّينية و مع القواعد الصحية".
    و في لقطة تاريخية نالت الأميرة الرّاحلة ديانا تقدير الكثير من شعوب العالم الإسلامي؛ لمّا غطّت رأسها عند زيارتها لبعض الدّول الإسلامية، فعلت ذلك مختارة محترِمةً منزلة الحجاب لدى المسلمين في بلدانهم و لم تكن مسلمة!.
    و سُجّل للمفوّضية العليا لحقوق الإنسان في أحد تقاريرها أمام مجلس الأمن؛ أنْ اعتبرت أنّ الموقف الفرنسي السّلبي في حقّ النّساء اللّواتي يرتدين الحجاب الإسلامي داخل المدرسة أو الجامعة أو أماكن العمل الحكومية، قد أدّى إلى عدم التّسامح الدّيني معهنّ خارج هذه الأماكن. كما طالبت لجنة حقوق الطّفل التّابعة للأمم المتّحدة مِن نفس البلد -فرنسا-، أنْ تتصرّف بطريقة لا تجعل تنفيذ قانون حظر الرّموز الدّينية في المؤسّسات العامّة يُؤدّي إلى طرد تلميذات مِن المدارس، في إشارة مِن اللّجنة إلى مَنع ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية، و أوصت اللّجنة بأنْ تضمن الدّولة عدم انتهاك الحقوق الفردية و طرد الأولاد مِن المدارس أو إبقائهم على هامش النّظام التعليمي بفعل مثل هذا القانون، مذكِّرةً إيّاها بحقّ الولد في التّعليم.
    سبحانك ربّي! تونس الّتي دخلت تحت الحكم الإسلامي في وقت مبكّر قبل أن تصبح منطلقاً لجيوش الإسلام بعد ذلك، تونس مهد البطولات و منبع الإصلاح و الدّوحة الفاضلة مِن الجامعات العريقة الّتي نشرت النّور في العالم بأسره، تونس الحضارة و النّهضة الإسلامية على مدى قرون خلت، تونس القيروان المدينة الكبيرة عِلما و حضارة، تونس الجوامع العلمية و جامع الزّيتونة الشّهير، تونس ابن خلدون و الطّاهر ابن عاشور، تونس القِبلة التّاريخية للعلماء و مَهوى طلاّب العِلم...؛ تتنكّر لما يرمز إلى تراثها ذي البعد التّاريخي الأصيل و تضيّق عليه الخناق في الوقت الّذي يُحتضَنُ و يُحترم في بلدان غير إسلامية، تتنكّر لرمز الحِشمة و العفاف مطارِدةً الحجاب في أرضه و بين أهله!!!.


    قصّة معاناة

    لقد تسامع النّاس عن حجم هذه المعاناة منذ مدّة، و لعلّ مِن حقّ القارئ الّذي لم يسمع عنها أو سمع و لم يرى تفاصيلها، أنْ نزوّده ببعض الأخبار عنها و الأحداث مِنها عساه يفعل خيرا أو يقول خيرا؛ أخبار و أحداث نرسمها بمداد دموع أخوات فاضلات، ساردين آخر حلقات و صور معاناة لها ما قبلها و ما بعدها، و لعلّ كلّ حلقة و صورة هي صيحة و نداء لذوي الضّمائر الحيّة و القلوب الرّحيمة و العقول الرّشيدة و الأيادي الحانية، الّتي قد يتحقّق على أياديها أمل بعد ألم، و يحصل مِن بينها خير بعد شرّ، و يتيسّر على سبيلها فرَج بعد شدّة، و يبزغ في أفقها فجر بعد ليلة ظلماء.
    و الحقيقة أنّ مِن قوّة جلاء القضية لم يَعدْ يُحتج فيها إلى استيضاح و تبيّن، صحيح أنّه قد تُضخّم الحادثة و المعلومة الواحدة أو يُزاد فيها أحيانا، بل قد تُختلق مِن أصلها، لكنْ أنْ يضخّم الكلّ أو يُزاد فيه أو يُختلق فهذا ضرْب مِن المستحيل، و ليست العبرة بكثرة تلك الحوادث و قلّتها أو شدّة المعاناة و خفّتها، و إنّما العبرة بدمعة ذُرفت مِن أخت تبكي حجابها و نداء حرّة تستحفظ عرضها...، حتّى و لو كانت دمعة واحدة و نداء واحد مِن أخت واحدة؛ فإنّ أعراض أهل الإسلام غالية و أعراض نسائهم أغلى! و إنْ كذب الكلّ و الجمع افتراضا، فلنْ تكذب تلك المنشورات الرّسمية الّتي تحظر الحجاب في تونس مسمّية إيّاه بغير اسمه، و لا يغرنّ أحد رؤية صورة الحجاب منتشرة في شوارع تونس و أزقّتها -رغم نيله حظّا مِن التّضييق أحيانا في أوقات خاصّة-، فإنّ الحرب على الحجاب بالحظر و المنع إنّما هي معلنة في الجامعات و المعاهد و الثّانويات و المستشفيات و سائر المؤسّسات الرّسمية، كما تنصّ عليه المنشورات المشار إليها و الّتي سيأتي ذكر نصوص بعضها.
    ثمّ إنّ الأخبار حول الموضوع أصبحت متواترة تواترا لا يُبق شكّا حول مصداقية المعلومات في ذلك؛ فقد امتلأت صفحات وسائل الإعلام الورقية منها و الالكترونية بالكتابة حوله مُضَمَّنةً تقارير مُوَثَّقة بالأسماء و التّواريخ، و انشغلت بعض النّدوات و المنتديات بالحديث فيه، بل كلّ ما نَقلناه أو سننقله مِن رسائل و تصريحات و أحداث، فإنّه مُستمدّ مِن تلك المصادر؛ و لعلّ أبرزها: تجمّع نصرة الحجاب: (www.prohijab.net)، يوم الحجاب العالمي: (com.hejab***.www)، الحملة الدّولية من أجل الدّفاع عن الحجاب: (www.hamasna.com)، السبيل أونلاين: (www.assabilonline.net)، الجزيرة: (www.aljazeera.net)، مغاربية: (www.magharebia.com)، العربية: (www.alarabiya.net)، إسلام أون لاين.نت: (www.islamonline.net)، الإسلام اليوم: (www.islamtoday.net)، وكالة قدس برس إنترناشيونال: (www.qudspress.com)، آرام: (www.aaramnews.com)، أخبار الغد: (www.alghadnews.com)، ، قناة بي بي سي الجديدة: (www.bbcarabic.com)، شبكة الإعلام العربية: (www.moheet.com)، ، الشّرق الأوسط: (www.asharqalawsat.com).
    لقد توالت النّداءات و الشّكاوى؛ سواء على المستوى الفردي مِن خلال رسائل و تقارير الأخوات المتحجّبات التّونسيات أنفسهنّ، أم على المستوى الجماعي مِن خلال استنكارات و إدانات مِن طرف مختلف اللّجان و الجمعيات و الهيئات و المنظّمات الحقوقية التّونسية؛ على غرار لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس، و منظّمة حرّية و إنصاف، و الهيئة الطلاّبية الّتي ترصد أوضاع المحجّبات...، كلّ هذا سعيا لرفع الغبن و الظّلم، و بحثا عن مخرج مِن النّفق الّذي طال ظلامه الدّامس على الأخوات المقهورات، و هنّ مَن هنّ شأنا؛ فتيات و نساء مِن خيرة شعب تونس ثقافةً و مستوىً و تربيةً و أخلاقاً.
    و أكثر ما يكون التّضييق و المنع في مجالات التّربية و التّعليم، و أشدّ ما تتضاعف المحنة على هؤلاء المسكينات؛ عند إقدامهنّ على مواصلة دراستهنّ في بداية كلّ عام دراسي، حيث يقابلهنّ امتحان خاص في غير وقته و في غير مكانه؛ أمّا وقته فليس في آخر السنّة و إنّما في أوّلها! و أمّا المكان فليس في الأقسام و إنّما عند الباب! و قد أكَّدَت ذلك مسؤولة إدارية رفضت نشر اسمها لقناة الجزيرة، مشيرة إلى أنّ الحملة على الحجاب عادة ما تنطلق بداية كلّ سنة دراسية.
    و اقترنت بداية هذا العام الدّراسي الجديد (1429هـ/2008م) بناء على أخبار متداولة عبر عدّة مصادر، بعودة السّلطات التّونسية إلى منع ارتداء الحجاب في المؤسّسات الرّسمية مجدَّدا، بعد حربها على ظاهرة الحجاب سنوات عديدة، غير أنّ الصّراع لم يكن مُعلَنا مثلما هو عليه الآن، بل لم يسبق أنْ شهدت تونس جدَلا حول مسألة الحجاب مثل الّذي تشهده اليوم، رغم أنّ قرار منع ارتدائه في الجامعات و المؤسّسات بدأ في أوّل الثّمانينات.
    فمِن آخر حلقات هذا المسلسل المُحزن المُخزي؛ ما أقدم عليه بعض المسؤولين عن السّكنات الجامعية، مِن عدم السّماح للفتيات بالتّسجيل فيها بسبب ارتدائهنّ الحجاب، ممّا دفع بعض اللاّتي رفضن التخلّي عن حجابهنّ إلى تفضيل استئجار منازل خاصّة برفقة زميلات لهنّ، رغم ما في ذلك مِن إرهاق لميزانية الأسرة التّونسية الّتي تعيش ظروفا صعبة بسبب غلاء المعيشة، في الوقت الّذي رضَخت فيه بعض زميلاتهنّ لشروط الإدارة تحت عبء الضّغوط المالية المتزايدة.
    و مِنها ما أحدثه فعل مدير معهد الدّراسات التكنولوجية بمحافظة سيدي بوزيد -جنوب غرب تونس- مِن استنكار واسع، خاصّة مِن طرف لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس و الهيئة الطلاّبية الرّاصدة لأوضاع المحجّبات؛ الّتي رأت أنّ ذلك تجاوزا خطيرا للسّلطة و اعتداء على حقّ التّعليم و الحرّية الشّخصية في اختيار اللّباس، بعد رفض المدير السّماح للمتحجّبات باجتياز باب المعهد. و قد كشفت طالبات بالمعهد نفسه عن هذه المعاناة في شهادات لهنّ؛ حيث أرسلن رسالة إلى لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس، بينّ فيها ما يحدث لهنّ مِن عمليات اضطهاد بسبب حجابهنّ، و جاء في رسالتهنّ؛ أنّه مع بدء العام الدّراسي، منَع مدير المعهد الطّالبات المحجّبات مِن التّرسيم (تسجيل حضورهنّ للدّراسة بالسّنة الجامعية الجديدة)، و فيهنّ مَن نزعت الفولارة التّونسية (غطاء الرّأس التّقليدي في تونس) الّتي كانت ترتديها كي تتمكّن مِن التّرسيم في المعهد، و ذَكرْن أنّ المدير أعطى توصيات صارمة للإداريين و الكاتب؛ مفادها أنْ لا ترسيم لأيّ طالبة محجّبة حتّى و لو نزعت حجابها، سواء مِن الطّالبات القدامى بالمعهد أو الجديدات، غير أنّه إزاء كثرة شكاوى العائلات مِن تصرّفاته استبدَل المدير بسياسة الطّرد الّتي كان يعتمدها، فرضه على كلّ مُحجّبة تريد أنْ تسجّل التّوقيع على التزام تتعهّد بموجبه بعدم ارتداء الحجاب كامل السّنة داخل المعهد، و رغم توقيع بعض المحجّبات على الالتزام، فإنّهن بقين ينتظرن السّماح لهنّ بالتّرسيم رغم انطلاق دروس السّنة الجامعية!.
    و أتت هذه التطوّرات بمعهد الدّراسات التكنولوجية بمحافظة سيدي بوزيد، وسط حملة أشمل و أشرس شنّتها هيئات التّدريس بالمدارس و المعاهد العمومية منذ انطلاق السّنة الدّراسية الحالية، لتتوزّع الحملة على كامل أنحاء البلاد التّونسية، و تركّزت على مَنع المحجّبات مِن التّرسيم...، بحسب مصادر حقوقية و قانونية.
    و أَقدم مدير معهد سكرة الثّانوي بتونس العاصمة يوم الثلاثاء 16/09/2008م، على منع التّلميذة إسلام شلادية الّتي تدرس في السّنة أولى ثانوي مِن التّرسيم، و عند تدخّل والدها السيّد حمّادي بن مختار شلادية لدى المدير المذكور، قابله هذا الأخير بغلظة و أمعن في تجاهله و الاستهزاء به، و هو ما أثّر بشكل عميق على نفسية الفتاة الّتي حضرت الموقف، لتعيش بعد ذلك صدمة نفسية جرّاء المعاملة الدّونية التي لقيها والدها أمام أنظارها، و لم يكتف مدير المعهد الثّانوي بسكرة بذلك، بل قام باستدعاء عناصر مركز الشّرطة بمنطقة سكرة لممارسة مزيد من الضّغوط على الولي، لكن والد الفتاة أصرّ على حقّ ابنته في التّرسيم مستشهدا بمختلف التّشريعات مؤكّدا لهم أنّ لباس ابنته ليس طائفيا كما يدّعون، و بحلول المساء قبلوا على مضض ترسيم الفتاة إسلام دون أنْ تنزع حجابها.
    و انتهى إلى عِلم لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس؛ أنّ مديرة المبيت الرّياضي بالحيّ الأولمبي بالعاصمة تونس، أقدمت يوم الخميس 11 أوت 2008م على مَنع كلّ الطّالبات المحجّبات مِن الدّخول للالتحاق بالمبيت الجامعي مهما كان شكل حجابهنّ، حتّى حاملات القبّعات و الفولارة التونسية منهنّ! ممّا أجبر بعضهنّ على تعرية شعورهنّ، و قد حُرمت العديدات منهنّ مِن حقّهنّ القانوني في الالتحاق بالمبيت ممّا كلّفهنّ تحمّل الكثير مِن الأعباء المادّية خلال السّنة الدّراسية.
    و امتنع مدير معهد الاستقلال بشباو مِن معتمدية وادي اللّيل بولاية منوبة؛ مِن تسليم الاستدعاء إلى حوالي سبعين تلميذة مرسّمة بالسّنة الرّابعة ثانوي، لاجتياز مناظرة الباكالوريا بسبب ارتدائهن الحجاب، فقامت التّلميذات بالاحتجاج على ذلك و الاعتصام أمام المعهد لمدّة ساعتين، وذلك بتاريخ يوم الجمعة 23 ماي 2008م بمعية بعض أوليائهنّ، فقابل مدير المعهد احتجاج الفتيات المحجّبات و أوليائهنّ بأنْ اشترط على التّلميذات الإمضاء على التزام يتعهّدن بمقتضاه على دفع مبلغ مائتي مليم تونسي يوم امتحان البكالوريا مقابل تسلّم الاستدعاء إضافة إلى شروط أخرى، و بعد تمسكّهن بحقّن في ارتداء الخمار سارع المدير إلى استدعاء أعوان البوليس لتفريق المحتجّات و أهاليهنّ.
    و في منطقة سكرة -أربع كيلومترات عن شمال شرق العاصمة التّونسية-، أقدم مدير المعهد على منع المتحجّبات مِن التّرسيم، و عند تدخّل أولياء أمورهنّ قابلهم بتعنيفهم لفظياّ و الاستهزاء بهم، و لم يكتف بذلك بل قام باستدعاء عناصر الأمن لترهيب الأولياء و إجبارهم على نزع حجاب بناتهنّ.
    و في منوبة -القريبة مِن العاصمة-؛ شنّ مدير معهد منطقة العقب بداية العام الدّراسي حملة شرسة لمنع المتحجّبات مِن دخول المعهد مهما كان شكل غطاء الرّأس، ممّا تسبّب في حِرمان العديد منهنّ مِن الدّراسة لمدّة ثلاثة أيّام متتالية، و لمّا طلب وليّ إحدى التّلميذات مقابلته رفض، مما اضطرّ الوليّ للدّخول في اعتصام مدّة يوم كامل.
    و يُذكر أنّ الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان قد أكّدت في إحدى بياناتها خلال السّنوات الأخيرة، أنّ ثمانية و ثلاثين تلميذة حُرمن من اجتياز امتحانات نهاية العام بمعهد القنال بمدينة بنزرت لارتدائهنّ الحجاب.
    و في سابقة حدثت في أواخر أحد الأعوام الدّراسية –الجمعة 26 ماي 2006م -؛ مُنع طالبات مِن دخول كلّية الحقوق و العلوم السّياسية بتونس، لإجراء إمتحانات آخر السّنة لأنّهنّ يرتدين غطاء الرّأس، و الملفت في الحدث طبقا لما ورد؛ هو قيام عون إداري في ذات الكلّية باحتجاز عدد من الطّالبات المتحجّبات بأحد مكاتب الإدارة و إغلاق الباب عليهنّ بالمفتاح! في محاولة لحرمانهنّ من إجراء امتحاناتهنّ. و ضمن تفاعلات تلك الحادثة؛ اعتبرت النّقابة العامّة للتّعليم العالي و البحث العلمي التّابعة للاتّحاد العام التّونسي للشّغل، أنّ ما حدث يوم الجمعة بكلّية الحقوق و العلوم السّياسية بتونس، يُعدّ "واقعة على غاية من الخطورة، قام بها عون (عنصر مسؤول) إداري، و تمثّلت في احتجازه لعدد من الطّالبات المحجّبات بأحد مكاتب الإدارة و إغلاق الباب عليهنّ بالمفتاح". وحذّر الاتّحاد مِن أنّ تلك الواقعة تمثّل "سابقة خطيرة" لم تعهدها الجامعة. و عبّرت النّقابة عن استنكارها و شجبها الشّديدين، مطالبةً بفتح تحقيق في الواقعة، و اتّخاذ كلّ الإجراءات التّأديبية و القانونية ضدّ الموظّف الّذي وصفت عمله بالإجرامي على حد تعبيرها.
    أمّا عن تجاوز التّضييق حدود المؤسّسات الرّسمية، فقد ذَكر المجلس الوطني للحرّيات في السّنوات الأخيرة؛ أنّه سَجّل حملة منظَّمة لانتهاك الحرّيات الفردية للمواطنات المحجّبات، و قال المجلس في بيان له نُشر على صفحات موقع إسلام أون لاين.نت: "إنّ الحملة شملت المحجّبات في الطّريق العام و وسائل النّقل العمومية و مؤسّسات التّعليم العالي و المحاكم و المستشفيات".
    و وصل الأمر أحيانا إلى إيذاء المحجّبات بالكلام البذيء و السّوقي الخادش للحياء، و هي سياسة اتّبعها بعض مَن حمل لقب مربي!.
    بل وصل الأمر أحيانا إلى حدّ نزع الحجاب بالقوّة من فوق الرّؤوس! على غرار ما وقع في أحد المعاهد الثّانوية بنابل -ستّون كيلومتر عن شمال شرق العاصمة-؛ حيث عمد مؤخّرا مدير معهد إلى ملاحقة التّلميذات المتحجّبات في ساحة المعهد في أوقات الفسحة، محاولا نزع أغطية رؤوسهنّ بالقوّة متفوّها تجاههنّ ببذيء الكلام، و بنفس السّفاهة حاول المدير نفسه نزع خمار تلميذة، لكنّها احتجّت و قاومت بشدّة هذه المحاولة فقام بطردها مطالبا إيّاها باستصحاب وليّها أو منعها من الدّراسة. و قد أعربت الجمعية الدّولية لمساندة المساجين السياسيين في بيان لها إزاء مثل هذا؛ عن قلقلها مِن تزايد حالات مضايقة المحجّبات، و قالت أنّ مديري المعاهد العليا و الثّانوية و بعض الموظّفين عمدوا إلى نزع الحجاب مِن فوق رؤوس الطّالبات، و شدّد البيان على أنّ هذه الإجراءات تمّت في أحيان كثيرة بإشراف الولاّة و المعتمدين و رؤساء خلايا الحزب الحاكم.
    و ممّا يندى له الجبين مِن الأخبار استعمال أساليب القوّة أحيانا في منع الحجاب باسم القانون! مثال لذلك ما ذكرَته تقارير إعلامية كموقعَي إسلام أون لاين.نت، و اليوم العالمي للحجاب...؛ أنّ قوّات أمنية حاصرت الحرم الجامعي بمدينة صفاقس، و حاولت نزع الخمار بالقوّة مِن على رؤوس المحجّبات و تعنيفهنّ و إهانتهنّ، الأمر الّذي أثار ردود فعل غاضبة من قِبل الطلاّب، ممّا أدّى إلى حدوث اشتباكات خطيرة بين الطلاّب و قوّات الشّرطة، و أكّدت مصادر مِن المدينة لـ: إسلام أون لاين.نت؛ أنّه وُجدت طالبة في حالة صحية سيّئة جدًّا؛ جرّاء تلك الاعتداءات.
    و أوردت شبكة الإعلام العربية في إحدى صفحاتها ما حدث في منطقة حيّ الخضراء بالعاصمة التونسية؛ مِن قيام عناصر من الشّرطة بنزع حجاب فتاة من رأسها بالقوّة و إلقائه أرضاً، و ذلك أثناء توجّهها إلى الدّراسة، غير عابئين بتوسّلاتها وصراخها!.
    و ذُكر على موقع اليوم العالمي للحجاب، تَعرّض الكثير مِن المتحجّبات للإيقاف بمعتمدية تكلسه مِن ولاية نابل، و اقتيادهنّ بكلّ غطرسة لمركز الشّرطة، و أنّه لمّا رفضن نزع أحجبتهنّ قام أعوان الأمن بافتكاك بطاقات هويتهنّ و تعنيفهنّ مستعملين الأيادي و الأقدام و عصيّ البوليس! كما وجّهوا لهنّ كلمات و شتائم متوالية في غاية القبح من قبيل: "يا عاهرة ! " و " يا فاجرة ! "، و بعد إصرارهنّ على عدم نزع الحجاب، هدّدوا مَن رفضت بالاغتصاب مدّعين أنّهم هم الحاكم و لا أحد سيجيرها، و لنْ تجد مَن يسمع شكواها أو ينصفها إنْ هم اغتصبوها...
    و مع كلّ هذا كثيرا ما يتعدّى الأذى إلى الأولياء نفسيا؛ فقد أكّدت لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس، أنّ حالة مِن الإحباط تنتاب بعض الأولياء جرّاء الممارسات التعسّفية الّتي تمارسها الإدارة التّعليمية تجاههنّ و تجاه بناتهنّ المحجّبات.
    و بحكم أنّ الحجاب يمرّ عبر التّجارة و البيع و الشّراء، فقد نال التّجار بدورهم حظّا مِن هذه الملاحقة و المراقبة البوليسية في بعض المناطق على حسب شهادة أدلى بها بعضهم لمصادر إعلامية، وذلك لمنعهم مِن بيع الحجاب و الاتّجار فيه إلى درجة أنّه أصبح يُباع في الأسواق السّوداء، لأنّ محلاّت بيعه في تونس هي مصدر انتشاره و اقتنائه؛ تقول نعيمة -تاجرة-: "إنّهم يمنعون فقط الحجاب الّذي يواصل كسب مزيد من القواعد الشّعبية، و يحيي تجارة ناجحة و مزدهرة... لا أستطيع جني رأس مالي حين أبيع التبغ أو الأدباش... لذلك أبيع الحجاب الّذي يلقى رواجا متزايدا على الدّوام وهو تجارة رابحة"، و يعبّر وليد التّاجر في سوق ليبيا -عشر كيلومترات عن وسط العاصمة تونس-، عن غِبطته بقوله: "الله يحميهم، لأنهنّ اخترن العودة إلى الإسلام... بينما أنا وجدت السّلعة الّتي أنقذتني مِن البطالة و مكّنتني مِن كسب قوت الحياة".
    و لمّا أصبح الحجاب عند هؤلاء يُمثّل قمّة التطرّف الدّيني، كان لزاما عليهم أن يحموا الأطفال مِن عدواه و بلواه! فلم تمنع براءة الصّغار ما لحق بالكبار!؛ و قدْ أقدم مدير المدرسة الأساسية بحي المنجي سليم، كما نقل موقع الإسلام اليوم عن لجنة الدّفاع عن المحجبات، بالاعتداء على الطّفلة آمال النعيمي ذات الثّاني عشرة سنة بالضّرب، بعد أنْ اقتحم عليها قاعة الدّراسة و خلع حجابها أمام زملائها، وصفعها و هدّدها إنْ عادت إلى هذا اللّباس؛ بأنّه سيطردها.
    بل لم يسلم حتّى حجاب الدّمى و لعب هؤلاء الأطفال مِن الملاحقة و المراقبة! فقد أفادت مصادر موقع قدس برس في السّنوات الأخيرة خلال بداية العام الدّراسي؛ أنّ السّلطات الأمنية التّونسية شنّت حملة مداهمات لمحلاّت تبيع الدّمية الشّهيرة (فلّة المتحجّبة)، و صادرت كلّ الدّمى مِن هذا النّوع على خلفية أنّها يمكن أن تشجّع الفتيات الصّغيرات على ارتداء الخمار الّذي تمنعه الحكومة التّونسية بمقتضى القانون!، كما صادر رجال الأمن جميع الأدوات المدرسية الّتي توجد عليها صورة (فلّة)، على غرار الحقائب المدرسية و حاملات الأقلام و الكرّاسات الّتي تحمل على أغلفتها صور (فلّة).


    المتحجّبات يحكين معاناتهنّ...

    لقد اكتفينا بسرد بعض الأحداث و الأخبار عن وضع الحجاب و المتحجّبات في تونس، الّتي وقعت في الأعوام الأخيرة و هذا العام خاصّة، و ما هي إلاّ غيض مِن فيض و قطرة مِن بحر بالنّسبة لما قبلها، حيث تعوّدت المتحجّبات هذه المطاردة كلّ سنة، و يَحسنُ التّأكيد على ما سردناه بنقل بعض تصريحات المُضطَهَدات و المكلومات أنفسهنّ، فليس الخبر كالمعاينة.
    فهذه أختنا لمية التّميمي قالت باكية في تصريح لموقع إسلام أون لاين.نت، و هي لم تتجاوز الواحد و العشرين ربيعا مِن عمرها: "هذه حملة تطهير لم نقترف أيّ ذنب حتّى تمنعنا وزارة التّعليم مِن دخول الامتحانات...، ليس لنا أيّ علاقة بالسّياسة، أنا مِن عائلة لم تمارس أيّ نوع من الحزبية في تاريخها، أنا فقط أمارس ما أعتقد أنّه لباس شرعيّ، و هذا من حقّي الّذي يضمنه الدّستور التّونسي...، هذه الحملة اللاّإنسانية ستكون فاشلة؛ لأنّ السّلطة لا تستطيع منع آلاف التّونسيات مِن ارتداء الحجاب، و إذا تواصلت هذه الحملة فستظهر و كأنّها محاربة للدّين الإسلامي، و هو ما سيكون له انعكاسات خطيرة".
    و هذه أختنا منية الّتي لم تتجاوز الاثنين و العشرين ربيعا، و هي طالبة بكلّية الآداب عندما قالت: "هذه الإجراءات ضد المحجّبات خلال فترة الامتحانات ليست اعتباطية أو صدفة... إنّها خطّة مِن بعض الحاقدين ضدّ الطّالبات الملتزمات...، منذ سنوات قليلة أصبح الحجاب ظاهرة ملموسة في الشّارع التونسي مثل كلّ مظاهر التديّن الأخرى، كما امتلأت المساجد بالشّباب، و هذه المظاهر تثير لدى البعض الحِقد و الكراهية لِما اعتقدوا أنّهم جفّفوا ينابيعه. و هم يحاولون الآن استغلال الظّرف العالمي و المحاولات الدّولية للخلط بين الإسلام و الإرهاب، و لكنّهم بإذن الله سيفشلون".
    و هذه طالبة الفلسفة أختنا نادية حفظلاوي، لم تتجاوز الثّلاثة و العشرين ربيعا عندما وجّهت نداء إلى رئيس الدّولة التّونسية زين العابدين بن علي؛ بعد أن استدعتها إدارة المعهد العالي للعلوم الإنسانية إلى مجلس تأديب بسبب رفضها دعوتها إلى الإمضاء على التزام بعدم ارتداء الحجاب؛ جاء في ندائها: "هناك ضغط كبير يُمارس علينا لسبب يبدو بسيطا و هو ارتداء الحجاب، و هناك تهديدات بطردنا من المؤسّسات التّعليمية، و على رئيس الدّولة أن يتدخّل لحماية القانون و حقّ المرأة التّونسية في اختيار اللّباس الّذي يناسبها".
    و هذه أختنا أحلام الدّاني ذات الخامسة و الأربعين سنة مِن عمرها، قالت في تصريح لموقع إسلام أون لاين.نت؛ أنّها تعرّضت للتّوقيف من قبل رجال أمن بالزيّ المدني، حيث أُجبرت على الالتزام بنزع الحجاب داخل منطقة الأمن بباب سويقة -وسط العاصمة التّونسية-، و عبّرت عن استيائها الشّديد مِن تدهور حقوق النّساء بدون أيّ موجب و لا قانون.
    و هذه الطّالبة أختنا بسمة الغزّي صاحبة الثّلاثة و العشرين ربيعا، صرّحت لنفس المصدر أنّها أحيلت إلى مجلس التّأديب بكلّية العلوم، و أنّها اضطرّت لنزع حجابها مؤقتًا حتى لا تضحّي بدراستها.
    و نقلت لجنة الدّفاع عن المحجّبات بتونس عن الطّالبة تسنيم الطرابلسي، الّتي تزاول تعليمها بالمعهد الثّانوي بزهانة بمعتمدية أوتيك مِن ولاية بنزرت -شمال البلاد التونسية-، أنّها أكّدت عبر اتّصال هاتفي و هي في حالة نفسية سيّئة للغاية، حيث كانت ترتعش و يكاد يُغمى عليها مِن شدّة الإعياء؛ أنّها مُنقطعة عن الدّراسة منذ أربعة أيّام كاملة، و ذلك بسبب إقدام مدير المعهد على مساومتها في حجابها كي تتمكّن مِن مواصلة الدّراسة، و منها أنْ لا تلبس أيّ لباس طويل طالبا منها ارتداء بنطلون أو تنّورة قصيرة، كشرط إلزامي كي يُسمح لها بالدّخول للمعهد لأنّ لباسها يشبه الجلباب!. و تحدّثت عن عدم اكتفاء المدير المذكور باضطهاد التّلميذات المحجّبات في المعهد المشرف عليه، بل تجاوز ذلك إلى إجبار المحجّبات على تعرية شعورهنّ قبل تجاوز عتبة باب المعهد، حتّى إذا استجابت التّلميذة المحجّبة إلى ابتزازه و تهديداته و نزعت حجابها رغما عنها، طردها و هو يُمعن في إذلالها بقوله: "عليك أن تنزعي الحجاب منذ خروجكِ مِن البيت و ليس أمام المعهد!". و قالت أنّه لم يَكتف بذلك بل إنّه ذهب إلى المدرسة الإعدادية المجاورة ليُحرّض المدير المسؤول فيها لممارسة ضغوطا على المحجّبات بدوره! و قد وصل به الأمر أنْ وقف معه على باب المدرسة لطرد المحجّبات، بل و أكثر مِن ذلك؛ فقد ذهب إلى مقابلة مسؤول الجهة كي يعاتبه على تقصيره في مقاومة اللّباس الطّائفي!.
    و أكّدت الطّالبة آمال و هي بالغة مِن العمر الاثنين و العشرين ربيعا، حينما ذَكرَت كما ورد على موقع السّبيل أونلاين؛ أنّ السّلطة التّونسية لم تبقى محايدة اتجاه الموضوع بقولها: " إنّهم هدّدوني، و البوليس اعتقلني ثلاث مرّات لأنّني أرتدي الحجاب الإسلامي".
    و عن مجلّة المجتمع الكويتية أنّ الفتاة التّونسية المدعوة حنان ال**** الطّالبة بكلّية العلوم قالت؛ أنّ رجال الشّرطة اعترضوها و هي في طريقها إلى الجامعة، و انتزعوا منها محفظتها و قاموا بتفتيشها، ثمّ قاموا بنزع حجابها مِن رأسها بالقوّة و رموا به على الأرض، علماً بأنّها كانت ترتدي فولارة تونسية، و أوضحت ال**** أنّها قاومتهم و رفضت الانصياع لطلبهم بخلع الحجاب، و هو ما دفعهم إلى القيام بجرّها لإرغامها على الصّعود إلى سيارة الأمن تحت وابل من التّهديد و السّباب اللاّأخلاقي، دون النّظر إلى توسّلاتها و صراخها، و على حسب المجلّة؛ فإنّ عناصر الشّرطة احتجزوا بطاقة التّعريف الخاصّة بالفتاة، و بطاقة الجامعة و رخصة القيادة و جميع وثائقها الشّخصية الأخرى، وبعد إخلاء سبيلها أعربت ضحيّة الاعتداء عن عزمها تقديم شكوى رسمية ضدّ هذه العناصر الأمنية لمقاضاتهم على ما اقترفوه في حقّها من انتهاكات.
    و قالت فتاة أخرى و هي طالبة تونسية؛ عبر اتّصال هاتفي بموقع إسلام أون لاين.نت: "إنّنا نواجه اليوم محاولة لفتنتنا عن ديننا من خلال إجبارنا على التعرّي، و كشف أجزاء من جسدنا، و هو ما يمثّل اعتداء صارخا على أبسط حقوقنا التي ضمنها لنا دستور البلاد".
    و أوضحت إحدى الفتيات للموقع نفسه، مُفضِّلة عدم ذكر اسمها قائلة: "في مدينة صفاقس تمّ رفض تسجيل الطّالبات المحجّبات بالمدارس، و رفَض المدير الجهوي (المحلّي) للتّعليم مقابلة أوليائهنّ؛ فتحوّل الأولياء إلى مقرّ الاتّحاد الجهوي للشّغل طالبين النّصرة... دون نتيجة". وتابعت تقول: "و في معهد واد اللّيل تجوّل مدير المعهد يرافقه الوالي و المعتمد و عدد مِن أعوان الأمن بالزيّ المدني و الرّسمي بين الأقسام و أخرجوا الطّالبات المحجّبات، و دفعهنّ إلى التّوقيع على التزام بعدم العودة لارتداء الحجاب، فيما تمّ طرد بعضهنّ لمدّة عشرة أيّام، و إلزامهنّ بعدم ارتداء الحجاب".
    بل سجّلَت مصادر إعلامية لحوق الضّرر و المرارة ببعض مَن حاول الدّفاع عن هؤلاء المسكينات؛ فقد وقع لخالد ساسي مثلا -أحد المدافعين عن المُحجّبات في تُونس- حجم مِن التّنكيل الّذي تعرَّض له بسبب مواقفه، حيث نقل موقع الإسلام اليوم أنّه اعُتقل لمدّة خمسة عشر يومًا، جزاء تدخّله لحماية فتاتين محجّبتين كانت الشّرطة بصدد توقيفهما؛ فأثناء و جوده في محلّ تجاري مملوك لشقيقه، إذ بسيارة شرطة توقِف فتاتين كانت إحداهما منقّبَة و الأخرى مرتدية خمارًا، و طلبت الشّرطة منهما مرافقتها إلى مقرّ الأمن، فخافتا و أجهشتا بالبكاء، و التفّ سكّان الحيّ حول السيّارة...، يقول خالد: "فلم أتردّد في الاستفسار عن سبب اعتقالهما، فقال لي أحد الضّباط: إنَّ هذا الأمر لا يهمّك، بعد ذلك حُلت بين رجال الأمن وبين الفتاتين، و أمرتهما بالفرار فلم تتردّدا في ذلك، ولُذتُ أنا بدوري بالفرار، و ما هي إلا ساعة زمن حتّى حُوصرَت المنطقة برجال الأمن، الّذين داهموا بيتنا و اعتقلوا أخي للتّحقيق معه، فذهبتُ مِن الغد لأسلِّم نفسي للبوليس". و تابع: "ما إنْ رأوني حتّى انهالوا عليَّ ضربًا، ثمّ أمروني بنزع ملابسي ليعلقوني، فرفضتُ فقاموا بنزعها عنوة، و تمّ تجريدي مِنها بالكامل، و أخذوا بضربي، و بسكب الماء على جسمي، و هم يسبّون الجلالة، و يتلفّظون بأبشع الألفاظ...".

    يُتبع...

    أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري
    السّبت 03 ذو القعدة 1429هـ، الموافق لـ: 01 نوفمبر 2008م

    http://www.merathdz.com/play.php?catsmktba=1892
    أخوكم : ابو البراء نسيم الجزائري
    المشرف التقني لموقع ميراث السنة الجزائري
    لا تنسونا بالدعاء

  2. #2

    افتراضي رد: لبّيكِ أختاه المتحجّبة التّونسية ج1

    الله ينتقم منهم ويقتلهم ويخزيهم ويجعلهم عبرة لمن لا يعتبر

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •