تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وسلم .
    أما بعد : فهذه بعض الفوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية المسمى بعلم السلوك ، وهذا المجلد يتضمن عددا من الرسائل منها : «التحفة العراقية في الأعمال القلبية » ، و«أمراض القلوب وشفاؤها» و «العبودية» و «وجواب عن دعوة ذي النون» و «الوصية الصغرى» و غيرها .

    ص8: مَنْ كَانَ مَعَهُ إيمَانٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِقَدْرِ إيمَانِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ .

    ص 45: وَالْمُؤْمِنُ إذَا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإِنَّ عُقُوبَتَهَا تَنْدَفِعُ عَنْهُ بِعَشَرَةِ أَسْبَابٍ :
    أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ .
    أَوْ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرُ لَهُ .
    أَوْ يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ تَمْحُوهَا فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ .
    أَوْ يَدْعُو لَهُ إخْوَانُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَسْتَغْفِرُو نَ لَهُ حَيًّا وَمَيِّتًا .
    أَوْ يَهْدُونَ لَهُ مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ مَا يَنْفَعُهُ اللَّهُ بِهِ .
    أَوْ يَشْفَعُ فِيهِ نَبِيُّهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
    أَوْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُ عَنْهُ .
    أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي الْبَرْزَخِ بِالصَّعْقَةِ فَيُكَفِّرُ بِهَا عَنْهُ .
    أَوْ يَبْتَلِيهِ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا بِمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ .
    أَوْ يَرْحَمُهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
    فَمَنْ أَخْطَأَتْهُ هَذِهِ الْعَشَرَةُ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.

    ص58: «... وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ : يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ » .
    فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ تَعَارُضُ إرَادَتَيْنِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مَا يُحِبُّ عَبْدُهُ وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ ، وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ فَهُوَ يَكْرَهُهُ كَمَا قَالَ: وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ ؛ وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ قَضَى بِالْمَوْتِ ، فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَمُوتَ فَسَمَّى ذَلِكَ تَرَدُّدًا ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ .

    ص71: فَمِنْ عَلامَاتِ الْمَجَازِ صِحَّةُ إطْلاقِ نَفْيِهِ .

    ص96 : فَالْقَلْبُ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَرَبَّى فَيَنْمُو وَيَزِيدُ حَتَّى يَكْمُلَ وَيَصْلُحَ كَمَا يَحْتَاجُ الْبَدَنُ أَنْ يُرَبَّى بِالْأَغْذِيَةِ الْمُصْلِحَةِ لَهُ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ مَنْعِ مَا يَضُرُّهُ فَلَا يَنْمُو الْبَدَنُ إلَّا بِإِعْطَاءِ مَا يَنْفَعُهُ وَمَنْعِ مَا يَضُرُّهُ كَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَزْكُو فَيَنْمُو وَيَتِمُّ صَلَاحُهُ إلَّا بِحُصُولِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ لَا يَزْكُو إلَّا بِهَذَا . وَ " الصَّدَقَةُ " لَمَّا كَانَتْ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ صَارَ الْقَلْبُ يَزْكُو بِهَا وَزَكَاتُهُ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى طَهَارَتِهِ مِنْ الذَّنْبِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْفَوَاحِشِ يَزْكُو بِهَا الْقَلْبُ . وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ فِي الْبَدَنِ وَمِثْلُ الدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ فَإِذَا اسْتَفْرَغَ الْبَدَنُ مِنْ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ كَاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الزَّائِدِ تَخَلَّصَتْ الْقُوَّةُ الطَّبِيعِيَّةُ وَاسْتَرَاحَتْ فَيَنْمُو الْبَدَنُ وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إذَا تَابَ مِنْ الذُّنُوبِ كَانَ اسْتِفْرَاغًا مِنْ تَخْلِيطَاتِهِ حَيْثُ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَإِذَا تَابَ مِنْ الذُّنُوبِ تَخَلَّصَتْ قُوَّةُ الْقَلْبِ وَإِرَادَاتُهُ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاسْتَرَاحَ الْقَلْبُ مِنْ تِلْكَ الْحَوَادِثِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِ . فَزَكَاةُ الْقَلْبِ بِحَيْثُ يَنْمُو وَيَكْمُلُ .

    ص99: وَالْعَدْلُ الْمَحْضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُتَعَذِّرٌ عِلْمًا وَعَمَلا وَلَكِنْ الأمْثَلُ فَالأمْثَلُ.

    ص123: ... مَا حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَذَى وَالْمَصَائِبِ هُوَ بِاخْتِيَارِهِم ْ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي تَجْرِي بِدُونِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ مِنْ جِنْسِ حَبْسِ يُوسُفَ لَا مِنْ جِنْسِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَهَذَا أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ وَأَهْلُهَا أَعْظَمُ دَرَجَةً - وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَصَائِبِ يُثَابُ عَلَى صَبْرِهِ وَرِضَاهُ وَتُكَفَّرُ عَنْهُ الذُّنُوبُ بِمَصَائِبِهِ - فَإِنَّ هَذَا أُصِيبَ وَأُوذِيَ بِاخْتِيَارِهِ طَاعَةً لِلَّهِ يُثَابُ عَلَى نَفْسِ الْمَصَائِبِ وَيُكْتَبُ لَهُ بِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ . قَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } . بِخِلَافِ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَجْرِي بِلَا اخْتِيَارِ الْعَبْدِ كَالْمَرَضِ وَمَوْتِ الْعَزِيزِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ اللُّصُوصِ مَالَهُ فَإِنَّ تِلْكَ إنَّمَا يُثَابُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهَا لَا عَلَى نَفْسِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمُصِيبَةِ ؛ لَكِنَّ الْمُصِيبَةَ يُكَفَّرُ بِهَا خَطَايَاهُ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيّ َةِ وَمَا يَتَوَلَّدُ عَنْهَا .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    ص124-125: الْحَسَد مَرَضٌ مِنْ أَمْرَاضِ النَّفْسِ وَهُوَ مَرَضٌ غَالِبٌ فَلَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ وَلِهَذَا يُقَالُ : مَا خَلَا جَسَدٌ مِنْ حَسَدٍ لَكِنَّ اللَّئِيمَ يُبْدِيهِ وَالْكَرِيمَ يُخْفِيهِ .
    وَقَدْ قِيلَ لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : أَيَحْسُدُ الْمُؤْمِنُ ؟
    فَقَالَ: مَا أَنْسَاك إخْوَةَ يُوسُفَ لَا أَبَا لَك وَلَكِنْ عَمَهٌ فِي صَدْرِك فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّك مَا لَمْ تَعْدُ بِهِ يَدًا وَلِسَانًا .
    فَمَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَسَدًا لِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُ التَّقْوَى وَالصَّبْرَ . فَيَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ لَا يَعْتَدُونَ عَلَى الْمَحْسُودِ فَلَا يُعِينُونَ مَنْ ظَلَمَهُ ، وَلَكِنَّهُمْ أَيْضًا لَا يَقُومُونَ بِمَا يَجِبُ مِنْ حَقِّهِ ، بَلْ إذَا ذَمَّهُ أَحَدٌ لَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى ذَمِّهِ ، وَلَا يَذْكُرُونَ مَحَامِدَهُ ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَدَحَهُ أَحَدٌ لَسَكَتُوا .
    وَهَؤُلَاءِ مَدِينُونَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ فِي حَقِّهِ مُفَرِّطُونَ فِي ذَلِكَ ؛ لَا مُعْتَدُونَ عَلَيْهِ ، وَجَزَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ يَبْخَسُونَ حُقُوقَهُمْ فَلَا يُنْصَفُونَ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ ، وَلَا يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ ، كَمَا لَمْ يَنْصُرُوا هَذَا الْمَحْسُودَ .وَأَمَّا مَنْ اعْتَدَى بِقَوْلِ أَوْ فِعْلٍ فَذَلِكَ يُعَاقَبُ .
    وَمَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الظَّالِمِينَ نَفَعَهُ اللَّهُ بِتَقْوَاهُ ...

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    ص130: وَالنَّاسُ فِي الْعِشْقِ عَلَى قَوْلَيْنِ :
    قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
    وَقِيلَ : مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ وَأَنَّهُ فَسَادٌ فِي التَّخْيِيلِ حَيْثُ يَتَصَوَّرُ الْمَعْشُوقُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ .
    قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالْعِشْقِ وَلَا أَنَّهُ يَعْشَقُ ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُحْمَدُ مَنْ يَتَخَيَّلُ فِيهِ خَيَالًا فَاسِدًا .
    وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُوصَفُ بِالْعِشْقِ فَإِنَّهُ الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ ؛ وَاَللَّهُ يُحَبُّ وَيُحِبُّ ، وَرُوِيَ فِي أَثَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ يَعْشَقُنِي وَأَعْشَقُهُ } وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ .
    وَالْجُمْهُورُ لَا يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ هُوَ الْمَحَبَّةُ الْمُفْرِطَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَيْسَتْ تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا تَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ .
    قَالَ هَؤُلَاءِ : وَالْعِشْقُ مَذْمُومٌ مُطْلَقًا لَا يُمْدَحُ لَا فِي مَحَبَّةِ الْخَالِقِ وَلَا الْمَخْلُوقِ لِأَنَّهُ الْمَحَبَّةُ الْمُفْرِطَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْمُودِ وَ أَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَ " الْعِشْقِ " إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ فِي مَحَبَّةِ الْإِنْسَانِ لِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَحَبَّةٍ كَمَحَبَّةِ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَطَنِ وَالْجَاهِ وَمَحَبَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَهُوَ مَقْرُونٌ كَثِيرًا بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ : إمَّا بِمَحَبَّةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ صَبِيٍّ يَقْتَرِنُ بِهِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ وَاللَّمْسُ الْمُحَرَّمُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ .

    ص133: إذَا اُبْتُلِيَ بِالْعِشْقِ وَعَفَّ وَصَبَرَ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى تَقْوَاهُ اللَّهَ ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ : { أَنَّ مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ وَكَتَمَ وَصَبَرَ ثُمَّ مَاتَ كَانَ شَهِيدًا } وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا .
    لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ إذَا عَفَّ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ نَظَرًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا ، وَكَتَمَ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مُحَرَّمٌ : إمَّا شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ ، وَإِمَّا إظْهَارُ فَاحِشَةٍ ، وَإِمَّا نَوْعُ طَلَبٍ لِلْمَعْشُوقِ ، وَصَبْرٍ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ، وَعَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَعَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ أَلَمِ الْعِشْقِ كَمَا يَصْبِرُ الْمُصَابُ عَنْ أَلَمِ الْمُصِيبَةِ ؛ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مِمَّنْ اتَّقَى اللَّهَ وَصَبَرَ { إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } .
    ونحوه في 28/215.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    ص134: وَالْإِنْسَانُ قَدْ يُبْغِضُ شَيْئًا فَيُبْغِضُ لِأَجْلِهِ أُمُورًا كَثِيرَةً بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ . وَكَذَلِكَ يُحِبُّ شَيْئًا فَيُحِبُّ لِأَجْلِهِ أُمُورًا كَثِيرَةً ؛ لِأَجْلِ الْوَهْمِ وَالْخَيَالِ كَمَا قَالَ شَاعِرُهُمْ :
    أُحِبُّ لِحُبِّهَا السُّودَانَ حَتَّى * أُحِبُّ لِحُبِّهَا سُودَ الْكِلَابِ !
    فَقَدْ أَحَبَّ سَوْدَاءَ ؛ فَأَحَبَّ جِنْسَ السَّوَادِ حَتَّى فِي الْكِلَابِ وَهَذَا كُلُّهُ مَرَضٌ فِي الْقَلْبِ فِي تَصَوُّرِهِ وَإِرَادَتِهِ .

    ص135: وَأَمَّا امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَكَانَتْ مُشْرِكَةً هِيَ وَقَوْمُهَا فَلِهَذَا اُبْتُلِيَتْ بِالْعِشْقِ وَمَا يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ أَحَدٌ إلَّا لِنَقْصِ تَوْحِيدِهِ وَإِيمَانِهِ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ الْمُنِيبُ إلَى اللَّهِ الْخَائِفُ مِنْهُ فِيهِ صَارِفَانِ يَصْرِفَانِ عَنْ الْعِشْقِ :
    أَحَدُهُمَا : إنَابَتُهُ إلَى اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَلَذُّ وَأَطْيَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تَبْقَى مَعَ مَحَبَّةِ اللَّهِ مَحَبَّةُ مَخْلُوقٍ تُزَاحِمُهُ .
    وَالثَّانِي : خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ فَإِنَّ الْخَوْفَ الْمُضَادَّ لِلْعِشْقِ يَصْرِفُهُ .
    وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا بِعِشْقِ أَوْ غَيْرِ عِشْقٍ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ مَحَبَّتِهِ بِمَحَبَّةِ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْهُ إذَا كَانَ يُزَاحِمُهُ وَيَنْصَرِفُ عَنْ مَحَبَّتِهِ بِخَوْفِ حُصُولِ ضَرَرٍ يَكُونُ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ تَرْكِ ذَاكَ الْحُبِّ فَإِذَا كَانَ اللَّهُ أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَخْوَفَ عِنْدَهُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ مَعَهُ عِشْقٌ ، وَلَا مُزَاحَمَةٌ إلَّا عِنْدَ غَفْلَةٍ ، أَوْ عِنْدَ ضَعْفِ هَذَا الْحُبِّ وَالْخَوْفِ بِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ، فَكُلَّمَا فَعَلَ الْعَبْدُ الطَّاعَةَ مَحَبَّةً لِلَّهِ وَخَوْفًا مِنْهُ وَتَرَكَ الْمَعْصِيَةَ حُبًّا لَهُ وَخَوْفًا مِنْهُ قَوِيَ حُبُّهُ لَهُ وَخَوْفُهُ مِنْهُ فَيُزِيلُ مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ وَمَخَافَةِ غَيْرِهِ .


    ص147: جَاءَ فِي الْأَثَرِ " إذَا قَالُوا لِلْمَرِيضِ : اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ يَقُولُ اللَّهُ : كَيْفَ أَرْحَمُهُ مِنْ شَيْءٍ بِهِ أَرْحَمُهُ " وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرَضُ حِطَّةٌ يَحُطُّ الْخَطَايَا عَنْ صَاحِبِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ وَرَقَهَا } .

    ص 183: وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ " الْهَجْرَ الْجَمِيلَ " و " الصَّفْحَ الْجَمِيلَ " و " الصَّبْرَ الْجَمِيلَ " . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ " الْهَجْرَ الْجَمِيلَ " هُوَ هَجْرٌ بِلَا أَذًى . وَالصَّفْحَ الْجَمِيلَ صَفْحٌ بِلَا مُعَاتَبَةٍ . وَالصَّبْرَ الْجَمِيلَ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ ؛ وَلِهَذَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَرَضِهِ أَنَّ طاوسا كَانَ يَكْرَهُ أَنِينَ الْمَرِيضِ وَيَقُولُ : إنَّهُ شَكْوَى فَمَا أَنَّ أَحْمَد حَتَّى مَاتَ . وانظر ص666.

    ص 189: ... وَهَكَذَا أَيْضًا طَالِبُ الْمَالِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَعْبِدُهُ وَيَسْتَرِقُّهُ وَهَذِهِ الْأُمُورُ نَوْعَانِ :
    ( مِنْهَا ) مَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَيْهِ كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَمَسْكَنِهِ ومنكحه وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذَا يَطْلُبُهُ مِنْ اللَّهِ وَيَرْغَبُ إلَيْهِ فِيهِ فَيَكُونُ الْمَالُ عِنْدَهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِي حَاجَتِهِ بِمَنْزِلَةِ حِمَارِهِ الَّذِي يَرْكَبُهُ وَبِسَاطِهِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ؛ بَلْ بِمَنْزِلَةِ الْكَنِيفِ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ فَيَكُونُ هَلُوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ؛ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . [نحوه ص663]
    و ( مِنْهَا ) مَا لَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إلَيْهِ فَهَذِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَلِّقَ قَلْبَهُ بِهَا ؛ فَإِذَا تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهَا صَارَ مُسْتَعْبَدًا لَهَا ؛ وَرُبَّمَا صَارَ مُعْتَمِدًا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ حَقِيقَةُ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَلَا حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ؛ بَلْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَشُعْبَةٌ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ أَحَقِّ النَّاسِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ؛ تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ ؛ تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ } وَهَذَا هُوَ عَبْدُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَوْ طَلَبَهَا مِنْ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهَا رَضِيَ ؛ وَإِذَا مَنَعَهُ إيَّاهَا سَخِطَ وَإِنَّمَا عَبْدُ اللَّهِ مَنْ يُرْضِيهِ مَا يُرْضِي اللَّهَ ؛ وَيُسْخِطُهُ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ ؛ وَيُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ وَيُوَالِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُعَادِي أَعْدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي

    ص 193: و " الْجِهَادُ " هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِ الْحَقِّ وَدَفْعُ مَا يَكْرَهُهُ الْحَقُّ فَإِذَا تَرَكَ الْعَبْدُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَحْبُوبَاتِ لَا تُنَالُ غَالِبًا إلَّا بِاحْتِمَالِ الْمَكْرُوهَاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحَبَّةً صَالِحَةً أَوْ فَاسِدَةً فَالْمُحِبُّونَ لِلْمَالِ وَالرِّئَاسَةِ وَالصُّوَرِ لَا يَنَالُونَ مَطَالِبَهُمْ إلَّا بِضَرَرِ يَلْحَقُهُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَالْمُحِبُّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ مَا يَرَى ذُو الرَّأْيِ مِنْ الْمُحِبِّينَ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا يَحْتَمِلُونَ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِهِمْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّتِهِمْ لِلَّهِ إذَا كَانَ مَا يَسْلُكُهُ أُولَئِكَ هُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُشِيرُ بِهِ الْعَقْلُ .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص218: الْفَنَاءَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ لِلْكَامِلِينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاء ِ ؛ وَنَوْعٌ لِلْقَاصِدِينَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ؛ وَنَوْعٌ لِلْمُنَافِقِين َ الْمُلْحِدِينَ الْمُشَبِّهِينَ .
    ( فَأَمَّا الْأَوَّلُ ) فَهُوَ " الْفَنَاءُ عَنْ إرَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ " بِحَيْثُ لَا يُحِبُّ إلَّا اللَّهَ . وَلَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَتَوَكَّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا يَطْلُبُ غَيْرَهُ ....
    ( وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي ) فَهُوَ " الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ السِّوَى " . وَهَذَا يَحْصُلُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ ؛ فَإِنَّهُمْ لِفَرْطِ انْجِذَابِ قُلُوبِهِمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَضَعْفِ قُلُوبِهِمْ عَنْ أَنْ تَشْهَدَ غَيْرَ مَا تَعْبُدُ وَتَرَى غَيْرَ مَا تَقْصِدُ ؛ لَا يَخْطُرُ بِقُلُوبِهِمْ غَيْرُ اللَّهِ ؛ بَلْ وَلَا يَشْعُرُونَ ... وَهَذَا كَثِيرٌ يَعْرِضُ لِمَنْ فَقَمَهُ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ إمَّا حُبٌّ وَإِمَّا خَوْفٌ . وَإِمَّا رَجَاءٌ يُبْقِي قَلْبَهُ مُنْصَرِفًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا عَمَّا قَدْ أَحَبَّهُ أَوْ خَافَهُ أَوْ طَلَبَهُ ؛ بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي ذَلِكَ لَا يَشْعُرُ بِغَيْرِهِ .... وَهَذَا الْفَنَاءُ كُلُّهُ فِيهِ نَقْصٌ . وَأَكَابِرُ الْأَوْلِيَاءِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ : لَمْ يَقَعُوا فِي هَذَا الْفَنَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُمْ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بَعْدَ الصَّحَابَةِ . وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّمَطِ مِمَّا فِيهِ غَيْبَةُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ لِمَا يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ أَحْوَالِ الْإِيمَان ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا أَكْمَلَ وَأَقْوَى وَأَثْبَتَ فِي الْأَحْوَالِ الْإِيمَانِيَّة ِ مِنْ أَنْ تَغِيبَ عُقُولُهُمْ . أَوْ يَحْصُلَ لَهُمْ غَشْيٌ أَوْ صَعْقٌ أَوْ سُكْرٌ أَوْ فَنَاءٌ أَوْ وَلَهٌ أَوْ جُنُونٌ . وَإِنَّمَا كَانَ مَبَادِئُ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي التَّابِعِينَ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ ... [و] الكمل تَكُونُ قُلُوبُهُمْ لَيْسَ فِيهَا سِوَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَعِنْدَهُمْ مِنْ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزِ مَا يَشْهَدُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَلْ يَشْهَدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ مُدَبَّرَةً بِمَشِيئَتِهِ بَلْ مُسْتَجِيبَةً لَهُ قَانِتَةً لَهُ فَيَكُونُ لَهُمْ فِيهَا تَبْصِرَةٌ وَذِكْرَى وَيَكُونُ مَا يَشْهَدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مُؤَيَّدًا وَمُمَدًّا لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إخْلَاصِ الدِّينِ وَتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ لَهُ وَالْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . وَهَذِهِ " الْحَقِيقَةُ " الَّتِي دَعَا إلَيْهَا الْقُرْآنُ وَقَامَ بِهَا أَهْلُ تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ والكمل مِنْ أَهْلِ الْعِرْفَانِ...
    ( وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ ) مِمَّا قَدْ يُسَمَّى فَنَاءً : فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا مَوْجُودَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ فَهَذَا فَنَاءُ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْإِلْحَادِ الْوَاقِعِينَ فِي الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ . [وانظر في الفناء وأنواعه ص337. ]

    ص 272: إذَا تَحَقَّقَ الْقَلْبُ بِالتَّصْدِيقِ وَالْمَحَبَّةِ التَّامَّةِ الْمُتَضَمِّنَة ِ لِلْإِرَادَةِ لَزِمَ وُجُودُ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ إذَا اقْتَرَنَتْ بِهَا الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ لَزِمَ وُجُودُ الْمُرَادِ قَطْعًا وَإِنَّمَا يَنْتَفِي وُجُودُ الْفِعْلِ لِعَدَمِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِعَدَمِ كَمَالِ الْإِرَادَةِ وَإِلَّا فَمَعَ كَمَالِهَا يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيّ ِ فَإِذَا أَقَرَّ الْقَلْبُ إقْرَارًا تَامًّا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَحَبَّهُ مَحَبَّةً تَامَّةً امْتَنَعَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِالشَّهَادَتَي ْنِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَ عَاجِزًا لِخَرَسِ وَنَحْوِهِ أَوْ لِخَوْفِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى النُّطْقِ بِهِمَا . [وانظر 747 وما قبلها . ]

    ص 289: الْعِصْمَةُ الثَّابِتَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ هِيَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ ؛ فَإِنَّ " النَّبِيَّ " هُوَ المنبأ عَنْ اللَّهِ و " الرَّسُولُ " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ نَبِيٍّ رَسُولًا وَالْعِصْمَةُ فِيمَا يُبَلِّغُونَهُ عَنْ اللَّهِ ثَابِتَةٌ فَلَا يَسْتَقِرُّ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَلَكِنْ هَلْ يَصْدُرُ مَا يَسْتَدْرِكُهُ اللَّهُ فَيَنْسَخُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ . ...
    وَأَمَّا الْعِصْمَةُ فِي غَيْرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلِلنَّاسِ فِيهِ نِزَاعٌ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالسَّمْعِ ؟ وَمُتَنَازِعُون َ فِي الْعِصْمَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ ، أَوْ مِنْ بَعْضِهَا ، أَمْ هَلْ الْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِقْرَارِ عَلَيْهَا لَا فِي فِعْلِهَا ؟ أَمْ لَا يَجِبُ الْقَوْلُ بِالْعِصْمَةِ إلَّا فِي التَّبْلِيغِ فَقَطْ ؟ وَهَلْ تَجِبُ الْعِصْمَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَمْ لَا ؟ ... وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ السَّلَفِ إثْبَاتُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الذُّنُوبِ مُطْلَقًا ...
    [يراجع هناك فهو بحث طويل.]

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص295: ... وَالرَّادُّونَ لِذَلِكَ تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمِثْلِ تَأْوِيلَاتِ الجهمية وَالْقَدَرِيَّة ِ وَالدَّهْرِيَّة ِ لِنُصُوصِ " الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ " وَنُصُوصِ " الْقَدَرِ " وَنُصُوصِ " الْمَعَادِ " وَهِيَ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُ أَحَدُهُمْ تَعْظِيمَ الْأَنْبِيَاءِ فَيَقَعُ فِي تَكْذِيبِهِمْ وَيُرِيدُ الْإِيمَانَ بِهِمْ فَيَقَعُ فِي الْكُفْرِ بِهِمْ .

    ص297: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً } وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلَّهِ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةً وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً ...
    وفي ص720-آخر المجلد: بحث كبير في المسألة ، ومما جاء فيه :
    ص738: وَهَذَا الْهَامُّ بِالسَّيِّئَةِ : فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا لِخَشْيَةِ اللَّهِ وَخَوْفِهِ أَوْ يَتْرُكَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِنْ تَرَكَهَا لِخَشْيَةِ اللَّهِ كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً كَمَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَكَمَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { اُكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي أَوْ قَالَ : مِنْ جَرَّائِي } وَأَمَّا إنْ تَرَكَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ } . وَبِهَذَا تَتَّفِقُ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ . وَإِنْ عَمِلَهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ إلَّا سَيِّئَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُضَعِّفُ السَّيِّئَاتِ بِغَيْرِ عَمَلِ صَاحِبِهَا وَلَا يَجْزِي الْإِنْسَانَ فِي الْآخِرَةِ إلَّا بِمَا عَمِلَتْ نَفْسُهُ...
    وقال في ص470: وَكَذَلِكَ الْحَرِيصُ عَلَى السَّيِّئَاتِ الْجَازِمُ بِإِرَادَةِ فِعْلِهَا إذَا لَمْ يَمْنَعْهُ إلَّا مُجَرَّدُ الْعَجْزِ فَهَذَا يُعَاقَبُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةَ الْفَاعِلِ لِحَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ، وَلِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قِيلَ : هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ ؟ قَالَ : إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ } وَفِي لَفْظٍ : { إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ } . فَهَذِهِ " الْإِرَادَةُ " هِيَ الْحِرْصُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَقَدْ وُجِدَ مَعَهَا الْمَقْدُورُ وَهُوَ الْقِتَالُ لَكِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَتْلِ...

    ص297: وَيُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ، وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِلذَّنْبِ وَهُوَ الْهَمُّ وَعَارَضَهُ الْإِخْلَاصُ الْمُوجِبُ لِانْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الذَّنْبِ لِلَّهِ . فَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا حَسَنَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا . وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ : مِنْ أَنَّهُ حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَجَلَسَ مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى يَدِهِ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْحًا فِيهِمْ، وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَنْهُمْ نَقَلَهُ؛ لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْفًا وَاحِدًا .
    وَقَوْلُهُ : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } فَمِنْ كَلَامِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ كَمَا يَدُلُّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ دِلَالَةً بَيِّنَةً لَا يَرْتَابُ فِيهَا مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَيُوسُفُ إذْ ذَاكَ فِي السِّجْنِ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ إلَى الْمَلِكِ وَلَا سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَا رَآهُ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ فِي غَيْبَتِهِ - كَمَا قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } أَيْ لَمْ أَخُنْهُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ عَنِّي وَإِنْ كُنْتُ فِي حَالِ شُهُودِهِ رَاوَدْتُهُ - فَحِينَئِذٍ : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا هَذَا الْقَوْلَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَاد،ِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ؛ بَلْ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص300: وَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَكْفُرْ قَطُّ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ لَيْسَ بِصَوَابِ ؛ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْعَاقِبَةِ وَأَيُّهُمَا كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ فِي عَاقِبَتِهِ كَانَ أَفْضَلَ . فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ بَعْدَ كُفْرِهِمْ هُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَغَيْرِ أَوْلَادِهِمْ ؛ بَلْ مَنْ عَرَفَ الشَّرَّ وَذَاقَهُ ثُمَّ عَرَفَ الْخَيْرَ وَذَاقَهُ فَقَدْ تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَيْرِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ وَمَعْرِفَتُهُ بِالشَّرِّ وَبُغْضُهُ لَهُ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَيَذُقْهُمَا كَمَا ذَاقَهُمَا ؛ بَلْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا الْخَيْرَ فَقَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ فَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ شَرٌّ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَإِمَّا أَنْ لَا يُنْكِرَهُ كَمَا أَنْكَرَهُ الَّذِي عَرَفَهُ . وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجَاهِلِيَّةَ . وَهُوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الْإِسْلَامِ هُوَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَمَامُ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ نَشَأَ فِي الْمَعْرُوفِ لَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ فَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُنْكَرِ وَضَرَرِهِ مَا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْجِهَادِ لِأَهْلِهِ مَا عِنْدَ الْخَبِيرِ بِهِمْ ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ الْخَبِيرُ بِالشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ إذَا كَانَ حَسَنَ الْقَصْدِ عِنْدَهُ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَمَنْعِ أَهْلِهِ وَالْجِهَادِ لَهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْظَمَ إيمَانًا وَجِهَادًا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَكَمَالِ مَحَبَّتِهِمْ لِلْخَيْرِ وَبُغْضِهِمْ لِلشَّرِّ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَقُبْحِ حَالِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ ذَاقَ الْفَقْرَ وَالْمَرَضَ وَالْخَوْفَ أَحْرَصَ عَلَى الْغِنَى وَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ ذَلِكَ .
    وَلِهَذَا يُقَالُ : وَالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ . وَيُقَالُ : وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الْأَشْيَاءُ .
    وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : لَسْتُ بِخِبِّ وَلَا يَخْدَعُنِي الْخِبُّ . فَالْقَلْبُ السَّلِيمُ الْمَحْمُودُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ الْخَيْرَ لَا الشَّرَّ وَكَمَالُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَأَمَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ فَذَاكَ نَقْصٌ فِيهِ لَا يُمْدَحُ بِهِ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَاقَ طَعْمَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي يَكُونُ أَعْلَمَ بِذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْهُ مُطْلَقًا ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُطَّرِدِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الطَّبِيبُ أَعْلَمَ بِالْأَمْرَاضِ مِنْ الْمَرْضَى وَالْأَنْبِيَاء ُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَطِبَّاءُ الْأَدْيَانِ فَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا يُصْلِحُ الْقُلُوبَ وَيُفْسِدُهَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَذُقْ مِنْ الشَّرِّ مَا ذَاقَهُ النَّاسُ .
    وَلَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَوْقِهِ الشَّرَّ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِهِ وَالنُّفُورِ عَنْهُ وَالْمَحَبَّةِ لِلْخَيْرِ إذَا ذَاقَهُ مَا لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ مِثْلُ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا أَوْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَقَدْ عَرَفَ مَا فِي الْكُفْرِ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَالظُّلْمَةِ وَالشَّرِّ ثُمَّ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَعَرَّفَهُ مَحَاسِنَ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَرْغَبَ فِيهِ وَأَكْرَهَ لِلْكُفْرِ مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ ؛ بَلْ هُوَ مُعْرِضٌ عَنْ بَعْضِ حَقِيقَةِ هَذَا وَحَقِيقَةِ هَذَا أَوْ مُقَلِّدٌ فِي مَدْحِ هَذَا وَذَمِّ هَذَا...

    ص323: مَنْ لَهُ ذُنُوبٌ فَتَابَ مِنْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي مَغْفِرَةَ مَا تَابَ مِنْهُ أَمَّا مَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَهُوَ بَاقٍ فِيهِ عَلَى حُكْمِ مَنْ لَمْ يَتُبْ لَا عَلَى حُكْمِ مَنْ تَابَ وَمَا عَلِمْت فِي هَذَا نِزَاعًا إلَّا فِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَإِنَّ إسْلَامَهُ يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ مِنْ الْكُفْرِ فَيُغْفَرُ لَهُ بِالْإِسْلَامِ الْكُفْرُ الَّذِي تَابَ مِنْهُ ، وَهَلْ تُغْفَرُ لَهُ الذُّنُوبُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا فِي الْإِسْلَامِ ؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ :
    ( أَحَدُهُمَا ) يُغْفَرُ لَهُ الْجَمِيعُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ . مَعَ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } .
    ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي ) أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ بِالْإِسْلَامِ إلَّا مَا تَابَ مِنْهُ ؛ فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَبَائِرَ دُونَ الْكُفْرِ فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ أَمْثَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأُصُولُ وَالنُّصُوصُ ...

    ص362:
    وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَالِكًا إنَّمَا احْتَذَى مُوَطَّأَهُ . عَلَى كِتَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص366:
    وَهَذَا ( أَصْلٌ عَظِيمٌ ) وَهُوَ : أَنْ تَعْرِفَ الْحَسَنَةَ فِي نَفْسِهَا عِلْمًا وَعَمَلًا سَوَاءٌ كَانَتْ وَاجِبَةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً . وَتَعْرِفَ السَّيِّئَةَ فِي نَفْسِهَا عِلْمًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا مَحْظُورَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَحْظُورَةٍ - إنْ سُمِّيَتْ غَيْرُ الْمَحْظُورَةِ سَيِّئَةً - وَإِنَّ الدِّينَ تَحْصِيلُ الْحَسَنَاتِ وَالْمَصَالِحِ وَتَعْطِيلُ السَّيِّئَاتِ وَالْمَفَاسِدِ . وَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَجْتَمِعُ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ أَوْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ الْأَمْرَانِ فَالذَّمُّ وَالنَّهْيُ وَالْعِقَابُ قَدْ يَتَوَجَّهُ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ أَحَدُهُمَا فَلا يَغْفُلُ عَمَّا فِيهِ مِنْ النَّوْعِ الآخَرِ كَمَا يَتَوَجَّهُ الْمَدْحُ وَالأَمْرُ وَالثَّوَابُ إلَى مَا تَضَمَّنَهُ أَحَدُهُمَا فَلا يَغْفُلُ عَمَّا فِيهِ مِنْ النَّوْعِ الآخَرِ، وَقَدْ يُمْدَحُ الرَّجُلُ بِتَرْكِ بَعْضِ السَّيِّئَاتِ الْبِدْعِيَّةِ والفجورية لَكِنْ قَدْ يُسْلَبُ مَعَ ذَلِكَ مَا حُمِدَ بِهِ غَيْرُهُ عَلَى فِعْلِ بَعْضِ الْحَسَنَاتِ السُّنِّيَّةِ الْبَرِّيَّةِ . فَهَذَا طَرِيقُ الْمُوَازَنَةِ وَالْمُعَادَلَة ِ وَمَنْ سَلَكَهُ كَانَ قَائِمًا بِالْقِسْطِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ لَهُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ .

    ص368: وَكَانَ " لِلزُّهَّادِ " عِدَّةُ أَسْمَاءٍ : يُسَمَّوْنَ بِالشَّامِ " الجوعية " وَيُسَمَّوْنَ بِالْبَصْرَةِ " الفقرية " و " الْفِكْرِيَّةَ " وَيُسَمَّوْنَ بِخُرَاسَانَ " الْمَغَارِبَةَ " وَيُسَمَّوْنَ أَيْضًا " الصُّوفِيَّةَ وَالْفُقَرَاءَ " . وَالنِّسْبَةُ فِي " الصُّوفِيَّةِ " إلَى الصُّوفِ ؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ لِبَاسِ الزُّهَّادِ .

    ص371: الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ مَا ثَبَتَ قُبْحُهُ مِنْ الْبِدَعِ وَغَيْرِ الْبِدَعِ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذَا صَدَرَ عَنْ شَخْصٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُعْذَرُ فِيهِ ؛ إمَّا لِاجْتِهَادِ أَوْ تَقْلِيدٍ يُعْذَرُ فِيهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ كَمَا قَدْ قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَرَّرْته أَيْضًا فِي أَصْلِ " التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ " الْمَبْنِيِّ عَلَى أَصْلِ الْوَعِيدِ . فَإِنَّ نُصُوصَ " الْوَعِيدِ " الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَنُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُسْتَلْزَمُ ثُبُوتُ مُوجَبِهَا فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ . هَذَا فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَعِيدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ وَغَضَبِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خَالِدٌ فِي النَّارِ أَوْ غَيْرُ خَالِدٍ وَأَسْمَاءُ هَذَا الضَّرْبِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ يَدْخُلُ فِي هَذِهِ " الْقَاعِدَةِ " سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ بِدْعَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ أَوْ عِبَادِيَّةٍ أَوْ بِسَبَبِ فُجُورٍ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْفِسْقُ بِالْأَعْمَالِ . فَأَمَّا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا ؛ فَإِنَّ جِهَادَ الْكُفَّارِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِدَعْوَتِهِمْ ؛ إذْ لَا عَذَابَ إلَّا عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الرِّسَالَةُ وَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ الْفُسَّاقِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ .

    ص372: وَهُنَا قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا : وَهُوَ أَنَّ مَا عَادَ مِنْ الذُّنُوبِ بِإِضْرَارِ الْغَيْرِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَعُقُوبَتُنَا لَهُ فِي الدُّنْيَا أَكْبَرُ، وَأَمَّا مَا عَادَ مِنْ الذُّنُوبِ بِمَضَرَّةِ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ فَقَدْ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ، وَإِنْ كُنَّا نَحْنُ لَا نُعَاقِبُهُ فِي الدُّنْيَا . وَإِضْرَارُ الْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ هُوَ ظُلْمُ النَّاسِ ؛ فَالظُّلْمُ لِلْغَيْرِ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا لَا مَحَالَةَ لِكَفِّ ظُلْمِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ثُمَّ هُوَ نَوْعَانِ :
    أَحَدُهُمَا: مَنْعُ مَا يَجِبُ لَهُمْ مِنْ الْحُقُوقِ وَهُوَ التَّفْرِيطُ .
    والثَّانِي: فِعْلُ مَا يَضُرُّ بِهِ وَهُوَ الْعُدْوَانُ . فَالتَّفْرِيطُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ...

    ص385: فَلَا يَسُوغُ الْخُرُوجُ عَنْ مُوجَبِ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسُوغُ الذَّمُّ وَالْعُقُوبَةُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَسُوغُ جَعْلُ الشَّيْءِ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ صَوَابًا أَوْ خَطَأً بِالشُّبُهَاتِ وَاَللَّهُ يَهْدِينَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ؛ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .
    وَبَقِيَتْ هُنَا " الْمَسْأَلَةُ " الَّتِي تَشْتَبِهُ غَالِبًا وَهُوَ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فِي الظَّاهِرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فِيهِ عُذْرًا شَرْعِيًّا .
    مِثْلُ وَجْدٍ خَرَجَ فِيهِ عَنْ الشَّرْعِ لَا يُدْرَى أَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ أَمْ مُتَصَنِّعٌ وَأَخْذُ مَالٍ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فِي الظَّاهِرِ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ طِيبَ قَلْبِ صَاحِبِهِ بِهِ فَهَذَا إنْ قِيلَ : يُنْكَرُ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا وَإِنْ قِيلَ : لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ ، لَزِمَ إقْرَارُ الْمَجْهُولِينَ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ فِي الظَّاهِرِ فَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُخَاطَبَ صَاحِبُهُ أَوَّلًا بِرِفْقِ وَيُقَالَ لَهُ : هَذَا فِي الظَّاهِرِ مُنْكَرٌ وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى نَفْسِك فَأَخْبِرْنَا بِحَالِك فِيهِ ، أَوْ لَا تُظْهِرْهُ حَيْثُ يَكُونُ إظْهَارُهُ فِتْنَةً وَتَسْلُكُ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةً لَا تُفْضِي إلَى إقْرَارِ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا لَوْمِ الْبُرَآءِ .
    وَالضَّابِطُ: أَنَّ مَنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ = أُقِرَّ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ كَذِبٌ وَحَرَامٌ. وَمَنْ عُرِفَ مِنْهُ الْكَذِبُ أَوْ الْخِيَانَةُ = لَمْ يُقَرَّ عَلَى الْمَجْهُولِ ، وَأَمَّا الْمَجْهُولُ = فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص394: وَأَمَّا الْخَلَوَاتُ فَبَعْضُهُمْ يَحْتَجُّ فِيهَا بِتَحَنُّثِهِ بِغَارِ حِرَاءٍ قَبْلَ الْوَحْيِ وَهَذَا خَطَأٌ ؛ فَإِنَّ مَا فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ إنْ كَانَ قَدْ شَرَعَهُ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِهِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا . وَهُوَ مِنْ حِينِ نَبَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَصْعَدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَارِ حِرَاءٍ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ . وَقَدْ أَقَامَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَعَامَ الْفَتْحِ أَقَامَ بِهَا قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَتَاهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ؛ وَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَ لَيَالٍ وَغَارُ حِرَاءٍ قَرِيبٌ مِنْهُ وَلَمْ يَقْصِدْهُ .

    ص402: وَابْنُ سِينَا وَمَنْ تَبِعَهُ أَخَذُوا أَسْمَاءً جَاءَ بِهَا الشَّرْعُ فَوَضَعُوا لَهَا مُسَمَّيَاتٍ مُخَالِفَةً لِمُسَمَّيَاتِ صَاحِبِ الشَّرْعِ ثُمَّ صَارُوا يَتَكَلَّمُونَ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِهَا مَا قَصَدَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فَأَخَذُوا مُخَّ الْفَلْسَفَةِ وَكَسَوْهُ لِحَاءَ الشَّرِيعَةِ .

    ص 403: وَمِمَّا يَأْمُرُونَ بِهِ الْجُوعُ وَالسَّهَرُ وَالصَّمْتُ مَعَ الْخَلْوَةِ بِلَا حُدُودٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ سَهَرٌ مُطْلَقٌ وَجُوعٌ مُطْلَقٌ وَصَمْتٌ مُطْلَقٌ مَعَ الْخَلْوَةِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ تُوَلِّدُ لَهُمْ أَحْوَالًا شَيْطَانِيَّةً .
    وَأَبُو طَالِبٍ قَدْ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ أَبُو طَالِبٍ أَكْثَرُ اعْتِصَامًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ . وَلَكِنْ يَذْكُرُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً بَلْ مَوْضُوعَةً مِنْ جِنْسِ أَحَادِيثِ الْمُسَبَّعَاتِ الَّتِي رَوَاهَا عَنْ الْخَضِرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَذِبٌ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قِرَاءَةُ قُرْآنٍ وَيَذْكُرُ أَحْيَانًا عِبَادَاتٍ بِدْعِيَّةً مِنْ جِنْسِ مَا بَالَغَ فِي مَدْحِ الْجُوعِ هُوَ وَأَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرُوا أَنَّهُ يَزِنُ الْخُبْزَ بِخَشَبِ رَطْبٍ كُلَّمَا جَفَّ نَقَصَ الْأَكْلَ . وَذَكَرُوا صَلَوَاتِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَكُلُّهَا كَذِبٌ مَوْضُوعَةٌ ؛ وَلِهَذَا قَدْ يَذْكُرُونَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ .

    ص405:
    فَأَمَّا الْخَلْوَةُ وَالْعُزْلَةُ وَالِانْفِرَادُ الْمَشْرُوعُ فَهُوَ مَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ .
    فَالأَوَّلُ: كَاعْتِزَالِ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ وَمُجَانَبَتِهَ ا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ...

    وَأَمَّا اعْتِزَالُ النَّاسِ فِي فُضُولِ الْمُبَاحَاتِ وَمَا لا يَنْفَعُ وَذَلِكَ بِالزُّهْدِ فِيهِ = فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ، وَقَدْ قَالَ طاوس : نِعْمَ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ بَيْتُهُ يَكُفُّ فِيهِ بَصَرَهُ وَسَمْعَهُ .
    وَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ تَحْقِيقَ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ فَتَخَلَّى فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ مَعَ مُحَافَظَتِهِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهَذَا حَقٌّ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إلَيْهَا يَتَتَبَّعُ الْمَوْتَ مَظَانَّهُ ، وَرَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إلَّا مِنْ خَيْرٍ » . وَقَوْلُهُ : { يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ مَالًا يُزَكِّيهِ وَهُوَ سَاكِنٌ مَعَ نَاسٍ يُؤَذِّنُ بَيْنَهُمْ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فِيهِمْ فَقَدْ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ { مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً إلَّا وَقَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ } وَقَالَ : { عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ مِنْ الْغَنَمِ } .

    ص418: وَكُنْت فِي أَوَائِلِ عُمْرِي حَضَرْت مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ " الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْإِرَادَةِ " فَكَانُوا مِنْ خِيَارِ أَهْلِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ . فَبِتْنَا بِمَكَانِ وَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا سَمَاعًا وَأَنْ أَحْضُرَ مَعَهُمْ فَامْتَنَعْت مِنْ ذَلِكَ فَجَعَلُوا لِي مَكَانًا مُنْفَرِدًا قَعَدْت فِيهِ فَلَمَّا سَمِعُوا وَحَصَلَ الْوَجْدُ وَالْحَالُ صَارَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ يَهْتِفُ بِي فِي حَالِ وَجْدِهِ وَيَقُولُ : يَا فُلَانُ قَدْ جَاءَك نَصِيبٌ عَظِيمٌ تَعَالَ خُذْ نَصِيبَك فَقُلْت فِي نَفْسِي ثُمَّ أَظْهَرْته لَهُمْ لَمَّا اجْتَمَعْنَا : أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ هَذَا النَّصِيبِ فَكُلُّ نَصِيبٍ لَا يَأْتِي عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا آكُلُ مِنْهُ شَيْئًا . وَتَبَيَّنَ لِبَعْضِ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَعِلْمٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ سَكْرَانُ بِالْخَمْرِ . وَاَلَّذِي قُلْته مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا النَّصِيبَ وَهَذِهِ الْعَطِيَّةَ وَالْمَوْهِبَةَ وَالْحَالَ سَبَبُهَا غَيْرُ شَرْعِيٍّ لَيْسَ هُوَ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا شَرَعَهَا الرَّسُولُ فَهُوَ مِثْلُ مَنْ يَقُولُ : تَعَالَ اشْرَبْ مَعَنَا الْخَمْرَ وَنَحْنُ نُعْطِيك هَذَا الْمَالَ أَوْ عَظِّمْ هَذَا الصَّنَمَ وَنَحْنُ نُوَلِّيك هَذِهِ الْوِلَايَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ .

    ص420:
    وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ [النذر] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلا الْتِزَامُ مَا الْتَزَمَهُ وَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ فَيَبْقَى آثِمًا .
    وَإِذَا فَعَلَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ بِلا نَذْرٍ كَانَ خَيْرًا لَهُ. وَالنَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالنَّذْرِ تَحْصِيلَ مُطَالِبِهِمْ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّذْرَ لا يَأْتِي بِخَيْرِ فَلَيْسَ النَّذْرُ سَبَبًا فِي حُصُولِ مَطْلُوبِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاذِرَ إذَا قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ حَفَّظَنِي اللَّهُ الْقُرْآنَ أَنْ أَصُومَ مَثَلًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ إنْ عَافَانِي اللَّهُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ أَوْ إنْ دَفَعَ اللَّهُ هَذَا الْعَدُوَّ أَوْ إنْ قَضَى عَنِّي هَذَا الدَّيْنَ فَعَلْت كَذَا فَقَدْ جَعَلَ الْعِبَادَةَ الَّتِي الْتَزَمَهَا عِوَضًا مِنْ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ .
    وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَقْضِي تِلْكَ الْحَاجَةَ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمَنْذُورَةِ بَلْ يُنْعِمُ عَلَى عَبْدِهِ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ لِيَبْتَلِيَهُ أَيَشْكُرُ أَمْ يَكْفُرُ ؟ وَشُكْرُهُ يَكُونُ بِفِعْلِ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَاهُ عَنْهُ .
    وَأَمَّا تِلْكَ الْعِبَادَةُ الْمَنْذُورَةُ فَلَا تَقُومُ بِشُكْرِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَلَا يُنْعِمُ اللَّهُ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِيَعْبُدَهُ الْعَبْدُ تِلْكَ الْعِبَادَةَ الْمَنْذُورَةَ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً فَصَارَتْ وَاجِبَةً ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُوجِبْ تِلْكَ الْعِبَادَةَ ابْتِدَاءً بَلْ هُوَ يَرْضَى مِنْ الْعَبْدِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبَ الْمَحَارِمَ ، لَكِنَّ هَذَا النَّاذِرَ يَكُونُ قَدْ ضَيَّعَ كَثِيرًا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ ثُمَّ بَذَلَ ذَلِكَ النَّذْرَ لِأَجْلِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَتِلْكَ النِّعْمَةُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُنْعِمَ اللَّهُ بِهَا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْمَبْذُولِ الْمُحْتَقَرِ .
    وَإِنْ كَانَ الْمَبْذُولُ كَثِيرًا وَالْعَبْدُ مُطِيعٌ لِلَّهِ : فَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يحوجه إلَى ذَلِكَ الْمَبْذُولِ الْكَثِيرِ ؛ فَلَيْسَ النَّذْرُ سَبَبًا لِحُصُولِ مَطْلُوبِهِ كَالدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَسْبَابًا لِحُصُولِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ إذَا فَعَلَهَا الْعَبْدُ ابْتِدَاءً ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ مَنْفَعَةً وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةً لَكِنَّهُ كَانَ بَخِيلًا فَلَمَّا نَذَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتَخْرِجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ فَيُعْطِي عَلَى النَّذْرِ مَا لَمْ يَكُنْ يُعْطِيهِ بِدُونِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَم .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص427:
    وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ ؛ فَهَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ أَوْ قَادِرًا عَلَيْهِ بِتَفْوِيتِ مَا هُوَ فِيهِ أَطْوَعُ لِلَّهِ مِنْ الْكَسْبِ ؛ فَفِعْلُ مَا هُوَ فِيهِ أَطْوَعُ هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ أَحْوَالِ النَّاسِ .
    وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ يَتَنَوَّعُ " تَارَةً " بِحَسَبِ أَجْنَاسِ الْعِبَادَاتِ ؛ كَمَا أَنَّ جِنْسَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِرَاءَةِ ، وَجِنْسَ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الذِّكْرِ ، وَجِنْسَ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ .

    و " تَارَةً " يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَالذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الصَّلَاةِ .

    و " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ عَمَلِ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرِ كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هُوَ الْمَشْرُوعُ دُونَ الْقِرَاءَةِ وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ مَشْرُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ فَفِيهَا نِزَاعٌ مَعْرُوفٌ .

    و " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ : كَمَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَعِنْدَ الْجِمَارِ وَعِنْدَ الصَّفَا والمروة هُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لِلْوَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَالصَّلَاةُ لِلْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ .

    وَ " تَارَةً " بِاخْتِلَافِ مَرْتَبَةِ جِنْسِ الْعِبَادَةِ : فَالْجِهَادُ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجِهَادُهُنَّ الْحَجُّ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَزَوِّجَة ُ طَاعَتُهَا لِزَوْجِهَا أَفْضَلُ مِنْ طَاعَتِهَا لِأَبَوَيْهَا ؛ بِخِلَافِ الْأَيِّمَةِ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِطَاعَةِ أَبَوَيْهَا .

    و " تَارَةً " يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَعَجْزِهِ : فَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ أَفْضَلَ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ يَغْلُو فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَيَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ .
    فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ لِمُنَاسَبَةِ لَهُ وَلِكَوْنِهِ أَنْفَع لِقَلْبِهِ وَأَطْوَع لِرَبِّهِ = يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَفْضَلَ لِجَمِيعِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ ! وَاَللَّهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعِبَادِ وَهَدْيًا لَهُمْ يَأْمُرُ كُلَّ إنْسَانٍ بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ نَاصِحًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ .
    وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْجِهَادِ أَفْضَلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ تَطَوُّعُهُ بِالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ - كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ - أَفْضَلَ لَهُ وَالْأَفْضَلُ الْمُطْلَقُ مَا كَانَ أَشْبَهَ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا . فَإِنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

    ص440: ... وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ كَالْإِيمَانِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِحَالِ فَلا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ الْفَرْضَ لا لِعُذْرِ وَلا لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ كَمَا لا يُؤْمِنُ أَحَدٌ عَنْهُ وَلا تَسْقُطُ بِحَالِ؛ كَمَا لَا يَسْقُطُ الْإِيمَانُ ؛ بَلْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ حَاضِرًا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ أَفْعَالِهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ الأَفْعَالِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الأَقْوَالِ ، فَهَلْ يُصَلِّي بِتَحْرِيكِ طَرْفِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْأَفْعَالَ بِقَلْبِهِ ؟
    فِيهِ قَوْلانِ لِلْعُلَمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ الأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ .

    ص445: وَأَمَّا " الْجُنُونُ " فَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ عَنْهُ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ نَقَائِصِ الْإِنْسَانِ ؛ إذْ كَمَالُ الْإِنْسَانِ بِالْعَقْلِ وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ إزَالَةَ الْعَقْلِ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَحَرَّمَ مَا يَكُونُ ذَرِيعَةً إلَى إزَالَةِ الْعَقْلِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ ؛ فَحَرَّمَ الْقَطْرَةَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعَقْلَ ؛ لِأَنَّهَا ذَرِيعَةٌ إلَى شُرْبِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُزِيلُ الْعَقْلَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَ هَذَا زَوَالُ الْعَقْلِ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مُقَرِّبًا إلَى وِلَايَةِ اللَّهِ كَمَا يَظُنُّهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ فِي هَؤُلَاءِ : «هُمْ مَعْشَرٌ حَلُّوا النِّظَامَ وَخَرَقُوا السِّيَاجَ فَلَا فَرْضٌ لَدَيْهِمْ وَلَا نَفْلٌ مَجَانِينُ إلَّا أَنَّ سِرَّ جُنُونِهِمْ عَزِيزٌ عَلَى أَبْوَابِهِ يَسْجُدُ الْعَقْلُ » فَهَذَا كَلَامُ ضَالٍّ ؛ بَلْ كَافِرٍ يَظُنُّ أَنَّ لِلْمَجْنُونِ سِرًّا يَسْجُدُ الْعَقْلُ عَلَى بَابِهِ ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنْ بَعْضِ الْمَجَانِينِ مِنْ نَوْعِ مُكَاشَفَةٍ أَوْ تَصَرُّفٍ عَجِيبٍ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ . وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّيَاطِينِ كَمَا يَكُونُ لِلسَّحَرَةِ وَالْكُهَّانِ فَيَظُنُّ هَذَا الضَّالُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَاشَفَ أَوْ خَرَقَ عَادَةً كَانَ وَلِيًّا لِلَّهِ . وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِين َ فَضْلًا عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الْمُكَاشَفَاتِ وَخَرْقِ الْعَادَاتِ بِسَبَبِ شَيَاطِينِهِمْ أَضْعَافُ مَا لِهَؤُلَاءِ ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَضَلَّ وَأَكْفَرَ كَانَ الشَّيْطَانُ إلَيْهِ أَقْرَبَ ؛ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي جَمِيعِ مُكَاشَفَةِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ.. .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ص449: وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ سبيعة الأسلمية وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ قَلَائِلَ فَقَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بعكك : مَا أَنْتَ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْكِ آخِرُ الْأَجَلَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ بَلْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي } وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ عَامِرًا قَتَلَ نَفْسَهُ وَحَبِطَ عَمَلُهُ فَقَالَ : " كَذَبَ مَنْ قَالَهَا ؛ إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ " وَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ أسيد بْنَ الحضير ؛ لَكِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ كَذَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ فِيمَا يُفْتُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِم ْ : إنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَهُوَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ . فَإِذَا كَانَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ الْمَغْفُورِ لَهُ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ ؟ فَهَذَا خَطَؤُهُ أَيْضًا مِنْ الشَّيْطَانِ مَعَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْمُجْتَهِدُ خَطَؤُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ ؛ كَمَا أَنَّ الِاحْتِلَامَ وَالنِّسْيَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَغْفُورٌ ، بِخِلَافِ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ فَهَذَا كَاذِبٌ آثِمٌ فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِلُ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ وَيُوحِي إلَيْهِ بِحَسَبِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ وَيُطْرَدُ بِحَسَبِ إخْلَاصِهِ لِلَّهِ وَطَاعَتِهِ لَهُ قَالَ تَعَالَى : { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } .

    ص 480: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ : لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْحَقَّ إذَا وَافَقَ هَوَاهُ وَيُخَالِفُهُ إذَا خَالَفَ هَوَاهُ فَإِذَا أَنْتَ لا تُثَابُ عَلَى مَا اتَّبَعْته مِنْ الْحَقِّ ، وَتُعَاقَبُ عَلَى مَا خَالَفْته . وَهُوَ كَمَا قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعَ هَوَاهُ لَمْ يَعْمَلْ لِلَّهِ .

    ص 503: وَقَالَتْ عَائِشَةُ : « كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعَاقِبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ يُعَاقِبُ لِلَّهِ وَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ يَعْفُو عَنْ حُظُوظِهِ وَأَمَّا حُدُودُ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ :{ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
    وَهَذَا هُوَ كَمَالُ الْإِرَادَةِ ؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ وَكَرِهَ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
    وَأَمَّا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ يُعَاقِبُ وَلا يَنْتَقِمُ بَلْ يَسْتَوْفِي حَقَّ رَبِّهِ ، وَيَعْفُو عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ وَفِي حَظِّ نَفْسِهِ يَنْظُرُ إلَى الْقَدَرِ . فَيَقُولُ : " لَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ " وَفِي حَقِّ اللَّهِ يَقُومُ بِالأَمْرِ فَيَفْعَلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَكْمَلَ الْجِهَادِ الْمُمْكِنِ فَجَاهَدَهُمْ أَوَّلًا بِلِسَانِهِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا } { فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } .
    ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ . وَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى لَمَّا لَامَ مُوسَى آدَمَ لِكَوْنِهِ أَخْرَجَ نَفْسَهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ الْجَنَّةِ بِالذَّنْبِ الَّذِي فَعَلَهُ فَأَجَابَهُ آدَمَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِمُدَّةِ طَوِيلَةٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى " وَذَلِكَ لأَنَّ مَلامَ مُوسَى لآدَمَ لَمْ يَكُنْ لِحَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا لَحِقَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمُصِيبَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَذَكَرَ لَهُ آدَمَ أَنَّ هَذَا كَانَ أَمْرًا مُقَدَّرًا لا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ، وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تُصِيبُ الْعِبَادَ يُؤْمَرُونَ فِيهَا بِالصَّبْرِ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ .
    وَأَمَّا لَوْمُهُمْ لِمَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهَا فَلا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الأُمُورِ الَّتِي تَنْفَعُهُمْ يُؤْمَرُونَ فِي ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَدَرِ، وَأَمَّا التَّأَسُّفُ وَالْحُزْنُ فَلا فَائِدَةَ فِيهِ، فَمَا جَرَى بِهِ الْقَدَرُ مِنْ فَوْتِ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ أَوْ حُصُولِ مَضَرَّةٍ لَهُمْ فَلْيَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ إلَى الْقَدَرِ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ فَلْيَجْتَهِدُو ا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي، وَالْإِصْلَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَنْفَعُهُمْ وَهُوَ مَقْدُورٌ لَهُمْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُمْ .

    ص511: وَ " الزُّهْدُ " النَّافِعُ الْمَشْرُوعُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ هُوَ: الزُّهْدُ فِيمَا لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ وَمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالزُّهْدُ فِيهِ زُهْدٌ فِي نَوْعٍ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَالزُّهْدُ إنَّمَا يُرَادُ لِأَنَّهُ زُهْدٌ فِيمَا يَضُرُّ أَوْ زُهْدٌ فِيمَا لا يَنْفَعُ فَأَمَّا الزُّهْدُ فِي النَّافِعِ = فَجَهْلٌ وَضَلَالٌ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَنَّ } " .
    وَالنَّافِعُ لِلْعَبْدِ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ، وَكُلَّمَا صَدَّهُ عَنْ ذَلِكَ= فَإِنَّهُ ضَارٌّ لا نَافِعَ، ثُمَّ الْأَنْفَعُ لَهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ أَعْمَالِهِ عِبَادَةً لِلَّهِ وَطَاعَةً لَهُ.
    وَإِنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ وَفَعَلَ مُبَاحًا لا يُعِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ فَقَدْ فَعَلَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّهُ .

    وَكَذَلِكَ " الْوَرَعُ " الْمَشْرُوعُ هُوَ الْوَرَعُ عَمَّا قَدْ تُخَافُ عَاقِبَتُهُ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ تَحْرِيمُهُ، وَمَا يَشُكُّ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِهِ ....
    [أما] مَنْ يَتْرُكُ أَخْذَ الشُّبْهَةِ وَرَعًا مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، وَيَأْخُذُ بَدَلَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا بَيِّنًا تَحْرِيمُهُ
    أَوْ يَتْرُكُ وَاجِبًا تَرْكُهُ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ فِعْلِهِ مَعَ الشُّبْهَةِ كَمَنْ يَكُونُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ عَلَيْهِ دُيُونٌ هُوَ مُطَالَبٌ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَفَاءٌ إلَّا مِنْ مَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَيَتَوَرَّعُ عَنْهَا وَيَدَعُ ذِمَّتَهُ أَوْ ذِمَّةَ أَبِيهِ مُرْتَهِنَةً [فهذا ورع غير مشروع] .

    وَكَذَلِكَ مِنْ " الْوَرَعِ " الِاحْتِيَاطُ بِفِعْلِ مَا يَشُكُّ فِي وُجُوبِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ .
    وَتَمَامُ " الْوَرَعِ " أَنْ يَعلم الْإِنْسَانَ خَيْرُ الْخَيْرَيْنِ وَشَرُّ الشَّرَّيْنِ ، وَيَعْلَمَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا. وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يُوَازِنْ مَا فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَفْسَدَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ يَدَعُ وَاجِبَاتٍ وَيَفْعَلُ مُحَرَّمَاتٍ . وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ؛ كَمَنْ يَدْعُ الْجِهَادَ مَعَ الْأُمَرَاءِ الظَّلَمَةِ وَيَرَى ذَلِكَ وَرَعًا وَيَدَعُ الْجُمْعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ فِيهِمْ بِدْعَةٌ أَوْ فُجُورٌ وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ الْوَرَعِ وَيَمْتَنِعُ عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الصَّادِقِ وَأَخْذِ عِلْمِ الْعَالِمِ لِمَا فِي صَاحِبِهِ مِنْ بِدْعَةٍ خَفِيَّةٍ وَيَرَى تَرْكَ قَبُولِ سَمَاعِ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ سَمَاعُهُ مِنْ الْوَرَعِ !

    وجاء في 615:
    " الزُّهْدُ " هُوَ عَمَّا لَا يَنْفَعُ؛ إمَّا لِانْتِفَاءِ نَفْعِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَرْجُوحًا ؛ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِمَا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ، أَوْ مُحَصِّلٌ لِمَا يَرْبُو ضَرَرُهُ عَلَى نَفْعِهِ .
    وَأَمَّا الْمَنَافِعُ الْخَالِصَةُ أَوْ الرَّاجِحَةُ : فَالزُّهْدُ فِيهَا حُمْقٌ .
    وَأَمَّا " الْوَرَعُ " فَإِنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَمَّا قَدْ يَضُرُّ فَتَدْخُلُ فِيهِ الْمُحَرَّمَاتُ وَالشُّبُهَاتُ لِأَنَّهَا قَدْ تَضُرُّ . فَإِنَّهُ مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَات وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ .
    وَأَمَّا " الْوَرَعُ " عَمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ أَوْ فِيهِ مَضَرَّةٌ مَرْجُوحَةٌ - لِمَا تَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ رَاجِحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ أُخْرَى رَاجِحَةٍ - فَجَهْلٌ وَظُلْمٌ .
    وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ " ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ " لَا يَتَوَرَّعُ عَنْهَا :
    الْمَنَافِعُ الْمُكَافِئَةُ ، وَالرَّاجِحَةُ ، وَالْخَالِصَةُ : كَالْمُبَاحِ الْمَحْضِ، أَوْ الْمُسْتَحَبِّ، أَوْ الْوَاجِبِ فَإِنَّ الْوَرَعَ عَنْهَا ضَلَالَةٌ . ...

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    ما شاء الله !
    جزاكم الله خيرًا .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    شكر الله لكم وبارك فيكم

    ص544: " حُسْنُ الْقَصْدِ " مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى نَيْلِ الْعِلْمِ وَدَرْكِهِ .
    وَ " الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ " مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَى حُسْنِ الْقَصْدِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ قَائِدٌ وَالْعَمَلَ سَائِقٌ ، وَالنَّفْسَ حَرُونٌ، فَإِنْ وَنَى قَائِدُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِسَائِقِهَا، وَإِنْ وَنَى سَائِقُهَا لَمْ تَسْتَقِمْ لِقَائِدِهَا فَإِذَا ضَعُفَ الْعِلْمُ حَارَ السَّالِكُ وَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَسْلُكُ فَغَايَتُهُ أَنْ يستطرح لِلْقَدَرِ، وَإِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ حَارَ السَّالِكُ عَنْ الطَّرِيقِ فَسَلَكَ غَيْرَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ تَرَكَهُ ، فَهَذَا حَائِرٌ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَسْلُكُ مَعَ كَثْرَةِ سَيْرِهِ، وَهَذَا حَائِرٌ عَنْ الطَّرِيقِ زَائِغٌ عَنْهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ . قَالَ تَعَالَى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . هَذَا جَاهِلٌ وَهَذَا ظَالِمٌ . قَالَ تَعَالَى : { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } . مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ وَالظُّلْمَ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ الْجَاهِلَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ ظَالِمٌ ، وَالظَّالِمُ جَهِلَ الْحَقِيقَةَ الْمَانِعَةَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ ...

    ص546: فَالْكَمَالُ الْمُطْلَقُ لِلْإِنْسَانِ هُوَ تَكْمِيلُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ عِلْمًا وَقَصْدًا ... وَ " عِبَادَتُهُ " طَاعَةُ أَمْرِهِ ، وَأَمْرُهُ لَنَا مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ عَنْهُ ؛ فَالْكَمَالُ فِي كَمَالِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَتَرَكَ هَوَاهُ وَاسْتَسْلَمَ لِلْقَدَرِ، أَوْ اجْتَهَدَ فِي الطَّاعَةِ فَأَخْطَأَ ، فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إلَى مَا اعْتَقَدَهُ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ تَعَارَضَتْ عِنْدَهُ الْأَدِلَّةُ فَتَوَقَّفَ عَمَّا هُوَ طَاعَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَؤُلَاءِ مُطِيعُونَ لِلَّهِ مُثَابُونَ عَلَى مَا أَحْسَنُوهُ مِنْ الْقَصْدِ لِلَّهِ وَاسْتَفْرَغُوه ُ مِنْ وُسْعِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا عَجَزُوا عَنْ عِلْمِهِ فَأَخْطَئُوهُ إلَى غَيْرِهِ فَمَغْفُورٌ لَهُمْ .
    وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ فِتَنٍ تَقَعُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فَإِنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا هُمْ مُجْتَهِدُونَ فِيهَا وَقَدْ أَخْطَئُوا فَتَبْلُغُ أَقْوَامًا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا فِيهَا الذَّنْبَ، أَوْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ لَا يُعْذَرُونَ بِالْخَطَأ،ِ وَهُمْ أَيْضًا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ، فَيَكُونُ هَذَا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا فِي إنْكَارِهِ، وَالْكُلُّ مَغْفُورٌ لَهُمْ .
    وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا مُذْنِبًا؛ كَمَا قَدْ يَكُونَانِ جَمِيعًا مُذْنِبِينَ .

    ص551: سُئِلَ عَنْ " إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ " و " قُوتِ الْقُلُوبِ " إلَخْ
    الْجَوَابُ
    . فَأَجَابَ : أَمَّا ( كِتَابُ قُوتِ الْقُلُوبِ ) و ( كِتَابُ الْإِحْيَاءِ ) تَبَعٌ لَهُ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ : مِثْلَ الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالْحُبِّ وَالتَّوَكُّلِ وَالتَّوْحِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    وَأَبُو طَالِبٍ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْأَثَرِ ، وَكَلَامِ أَهْلِ عُلُومِ الْقُلُوبِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ، وَكَلَامُهُ أَسَدُّ وَأَجْوَدُ تَحْقِيقًا، وَأَبْعَدُ عَنْ الْبِدْعَةِ مَعَ أَنَّ فِي " قُوتِ الْقُلُوبِ " أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً وَمَوْضُوعَةً ، وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةً مَرْدُودَةً .
    وَأَمَّا مَا فِي ( الْإِحْيَاءِ ) مِنْ الْكَلَامِ فِي " الْمُهْلِكَاتِ " مِثْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَغَالِبُهُ مَنْقُولٌ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسَبِيِّ فِي الرِّعَايَةِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَقْبُولٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَرْدُودٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ .
    و " الْإِحْيَاءُ " فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ؛ لَكِنْ فِيهِ مَوَادُّ مَذْمُومَةٌ فَإِنَّهُ فِيهِ مَوَادُّ فَاسِدَةٌ مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ تَتَعَلَّقُ بِالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، فَإِذَا ذَكَرَ مَعَارِفَ الصُّوفِيَّةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَخَذَ عَدُوًّا لِلْمُسْلِمِينَ أَلْبَسَهُ ثِيَابَ الْمُسْلِمِينَ .
    وَقَدْ أَنْكَرَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى " أَبِي حَامِدٍ " هَذَا فِي كُتُبِهِ .
    وَقَالُوا : مَرَّضَهُ " الشِّفَاءُ " يَعْنِي: شِفَاءَ ابْنِ سِينَا فِي الْفَلْسَفَةِ .
    وَفِيهِ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ ضَعِيفَةٌ ؛ بَلْ مَوْضُوعَةٌ كَثِيرَةٌ .
    وَفِيهِ أَشْيَاءُ مِنْ أَغَالِيطِ الصُّوفِيَّةِ وَتُرَّهَاتِهِم ْ .
    وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ الْعَارِفِينَ الْمُسْتَقِيمِي نَ فِي أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَالْأَدَبِ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا يَرِدُ مِنْهُ؛ فَلِهَذَا اخْتَلَفَ فِيهِ اجْتِهَادُ النَّاسِ وَتَنَازَعُوا فِيهِ .

    ص573: فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ إبَاحَتِهِ نِكَاحَ الْإِمَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ وَخَشْيَةِ الْعَنَتِ قَالَ : { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الصَّبْرُ مَعَ خَشْيَةِ الْعَنَتِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ النِّكَاحُ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهُ .
    وَكَذَلِكَ مَنْ أَبَاحَ " الِاسْتِمْنَاءَ " عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَالصَّبْرُ عَنْ الِاسْتِمْنَاءِ أَفْضَلُ .
    فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : «أَنَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ خَيْرٌ مِنْهُ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الزِّنَا » فَإِذَا كَانَ الصَّبْرُ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ أَفْضَلَ فَعَنْ الِاسْتِمْنَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَفْضَلُ . لَا سِيَّمَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَوْ أَكْثَرُهُمْ يَجْزِمُونَ بِتَحْرِيمِهِ مُطْلَقًا ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ - يَعْنِي عَنْ أَحْمَد - أَنَّهُ مُحَرَّمٌ إلَّا إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ .
    وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ .
    فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ قَالَ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ : { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ } فَفِيهِ أَوْلَى . وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ كِلَيْهِمَا مُمْكِنٌ . فَإِذَا كَانَ قَدْ أَبَاحَ مَا يُمْكِنُ الصَّبْرُ عَنْهُ فَذَلِكَ لِتَسْهِيلِ التَّكْلِيفِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } .
    و " الِاسْتِمْنَاءُ " لَا يُبَاحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا سَوَاءٌ خُشِيَ الْعَنَتُ، أَوْ لَمْ يُخْشَ ذَلِكَ . وَكَلَامُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَد فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ خَشِيَ " الْعَنَتَ " ـ وَهُوَ: الزِّنَا وَاللِّوَاطُ ـ خَشْيَةً شَدِيدَةً خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ؛ فَأُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ لِتَكْسِيرِ شِدَّةِ عَنَتِهِ وَشَهْوَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَلَذُّذًا، أَوْ تَذَكُّرًا، أَوْ عَادَةً ؛ بِأَنْ يَتَذَكَّرَ فِي حَالِ اسْتِمْنَائِهِ صُورَةً كَأَنَّهُ يُجَامِعُهَا = فَهَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحْمَد، وَلَا غَيْرُهُ، وَقَدْ أَوْجَبَ فِيهِ بَعْضُهُمْ الْحَدَّ ، وَالصَّبْرُ عَنْ هَذَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا مِنْ الْمُسْتَحَبَّا تِ .
    وَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَوَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ تَشْتَهِيهَا وَتَهْوَاهَا .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    1

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    و بعد :
    فقد تصفحت جميع المواضيع التي تخص فقه السلوك الإسلامي لشيخنا العزيز الفاضل الحبيب عبد الرجمن السديسي الذي كتبه و لخصه عن شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية ، و هي مواضيع قيمة و لكنها ليست في متناول طلابنا في عصرنا الحديث ، لهذا تحتاج إلى شرح و إلى اختصار حتى تكون في متناول جميع الوافدين الذين يفدون على هذا المنتدى الفريد و الذي يضم مجموعة من العلماء الراسخين و الأئمة المحترمين ، لهذا فأنا مستعد لأكتب فيه عن التحصينات الشرعية و بعض القبسات النبوية نسال الله سبحانه و تعلى ان ينفع بها جميع المسلمين .
    و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الفقير إلى الله أحمد الغياتي .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,699

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    بارك الله فيك وجزاك خيرا وأعانك على ذلك وسددك

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    147

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    بارك الله فيك وجزاك خيرا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    بارك الله فيك شيخنا الحبيب عبد الرحمن السديس

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    نفع الله بك الاسلام والمسلمين

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية حرسها الله
    المشاركات
    1,496

    افتراضي رد: فوائد من المجلد العاشر من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية «السلوك »

    جزاك الله خيراً

    ورحم الله شيخ الإسلام وغفر له

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •