تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الإيمان باليوم الآخر رؤية حضارية !!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي الإيمان باليوم الآخر رؤية حضارية !!



    لم يكن العلم الشرعي كجزء من أخص وأهم أجزاء الموروث المحمدي (= العلماء ورثة الأنبياء ) ورِث ليكون على هيئة تصورات عقلية محضة بعيدة عن عالم الواقع وصناعة الحياة ، فترى بعض من اشتغل بتحصيل العلم يحمل نفسة كلفة ومشقة بحفظ متون عديدة في فنون وسائلية ويجهد عقله وفكره في الغوص بجزئيات من المسائل العويصة التي هي إلى الألغاز أقرب ، وهو على هذا مهمل لمقصود العلم الشرعي المحمود في كونه أتى لصناعة حضارة الأمة عن طريق تجسيد المقولات التصورية بأفعال لها حقيقتها في الواقع تشكل بمجموعها حضارة شمولية تقوم بصناعة الحياة على نور إلهي يضيء للبشرية طريقها ويتمكن المسلمون بتحقيق الوعد الرباني بالاستخلاف والتمكين !!

    وبالنظر الآني لواقع الحياة نرى احتداماً وتدافع على المستوى الحضاري قد دالت به الأيام لصالح الأمة الغربية بعد رحلة شاقة ومضنية على مستوى التصورات والنظر إلى الكون والإنسان والإله جعل نهاية مطافها إلى علمانية شاملة تندس المقدس وتؤله الطبيعة والإنسان (= كاتجاهين مختلفين سائدين في الغرب ) وتقضي بموت الإله المتخفي في سراديب الماوراء ، فنظرتها إلى الكون والحياة والإنسان محصورة على نطاق ما تدركه بحواسها كنتيجة لأعمال تجاربية أقيمت على مادة جامدة خامدة من الشعور والإرادة ؛ فانحطت بالكائن الإنساني الراقي بكلمة من الله وتكريمه له إلى مستوى مادي مصلحي مهول ، فأصبحت تنظر إليه (كذات) بمعايير دنيوية بحتة لا تتجاوز عالم الحواس مما جعله يكون كأي سلعه مادية خالية من التراكيب المعقدة ، وتنظر إلى علاقته بجنسه من منظور دارويني بحت يؤصل الصراع في العلاقة مع الآخر في حين لم تتحقق المصالح الدنيوية المادية كنظرة براجماتية تلغي القيم والمبادئ الإنسانية التي اكتسبها من تكريم الله ومن إيمانه بمصدر هذه القيم المتجاوز لعالم الحواس .

    وفي هذا السياق تأتي حضارة هذه الأمة الخالدة من إيمانها باليوم الآخر المتجاوز للنطاق الدنيوي المادي الذي أكسب الإنسان تكريما إلهيا مغروسا في الفطرة (( ولقد كرمنا بني آدم ...)) فسرت فيه الحياة بروح من الله ترفعه إلى عالم سماوي نال فيه شرف الإنسانية بعيدا عن الدنيا وشهواتها ، ومن إيمانه بوحي من الله أكسبه قيما راسخة ومتجذرة ترفع من قيمته وتعلي منزلته وتجعل النظر إلى الذات الإنسانية وإلى علاقته مع غيره محكومة بوحي ومبادئ وفطر تجاوزت مصدريتها النطاق البشري المادي المصلحي إلى نطاق غيبي يرضخ فيه الإنسان ويسلم ، فعاش هذا المخلوق في ظل حضارة هذه الأمة مكرماً ينظر إليه من منظار شرف الإنسانية ورقيها في حال توافق وانسجام بين الدنيا والآخرة ، وكان موجب ذلك هو الإيمان باليوم الآخر متى جسد واقعا في الحياة .

    إن قيم هذا الدين الراسخة التي تتشكل في أذهاننا كأصول للدين وقواعد له ستظل حبيسة الكتب والأذهان متى ما باعدنا بينها وبين حياتنا الواقعية فأهملنا توظيفها توظيفا حضاريا يعيد لهذه الأمة عزتها وتمكينها على مستوى التصورات وعلى مستوى تجسيدها واقعا في الحياة تورث التمكين والاستخلاف (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...))

  2. #2

    افتراضي رد: الإيمان باليوم الآخر رؤية حضارية !!

    أهلا بأبي مالك ..
    مقال بديع ؛ لولا أنه اعترته بعض الصعوبة .

    العلم وجد ليحلق به العمل ، ومادام أن كثيرًا من التفصيلات - التي تعرضتَ لها - لا وجود لها في واقع الحياة ؛ فالظاهر أن النسيان سيكون مصيرها ؛ إلا حين تنزل بالنازلة فيعمل بها إذ ذاك .
    ولكن هل من مشكلة في العمل بمقصود العلم ، مع النظر والكلام حول التفصيلات المذكورة ؟
    أظن أن لا غضاضة في ذلك ؛ وارجو أن لا أكون سطحيًا في فهمي فأشطح بعيدًا عن المقصود .

    أما الغرب فقد كرّس كثيرًا نظرته للإنسان من خلال تعامله مع المرأة خصوصًا ؛ فعلى الرغم من كثرة الأصوات الناعقة بـ(تحرير المرأة!) إلا أننا نرى واقعًا مختلفًا في العالم الغربي ؛ وكما قال الطنطاوي - رحمه الله - تكون كالليمونة المعصورة ؛ لا أحد يريدها .
    والنظر في حال أولئك القوم الضالين يكسب الإنسان المزيد من الإيمان والتعلق بالدين العظيم ؛ الذي جاء ليؤسس مبدأ الأخوة الإسلامية من خلال " إنما المؤمنون إخوة " ، وذلك يعني كثيرًا من المفاهيم التي يتفقر الغرب إليها كثيرًا ؛ خصوصًا الروحية منها ، وهي مبثوثة في القرءان والسنة .
    تندس المقدس
    لعلها سبق قلم ، والمقصود : تدنس .

    فعاش هذا المخلوق في ظل حضارة هذه الأمة مكرماً ينظر إليه من منظار شرف الإنسانية ورقيها في حال توافق وانسجام بين الدنيا والآخرة ، وكان موجب ذلك هو الإيمان باليوم الآخر متى جسد واقعا في الحياة
    .

    هل يمكننا القول : بأن الإيمان باليوم الآخر ، ووجود أثر ذلك على الشخص ؛ كفيل بزوال النظرة الماديّة للإنسان ؟
    أرجو مزيد شرح حول هذه النقطة ؛ فهي - فيما يظهر لي - أساس الموضوع .

    مما يؤكد أن العمل ، وتجسيد العلم واقعًا هو الباعث الحضاري ؛ ماكان في القرون المفضلة ؛ فلم يكن عندهم كما وجد بعدهم من كثرة للتصنيفات والتفريعات ، وذلك راجع لقبرهم من عصر النبوة ؛ الذي تمثلت في القيم على أرض الواقع ، ثم ما لبثت أن صار جزء ليس هينًا منها تنظيرًا على الكتب ، مع أن الخير ولله الحمد باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

    بارك الله فيك ، وأرجو مزيدًا من هذه المقالات ؛ التي يحاول المرء فيها إعمال عقله والتفكر في عظمة التشريع .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي رد: الإيمان باليوم الآخر رؤية حضارية !!

    أهلا بأخي أبا الوليد التويجري وأشكرك على هذا التعليق القيم والمفيد ...
    (( مقال بديع ؛ لولا أنه اعترته بعض الصعوبة ))
    المعذرة فأنا لم أقصد تصعيب المقال ولا تعقيده لكن بعض التعبيرات فعلا تحتاج إلى مزيد من البسط والتوضيح لاشتمالها على إجمال وغرابة وأعدك بإذن الله تجاوز هذه الإشكالية !!
    ((ولكن هل من مشكلة في العمل بمقصود العلم ، مع النظر والكلام حول التفصيلات المذكورة ؟))
    أخي الكريم لا تعارض بين العمل بالعلم والنظر في جزئياته التي قد يعبر عنها البعض بملح العلم ، لكن تأتي الإشكالية في فقه الأولويات وإدراك مفهوم العلم الشرعي !!
    فعندما تجعل هذه الجزئيات الدقيقة العويصة مدار كلام المشتغلين بالعلم وتحصيله ، وتجعل علامة على متانة علم المتحدث وتهمل الأصول وكليات الشريعة والنوازل الجزئية التي تحتاجها الأمة في معاشها ، وعندما يكون مفهوم العلم الشرعي هو تتبع هذه النوادر مع التقصير في العمل بالعلم ونشر أصوله وما تحتاجه الأمة على مستوى أفرادها ومؤسساتها، فهنا محل الإشكال وفي نظري أنه لابد من إعادة طرح الأسئلة عن العلم والعالم الشرعي من جهة مفهومهما وأثرهما في الحياة ، ولك أن تقرأ تاريخ العلم الشرعي في حياة الأمة الإسلامية وترى الفروقات بين من تقدم ومن تأخر وكيف سار العلم من الشمولية إلى الاختزال !!
    ((هل يمكننا القول : بأن الإيمان باليوم الآخر ، ووجود أثر ذلك على الشخص ؛ كفيل بزوال النظرة الماديّة للإنسان ؟
    أرجو مزيد شرح حول هذه النقطة ؛ فهي - فيما يظهر لي - أساس الموضوع .))
    أخي الفاضل ...
    الغرب مر مراحل كثيرة ومعقدة من حيث التصورات والنظر إلى الكون والحياة والإنسان والإله وبدأ يطرح أسئلة كبرى ليس في مقدور العقل الإنساني الإجابة عنها ، بل هي مما اختص الله بعلمه والجواب عنه ، انتهت رحلة الغرب إلى فلسفة مادية بحتة شمولية ، فأنكرت ما وراء الطبيعة (= الغيبيبات )وبدأت تنظر وتجيب على أسئلتها الكبرى في نطاق الطبيعة والحواس الخمس ، فكفروا بالله وبما يكون مما هو غائب عن حواسهم ، وكان من أثر ذلك أنهم بدأو ينظرون إلى الإنسان نظرة مادية بحته فيقيمونه بحسب ما ينتجه من مادة ومصلحة له ولدولته فإن كان لا يقدم شيئا ماديا مصلحيا وقد يكون مع ذلك ثقلا وعبئا تخلصو منه ( العجزة والمعاقين وانظر إلى النازية وما فعلوا بهم ) أصبحو ينظرون في علاقات الإنسان مع غيره علاقة مادية بحتة قوامها الصراع والاقتتال حتى تتحقق المصلحة المادية ( نظرية داروين القائلة بأن أصل الجنس البشري هو القرد وهو بهذا كحيوان في الغاب بدون قيم ولا ثوابت بل قيمته المطلقة تحقيق الشهوة المادية )
    هنا يأتي الإيمان بالغيب في حضارة الأمة الإسلامية التي كان من أثارها تكريم الإنسان بما أنه مخلوق له تركيب معقدة لا ينظر إليه من زاوية واحدة فقط زاوية المادية البحتة بل ينظر إليه بأنه مخلوق مركب معقد يحمل قيما ثابة وإيمانية تزول أمامها كل القيم المادية الدنيوية إن هو آمن بما وراء الطبيعيات ( اليوم الآخر ) التي كانت الأثر في أن ينظر إلى الإنسان كمخلوق مكرم من الله !

  4. #4

    افتراضي رد: الإيمان باليوم الآخر رؤية حضارية !!

    ماشاء الله ، ملحظ دقيق جدًا ..
    و واقع العلم كما أشرتَ ؛ اختلف كثيرًا بين الماضي والحاضر ؛ و لعل نظرة في جيل الصحاية ومن بعدهم من القرون المفضلة كفيلٌ بإبراز هذه النقطة جيدًا .

    أما بالنسبة للغرب فإني كلما نظرتَ لواقع معيشتهم البائسة ازدادت معرفتي بنعمة الله علينا بالإسلام ..
    اللهم أدمها من نعمة .

    شكرًا أبا مالك ، وأرجو مزيدًا مزيدًا من هذه المقالات ؛ فأنا أحبها مثل ما أحبك : ) .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •