قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله [كما في مجموع فتاواه 3/118-119]: "الفناء يراد به ثلاثة أمور:
1- أحدها: هو الفناء الدِّينى الشَّرعي، الذي جاءت به الرُّسل، وأُنْزِلت به الكتب، وهو أن يفنى عمَّا لم يأمر الله به، بفعل ما أمر الله به؛ فيفنى عن عبادة غيره بعبادته، وعن طاعة غيره بطاعته وطاعة رسوله، وعن التوكُّل على غيره بالتوكُّل عليه، وعن محبَّة ما سواه بمحبَّته ومحبة رسوله، وعن خوف غيره بخوفه، بحيث لا يتَّبع العبد هواه بغير هدىً من الله، وبحيث يكون الله ورسوله أحب إليه ممَّا سواهما، كما قال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره). فهذا كلُّه هو مما أمر الله به ورسوله.
2- وأمَّا الفناء الثاني: وهو الذي يذكره بعض الصُّوفية، وهو أن يفنى عن شهود ما سوى الله تعالى؛ فيفنى بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره، وبمعروفه عن معرفته، بحيث قد يغيب عن شهود نفسه لما سوى الله تعالى؛ فهذا حالٌ ناقص قد يعرض لبعض السالكين، وليس هو من لوازم طريق الله. ولهذا لم يعرف مثل هذا للنَّبي ، وللسابقين الأوَّلين.
ومن جعل هذا نهاية السَّالكين فهو ضالٌّ ضلالًا مبينًا، وكذلك من جعله من لوازم طريق الله فهو مخطيءٌ، بل هو من عوارض طريق الله التي تعرض لبعض النَّاس دون بعض، ليس هو من اللَّوازم التي تحصل لكلِّ سالك.
3- وأمَّا الثَّالث: فهو الفناء عن وجود السِّوى؛ بحيث يرى أنَّ وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، وأنَّ الوجود واحدٌ بالعين، فهو قول أهل الإلحاد والاتِّحاد، الذين هم من أضلِّ العباد". انتهى نقل المقصود منه.
وبالله تعالى التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.