بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أمابعد

قبل الحكم على علم الكلام لا بد أن نعرف ما المراد به حتى يصح الحكم عليه
- يقول العضد الإيجي في كتابه المواقف ( 1 / 31 ) في تعريف علم الكلام : ( علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبهة .
والمراد بالعقائد ما يقصد به نفس الاعتقاد دون العمل وبالدينية المنسوبة إلى دين محمد فإن الخصم وإن خطأناه لا نخرجه من علماء الكلام )
وعرفه ابن خلدون في مقدمته ( ص 458 ) بقوله : ( علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية و الرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف و أهل السنة )
وهذان التعريفان يتفقان في كون الكلام علم يقوم على غثبات العقائد عن طريق الأدلة العقلية إلا أنهما يختلفان في هذه العقائد فالإيجي يدخل في ذلك جميع العقائد التي ينسبها اصحابها إلى الإسلام حتى وإن كانت باطلة وابن خلدون يقصر ذلك على العقائد الصحيحة .
والأظهر في تعريفه ما ذهب غليه الإيجي ؛ لأن أهل هذا العلم منه الصحيح ومنه الباطل وأتباعهم منهم المتبع ومنهم المبتدع المنحرف عن سبيل السلف .

سؤال : لماذا سمي علم الكلام بهذا الاسم ؟
الجواب : اختلف في سبب ذلك على اسباب كثيرة أشهرها :
1 - أنهم كانوا يدرون الكلام على كل مسألة بقولهم : الكلام في كذا وكذا .
2 - أن يكسب صاحبه القدرة على الكلام في المناظرات والجدال وإلزام الخصم كما هو الحال في المنطق و الفلسفة .
3 - أن اول مسألة تكلم فيها مسألة كلام الله واستبعد هذا شيخ افسلام ابن تيمية ؛ لن علم الكلام ظهر وذمه السلف قبل ظهور مسألة الكلام كما هو معروف .
4 - أنه اكثر العلوم نزاعاً واختلافا وخصومة وكلاماً بخلاف غيره .
وقيل غير ذلك من الأسباب .

نأتي الآن للجواب عن السؤال وهو هل علم الكلام مذموم مطلقاً ؟
والجواب أن الكلام في المور الشرعية على نوعين :
1 - كلام بحق يوافق الشرع والعقل .
2 - كلام بباطل يخالف الشرع والعقل والجدال والخوض فيما لا يجوز الخوض فيه من العقائد بالطرق العقلية والإعراض عن كلام الله وكلام رسوله وهو حال أهل الأهواء والبدع .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والسلف لم يذموا جنس الكلام فان كل آدمى يتكلم ولا ذموا الاستدلال والنظر والجدل الذى أمر الله به رسوله والاستدلال بما بينه الله ورسوله بل ولا ذموا كلاما هو حق بل ذموا الكلام الباطل وهو المخالف للكتاب والسنة وهو المخالف للعقل أيضا وهو الباطل فالكلام الذى ذمه السلف هو الكلام الباطل وهو المخالف للشرع والعقل ) مجموع الفتاوى ( 13 / 147 ) " الفرقان بين الحق والباطل "

وقال رحمه الله : ( والسلف إذا ذموا أهل الكلام وقالوا علماء زنادقة وما ارتدى احد بالكلام فافلح فلم يريدوا به مطلق الكلام وإنما هو حقيقة عرفية فيمن يتكلم في الدين بغير طريقة المرسلين ... ) مجموع الفتاوى ( 12 / 460 )

وقال أيضاً : ( فالسلف ذموا أهل الكلام الذين هم أهل الشبهات والأهواء لم يذموا أهل الكلام الذين هم أهل كلام صادق يتضمن الدليل على معرفة الله تعالى وبيان ما يستحقه وما يمتنع عليه ولكن قد يورث شبهة وهوى ) درء تعارض العقل والنقل ( 3 / 374 )

وقال أيضاً : ( هذه الطرق المبتدعة في الإسلام في إثبات الصانع التي أحدثها المعتزلة والجهمية وتبعهم عليها من وافقهم من الأشعرية وغيرهم من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم قد طعن فيها جمهور العقلاء فكما طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم وذموا أهل الكلام بها .. ) درء تعارض العقل والنقل ( 4 / 3 )
وينبغي أن يعلم أن هذا عام في جميع مسائل العقيدة لا كما ظنه بعضهم أنه خاص بالقدر :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والسلف والأئمة ذموا أهل الكلام المبتدعين الذين خالفوا الكتاب والسنة ومن خالف الكتاب والسنة لم يكن كلامه الا باطلا فالكلام الذي ذمه السلف يذم لانه باطل ولأنه يخالف الشرع ولكن لفظ الكلام لما كان مجملا لم يعرف كثير من الناس الفرق بين الكلام الذي ذموه وغيره فمن الناس من يظن أنهم إنما أنكروا كلام القدرية فقط كما ذكره البيهقي وابن عساكر في تفسير كلام الشافعي ونحوه ليخرجوا أصحابهم عن الذم وليس كذلك بل الشافعي أنكر كلام الجهمية كلام حفص الفرد وأمثاله وهؤلاء كانت منازعتهم في الصفات والقرآن والرؤية لا في القدر وكذلك أحمد بن حنبل خصومه من أهل الكلام هم الجهمية الذين ناظروه في القرآن مثل أبي عيسى محمد بن عيسى برغوث صاحب حسين النجار وأمثاله ولم يكونوا قدرية ولا كان النزاع في مسائل القدر ... ) النبوات ( ص 156 )

كما ينبغي أن يعلم أن هذا النوع من الكلام لا يصح تسميته علماً كما قال الشافعي وغيره فضلاً أن يسمى علم العقيدة والتوحيد بعلم الكلام ومما يدل على بطلان تسمية علم التوحيد بعلم الكلام أمور :
1 - أن علم التوحيد مصدره الوحي والكلام مصدره عقول البشر وقول على الله بلا علم .
2 - أن علم التوحيد علم محمود جاءت به النصوص ودعا إليه العلماء وصنفوا فيه وأما علم الكلام فذمه السلف وحذروا منه .
3 - أن علم التوحيد نور وهداية وطمأنينة وأمن والكلام شك وحيرة واضطراب و ضلال .
4 - أن علم التوحيد اصوله صحيحة وقواعدهم سليمة موافقة للنقل الصحيح والعقل الصريح واما الكلام فجل أصوله فاسدة مخالفة للنقل والعقل .
5 - أن علم التوحيد يقدم كلام الله وكلام رسوله ويعظمهما واما الكلام فالحاكم فيه العقل فإذا عارضه النقل قدم العقل عليه ولذا فهم يردون أخبار الآحاد في العقيدة ويحرفون النصوص المتواترة من القرآن والسنة .
6 - أن علم التوحيد يشمل أنواع التوحيد الثلاثة توحيد الألوهية والربوبية والسماء والصفات واما الكلام فركزوا جهودهم كلها على توحيد الربوبية مع أنه أمر فطري ولا يكفي صاحبه للدخول في الإسلام والنجاة من النار .
7 - أن علم التوحيد يسير عليه السلف وهم أعلم بدين الله ممن جاء بعدهم وأما الكلام فهو مخالف لما كان عليه السلف .

ولذا لا نجد من أئمة أهل السنة من انتسب إلى الكلام أو ألف فيه أو سمى كتبه بذلك بل سموها بالسنة والإيمان والعقيدة والتوحيد والشريعة واقتصروا فيها على نصوص القرآن والسنة وما يؤيده من كلام السلف .
وأما كتب المتكلمين كغاية المرام في علم الكلام للآمدي ونهاية الإقدام للشهرستاني والمطالب العالية للرازي ونحوها فهي مليئة بالكلام والجدل بعيدة عن نصوص القرآن والسنة .

و الله أعلم

يتبع إن شاء الله