من حقوق علمائناالحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين ... أما بعد :
فيقول الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ واصفا العلماء في مقدمة " الرد على الجهمية و الزنادقة " :
( فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، و كم من ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على النـاس و أقبح أثر الناس عليهم ...) ا0هـ
من هذا الكلام ننطلق دفاعاً عن ورثة الأنبياء وبياناً لبعض حقوقهم العظيمة .
إن الوقيعة في العلماء وهز مكانتهم في المجتمع كان ولازال ديدن أهل السوء والضلال وليس هذا بغريب منهم ، لكن العجب والغرابة أن تنبت هذه النابتة في الشباب الصالح جرحاً وتعديلاً ، تبديعاً وتفسيقاً ، تضليلا وتجهيلاً !
إن الشيطان ليسر ، وإن الفرحة لتبلغ بأعوانه من الإنس كل مبلغ ، إذا رأوا عرى التواصل بين الشباب وعلمائهم تنفصم ، و جسور الاتصال بينهم تتحطم ، فيصبح حماس الشباب مهمتهم بمنأى عن أناة الشيوخ وحكمتهم ، عند ذلك : يكثر الزلل ، ويفشو الخطأ ، وتتصادم الآراء والأحكام وتضعف قوة الحق ، وتعلوا راية الشر ، وينشغل أهل الخير بأنفسهم جدلاً ومناظرة ، تعقيبا وردا ، حسدا وبغضاء . ويخلو الجو لدعاة الضلالة ، يبيضون ويفرخون ، يرتبون ويخططون ، ثم ينفذون دون حسيب ولا رقيب .
إن الواجب على الجميع أن ينتبه لهذا الشَرَك الذي ينصبه لهم الأعداء وأن يحذروا مما حذرهم منه ربهم في قوله تعالى {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال ، ويمتثلوا أمره {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ } (103) سورة آل عمران ، و لكي يتحقق هذا الامتثال واقعا عمليا ؛ فلنحرص جميعا على نشر الواجبات التالية من حقوق العلماء تدريسا و تطبيقا ؛ لترجع الألفة و يقوى التواصل و يندحر العدو و تموت الفراخ .
فمن تلك الحقوق :
1) الدعاء لهم بالتأييد و التسديد فيما يصدر منهم من أقوال و أفعال فإن في ذلك من الخير و البركة على الأمة ما لا يمكن وصفه .
2) الثناء عليهم بما هم أهله و بهذا تقوى كلمتهم عند الخاصة و العامة و ينتشر لها القبول و يعمل بها دون تردد أو تشكيك .
3) الذب عن أعراضهم في المحافل والمجالس ، فإن لحومهم مسمومة ، وفي هدم مكانتهم في الأمة هدم لتعاليم الشريعة ومناراتها العالية .
4) السكوت عن زلتهم ـ إن وجدت ـ وترك الخوض فيما يقع من كلام بعضهم في بعض ؛ فتلك أمور عند أهل الصلاح والتقوى : تطوى ولا تروى .
5) زيارتهم والتناصح معهم تطبيقا لقول النبي (الدين النصيحة ).
6) حضور دروسهم ومجالسهم ومن ثَمَّ نشر أقوالهم وفتاويهم بين الناس .
7) إطلاعهم على حقائق الأمور والمستجدات وتوضيح ما يشكل منها بدل أن تصلهم المعلومة ناقصة ومشوهة .
8) التأكد منهم شخصيا فيما ينسب إلى بعضهم من أراء وتصورات تفهم خطأ وذلك هو الواجب بدل غيبتهم وتنقصهم .
والله المسؤول أن يؤلف بين قلوبنا ويهدينا سبل السلام إنه جواد كريم . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.