تواتر القراءات بين الظن والتوهم والواقع اليقين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد

بادئ ذي بدئ يجب التنبه إلى أمر مهم جداً, وهي أن الاختلاف في مسألة تواتر القراءات لا يعني الاختلاف في القرآن نفسه هل هو متواتر أم ليس بمتواتر, فلا يمكن أن يقول أحد بعدم تواتر القرآن, فإنه متواتر تواتراً قطعياً لا ريب فيه عند أحد من المسلمين كما سيأتي.
ولكن الكلام هنا على القراءات هل هي متواترة أم ليست كذلك.

وحتى يسهل تصور المسألة لا من بد فهم مسألتين مهمتين عليهما الاعتماد في فهم مسألة التواتر.
المسالة الأولى:
معرفة الفرق بين القرآن والقراءات, فإن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, وليسا شيئاً واحداً, فالقرآن هو الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم, والقراءات إنما هي اختلاف ألفاظ ذلك الوحي, فالمنزل شيء واحد, وطريقة النطق به مختلفة, فهما إذاً حقيقتان متغايرتان, فالاختلاف في طريقة أداء الكلام لا يعني الاختلاف في ثبوت الكلام نفسه, بل هما شيئان مختلفان.
قال الزركشي رحمه الله في "البرهان" (1/318) : "اعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز, والقراءات هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبة الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما"اهـ
أي: أن القرآن هو الوحي المنزل, والقراءات اختلاف ألفاظ هذا الوحي, فطريقة اللفظ بهذا الوحي مختلفة لكن حقيقته قرآن ووحي واحد منزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قال القسطلاني في "لطائف الإشارات" (1/358)
وكذلك قال أحمد البنا في "الإتحاف" (1/69) : "القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان, فالقرآن هو الوحي المنزل للإعجاز والبيان، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف، أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما"اهـ
وكذلك قال الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه "تاريخ القرآن" ص (40) : "وليس صحيحاً أن القراءات تعتبر من النص القرآني, فهناك فرق بين القرآن والقراءات, وهما في الواقع يمثلان حقيقتين متغايرتين, فالقرآن هو ذلك النص المنزل بوساطة الوحي على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم, والثابت بالتواتر ثبوتاً قطعياً لا ريب فيه, وأما القراءات فهي روايات ووجوه أدائية, منها المتواتر, ومنها الصحيح, ومنها الضعيف, ومنها الموضوع, وهي بذلك تغاير القرآن تغايراً كبيراً, لأنها تتعلق باللفظ لا بالتركيب".
وكذلك قال الدكتور صبري الأشوح في كتابه "إعجاز القراءات" ص (105) : "أُرَجِّح القول بأن القرآن والقراءات العشر المشهورة حقيقتان متغايرتان".
وذكر الدكتور شعبان إسماعيل في كتابه "القراءات وأحكامها ومصدرها" أن القول بأن القرآن والقراءات حقيقتان متحدتان هو قول مردود غير مقبول, لم يقل به أحد من العلماء السابقين. ذكره صاحب كتاب "إعجاز القراءات" ص (14)
والقول بأن القرآن والقراءات حقيقتان متحدتان مع ضعفه يلزم من القول به أمر خطير للغاية يطير به الروافض فرحاً وتيهاً, وهو أن عثمان رضي الله عنه بمواطأة وبمباركة من كبار الصحابة رضي الله عنهم قد حذفوا ومنعوا شيئاً من القرآن حين كتبوه بلسان قريش واستبعدوا كثيراً من الأحرف والقراءات التي لا تتوافق مع رسم المصحف.

ومما يوضح أن القول بعدم تواتر القراءات لا يتعارض مع القول بتواتر القرآن نفسه وأنهما حقيقتان متغايرتان أن الاختلاف في طريقة أداء اللفظ لا يعنى الاختلاف في اللفظ نفسه, فلو أخبر جماعة أن فلاناً قال: الله أكبر, فقال بعضهم: إنه قالها متصلة, وقال بعضهم: بل فصل بين الكلمتين, وقال بعضهم: قالها ومد لفظ الجلالة, وقال بعضهم: لم يمدها, وقال بعضهم: قالها متغنياً بها, وقال بعضهم: قالها من دون تغني.
فالمتواتر أنه قال: الله أكبر, وأما صفة قولها وأدائها فليس بمتواتر.
ومن المعلوم يقيناً عند كل أحد أن القرآن أصل ألفاظه واحدة عند جميع القراء, فالمفردات والجمل والآيات والسور أصلها متطابق دون أي اختلاف من أول القرآن إلى آخره, وهذا من أعظم الدلائل التي تدل يقيناً على تواتر القرآن.
فإن من المعلوم أن القرآن الكريم فيه آلاف الجمل, في كل جملة كلمات معينة, وقد جاءت وفق ترتيب معين في آلاف الآيات, وهي محتواة بترتيب معروف في سور القرآن, ومع ذلك لم يحصل عند أي من القراء العشرة أو غيرهم إخلال بترتيب كلمة أو تغيير لفظها, أو جملة منه أو سورة, إن في ذلك أعظم الدلالة على تواتر القرآن تواتراً قطعياً ويقينية نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولا يرتاب في ذلك عاقل إلا إذا كان خلواً من الإيمان والعياذ بالله.

وقد عظم القول بعدم تواتر القراءات على بعض الناس, وظنوا أنه يعارض القول بتواتر القرآن, وأنه يفضي إلى القول بعدم تواتره, وهذا خطأ والتباس في الفهم, فإن المراد بذلك هي الألفاظ التي اختلف القراء في نطقها وأدائها, أما القرآن نفسه فلا خلاف في تواتره في جميع آياته, ولا يشك في ذلك مسلم.
أما ما اختلفوا في كيفية النطق به من كلمات القرآن فليس بمتواتر, ولا يلزم من صحتها أنها تكون متواترة, ومن نظر في كتب القراء وأسانيدهم أدرك ذلك دون عناء.
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (2/24) : "واعلم أن بعض من لا تحقيق عنده ينفر من القول بعدم تواتر القراءات ظناً منه أن ذلك يستلزم عدم تواتر القرآن, وليس ذلك بلازم, لأنه فرق بين ماهية القرآن والقراءات".

ولما غاب هذا المفهوم عن بعض العلماء قديماً وحديثاً شنعوا تشنيعاً عظيماً على كثير من الأئمة المتقدمين من العلماء والمفسرين والنحاة حينما كانوا ينتقدون أو يضعفون وجوهاً من القراءة, زاعمين أنهم ينكرون قراءات متواترة, وإنما هم في الحقيقة ينكرون في نظرهم أوجهاً مرجوحة أو ضعيفة مصدرها اختيار ضعيف.

المسالة الثانية:
أن كثيراً ممن يجزم بتواتر القراءات من المتأخرين ينظر إلى شهرة هذه القراءات عن القراء في كتب القراءات وتواتر بعضها عنهم, فيطلق القول بتواتر القراءات عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن القراء السبعة والعشرة وغيرهم إنما أخذوا قراءتهم من أفراد وبأسانيد ليست متواترة, وهذا أمر لا يجهله من عرف كيفية وصول القراءات إلى الأئمة العشرة رحمهم الله.
فهذا الإمام نافع رحمه الله يقول: "قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان أخذته, وما شك به واحد تركته, حتى ألفت هذه القراءة".
فقد قرأ على سبعين من القراء واختار من جميعهم قراءة, فهؤلاء السبعون لم تكن قراءتهم واحدة, فإن نافعاً ذكر أنه يختار من قراءاتهم, فقراءاتهم مختلفة إذاً.
فقراءة نافع التي اختارها إذاً لم يقرأ بها كاملة بهذا الاختيار أحد قبله, فلا يمكن أن يقال: إن جميع تفاصيل قراءته متواترة.

وقد روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: (كنا نقرأ على أبي جعفر القارئ, وكان نافع يأتيه فيقول: يا أبا جعفر ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: من رجل قارئ من مروان بن الحكم, ثم يقول له: ممن أخذت حرف كذا وكذا؟ فيقول: من رجل قارئ من الحجاج, فلما رأى ذلك نافع تتبع القراءة يطلبها.
وقال إسحاق المسيبي: قال نافع: قرأت على هؤلاء فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته) ذكره الذهبي في "معرفة القراء" (1/244)

وهذا ورش قرأ على نافع ونقل قراءته إلى مصر ومن ثم انتقلت غرباً, مع أن ورشاً لم يوافقه أحد من الرواة عن نافع في قراءته, ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش.

وهذا ابن كثير قرأ على عبد الله بن السائب ومجاهد, وقرأ عليه البزي وقنبل بواسطة.
فقد أخذ البزي عن عكرمة بن سليمان, عن شبل بن عباد وإسماعيل بن عبد لله القسط, عن ابن كثير.
وأخذ قنبل عن أبي الحسن القواس, عن وهب بن واضح, عن إسماعيل بن عبد الله بن القسط, عن شبل بن عباد ومعروف بن مشكان, عن ابن كثير.
فأين التواتر؟!

وهذا ابن عامر إنما أخذ القراءة عن المغيرة بن أبي شهاب, والمغيرة قرأ على عثمان رضي الله عنه كما قيل.
فأين التواتر؟!
قال ابن الجزري في "غاية النهاية" (1/591) : "وقد ورد في إسناده تسعة أقوال, أصحها أنه قرأ على المغيرة بن أبي شهاب".
وقيل: قرأ على أبي الدرداء رضي الله عنه, وقيل غير ذلك.

وقد قرأ عليه هشام وابن ذكوان بواسطة, فقد أخذ ابن ذكوان عن أيوب بن تميم, عن يحيى بن الحارث الذماري, عن ابن عامر.
وأخذ هشام عن عراك بن خالد, عن يحيى بن الحارث الذماري, عن ابن عامر.
فأين التواتر؟!

وهذا أبو عمرو البصري أخذ عنه الدوري والسوسي بواسطة, فقد أخذا عن يحيى اليزيدي, عن أبي عمر البصري رحمه الله.
فأين التواتر؟!

وهذا حمزة رحمه الله أخذ عنه خلف وخلاد بواسطة, فقد أخذا عن سليم بن عيسى الكوفي, عن حمزة.
فأين التواتر؟!

وهذا حفص لم يقرأ إلا على عاصم, وعاصم إنما أخذ قراءته عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن عثمان وعلي رضي الله عنهما.
فأين التواتر بين حفص وعاصم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
وكذلك شعبة إنما قرأ على عاصم, عن زر بن حبيش, عن ابن مسعود رضي الله عنه.
فأين التواتر؟!

قال الزركشي في "البرهان" (1/318) : "التحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر, فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات, وهي نقل الواحد عن الواحد".

إذا فهمت هاتين المسألتين سهل عليك فهم ما بقي وعلمت بكل طمأنينة أن القول بتواتر القراءات غير صحيح مع أنه قول منتشر ومشهور.
فما اختلف فيه القراء فليس منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر, وكان ابن الجزري رحمه الله يقول بأنها متواترة كما في كتابه "منجد المقرئين", ثم تراجع عن ذلك في كتابه "النشر" كما سيأتي بعد قليل.
وابن الجزري هو من أعلم الناس بأسانيد القراء وطرقهم, وهو إمام لكل من أتى بعده من أهل القراءات.

وليس معنى ذلك أن القراءات ليست صحيحة, بل هي صحيحة ولو كانت غير متواترة إذا توفرت فيها شروط القبول, ولا يلزم من صحة القراءة تواترها.
وما كان القراء والعلماء القدماء يذكرون التواتر في القراءة, وليس عندهم هذا المصطلح المتأخر أصلاً, فهو مصطلح دخيل على مجال القراءات, وإنما أخذ هذا من الأصوليين.
وقد كان القراء والعلماء ينصون دائماً على أن القراءة تصح إذا كانت مشهورة صحيحة الإسناد موافقة لخط المصحف.

قال مكي في "الإبانة" ص (51) : "جميع ما روي من القراءات على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وهي:
أن ينقل عن الثقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعاً, ويكون موافقاً لخط المصحف.
فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه وصحته وصدقه, لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف، وكفر من جحده.
والقسم الثاني: ما صح نقله في الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف...
والقسم الثالث: ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية...".

وقال أبو شامة في "المرشد الوجيز" ص (145) بعد أن نقل قول البغوي: "فأما القراءة باللغات المختلفة مما يوافق الخط والكتاب فالفسحة فيه باقية، والتوسعة قائمة بعد ثبوتها وصحتها، بنقل العدول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قال أبو شامة: قلت: ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة مع الاستفاضة وموافقة خط المصحف, وعدم المنكرين لها نقلاً وتوجيها من حيث اللغة، والله أعلم.

وقال ابن الجزري في "منجد المقرئين" ص (91) : "المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما"اهـ

أما اختلاف طريقة أداء تلك الكلمات والمفردات من مد أو إمالة أو إدغام أو صلة أو تسهيل همز أو تفخيم أو ترقيق أو غير ذلك فلا يعد اختلافاً, لأنه لا يمس المعنى, ولا يؤثر في تواتر القرآن, فإن الاختلاف في ذلك وأمثاله أمر فطري بشري يتفاوت من إنسان إلى آخر, يستحيل عدمه والانفكاك منه.
فالأداء يختلف من شخص إلى آخر.

والآن سأذكر أقوال ثلة من أهل العلم المحققين في هذه المسألة.

أولاً:
قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (2/23) : "تواتر القراءات عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأئمة السبعة فيه نظر, فإن أسانيد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم موجودة في كتب القراءات, وهي نقل الواحد عن الواحد لم تستكمل شروط التواتر, ولولا الإطالة والخروج عما نحن فيه لذكرت طرفاً من طرقهم, ولكن هي موجودة في كتب العراقيين والحجازيين والشاميين وغيرهم، فإن عاودتها من مظانها وجدتها كما وصف لك.
وأبلغ من هذا أنها لم تتواتر بين الصحابة, واعلم أن بعض من لا تحقيق عنده ينفر من القول بعدم تواتر القراءات ظناً منه أن ذلك يستلزم عدم تواتر القرآن, وليس ذلك بلازم, لأنه فرق بين ماهية القرآن والقراءات".

ثانياً:
قال أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز" ص (176) : "وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي: كل فرد فرد مما روي عن هؤلاء الأئمة السبعة قالوا: والقطع بأنهما منزلة من عند الله واجب.
ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.
فإن القراءات السبع المراد بها ما روي عن الأئمة السبعة القراء المشهورين، وذلك المروي عنهم منقسم إلى ما أجمع عليه عنهم لم يختلف فيه الطرق، وإلى ما اختلف فيه بمعنى أنه نفيت نسبته إليهم في بعض الطرق.
فالمصنفون لكتب القراءات يختلفون في ذلك اختلافاً كثيراً، ومن تصفح كتبهم في ذلك ووقف على كلامهم فيه عرف صحة ما ذكرناه...
والكتب في ذلك كما ذكرنا مختلفة، ولا سيما كتب المغاربة والمشارقة، فبين كتب الفريقين تباين في مواضع كثيرة، فكم في كتابه من قراءة قد أنكرت، وكم فات كتابه من قراءة صحيحة فيه ما سطرت، على أنه لو عرف شروط التواتر لم يجسر على إطلاق هذه العبارة في كل حرف من حروف القراءة.
فالحاصل إنا لسنا ممن يلتزم التواتر في جميع الألفاظ المختلف فيها بين القراء، بل القراءات كلها منقسمة إلى متواتر وغير متواتر، وذلك بين لمن أنصف وعرف وتصفح القراءات وطرقها.
وغاية ما يبديه مدعي التواتر المشهور منها كإدغام أبي عمرو ونقل الحركة لورش وصلة ميم الجمع وهاء الكناية لابن كثير أنه متواتر عن ذلك الإمام الذي نسبت تلك القراءة إليه بعد أن يجهد نفسه في استواء الطرفين والواسطة إلا أنه بقي عليه التواتر من ذلك الإمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم في كل فرد فرد من ذلك، وهنالك تسكب العبرات فإنها من ثم لم تنقل إلا آحاداً إلا اليسير منها.
وقد حققنا هذا الفصل أيضاً في "كتاب البسملة الكبير" ونقلنا فيه من كلام الحذاق من الأئمة المتقنين ما تلاشى عنده شبه المشنعين وبالله التوفيق".

وقد رد ابن الجزري في "منجد المقرئين" ص (199) على أبي شامة, وبالغ في الرد عليه حتى قال عنه: إنه كلام ساقط خرج من غير تأمل متناقض في غير موضع, وأنه زلة مزلة, وأنه كلام من لم يدر ما يقول, وأنه يكاد يجزم أنه مدسوس في كتابه من بعض الجهلة المتعصبين.
حتى قال: أو أنه إنما ألف هذا الكتاب أول أمره كما يقع لكثير من المصنفين. (قلت: من الطريف هنا أن ابن الجزري نفسه هو الذي ألف كتابه "المنجد" في أول أمره, فقد فرغ من تأليفه سنة (773) هـ وعمره حينذاك اثنان وعشرون عاماً).
ولكن يأبي الله إلا أن يظهر الحق, فقد رجع ابن الجزري أخيراً إلى قول أبي شامة, وأيده وانتصر له كما في كتابه "النشر", كما في النقل التالي, وكان ابن الجزري قد ألفه بعد كتابه "المنجد".

ثالثاً:
قال ابن الجزري في "النشر" (1/13) : "وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند, وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر, وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن, وهذا مما لا يخفى ما فيه, فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله وقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أم خالفه, وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم, وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف".
ثم ذكر كلام أبي شامة منتصراً له محتجاً به, وقد وصفه بالإمام الكبير, ثم ذكر كلام الجعبري, ومكي بن أبي طالب تأييداً لهذا القول.
فانظر كيف أن ابن الجزري رحمه الله قد صرح بتراجعه عن ذلك القول الذي ظهر له فساده, فعدل عن القول بتواتر القراءات, واكتفى بالقول بصحة السند مع شهرة القراءة عند أئمة القراءات.
وابن الجزري أعلم من غيره في هذه المسألة, فهو الإمام المقَلَّد المعتَمَد عليه في هذا الشأن لكل من جاء بعده إلى اليوم, وإلى الأبد.

رابعاً:
قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (13/419) : "وأما ما يدعيه بعض القراء من التواتر في جزئيات الأمور فليس هذا موضع تفصيله".

خامساً:
قال القسطلاني في "لطائف الإشارات" (1/128) : "بالنظر لمجموع القرآن وإلا فلو اشترطنا التواتر في كل فرد فرد من أحرف الخلاف انتفى كثير من القراءات الثابتة عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم".

سادساً:
قال ابن حجر في أحد الفتاوى: "القول بأن القراءات متواترة شرطه أن يحصل الاتفاق على النقل عن كل فرد منهم في كل فرد فرد, فأما ما وقع فيه الاختلاف عن الواحد منهم فلا". ذكره محقق "منجد المقرئين" الدكتور علي العمران في خاتمة الكتاب.

سابعاً:
قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/171) : "فكثير من القراءات تدعون تواترها، وبالجهد أن تقدروا على غير الآحاد فيها، ونحن نقول: نتلو بها وإن كانت لا تعرف إلا عن واحد لكونها تلقيت بالقبول فأفادت العلم، وهذا واقع في حروف كثيرة وقراءات عديدة، ومن ادعى تواترها فقد كابر الحس, أما القرآن العظيم سوره وآياته فمتواتر ولله الحمد، محفوظ من الله تعالى لا يستطيع أحد أن يبدله ولا يزيد فيه آية ولا جملة مستقلة".

ثامناً:
قال الزركشي في "البرهان" (1/318) : "والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر, فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات, وهي نقل الواحد عن الواحد, لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة, وهذا شيء موجود في كتبهم, وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه "المرشد الوجيز" إلى شيء من ذلك".

تاسعاً:
قال ابن الجزري في "منجد المقرئين" ص (91) : "ونحن ما ندعي التواتر في كل فرد فرد مما انفرد به بعض الرواة أو اختص ببعض الطرق، لا يدعي ذلك إلا جاهل لا يعرف ما التواتر؟ وإنما المقروء به عن القراء العشرة على قسمين: متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول، والقطع حاصل بهما".

عاشراً:
قال الشوكاني في "إرشاد الفحول" (1/144) : "وقد ادعي تواتر كل واحدة من القراءات السبع, وادعي أيضاً تواتر القراءات العشر, وليس على ذلك أثارة من علم, فإن هذه القراءات كل وحدة منها منقولة نقلا أحادياً, كما يعرف ذلك من يعرف أسانيد هؤلاء القراء لقراءاتهم, وقد نقل جماعة من القراء الإجماع على أن في هذه القراءات ما هو متواتر, وفيها ما هو آحاد, ولم يقل أحد منهم بتواتر كل واحدة من السبع فضلاً عن العشر, وإنما هو قول قاله بعض أهل الأصول, وأهل الفن أخبر بفنهم.
والحاصل أن ما اشتمل عليه المصحف الشريف واتفق عليه القراء المشهورون فهو قرآن, وما اختلفوا فيه فإن احتمل رسم المصحف قراءة كل واحد من المختلفين مع مطابقتها للوجه الإعرابي والمعنى العربي فهي قرآن كلها, وإن احتمل بعضها دون بعض فإن صح إسناد ما لم يحتمله وكانت موافقة للوجه الإعرابي والمعنى العربي فهي الشاذة, ولها حكم أخبار الآحاد في الدلالة على مدلولها, وسواء كانت من القراءات السبع أو من غيرها".

الحادي عشر:
لما ذكر الدكتور عبد الهادي حميتو في كتابه "اختلاف القراءات" ص (336) قول ابن الجزري رحمه الله: "وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم, وقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف".
قال الدكتور حميتو مؤيداً: "وفي نظري أن الصواب فيما قاله إذ لو كانت كل حروف القراءات محتاجة إلى التواتر ما قبلت من أحد من رواتها إلا إذا كان معه عدد التواتر وهذا لم يقل به أحد بل اشترطوا فقط عدالة الراوي وصحة السند بما يروي, ولم يلزموه أن يكون ما رواه من حروف القراءة متواتراً, وهذا كما لا يخفى لا دخل له في تواتر النص المقروء, إذ الاختلاف في بعض جزئياته وكيفية أدائه لا ينافي تواتر أصله".

ومما يدل ويؤكد على أن القراءات غير متواترة أن كثيراً من العلماء والقراء والمفسرين والنحويين وغيرهم قد خطأوا قراءات كثيرة قد اشتهر عند كثير من المتأخرين أنها متواترة, وهذا يدل بكل وضوح على أن أولئك العلماء كلهم كانوا لا يرون أنها متواترة, إذ لو كانوا يرونها كذلك لما فكر واحد منهم أن يخطئها أو يضعفها.

وأما قول أبي المعالي محمد بن علي الزملكاني كما في "المنجد" ص (212) : "إن انحصار الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القرآن عن غيرهم, فلقد كان يتلقاه أهل كل بلد يقرؤه منهم الجم الغفير عن مثلهم, وكذلك دائماً والتواتر حاصل بهم".
فيقال: أولاً:
هل كان يخفى على الإمام أبي شامة أو ابن تيمية أو الطوفي أو الذهبي أو الزركشي أو ابن الجزري الذي أفنى عمره في البحث في القراءات والأسانيد أو غيرهم ممن أنكر أن تكون جميع القراءات متواترة أن انحصار الأسانيد في طائفة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم.
وهل كان هذا يخفى على أولئك الأئمة الكبار من العلماء والقراء والمفسرين والنحويين وغيرهم الذين تكلموا في قراءات كثيرة وحكموا بأنها غير صواب.

ثانياً: لو صح قول أبي المعالي هذا لم يصدق إلى على زمن القراء ومن بعدهم, خلافاً للزمن الذي بين القراء وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق, لأن القراءات يقيناً لا يخالجه شك لم تنقل في ذلك الزمن بالتواتر كما سبق توضيحه.

وأما قول السخاوي: "ولا يقدح في تواتر القراءات السبع إذا أسندت من طريق الآحاد، كما لو قلت: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى مدينة سمرقند مثلاً وقد عُلم وجودها بطريق التواتر لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها"اهـ
نقله القاسمي في مقدمة "محاسن التأويل" (1/304)

فجوابه أن يقال: إن العلم بمدينة سمرقند متواتر, ولكن ماذا لو أخبر فلان عن فلان أن مدينة سمرقند تبعد كذا وكذا ميلاً أيكون ذلك متواتر أيضاً!
إن القرآن متواتر ولا شك, ولكن حينما ينفرد قارئ عن سائر القراء العشرة, فكيف يقال بأن هذا متواتر!
كما ينفرد رويس مثلاً بقراءة (نورث) بفتح الواو وتشديد الراء.
أو ينفرد ابن كثير بقراءة (خير مقاماً) بضم الميم.
أو ينفرد أبو عمرو بقراءة (قالوا إن هذين) بالياء.
أو ينفرد حمزة بقراءة (لا تخف دركاً) بالجزم.
أو ينفرد أبو جعفر بقراءة (لنحرقنه) بإسكان الحاء وتخفيف الراء.
أو ينفرد يعقوب بقراءة (زهرة الحيوة) بفتح الهاء.
أو ينفرد الكسائي بقراءة (جذاذاً) بالكسر.
وغير ذلك كثير.

وأخيراً:
قال محمد الكناني المعروف بالقيجاطي كما في كتاب "المعيار المعرب" (12/148) : "والقرآن المتواتر عند علماء الإسلام غير القراءات, ومن وقف تواتر القرآن على تواتر القراءات فهو جاهل بالقرآن وبالقراءات, وبما أجمع عليه العلماء, ويلزمه عدم تواتر القرآن لزوماً لا انفكاك له عنه, لإجماع أئمة المسلمين على أن طرق نقل القراءات إنما هي الأسانيد الصحيحة من طرق الآحاد الثقات العلماء المتصلة أسانيدهم بالرسول صلى الله عليه وسلم, مع موافقة مصحف من المصاحف التي وجهها عثمان رضي الله عنه إلى البلدان.
ومن ادعى زيادة على هذا وزعم أن القراءات لا تقبل إلا إذا تواتر نقلها فقد افترى على الله وعلى رسوله وعلى أئمة المسلمين وخالف إجماعهم.
قال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه المسمى بالرحلة الصغرى: وقد نقل القرآن نقل تواتر يوجب العلم ويقطع العذر, وقراءاته نقلت نقل آحاد, وقد بينا ذلك في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (أنزل القرآن على سبعة أحرف).
وقال الأستاذ أبو علي الزبيدي في كتابه المسمى بإبداء الخفي في سقطات ابن القرطبي: وقد ثبت أن القرآن منقول تواتراً, وأن القراءات منقولة آحاداً, ولا ارتباط بينهما في حكم النقل, والقراءات فروع تتعلق بالقرآن, فلم يلزم في القرآن أن يكون منقولاً نقل آحاد, وإن كانت القراءات المتعلقة منقولة نقل آحاد"اهـ

تنبيه:
الكلام الذي سبق إنما يتعلق بالقراءات المختلفة في الفرش.
أما الاختلاف في الأداء وهو ما يسمى بالأصول فليس من القراءات, وإنما هو اختلاف طبيعي بين القراء في طريقة الكلام حتى لو لم يكن إلا حرف واحد وقراءة واحدة.
فلو لم يكن ثَمَّ أحرف ولا قراءات فإنك ستجد من القراء من يميل لأن لسانه لا يعرف إلا الإمالة فلا يقدر إلا عليها, وستجد من يرقق أو يغلظ أو يفخم بعض الحروف, وستجد من يدغم ومن يمد ويغن وستجد الروم والإشمام وتسهيل الهمز, وستجد ضم ميم الجمع وصلتها وهكذا سائر صفات أداء القراءة.
وقد بينت هذه المسألة المهمة في الموضوع الذي كتبته سابقاً بعنوان "تحرير مسائل الأحرف السبعة".
ولكن على القول المشهور عند القراء المتأخرين أنها من القراءات وأنها متواترة.
فإنه يقال: إذا تبين أن القراءات المختلفة في الفرش ليست متواترة فإن جميع ما يتعلق بصفة الأداء, كالإمالة والإدغام والترقيق والتفخيم والتغليظ والتسهيل والإبدال والروم والإشمام وتحديد مقادير المدود والغنة وغير ذلك من سائر صفت الأداء ليست متواترة من باب أولى.
وتواترها عن القراء لا يعني أنها منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن تواترها عنه صلى الله عليه وسلم.
ولفهم مسألة صفات الأداء وأنها ليست منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينظر الموضوع الذي كتبته سابقاً بعنوان " اختلاف القراء في صفات أداء التلاوة هل هو مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (بحث في الأدلة والقرائن)".

يقول الدكتور عبد العزيز القارئ في كتابه "حديث الأحرف السبعة" ص (177) : "بعض أوجه الأداء يصعب حصول التواتر على نقلها ولا يتصور وقوعه, كضبط مقادير المدود بالحركات, فإن الاتفاق على ضبط ذلك بتلك الدقة المتناهية شيء فوق طاقة البشر, لذلك تجد الروايات مختلفة اختلافاً كبيراً في مقدار مد المتصل".

وقد ذهب بعض العلماء إلى أن ما كان من قبيل صفة الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ليس متواتراً, كما في "شرح الكوكب المنير" (2/128-132)
لأنه لا تتوفر الدواعي إلى نقل جميع صفات الحروف ومخارجها في الكلام, ولا يمكن ذلك, إذ هي صفات للفظ لا يضبطها السماع عادة, وتقبل الزيادة والنقصان, وتختلف اللهجات في النطق بها, بخلاف نقل جوهر الحرف وأصله, ومما يؤكد ذلك أن أهل التجويد قد اختلفوا في صفات الحروف ومخارجها اختلافاً ظاهراً, ويزيده تأكيداً أن جماعة من علماء السلف قد كرهوا بعضاً من أنواع الأداء عند بعض القراء المشهورين, فتبين بذلك أن صفات التلاوة المتعلقة بالأداء لم تثبت مسندة فضلاً عن تواترها.
قال ابن النجار في "شرح الكوكب المنير" (2/131) : "ولهذا كره الإمام أحمد رضي الله عنه وجماعة من السلف قراءة حمزة لما فيها من طول المد والكسر والإدغام ونحو ذلك, لأن الأمة إذا أجمعت على فعل شيء لم يكره فعله, وهل يظن عاقل أن الصفة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وتواترت إلينا يكرهها أحد من المسلمين؟ فعلمنا بهذا أن هذه الصفات ليست متواترة، وهو واضح"اهـ
وهذا الكلام هو عين الصواب, فإن ما كان من قبيل الأداء كتحديد المدود بحدود معينة أو وصف طريقة الإدغام أو الترقيق أو غير ذلك بوصف معين لا يمكن أن يكون منقولاً بالتواتر, بل ذلك لا يتأتى أصلاً.

ولذلك قال ابن الجزري نفسه في "منجد المقرئين" ص (190) :"فإن قيل: وقد وجدنا القراء في بعض الكتب كالتيسير للحافظ الداني وغيره جعل لهم فيما مد للهمز مراتب في المد إشباعاً وتوسطاً وفوقه ودونه وهذا لا ينضبط, إذ المد لا حد له وما لا ينضبط كيف يكون متواتراً؟
(قال ابن الجزري): قلت: نحن لا ندعي أن مراتبهم متواترة, وإن كان قد ادعاه طائفة من القراء والأصوليين, بل نقول: إن المد العرضي من حيث هو متواتر مقطوع به, قرئ به على النبي صلى الله عليه وسلم وأنزله الله تعالى عليه, وأنه ليس من قبيل الأداء, فلا أقل من أن نقول: أن القدر المشترك متواتر, وأما ما زاد على القدر المشترك كعاصم وحمزة وورش فهو إن لم يكن متواتراً فصحيح مستفاض متلقى بالقبول, ومن ادعى تواتر الزائد على القدر المشترك فليبين"اهـ

أسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم التوفيق والهداية للصواب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم ومحبكم صالح بن سليمان الراجحي
Alrajhi.sr@gmail.com