تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الطوارئ على الحيض

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي الطوارئ على الحيض




    الطوارئ على الحيض (3-1)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "

    د. ناهدة عطا الله الشمروخ

    مقدمة البحث :
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد :
    فإن الله عز وجل قال في محكم كتابه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[1]، فالعبادة هي أعظم غاية خلق من أجلها العباد، وعلى العباد أن يتعلموا شرائع دينهم ليؤدوا عباداتهم على الوجه المطلوب منهم.
    ولما كانت المرأة مخاطبة بتلك الشرائع وجب عليها تعلم كل ما يتعلق بأمور عبادتها ، لاسيما ما كان واجباً عليها وجوباً عينياً كأمور الطهارة والصلاة والحج والزكاة والصيام التي هي أركان الإسلام.
    فعليها أن تتعلم كل ذلك ما استطاعت إليه سبيلاً، وأن تستفتي عما أشكل عليها من أمور دينها لتعبد الله جل وعلا على بصيرة.
    وإن من أهم ما يتعلق بعبادتها : موضوع الحيض وغيره من الدماء التي تصيبها كالنفاس والاستحاضة، وأن النساء منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا هذا وهن لا زلن يستفتين عن كل ما يشكل عليهن من أمر هذه الدماء، ولا غرابة في كثرة السؤال والاستفسار، فإن باب الحيض يعد من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء.
    قال النووي رحمه الله : اعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب، ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله واعتنى به المحققون، وأفردوه بالتصنيف في كتب مستقلة.
    وقال أيضاً :
    وقد رأيت ما لا يحصى من المرات، من يسأل من الرجال والنساء عن مسائل دقيقة وقعت فيه، لا يهتدي إلى الجواب الصحيح فيها إلا أفراد من الحذاق المعنيين بباب الحيض[2].
    وقال ابن نجيم الحنفي رحمه الله : معرفة مسائل الحيض من أعظم المهمات، لما يترتب عليها ما لا يحصى من الأحكام كالطهارة والصلاة وقراءة القرآن والصوم والاعتكاف والحج والبلوغ والوطء والطلاق والعدة والاستبراء وغير ذلك من الأحكام، وكان من أعظم الواجبات ، لإن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها[3].
    قال الإمام أحمد رحمه الله: كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته[4].
    وهذا قول الإمام أحمد وهو من في جلالة قدره ورفيع علمه ودقة فهمه، فمن هنا تتبين أهمية البحث في هذا الموضوع.
    أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
    1- تعلق عبادة المرأة من طهارة وصلاة وصيام وحج وغيرها بمعرفة مسائل الحيض.
    2- كثرة التفريعات في مسائل الحيض وخاصة في موضوع الطوارىء[5] عليه مما تتبين أهمية لم شتات هذه الفروع في كتاب مستقل.
    3- صعوبة فهم غالب مسائل الحيض لدقتها وكثرة ملابساتها، مما تستدعي الحاجة لتبسيط تلك المسائل لتيسير فهمها ثم تطبيقها.
    4- استعمال الوسائل الطبية الحديثة من موانع الحمل والحيض ونحوها ساهم في ازدياد اضطرابات الحيض وطوارئه، فأصبحت الحاجة ماسة لإيضاح تلك الإشكالات في الحيض.
    5- كثرة ما يردني من استفسارات من النساء عن هذا الموضوع – نظراً لتخصصي – مما أثار في الدافع القوي للمساهمة في كتابة بحث مستقل تجد فيه المرأة بإذن الله، وغيرها من طلبة العلم ما يشفي غليلهم في موضوع الحيض والطوارىء عليه.
    الدراسات السابقة :
    موضوع الحيض وأحكامه وكل ما يتعلق به هو في باب مستقل من أبواب كتاب الطهارة وهو في كل كتب الفقه – فيما أعلم- ، ومصادر هذا البحث هي تلك الكتب الفقهية سواء الأصيلة منها – وهذا في الغالب – أم الحديثة، أما من أفرد هذا الموضوع في بحث مستقل من علمائنا المعاصرين أو من طلبة العلم، فإن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله له رسالة موجزة في فقه الحيض والنفاس والدماء الطبيعية للنساء، وللدكتور عمر الأشقر كتاب بعنوان : الحيض والنفاس والحمل في الفقه والطب[6]، وللمؤلف دبيان بن محمد الدبيان كتاب من ثلاثة أجزاء بعنوان : الحيض والنفاس رواية ودراية، وأيضاً أطلعت على بحث للشيخ محمد الجكني بعنوان : إتحاف أهل الهمم الفياضة بأحكام الحيض والنفاس والاستحاضة، لكنه استفاض في الاحكام وأوجز كثيرا ًفي الطوارىء على الحيض.
    وأرى أن هذا الموضوع لا زال بحاجة لمزيد بحث وعناية ، وذلك لأهميته التي سبق ذكرها، ولتجدد الوقائع والحوادث فيه خاصة مع استعمال الوسائل الطبية الحديثة، والتي تؤثر بدورها على الحيض فتزداد معه حيرة المرأة وتحتاج لإجابات شافية عنه.
    خطة البحث :
    يتكون البحث من مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة ، أما المقدمة فتتضمن أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة فيه، وخطة البحث، ومنهجي فيه .
    وأما التمهيد فهو في تعريف الحيض في اللغة وفي الشرع، والحكمة من خلقه.
    والفصل الأول بعنوان : زمن الحيض ومدته
    وفيه مبحثان :
    المبحث الاول : زمن الحيض ، وفيه أربعة مطالب :
    المطلب الأول : أقل سن تحيض له المرأة.
    المطلب الثاني : السن الذي ينتهي فيه الحيض.
    المطلب الثالث : غالب السن الذي يأتي فيه الحيض.
    المطلب الرابع : انقطاع الحيض عن الآيسة ثم عودته إليها.
    المبحث الثاني : مدة الحيض ، وفيه ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول : أقل مدة الحيض.
    المطلب الثاني : أكثر مدة الحيض.
    المطلب الثالث : غالب مدة الحيض.
    الفصل الثاني : بعنوان : الطوارىء على الحيض:
    وفيه سبعة مباحث :
    المبحث الأول: تقدم أو تأخر موعد الحيض عن المعتاد.
    المبحث الثاني : زيادة مدة الحيض أو نقصانها عن المعتاد.
    المبحث الثالث : الصفرة والكدرة وما يلحق بهما.
    المبحث الرابع : تقطع الحيض النقاء المتخلل بين الدمين.
    المبحث الخامس : الدم الذي تراه الحامل.
    المبحث السادس : أثر موانع الحمل على الحيض.
    المبحث السابع : قواعد فقهية وتطبيقات عملية للطوارىء على الحيض.
    الخاتمة : وتتضمن أهم نتائج البحث.
    منهج البحث :
    1- عرض الآراء الفقهية المعتمدة- وخاصة المذاهب الأربعة- في كل مسألة، وذكر أدلة كل مذهب، ثم ترجيح ما أراه راجحاً من خلال مناقشة أدلة الآراء المرجوحة مع سلامة أدلة الرأي الراجح.
    2- تتبع الوقائع والحوادث المستجدة لما يعرض للمرأة في موضوع الحيض والطوارىء عليه، وذلك من خلال الكتب الفقهية وكذا الكتب الطبية الحديثة، وأهم ما ورد في كتب الفتاوى بالإضافة إلى مشافهات النساء وغيرها مما يخص هذا الموضوع.
    3- إرجاع هذه الوقائع والحوادث المستجدة وغيرها إلى قواعد فقهية تستطيع المرأة من خلالها استنباط حكم ما قد يعرض لها من الطوارىء من خلال الرجوع لتلك القواعد بإذن الله تعالى.
    4- عزو الآيات إلى مواضعها من السور.
    5- تخريج الأحاديث والآثار الواردة في البحث مع نقل حكم علماء التخريج عليها ما أمكن ذلك.
    6- تعريف المصطلحات اللغوية الغريبة وكذا الفقهية والطبية.. وغيرها.
    7- ترجمة الإعلام غير المشهورين ترجمة موجزة.
    8- يختم البحث بخاتمة موجزة توضح أهم نتائجه.
    9- إلحاق البحث بفهرس لمصادره ومراجعه.
    هذا وقد واجهتني أثناء كتابة هذا البحث عدة صعوبات، أبرزها كثرة الأقوال في المذهب الواحد بل وتداخلها وتضادها في بعض المسائل والفروع مما يستدعي من الباحثة مزيدًا من التأمل والنظر والاطلاع ثم استنباط أو معرفة ما استقر عليه رأي المذهب أو الإمام مع التنقيب في الكتب لتوثيق ذلك.
    كما أن ربط المسائل الفقهية بالناحية الطبية احتاج إلى مزيد من المراجع الطبية التي لا تتوفر في الغالب لباحثة في مثل تخصصي، وإن توفرت فهي لا تتحدث عن الموضوع الذي أريد البحث فيه مما استدعى اللجوء للمتخصصين في الطب لإمدادي بما أحتاجه في هذا الموضوع، أو للمواقع الالكترونية.. وأحمد الله تعالى أن يسر لي ذلك، وهو من فضله جل وعلا، وأسأله تعالى الإخلاص في القول والعمل، والتوفيق في بحثي هذا وفي شأني كله إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    التمهيد
    تعريف الحيض، والحكمة من خلقه
    وفيه مطلبان :
    المطلب الأول : تعريف الحيض .
    أولاً : تعريف الحيض لغة :
    يقال : حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضا ومحاضاً فهي حائض وحائضة: سال دمها، قيل : ومنه الحوض لأن الماء يسيل إليه[7].
    وأيضاً : حاضت السَّمُرة تحيض حيضاً: سال صمغها[8]. قيل : وهو شيء يسيل منها كدم الغزال[9].
    إذاً فأصل الحيض في اللغة : السيلان.
    وجاء في أنيس الفقهاء :
    الحيض في اللغة : عبارة عن خروج الدم، يقال : حاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر[10].
    ويلاحظ أنه عرف الحيض بمجرد خروج الدم ولم يصفه بالسيلان، وهناك فرق بين الوصفين[11].
    والمرأة حائض لأنه وصف خاص، وجاء حائضة أيضاً بناءً له على حاضت، وجمع الحائض: حُيَّض، مثل راكع ورُكّع، وجمع الحائضة: حائضات مثل قائمة وقائمات[12].
    وتحيَّضت المرأة: إذا قعدت أيام حيضها عن الصلاة تنتظر انقطاعه[13].
    وقال النووي :
    الحيض له ستة أسماء : الحيض، والطمث، والعراك، والضحك، والإكبار، والإعصار[14]. وزاد الشربيني: النفاس، والفراك، وغيرها[15].
    ثانياً : تعريف الحيض شرعاً:
    اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الحيض لكنها في الغالب تتحدث عن ماهية الحيض ووقت حدوثه ومنهم من زاد فذكر موضع خروجه وغير ذلك.
    وقبل سرد أهم وأشمل هذه التعريفات أذكر ما أورده ابن رشد في كتابه بداية المجتهد حيث قال : اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة: دم حيض ، وهو الخارج على جهة الصحة، ودم استحاضة وهو الخارج على جهة المرض، وأنه غير دم الحيض، ودم نفاس وهو الخارج مع الولد[16].
    وما يهمنا في هذا البحث هو دم الحيض، وإليكم تعريفات المذاهب الفقهية له:
    أولاً : تعريف الحنفية :
    عرفه النسفي صاحب كنز الدقائق : بأنه دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن داء وصغر.
    وهكذا عرفه البابرتي صاحب شرح العناية على الهداية وابن الهمام صاحب فتح القدير والكرلاني صاحب الكفاية على شرح الهداية[17].
    قوله: سليمة عن داء، احترازاً عن النفاس، لأن النفساء في حكم المريضة.
    وقوله : صغر، احترازاً عما تراه الصغيرة، لأن الخارج في الصغر استحاضة- على المذهب-.
    وقوله : رحم، خرج به دم الاستحاضة، لأنه دم عرق لا رحم[18].
    ثانياً: تعريف المالكية :
    عرفه ابن جزي: بأنه الدم الخارج من فرج المرأة التي يمكن حملها عادة من غير ولادة ولا مرض ولا زيادة على الأمد[19].
    قوله : ولا مرض، أخرج دم النزيف وشبهه.
    وقوله : ولا زيادة على الأمد، خرج بذلك دم الاستحاضة[20].
    وكذلك عرفه الدردير بأنه : دم أو صفرة أو كدرة خرج بنفسه من قُبل من تحمل عادة.
    أي أن الحيض ثلاثة أنواع، إما دم وهو الأصل، أو صفرة، أو كدرة[21].
    قوله : من تحمل عادة، يخرج الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين أو كبيرة بلغت السبعين فليس بحيض قطعاً[22]- كما هو مذهبهم-.
    ثالثاً : تعريف الشافعية:
    عرفه النووي بقوله : هو دم ترخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة[23].
    قوله : في أوقات معتادة يخرج دم الاستحاضة، لأنه لا وقت معلوم له، وكذا دم النفاس لأنه يخرج مع الولادة وليس في أوقات معتادة متكررة.
    وعرفه الشربيني: بأنه دم جبلة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة من غير سبب في أوقات معلومة[24].
    فهنا الشربيني حدد موضع خروج دم الحيض بدقة تمييزاً له عن دم الإستحاضة حيث إنه لا يخرج من هذا الموضع ، بل قيل إنه يخرج من عرق من أدنى الرحم، يسمى العاذل[25].
    وقوله : من غير سبب، يخرج دم النفاس، لأنه بسبب الولادة.
    رابعاً : تعريف الحنابلة :
    عرفه ابن قدامة: بأنه دم يرخيه الرحم إذا بلغت المرأة، ثم يعتادها في أوقات معلومة[26].
    وتعريفه لم يضف جديداً على تعريف غيره من الفقهاء الذين سبق ذكرهم.
    وهكذا عرفه الزركشي لكنه قال : عند البلوغ ، بدلاً من : إذا بلغت المرأة[27].
    وعرفه البهوتي: بأنه دم طبيعة وجبلة يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة[28].
    وتعريفه قريب جداً من تعريف الشربيني، لكن الشربيني أضاف عبارة : على سبيل الصحة ليخرج دم النزيف ونحوه، مع أن عبارة : دم طبيعة وجبلة تغني عن تلك العبارة لأنها توضح أن خروجه طبيعة وليس مرضاً.
    وكذلك أضاف الشربيني عبارة : من غير سبب، وأراها في موضعها لأنها تخرج دم النفاس لأنه بسبب الولادة.
    وبالتالي فإن تعريف الشربيني هو من أفضل التعريفات لأنه جامع مانع، فهو عرف دم الحيض بذكر سببه وموضع خروجه تحديداً ووقته، ومنع دخول غيره فيه من الدماء كدم الاستحاضة والنفاس والنزيف بسبب المرض.. ونحوه.
    المطلب الثاني : الحكمة من خلق الحيض :
    خلق الله عز وجل دم الحيض لحكمة تربية الولد، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته، ولذلك لا تحيض الحامل في الغالب، وهذا الدم ينصرف إلى الجنين عن طريق السرة ويتفرق في العروق يتغذى به، إذ أنه لا يمكن أن يتغذى بالأكل والشرب وهو في بطن أمه، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به الطفل ، ولذلك قلما تحيض المرضع[29].
    وقد جاء في كتاب خلق الإنسان بين الطب والقرآن :
    من المقرر علمياً وطبياً أن سلامة الحمل متوقفة على سلامة المشيمة، وأن أكثر حالات الإجهاض إنما ترجع إلى خلل في المشيمة.
    وأن هذه المشيمة تتكون من جزأين يتوسطهما غشاء هام يسمى الغشاء المشيمي، وقد وهب الله لهذا الغشاء القدرة على تنظيم تغذية الجنين ووقايته من كل ما قد يضره، ولا يوصل إليه من الغذاء إلا ما ينفعه، فالغذاء المنتقى والمختار بعناية فائقة من دماء الأم ينتقل في الرحم إلى أوعية الجنين الدموية.. وينتقل معه الأوكسجين ومواد المناعة للأمراض والأوبئة، وينتقل من الجنين إلى الأم كل المواد السامة التي نتجت عن عمليات البناء والهدم المستمرة في خلايا الجنين مثل ثاني أوكسيد الكربون والبولينا فتنقل إلى الأم لتحملها إلى إجهزة إفرازها.
    ولا تكتفي المشيمة بذلك ولكنها ترسل هرموناً يثبت الجنين في الرحم، وينمي الثديين استعداداً لإفراز اللبن منهما عندما يخرج الجنين إلى الدنيا ليجد غذاءه جاهزاً[30]. فتبارك الله أحسن الخالقين!
    الفصـل الأول :
    زمن الحيض ومدته
    وفيه مبحثان :
    المبحث الأول : زمن الحيض
    المبحث الثاني : مدة الحيض
    المبحث الأول : زمن الحيض ومدته
    وفيه مبحثان :
    المبحث الأول : زمن الحيض
    وفيه أربعة مطالب :
    المطلب الأول : أقل سن تحيض له المرأة .
    اختلف العلماء رحمهم الله هل هناك حد لأقل سن تحيض فيه المرأة، وذلك على قولين :
    القول الأول : أن له حداً، فلو وجد قبل هذا الحد أو هذه السن فإنه لا يحكم بأنه دم حيض بل هو دم فساد.
    وهذا هو قول جمهور العلماء من الحنفية وبعض المالكية ومتأخريهم والشافعية والحنابلة وقد اختلفوا فيما بينهم في تحديد تلك السن.
    فذهب أكثرهم إلى أن أقل سن تحيض له المرأة هو تسع سنين. وهذا هو المعتمد لدى الحنفية والمختار عند محققيهم[31]، وهو المقطوع به لدى متأخري المالكية[32]، والمذهب عند الشافعية[33]، وعند الحنابلة وعليه جماهير أصحابهم[34].
    ووردت أقوال أخرى نقلت عن أئمة تلك المذاهب أو عن بعض أصحابهم.
    فبعض الحنفية قدروها بسبع سنين، ومنهم من قدره بست، ومنهم من قال : اثنتا عشرة سنة[35].
    وأما الشافعية فاختلفوا في تحديد تلك التسع، هل هي في أول التاسعة أم إذا مضى نصفها أم لتمامها[36].
    وورد عن الإمام أحمد أن أقله: عشر سنين، وعنه أقله: اثنتا عشرة سنة[37].
    القول الثاني : أنه ليس له حد :
    وهو قول الإمام مالك، واختيار بعض علماء المالكية، والدارمي من الشافعية، وابن تيمية، واختاره من علمائنا المعاصرين الشيخ ابن سعدي وابن عثيمين رحمهم الله جميعاً[38].
    قال النووي في المجموع : قال الدارمي بعد أن ذكر الاختلافات – أي في هذه المسألة-: كل هذا عندي خطأ لأن المرجع في جميع ذلك إلى الوجود، فأي قدر وجد في أي حال وسن كان، وجب جعله حيضاً[39].
    أدلة القول الأول :
    1- قوله تعالى " واللائي لم يحضن"[40].
    فدل على أن الصغيرة لا تحيض[41].
    2- روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"[42]. والمراد به حكمها حكم المرأة[43].
    3- استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين، والظاهر أنه بنى بها بعد البلوغ[44].
    4- واستدلوا أيضاً بالوجود، فقالوا: لأنه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبل استكمال تسع سنين[45]، ورؤية الدم فيما دون ذلك نادر، ولا حكم للنادر[46].
    5- وقالوا أيضاً: ولأن دم الحيض إنما خلقه الله لحكمه تربية الحمل به، فمن لا تصلح للحمل لا توجد فيها حكمته، فنتفي لانتفاء حكمته.. ووجوده علم على البلوغ، وأقل سن تبلغ له الجارية تسع سنين، فكان ذلك أقل سن تحيض له الجارية[47].
    أدلة القول الثاني :
    1- عموم قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " [48].
    فقوله جل وعلا: قل هو أذى حكم معلق بعلة، وهو الأذى، فإذا وجد هذا الدم الذي هو الأذى فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عرق ولا جرح[49].
    2- أنه لا يوجد دليل من الكتاب أو السنة على التحديد المذكور، فلو كان للحيص وغيره مما لم يقدره النبي صلى الله عليه وسلم حد عند الله ورسوله لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما لم يحده دلّ على أنه رد ذلك إلى ما يعرفه النساء ويسمى في اللغة حيضاً، ولهذا كان كثير من السلف إذا سئلوا عن الحيض، قالوا: سلوا النساء فإنهن أعلم بذلك، يعني هن يعلمن ما يقع من الحيض وما لا يقع[50].
    3- أنه قد وجد في النساء من تحيض قبل السن المحدد بتسع سنين، والدم الخارج هو على صفة دم الحيض المعهود، فينبغي الرجوع في ذلك إلى الوجود الذي علق عليه الأحكام[51].
    الترجيح :
    بعد استعراض أدلة كل فريق، أرى أن الراجح من القولين هو : القول الثاني وأنه لا صحة لتحديد أقل سن تحيض فيه المرأة حتى لو رأت الدم بصفة دم الحيض المعهود فأنه لا يحكم بأنه حيض ويعدونه دم فساد، حيث لا دليل – كما سبق – على هذا التحديد من الكتاب أو السنة، وكل ما ذكر من أدلة إنما هي عمومات لا تخصص ولا تحدد سناً معينة للحيض، وليس فيها دلالة على هذه المسألة المتنازع فيها ، وإنما تدل على أن المرأة في الغالب لا تحيض إلا بعد استكمال تسع سنين، وهذا ما يتفقون عليه في الجملة، ولكن الامر المتنازع فيه ماذا لو أنها رأت دم الحيض المعروف قبل هذه السن؟ فما هو دليلهم على أنه يعد دم فساد ولا يلتفت إليه على الرغم من أهمية هذا الأمر وتعلقه ببلوغ الفتاة، وأنها أصبحت في طور التكليف – ولا يختلف اثنان على أهمية ذلك في الشريعة-، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية قال : والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة؛ لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم، ودم الفساد دم عرق ينفجر، وذلك كالمرض، والأصل الصحة لا المرض[52].
    ثم إن استدلالهم بالوجود والعرف، وأنه لم يثبت لأنثى حيض قبل استكمال تسع سنين، فإنه يجاب عنه بالدليل نفسه وإنه قد وجد من النساء من حاضت قبل تلك السن، والوقائع تشهد بذلك قديماً وحديثاً[53].
    وذكر الطبيب محمد البار بأن وقت البلوغ يختلف من أمةٍ إلى أخرى، وفي البلاد الحارة يكون البلوغ مبكراً أكثر منه في البلاد الباردة.. كما أن ذلك يختلف نتيجة بعض العوامل الوراثية فيختلف من شعب إلى آخر، ولو كانوا يعشون في نفس المنطقة[54].

    وذكر أيضاً أحد أطباء النساء والولادة أن اقل سن تحيض فيه الفتاة في الهند مثلاً هو سبع سنوات[55].
    ويذكر في بعض الوقائع أنه وجدت فتيات قد حملن وهن في سن السادسة[56].
    وغني عن الذكر أن الفتاة لا تحمل إلا وهي قد بلغت من قبل ونضج جهازها التناسلي ، ولا يستغرب ذلك في زماننا هذا ، حيث ذكر كثير من الأطباء ومن علماء التربية والنفس أنه توجد حالياً محفزات كثيرة للبلوغ المبكر منها: عامل تحسن التغذية عما كان في السابق، بالإضافة إلى أن مصنعي الأغذية الجاهزة والأطعمة السريعة باتوا يضيفون إليها المحسنات الغذائية من ألوان ومنكهات صناعية، وهكذا يفعل مربو الدواجن واللحوم الأخرى حيث يضيفون إليها هرمونات النمو والاستروجين ونحوها مما يساهم في إنضاج الغدد الجنسية لدى الإنسان قبل أوانها أو اضطرابها.
    هذا فضلاً عن وجود مثيرات عديدة للشهوات كالقنوات الفضائية في غالبها والتقنيات الحديثة، والتوسع في الاختلاط بين الجنسين في معظم بلاد العالم وفي كل المجالات تقريباً، كل ذلك ساهم في البلوغ المبكر[57].
    وبالتالي فإن دليل وجود من تحيض قبل سن التاسعة، ودليل عدم وجود دليل من الكتاب والسنة يقتضي التحديد هما من أقوى الأدلة التي ترجح القول القائل بأنه لا سن محددة لابتداء الحيض عند الفتاة .
    المطلب الثاني : السن الذي ينتهي فيه الحيض :
    اختلف الفقهاء في هذه المسألة كاختلافهم في المسألة السابقة هل هناك حد لأقل سن تحيض فيه المرأة، فهنا اختلفوا كذلك هل هناك حد ينتهي فيه الحيض، وعند بلوغ المرأة هذا الحد أو هذه السن يحكم بوصولها إلى ما يسمى بسن الإياس أو اليأس ويصبح ما تراه من الدم بعد هذه السن دم فساد لا دم حيض، أم أنه ليس لمنتهى الحيض عند المرأة حد، وذلك على قولين :
    القول الأول : إن لانتهاء الحيض عند المرأة حداً أو سناً معينة.
    وهذا القول هو المختار عند الحنفية، وهو قول لبعض المالكية ومتأخريهم، وقال به بعض علماء الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة.
    لكنهم اختلفوا في تحديد تلك السن، وهذا الاختلاف حتى بين أصحاب المذهب الواحد. فالحنفية حدوه بخمسين سنة، وهو المختار عندهم وعليه الفتوى.
    قال صاحب الدر المختار : وما رأته بعدها، أي بعد المدة المذكورة ، فليس بحيض في ظاهر المذهب، إلا إذا كان دماً خالصاً فحيض[58].
    وقيل: بل هو خمس وخمسون سنة، وهو المعتمد عند أكثرهم[59].
    ومنهم من قال : الإياس يحصل بانقطاع الدم مدة لا تصلح لنصب العادة عند ستين سنة[60]. وقال السرخسي : ومن الدماء الفاسدة ما تراه الكبيرة جداً، إلا أن محمداً رحمه الله ذكر أن العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة الحيض كان حيضاً[61].
    وهذا يدل على أنه لا تحديد لسن الإياس لدى المرأة عند صاحب أبي حنيفة، بل وحتى من قال بالتحديد منهم فإنهم يقولون إن كان الدم هو دم خالص فهو حيض ولو بعد سن الإياس الذي حدوه.
    وأما المالكية فقال متأخروهم: إن المرأة إذا بلغت السبعين وخرج منها دم فليس بحيض قطعاً، وتسئل النساء في بنت الخمسين إلى السبعين، فإن قلن حيض أو شككن فحيض[62].
    وورد عن مالك قوله في جواب له في المدونة : ألا ترى أن بنت سبعين سنة وبنت ثمانين وبنت تسعين إذا رأت الدم لم يكن ذلك حيضاً[63].فدل على أن لانتهاء الحيض عنده حداً.
    واختلف الشافعية كذلك فيما بينهم في تحديد سن الإياس، فقال بعضهم : إنه اثنان وستون سنة وهو المعتمد ، وهذا باعتبار الغالب فلا ينافي ما صرحوا به من أنه لا آخر لسن الحيض فهو ممكن ما دامت حية[64].
    أي فتحصل من مذهبهم قولان : إحدهما يقول بالتحديد والآخر لا يقول به.
    وأما الحنابلة فقد تعددت أقوالهم في ذلك تبعاً لتعدد الروايات عن الإمام أحمد في هذه المسألة.
    فقد قال ابن قدامة : اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة[65].
    فقال المرداوي : وأكثره خمسون سنة، وهذا هوالمذهب، وهو اختيار عامة المشايخ، وهو أشهر الروايات.
    وعنه: أكثره ستون سنة. واختاره ابن قدامة في المغني[66].
    وعنه: ستون في نساء العرب، وخمسون في نساء العجم، لأن نساء العرب أقوى جبلة.
    وعنه : بعد الخمسين حيض إن تكرر[67].
    وقال الزركشي : لا نزاع عندنا فيما نعلمه – أن ما تراه المرأة من الدم بعد الستين دم فساد وليس بدم حيض[68].
    أي أن الحنابلة اتفقوا على أن ما بعد سن الستين لا يكون دم حيض قطعاً.
    القول الثاني : أنه لا حد لانتهاء الحيض عند المرأة.
    وهو رواية عن أبي حنيفة ، وقول صاحبه محمد – كما تقدم- وهو اختيار بعض علماء المالكية ، وقول الشافعي، وأكثر علمائهم قالوا: لا حد لأكثره ، بل هو ممكن ما دامت المرأة حية[69].
    وقال ابن قدامة : وللشافعي قولان : أحدهما يعتبر السن الذي يتيقن أنها إذا بلغته لم تحض، والثاني : يعتبر السن الذي ييأس فيه نساء عشيرتها[70]. ويلاحظ أنه في كلا القولين لم يحدد سناً معينة للإياس.
    وهو مذهب الظاهرية كذلك ، واختيار ابن تيمية، ومن المعاصرين: ابن سعدي وابن عثيمين والسيد سابق وغيرهم[71].
    يتبع







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد:الطوارئ على الحيض

    الطوارئ على الحيض (3-1)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "
    د. ناهدة عطا الله الشمروخ


    جاء في البيان والتحصيل : وسئل – أي مالك- عن وقت الدم فقال: ليس له عندنا وقت.
    قال ابن رشد: هذا هو المعلوم من مذهبه أنه يكره الحد في مثل هذه الأشياء التي لا أصل للحد فيها في الكتاب والسنة، وإنما يرجع فيها إلى الاجتهاد[72].
    أدلة القول الأول :
    1- قوله تعالى " واللائي يئسن من المحيض من نسائكم"[73].
    وجه الدلالة : أن الله تعالى قد وصف النساء بالإياس من الحيض، فعلم أن للمرأة حالاً تنتهي فيه إلى الإياس[74].
    وهذا الدليل يصلح لكل من قال بتحديد منتهى الحيض.
    2- أن عائشة رضي الله عنها قالت : " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض".
    3- وعنها قالت : " لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين سنة"[75].
    ومن لا تحبل لا تحيض[76].
    وهذان الدليلان يصلحان لمن حد منتهى الحيض بس الخمسين.
    إلا أن ابن قدامة رد على ذلك بقوله :
    وما ذكر عن عائشة رضي الله عنها لا حجة فيه، لأن وجود الحيض أمر حقيقي المرجع فيه إلى الوجود، والوجود لا علم لها به، ثم قد وجد بخلاف ما قالته ، فإن موسى ابن عبدالله بن حسن[77] قد ولدته أمه ولها ستون سنة، ووجد الحيض فيما بعد الخمسين على وجهه فلا يمكن إنكاره. فإن قيل : هذا الدم ليس بحيض ، مع كونه على صفته وفي وقته وعادته بغير نص، فهذا تحكم لا يقبل. فأما بعد الستين فقد زال الإشكال، وتيقن أنه ليس بحيض، لأنه لم يوجد[78].
    إذاً استدل ابن قدامة بدليل الوجود في رده على من حدّه بسن الخمسين ونحوها، وهو يصلح دليلاً كذلك لمن حده إلى الثانية والستين كما قاله بعض الشافعية وكذلك لمن حده إلى السبعين من المالكية، فإنه في غالب الظن لم يقولوا بذلك إلا لما عرفوه في عصرهم أن من النساء من يستمر معها الحيض إلى ذلك الحد.
    أدلة القول الثاني :
    استدل القائمون بأن منتهى الحيض لا حد له بما يلي :
    1- قوله تعالى " واللائي يئسن من المحيض "[79].
    فاليأس المذكور هنا ليس هو بلوغ سن، فلو كان بلوغ سن لبينه الله ورسوله، وإنما هو أن تيأس المرأة نفسها من أن تحيض[80].
    ثم إن الله تعالى قد قال : واللائي يئسن من المحيض، ولم يقل مثلاً : واللائي بلغن خمسين أو ستين سنة، فالله تعالى رد هذا الأمر إلى معقول معلل، فوجب أن يثبت هذا الحكم بوجود هذه الأمور المعقولة المعللة وينتفي بانتفائها[81].
    2- قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض، قل هو أذى"[82].
    والأذى هو الدم الخارج من الرحم، فوجب أن يحمل على أنه حيض حتى يعلم أنه ليس بحيض . قال ابن رشد: وهذا ما لا أعلم فيه خلافاً[83].
    3- أنه لا يوجد دليل من الكتاب ولا من السنة يدل على تحديد منتهى الحيض لدى المرأة، وإنما يرجع في ذلك إلى الوجود، وهو يختلف باختلاف حرارة البلاد وبرودتها وقوة طبيعة النساء وضعفها في تلك البلاد، بالإضافة إلى العوامل الوراثية ونحو ذلك[84].
    الترجيح :
    أرى أن القول الثاني القائل بأنه لا حد معين لانتهاء الحيض هو القول الراجح، فما دامت المرأة ترى الدم على صفة الحيض المعهود فإنه حيض، ولو تجاوزت الخمسين سنة أو الستين أو الحد الذي حدّه بعض الفقهاء.
    والدليل على أنه لا حد لمنتهى الحيض أن القائلين به لم يتفقوا على حد معين بل اضطربت أقوالهم وتعددت حتى وصلت إلى سبعة أقوال أو أكثر، وهذا دليل على عدم وجود نص يقتضي التحديد، ولما لم يوجد نص لم يبق إلا الرجوع إلى الوجود، وإلى طبيعة النساء التي تختلف من بلد لآخر بحسب الطقس والعادات الغذائية والموروثات الجينية ونحو ذلك.
    قال ابن تيمية : ولا حد لسن تحيض فيه المرأة، بل لو قدر أنها بعد ستين أو سبعين زاد[85] الدم المعروف من الرحم لكان حيضاً.
    وقال في الموضع نفسه في قوله تعالى " واللائي يئسن من المحيض"[86] هو أن تيأس المرأة نفسها من أن تحيض ، فإذا انقطع دمها ويئست من أن تعود فقد يئست من المحيض ولو كانت بنت أربعين.. ومن لم يجعل هذا هو اليأس فقوله مضطرب إن جعله سناً، وقوله مضطرب إن لم يحد اليأس لا بسن ولا بانقطاع طمع المرأة في المحيض[87].
    وقال ابن حزم : وإن رأت العجوز المسنة دما أسود فهو حيض[88].
    وقال ابن عثيمين : متى وجد الحيض ثبت حكمه، ومتى لم يوجد لم يثبت له حكم، ويمكن أن يوجد بعد الخمسين، وهذا يشهد له الواقع[89].
    وقال ابن قاسم عندما ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة : وإنما الرجوع فيه إلى العادات في البلدان، فتجلس عادة جلوسها في عادة حيضها ، ولا تسمى آيسة حتى ينقطع لكبر أو تغير، وهو أحوط، وعليه العمل[90].
    وللأطباء رأيهم في هذه المسألة حيث جاء في كتاب سن اليأس :
    وليس من الممكن معرفة الوقت الذي تبدأ فيه سن اليأس عند المرأة، إذ لا يمكن تشخيص الحالة إلا بعد توقف الدورة الشهرية، كما أن تأكيدها طبياً لا يكون إلا بعد توقف الدورة الشهرية لمدة عام على الأقل.
    وجاء في موضع آخر :
    وفي يومنا هذا يحدث سن اليأس عندما تصل المرأة إلى سن تبلغ في المتوسط تسعة وأربعين عاماً وتسعة شهور[91].
    وقال الدكتور محمد علي البار :
    يرى الأطباء أن للمرأة سناً يتوقف فيه الحيض وهو سن اليأس، وهو غالباً ما بين 45 إلى 55 عاماً، ومن النادر أن يستمر الحيض بعدها.
    إذاً ليس هناك سن بعينها يتوقف عندها الحيض، لكن ما ذكره الأطباء والفقهاء هو الغالب، وهو بالفعل متعارف عليه بين النساء تقريباً، لكن ذلك لا يمنع من وجود حالات يتجاوز فيها الحيض تلك السن، ويكون على صفته المعهودة كما يشهد به الواقع، فهنا يتضح الخلاف هل يعتبر دم حيض كما كان قبل هذه السن أو يعدونه دم فساد؟
    وقد أوضحت الرأي الراجح وأسباب الترجيح، والله الموفق للصواب.
    المطلب الثالث : غالب السن الذي يأتي فيه الحيض :
    لم أجد فيما بين يدي من الكتب الفقهية سواء للمتقدمين أو المتأخرين من ذكر السن الذي يغلب على الفتاة أن تحيض فيه عدا الشيخ ابن عثيمين حيث ذكر أنه بين اثنتي عشرة سنة إلى خمسين سنة[92].
    وقد ذكر هذا الأمر الأطباء حيث قال الدكتور محمد علي البار:
    وأغلب وقوعه – أي الحيض – فيما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة في البلاد الحارة، والرابعة عشرة والسادسة عشرة في البلاد الباردة، وكل ذلك يعتبر طبيعياً ولا يحتاج إلى تدخل علاجي[93].
    أقول : ولعل الفقهاء اكتفوا عنه بذكر أقل سن تحيض به المرأة والسن الذي ينتهي فيه الحيض ولم يجدوا أهمية في ذكر السن الذي يغلب فيه مجيء الحيض، لعدم ترتب الأحكام الفقهية المتعلقة بالحيض على بيان هذه السن، بخلاف سن ابتداء الحيض لأنه ابتداء زمن التكليف، وسن انتهائه لتكون المرأة فيه على بينة من أمر طهارتها وما يتعلق بها من عبادات.
    المطلب الرابع : انقطاع الحيض عن الآيسة ثم عودته إليها :
    اختلف الفقهاء في هذه المسألة على نحو اختلافهم في مسألة : هل لمنتهى الحيض سن معينة، فالذين قالوا بالتحديد أو أن للمرأة سناً معينة إذا بلغتها كانت في عداد الآيسات وأن ما تراه بعد بلوغها هذه السن فهو دم فساد، فإنهم في هذه المسألة وبلا شك يقولون أن الدم الذي تراه المرأة بعد انقطاع الحيض عنها فترة ودخولها في سن الإياس هو دم فساد لا تلتفت إليه، ولا يمنعها من الصوم والصلاة وسائر العبادات المتعلقة بالطهارة ؛لأنهم قالوا بذلك والدم يجري على عادته بعد بلوغ السن الذي حدوه ، فماذا لو أضيف له انقطاع لفترة ويأسها من الحيض.
    أما القائلون بأنه لا حد لسن تحيض فيه المرأة بل هو ممكن ما دامت حية، فإنهم قالوا بأنه إذا عاد إليها بعد أن يئست منه فهو دم حيض إذا كانت على صفة دم الحيض المعهود.
    وبذلك تكون الأقوال كما يلي :
    القول الأول :
    إذا انقطع دم الحيض وأصبحت المرأة آيسة، ثم عاد إليها وكان على صفة الدم المعهود لديها فإنه يكون دم حيض.
    وهو قول الحنفية والشافعية، وقال بعض المالكية إنه قول مالك، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية[94].
    إلا أن الشافعية قالوا: إن الآيسة إذا استحيضت ردّت لعادتها إن علمتها، فإن نسيتها لم يجب عليها شيء، لأن اليأس لما انضم إليه نسيان العادة ضعف الدم المرئي فيه عن كونه حيضاً[95]. وهذا القول لا يلزم ، لأن للمستحاضة طرقاً أخرى في معرفة دم الحيض، منها تمييزه عن دم الاستحاضة برائحته ولونه وكثافته.. وغير ذلك.
    وقال الحنفية : وعود العادة يبطل الإياس، ثم فسر بعضهم هذا بأن تراه سائلاً كثيراً احترازاً عما إذا رأت بلة يسيرة ونحوه، وقيدوه بأن يكون أحمر أو أسود ، فلو أصفر أو أخضر.. لا يكون حيضاً[96].
    والمقصود بهذا القيد أن يكون الدم العائد على صفة دم الحيض المعهود.
    وقال ابن رشد في البيان : ولما لم يرد في القرآن ولا في السنة حد يرجع إليه من السنين يفصل به بين المسنة التي تشبه أن تحيض وبين العجوز التي لا يشبه أن تحيض وجب أن يرجع في ذلك إلى قول النساء كما قال مالك، فإن قلن أن هذه المرأة التي دفعت دفعة أو دفعتين من دم بعد أن كانت يئست من المحيض أن مثلها تحيض فلتعد ذلك حيضاً، وإن قلن مثلها لا تحيض فلا تعد ذلك حيضاً[97].
    القول الثاني :
    إذا انقطع دم الحيض عن المرأة في سن الإياس، ثم عاد إليها فإنه دم فساد لا دم حيض.
    وهذا هو مذهب الحنابلة، , وحدّه بعض المالكية بسن السبعين فما فوق، قالوا: الدم بعد هذه السن ليس بحيض قطعاً[98].
    إلا أن ابن قدامة قال : وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها، فهو حيض في الصحيح، لأن دليل الحيض الوجود في زمن الإمكان ، وهذا يمكن وجود الحيض فيه وإن كان نادراً، وإن رأته بعد الستين، فقد تيقن أنه ليس بحيض، لأنه لم يوجد ذلك[99].
    وقد تقدم أن ابن قدامة اختار أن سن الإياس للمرأة هو سن الستين، فلا منافاة إذاً بين قوله والمذهب، لأن المذهب هو متى بلغت السن المحددة للإياس ثم عادوها الدم بعد هذه السن فهو دم فساد، أي بغض النظر عن تحديد تلك السن لاختلاف الروايات عن الإمام أحمد – كما سبق-.
    وللإمام أحمد رواية أخرى في هذه المسألة نقلها عنه ابنه عبدالله حيث قال :
    سألت أبي عن امرأة، قد أتى عليها نيف وخمسون سنة، ولم تحض منذ سنة، وقد رأت منذ يومين دماً ليس بالكثير، ولكنها إذا استنجت رأته، ولم تفطر، ولم تترك الصلاة ما ترى لها؟
    فقال أبي : لا تلتفت إليه، تصوم وتصلي، فإن عاودها بعد ذلك مرتين أو ثلاثاً، فهذا حيض وقد رجع[100].
    فالإمام أحمد هنا اعتبر التكرار والمعاودة في ذلك الدم الذي عاد حتى يحكم بأنه دم حيض، وإلا فهو دم فساد.
    الأدلة والترجيح :
    أما بالنظر للأدلة فلم أجد أدلة قد نص عليها بعينها في هذه المسألة سواء للفريق الأول أم الثاني، عدا الدليل العام الذي ذكره ابن رشد في البيان والتحصيل وهو قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " ووجه الدلالة منه ما سبق ذكره في مسألة منتهى سن الحيض، ولعل الفقهاء قد اكتفوا بالأدلة التي ذكرت في تلك المسألة، وهي بالفعل صالحة للاستدلال بها في هذه المسألة[101].
    وأقوى دليل استدل به القائلون بالتحديد هو دليل الوجود والعرف، حيث قالوا إنه لم يتعارف بين النساء ولم يوجد أن استمر الحيض مع المرأة إذا بلغت تلك السن المحددة، وإن وجد فهو نادر، والنادر لا حكم له.
    أما القائلون بعدم التحديد فأقوى دليل لهم بأنه لا دليل على التحديد من الكتاب أو السنة وبالتالي يرد هذا الأمر إلى ما يعرفه النساء.
    قال ابن تيمية : والحكم الشرعي تعلق بالاسم الدال على الواقع، فما وقع من دم فهو حيض إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح، والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة[102].
    وقال في موضع آخر: فإذا انقطع دمها ويئست من أن يعود فلقد يئست من المحيض ولو كانت بنت أربعين، ثم إذا تربصت وعاد الدم تبين أنها لم تكن آيسة[103].
    كما أن من قال بالتحديد قد اضطربت أقوالهم كثيراً في تحديد تلك السن حتى بين أصحاب المذهب الواحد، وهذا دليل على عدم ثبوتها وعدم استنادها لدليل صريح.
    وبالتالي فإن القول الراجح هو القول بأن الآيسة إذا انقطع عنها الدم ثم عاودها على صفة الحيض المعروف لديها فإنه دم حيض لا دم فساد، أما إذا كان ما تراه من دم ليس على صفة الحيض المعهود فينبغي لها في تلك الحالة مراجعة الأطباء للتاكد من طبيعة هذا الدم وما سبب رجوعه.
    قال الدكتور محمد البار :
    ومن النادر أن يستمر الحيض بعد سن الخامسة والخمسين، ولابد للبحث عن سبب مرضٍ للدم بعد هذه السن وخاصة إذا انقطع فترة طويلة ثم عاد، وأخطر سبب لظهور الدم مرة أخرى هو السرطان[104]. – أعاذنا الله وإياكم منه-.
    وقال الدكتور عبدالله العجيمان :
    وقد يتأخر الحيض إلى الخمسين ، فإذا كان منتظماً سمي حيضاً، وإلا فهو نوع من النزيف تراجع المرأة بسببه الأطباء ، وكنصيحة طبية يجب على المرأة مراجعة الأطباء عند انقطاع الدم وبدء سن اليأس[105].ومقصوده من باب الاحتياط والوقاية بإذن الله.
    كما أن بعض الأطباء أوضحوا أن سن اليأس ممكن أن يمتد بالمرأة إلى سنوات عديدة حيث قالوا :
    ويوصف سن اليأس بأنه الفترة الطويلة التي تبدأ بضعف نشاط المبيض، وتمتد سنوات عديدة قبل آخر دورة شهرية، وقد تستمر أعراضها سنوات أخرى بعد ذلك.
    وأنه يحدث انقطاع الحيض الطبيعي بإحدى طريقتين، إما بتوقف الدورة الشهرية فجأة، وإما بامتداد مدة الدورة الشهرية لفترات متباعدة تقل معها كمية الدم المفقود في كل مرة[106].
    إذاً هذا يعني أنه ممكن أن ينقطع الحيض عن المرأة في سن الأياس لفترة قد تكون لأشهراً وقد تمتد أكثر ، ثم يعود إلى وضعه الطبيعي لأنها لا زالت لم تكمل فترة سن الأياس تماماً، وبالتالي ما رأته بعد الانقطاع يعد حيضاً إذا كان بصفته المعروفة لديها.
    المبحث الثاني : مدة الحيض
    وفيه ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول : أقل مدة الحيض :
    اختلف الفقهاء في هذه المسألة على عدة أقوال وأبرزها ثلاثة وهي كما يلي :
    القول الأول :
    أن اقل مدة الحيض هي يوم وليلة .
    وهو قول الشافعي، وكثير من أصحابه، وهو مذهب الحنابلة ، وعليه أكثر الأصحاب، واختاره عامة المشايخ[107].
    قال الشربيني في مغني المحتاج:
    وهذا ما قاله الشافعي في عامة كتبه، ونص في موضع على أن أقله قدر يوم فقط[108].
    لذا قال الشيرازي في المهذب :
    فمن أصحابنا من قال: هما قولان، ومنهم قال: هو يوم وليلة قولاً واحداً، وقوله : يوم، أراد بليلته، ومنهم من قال : يوم، قولاً واحداً، وإنما قال : يوم وليلة قبل أن يثبت عنده اليوم، فلما ثبت عنده اليوم رجع إليه[109].
    وقال ابن قدامة في المغني بعد أن ذكر أن أقل الحيض يوم وليلة:
    هذا الصحيح من مذهب أبي عبدالله، وقال الخلال : مذهب أبي عبدالله لا اختلاف فيه، أن أقل الحيض يوم[110].
    وقال المرداوي :
    وقد قال جماعة من أصحابنا إن إطلاقه اليوم يكون مع ليلته، فلا يختلف المذهب على القول في أنه يوم وليلة[111].
    القول الثاني :
    أن اقل مدة الحيض هي ثلاثة أيام ولياليها.
    وهي ظاهر الرواية لدى الحنفية[112].
    وفي رواية أخرى لأبي حنيفة: ثلاثة أيام، وما يتخللها من الليالي وهو ليلتان[113].
    وعن أبي يوسف : أقله يومان وأكثر الثالث، إقامة للأكثر مقام الكل[114].
    القول الثالث : أنه لأحد لأقل مدة الحيض.
    وهو قول مالك، وابن حزم، واختيار ابن تيمية، ومن العلماء المعاصرين: ابن عثيمين، والسيد سابق[115].
    لكن المالكية قالوا إن هذا الأمر لا يعتد به في العدة والاستبراء.
    فقد جاء في بداية المجتهد :
    وأما أقل أيام الحيض فلا حد لها عند مالك، بل قد تكون الدفعة الواحدة عنده حيضاً، إلا أنه لا يعتد بها في الأقراء في الطلاق[116].
    وجاء في الشرح الصغير :
    وأقله في العبادة دفقة، بفتح الدال وبالقاف، ويقال دفعة بضمها وفتحها وبالعين المهملة، أي فيجب عليها الغسل بالدفقة ويبطل صومها وتقضي ذلك اليوم، وأما في العدة والاستبراء فلا يعد حيضاً إلا ما استمر يوماً أو بعض يوم له بال[117].
    وقد أجاب ابن حزم عن هذا التفريق بقوله : ولا نعلم له حجة أصلاً لا من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس .. فوجب تركه[118].
    الأدلــة :
    أدلة القول الأول : وهم القائلون بأن أقل الحيض يوم أو يوم وليلة.
    1- إن ذكر الحيض ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد، ولا حد له في اللغة ولا في الشريعة، فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة كما في القبض والإحراز.. واشباهها[119]، وقد وجد حيض معتاد يوماً.
    قال الشافعي رحمه الله : رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوماً لا تزيد عليه.
    وقال الأوزاعي : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشياً. يرون أنه حيض تدع له الصلاة.
    وغير ذلك من الوقائع الثابتة التي تبين أن الحيض يمكن أن يكون يوماً واحداً أو يوماً وليلة[120].
    وقول هؤلاء النساء يجب الرجوع إليه، لقوله تعالى " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن"[121]، فلولا أن قولهن مقبول لما حرم عليهن الكتمان، وجرى ذلك مجرى قوله : " ولا تكتموا الشهادة"[122].
    ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من الأعصار ، فلا يكون حيضا بحال[123].
    -2- روي عن علي رضي الله عنه أنه قال" وأقل الحيض يوم وليلة"[124].
    وهو صريح في الدلالة على أن أقل مدة للحيض هي يوم وليلة.
    أدلة القول الثاني : وهم القائلون بأن أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها، واستدلوا بعدة أدلة، أذكر أهمها :
    1- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة قوله : " أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر".
    وفي رواية : " أقل الحيض للجارية البكر والثيب الثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام فإذا زاد فهي مستحاضة " وغير ذلك من الروايات التي تدور حول المعنى نفسه[125].
    قال ابن الهمام : فهذه عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة الطرق، وذلك يرفع الضعيف إلى الحسن، والمقدرات الشرعية مما لا تدرك بالرأي ، فالموقوف فيها حكمه الرفع، بل تسكن النفس بكثرة ما روي فيه عن الصحابة والتابعين إلى أن المرفوع مما أجاد فيه ذلك الراوي الضعيف، وبالجملة فله أصل في الشرع[126].
    2- قالوا : روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم عبدالله بن مسعود، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، وعثمان بن أبي العاص الثقفي أنهم قالوا : " الحيض: ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، ثمان، تسع، عشر"[127].
    ولم يرد عن غيرهم خلافه فيكون إجماعاً[128].
    3- استدلوا بما روته عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة، فقال : لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي"[129].
    وجه الدلالة من الحديث : إن أقل ما يقع عليه اسم أيام فثلاثة ، لأنه جمع، وأقل الجمع ثلاثة[130].
    أدلة القول الثالث : وهم القائلون بأن أقل مدة الحيض لا حد لها.
    1- قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن"[131].
    وجه الدلالة: إن الله تعالى قد اقتصر في إجابته عن سؤالهم عن المحيض بأنه أذى، فمتى وجد هذا الأذى ثبت الحكم، ومتى طهرت منه زالت أحكامه، أي ولم يحدد أياماً أو ليال بعينها، فدل على أنه لا حد له[132].
    2- قوله تعالى : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء "[133].
    وجه الدلالة : أن الله تعالى لم يحد في أيام القرء حداً، فمن حد فيه مدة فقد وقف ما لا علم له به[134].
    3- روت عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إني لا أطهر ، أفأدع الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي "[135].
    وجه الدلالة :
    أن الرسول صلى الله عليه وسلم أناط الحكم بإقبال الحيضة وإدبارها، ولم يخص لذلك عدد، وذلك يقتضي ترك الصلاة بأقل الدم وأنه حيض بإقباله، ولو لم يكن حيضاً إلا بعد يوم وليلة أو بعد ثلاثة أيام، لما جاز ترك الصلاة إلا بعد ذلك ومجمع على وجوب ترك الصلاة بأول ما ترى من الدم، فثبت أنه حيض[136].
    4- أن الأصل في هذا الأمر عدم التقدير من الشرع، فهذه التقديرات ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها، فلما لم توجد تبين أن لا تعويل عليها، وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي علقت عليه الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً[137].
    5- أن الحيض نوع حدث فلا يتقدر أقله بشيء كسائر الأحداث، أقربها دم النفاس[138].أي كما أنه لا تقدير لأقل مدة النفاس، فكذلك ينبغي ألا يكون هناك تقدير لأقل مدة الحيض ، لأن كلاهما يعتبر حدثاً، بل إن كلاهما دم يخرج من رحم المرأة، فينبغي أن يكون حكمهما في التقدير واحداً[139].
    المناقشة والترجيح :
    بعد استعراض الأقوال في المسألة وأدلة كل قول، والبحث في مدى صحتها من ضعفها، وقوتها على الاستدلال، أرى أن القول الثالث وهو أنه لا حد لأقل مدة الحيض هو القول الراجح وذلك لقوة ما استدلوا به، وللرد على الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول والقول الثاني وهما القائلان بتقدير لأقل مدة الحيض مع اختلاف في تلك المدة.
    فنبدأ بأدلة القول الأول وهم القائلون بأن أقل الحيض يوم أو يوم وليلة، حيث قالوا إنه لم يرد في الشرع ولا في اللغة حد للحيض فوجب الرجوع للعرف والعادة. ونجيب بأن ما قلتموه من عدم وجود حد للحيض في الشرع ولا في اللغة هو صحيح ، لذا يرجع لمعرفة وجود الحيض من عدمه فهذا ما علقت عليه الأحكام الشرعية، لأن العرف هنا غير منضبط، فالنساء يختلفن في هذا الأمر اختلافاً بيناً معلوماً، وما ذكروه من الوقائع عن نساء كن يحضن بهذا المقدار لا يعني أنه لا يوجد من لا تحيض أقل منه ، وقد لا يوجد في عصرهم حقيقة لكنه قد يوجد في غيره من العصور، فعدم العلم بأقل من ذلك لا يعني العلم بعدم وجوده ، فبينهما فرق- كما يعلم-.
    وأما دليلهم الآخر، وهو قول علي رضي الله عنه: " اقل الحيض يوم وليلة" فقد روي بصيغة التضعيف، وهو غير ثابت في كتب السنن والآثار ، فلا يصلح للاستدلال به.
    وأما أدلة الحنفية القائلين بأن أقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها.
    فقد أجاب عن ذلك الزركشي بقوله :
    وما نقل من التقدير بثلاثة أيام فإما صريح غير صحيح، وذكر بعض الروايات التي استدلوا بها على ذلك- والتي سبق ذكرها – فقال : كلها ضعيفة، بل فيها ما قيل : إنه موضوع .. وإما صحيح غير صريح كقوله صلى الله عليه وسلم " لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن "، وقوله لفاطمة بنت أبي حبيش " اجتنبي الصلاة أيام حيضك"[140]، وأن أقل الجمع ثلاثة ، فهذا ونحوه مما خرج على الغالب، إذ الغالب أن حيض النساء أكثر من اليوم، بل ومن الثلاثة أيام، والله أعلم[141].
    وقال ابن حزم في هذا الدليل :
    أما الخبر الصحيح في هذا فلا حجة لهم فيه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك من كانت لها أيام معهودة ، هذا نص الخبر الذي لا يحل أن يحال عنه، ولم يأمر عليه السلام بذلك من لا أيام لها[142].
    ثم إن اختلاف أقوال المحددين لأقل مدة الحيض واضطرابها يدل على أن ليس في المسألة دليل يجب المصير إليه، وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب، ليس أحدها أولى بالاتباع من الآخر، والمرجع عند النزاع إلى الكتاب والسنة[143].
    قال ابن تيمية :
    فما أطلقه الله من الأسماء وعلق به الأحكام لم يكن لأحد أن يقيده إلا بدلالة من الله ورسوله، ومن ذلك اسم الحيض، علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة[144].
    وبذلك تبين رجحان القول القائل بأنه لا حد لأقل مدة الحيض لقوة أدلته ولضعف أدلة المخالفين.
    المطلب الثاني : أكثر مدة الحيض
    اختلف الفقهاء في هذه المسألة على عدة أقوال قريباً من اختلافهم في المسألة السابقة وأبرز هذه الأقوال ثلاثة كسابقتها وهي :
    القول الأول : أكثر الحيض خمسة عشر يوماً.
    وهو قول الجمهور من المالكية[145] والشافعية[146] والحنابلة[147].
    وللمالكية تفصيل في أكثر مدة الحيض بحسب أصناف النساء[148]، وقد أعرضت عن ذكره لعدم تعلق بعض الأصناف بموضوع البحث، وبعض الأصناف سآتي على ذكرها في بقية البحث لاحقاً.
    وقال ابن قدامة : وقيل عنه – أي عن الإمام أحمد : أكثره سبعة عشر يوماً[149].
    وقال المرداوي : والمذهب والذي عليه جمهور الأصحاب أن أكثره خمسة عشر يوماً[150].
    القول الثاني : أن أكثر الحيض عشرة أيام ولياليها :
    وهو مذهب الحنفية [151].
    القول الثالث : أنه لا حد لأكثر الحيض
    وهو إحدى الروايات عن مالك، واختيار ابن تيمية، ومن المعاصرين: ابن عثيمين ، والسيد سابق[152].
    وقال ابن عبد البر في التمهيد :
    وقد روي عن مالك أنه قال : لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره.. وأكثر الحيض عنده خمسة عشر يوماً إلا أن يوجد في النساء أكثر من ذلك ، فكأنه ترك قوله خمسة عشر، وردّه إلى عرف النساء في الأكثر[153].
    وقال العمراني في كتابه البيان :
    وروي عن مالك ثلاث روايات ، إحداهن: كقولنا، والثانية: لاحد لأكثره، والثالثة : أكثره سبعة عشر يوماً[154].
    الأدلة :
    الأدلة التي استدل بها كل فريق في هذه المسألة أغلبها قد سبق الاستدلال بها على المسألة السابقة أقل مدة الحيض لأنها صالحة للاستدلال بها هنا، وبالتالي سأذكرها باختصار أو أحيل على ما سبق.
    أدلة القول الأول : وهم الجمهور القائلون بأن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً.
    1- استدلوا بما سبق أن استدل به الشافعية والحنابلة في مسألة أقل الحيض، وأن الحيض ورد في الشرع مطلقاً من غير تحديد فوجب الرجوع إلى العرف والعادة[155].
    ثم ذكروا وقائع تثبت أن من النساء من كان حيضها خمسة عشر يوماً لا تزيد عليه ومن ذلك: قول عطاء[156]: " رأيت من النساء من تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر " [157].
    وقول شريك [158]: " عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوماً حيضاً مستقيماً"[159].
    وغير ذلك من الوقائع التي ثبت فيها أن النساء قد يزيد حيضهن عن العشرة أيام وأكثر، لكن أكثره خمسة عشر يوماً.
    2- روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، وأما نقصان دينها فإنها تمكث شطر عمرها لا تصلي "[160].
    وجه الدلالة : أن الشطر : النصف ، والظاهر أنه أراد منتهى نقصانهن[161]. أي أن أقصى ما تمكث المرأة من الشهر في حيضها لا تصلي هو نصفه وهو يعدل خمسة عشر يوماً.
    3- قالوا : إن كان الحيض أكثر من خمسة عشر يوماً، فإنه يجب من ذلك أن يكون الحيض أكثر من الطهر، وهذا محال[162].
    أدلة القول الثاني : وهم الحنفية القائلون بأن أكثر الحيض عشرة أيام ولياليها.
    واستدلوا بما سبق لهم الاستدلال به من أحاديث وآثار تبين أن اقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام[163].
    أدلة القول الثالث : وهم القائلون بأنه لا حد لأكثر الحيض.
    وكل ما استدل به القائلون بأن أقل الحيض لا حد له سواء من الكتاب أو السنة أو القياس، فإنه يصلح للاستدلال به في أنه لا حد لأكثر الحيض، لأن وجه الدلالة من هذه الأدلة هو عينه في كلا المسألتين[164]. عدا قياس الحيض على النفاس فهم مختلفون كذلك في أكثر مدة النفاس.
    المناقشة والترجيح :
    أرى أن القول الثالث وهو القول القائل بأنه لأحد لأكثر مدة الحيض هو القول الراجح ؛ وذلك لقوة أدلته ولضعف أدلة المخالفين، ومن ذلك ما استدلوا به في المسألة السابقة أقل مدة الحيض وقد سبق الرد عليها، فمثلاً الجمهور استدلوا بالوقائع التي تثبت أن الحيض ممكن أن يصل إلى خمسة عشر يوماً، وأنه لم ترد واقعة تثبت زيادته عن هذا الحد.
    وقد رد على ذلك ابن حزم فقال : وهذا باطل، وذكر أن ثقة أخبره أن امرأة كانت تحيض سبعة عشر يوماً، قال : ورويناه عن أحمد بن حنبل قال : أكثر ما سمعنا سبعة عشر يوماً[165]، وعن نساء آل الماجشون[166] أنهن كن يحضن سبعة عشر يوماً[167].
    ومقصود ابن حزم أنه وردت وقائع تدل على أن الحيض قد يكون أكثر من خمسة عشر يوماً فيصل إلى سبعة عشر يوماً.
    ويجاب أيضاً : عدم العلم بوجود من حاضت أكثر من هذه المدة لا يدل على العلم بعدم وجودها، ولو وجدت امرأة تحيض ثمانية عشر يوماً مثلاً أو أكثر حيضاً منتظماً فما الدليل على أن ما زاد عن السبعة عشر يوماً هو استحاضة ما دام أنه بصفة الحيض المعهود.
    وأما دليلهم الآخر وهو الحديث الذي رواه ابن عمر وفيه أن المرأة تمكث شطر عمرها لا تصلي، فقد تبين بطلانه وأن الحديث الصحيح ليس فيه لفظ الشطر، ولو صحّ فليس فيه دلالة على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوماً.
    قال السرخسي بعد أن ذكر استدلال الجمهور بهذا الحديث :
    ليس المراد حقيقة الشطر ففي عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس، ولا تحيض في شيء من ذلك[168].
    وقال ابن الهمام : وهو لو صح – أي الحديث – لم يكن فيه حجة لما يذكر، لكن قال البيهقي : إنه لم يجده، وقال ابن الجوزي في التحقيق : هذا حديث لا يعرف[169].
    وأما استدلالهم بأن الحيض إذا كان أكثر من خمسة عشر يوماً فإنه يكون أكثر من الطهر، وهذا محال.
    فقد أجاب ابن حزم بقوله :
    من أنى لكم أنه محال، وما المانع إن وجدنا ذلك ألا يوقف عنده؟ فما نعلم منع من هذا قرآن ولا سنة أصلاً ولا إجماع ولا قياس ولا قول صاحب[170].
    أما أدلة الحنفية فقد سبقت الإجابة عنها في المسألة السابقة وتبين ضعفها فلا تقوى على الاستدلال لما ذهبوا إليه.
    فتبين إذاً ضعف تلك الأقوال القائلة بالتحديد، واتضح رجحان من قال بأن الحيض لا أكثر لحده.
    قال ابن رشد :
    وهذه الأقاويل كلها المختلف فيها عند الفقهاء في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر لا مستند لها إلا التجربة والعادة، وكلٌ إنما قال من ذلك ما ظن أن التجربة أوقفته على ذلك، ولاختلاف ذلك في النساء عسر أن يعرف بالتجربة حدود هذه الأشياء في أكثر النساء، ووقع في ذلك هذا الخلاف الذي ذكرنا، وإنما أجمعوا بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثر من مدة أكثر الحيض أنه استحاضة[171].
    وقال ابن تيمية بعد أن ذكر الأقوال في تقدير أقل الحيض وأكثره :
    والقول الثالث أصح : أنه لا حد لا لأقله ولا لأكثره ، بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض .. وإن قدر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض، وأما إذا استمر الدم بها دائماً فهذا قد علم أنه ليس بحيض، لأنه قد علم من الشرع واللغة أن المرأة تارة تكون طاهراً وتارة تكون حائضاً، ولطهرها أحكام ، ولحيضها أحكام.
    وقال في موضع أخر :
    والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة، لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم، ودم الفساد دم عرق ينفجر، وذلك كالمرض، والأصل الصحة لا المرض[172].
    وقال ابن قاسم النجدي بعد أن ذكر قول ابن تيمية في هذه المسألة واختياره : واختاره كثير من الأصحاب وكثير من أهل العلم، وقال طوائف من المحققين : إذا وجد ولو أقل من يوم وليلة، أو أكثر من خمسة عشر يوماً، فالأوجه : الاعتماد على الوجود، وقد حصل[173].

    المطلب الثالث / غالب مدة الحيض :
    اتفق الفقهاء على أن غالب النساء يحضن في كل شهر ستة أيام أو سبعة[174].
    واستدلوا لذلك :
    1- بقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش لما سألته عن استحاضتها: " إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى .. وهكذا افعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن"[175].
    فهنا الرسول صلى الله عليه وسلم رد هذه المستحاضة إلى غالب عادات النساء وهي ستة أيام أو سبعة [176].
    2- المعول عليه في تحديد هذه الحدود هو الاستقراء، أي التتبع والفحص، والمقصود به استقراء عادات النساء، فوجد أن غالبهن يحضن في كل شهر ستاً أو سبعاً[177].
    جاء في الشرح الممتع :
    وهذا أيضاً هو الواقع، فإنه يكون عند غالب النساء ستاً أو سبعاً[178].
    ويذكر الأطباء أن المدة المعتادة للحيض هي من أربعة إلى ستة أيام ، وقد تزيد إلى سبعة[179].





    [1] الذاريات : 56 .

    [2] المجموع 2/182 .

    [3] البحر الرائق 1/ 199 .

    [4] طبقات الحنابلة 1/268 بتحقيق : محمد حامد الفقي.

    [5] جاء في المصباح المنير – ص141: طرأ فلان علينا يطرأ، مهموز بفتحتين طروءاً: طلع، فهو طارىء، وطرأ الشيء يطرأ أيضاً طرآنا، مهموز : حصل بغتةً.
    وجاء في معجم لغة الفقهاء – ص287: الطارىء : بكسر الراء: الحادث فجأة، خلاف الأصلي، والحوادث الطارئة: الأمور الخارجة عن العادة التي تحدث فجأة دون توقع لها. أنتهى.
    وهذا هو المقصود بالبحث.

    [6] ولكن للأسف لم أطلع على الكتاب رغم حرصي على الحصول عليه، ربما لنفاد طبعاته.

    [7] القاموس المحيط – ص 826 .

    [8] المصباح المنير – ص61.

    [9] المغرب في ترتيب المعرب 1/237 .

    [10] أنيس الفقهاء ص63، وانظر : المغرب 1/ 236 .

    [11] وللاختلاف بين الوصفين أثر في الحكم على وجود الحيض أو عدمه- سأوضحه لاحقاً في الفصل الثاني من البحث-

    [12] المصباح المنير – ص61 .

    [13] انظر : النهاية في غريب الحديث – ص247، المطلع على أبواب المقنع –ص40.

    [14] تحرير ألفاظ التنبيه –ص44.

    [15] انظر : مغني المحتاج 1/108 .

    [16] بداية المجتهد 1/52، وانظر : الإجماع/ ابن عبد البر – ص36.

    [17] كنز الدقائق مع شرحه تبيين الحقائق 1/158، فتح القدير وبهامشه الشروح المذكورة 1/ 141.

    [18] انظر : المراجع السابقة.

    [19] القوانين الفقهية – ص31 .

    [20] الحيض والنفاس/ الدبيان 1/20 .

    [21] الشرح الصغير 1/78 بهامش بلغة السالك.

    [22] انظر : المرجع السابق نفسه.

    [23] تحرير ألفاظ التنبيه – ص44 .

    [24] مغني المحتاج 1/108.

    [25] انظر : المرجع السابق نفسه.

    [26] المغني 1/386 بتحقيق د. عبدالله التركي ود. عبد الفتاح الحلو.

    [27] شرح الزركشي 1/ 405.

    [28] الروض المربع 1/370 مع حاشية ابن قاسم عليه، وعرفه صاحب نيل المآرب بتعريف قريب من تعريف البهوتي والشربيني. انظر : المعتمد في فقه الإمام أحمد 1/83 .

    [29] انظر : المغني 1/386، شرح الزركشي 1/405، المبدع / ابن مفلح 1/258، الشرح الممتع/ ابن عثيمين 1/399.

    [30] د. محمد علي البار – ص381 – ص382 .

    [31] انظر : المبسوط/ السرخسي 3/149، المحيط البرهاني 1/283، فتح القدير 1/142، حاشية ابن عابدين 1/285.

    [32] انظر : مواهب الجليل 1/367، حاشية الدسوقي 1/168، الشرح الصغير 1/78 .

    [33] انظر : المهذب 1/38 ، حلية العلماء 1/280، المجموع 2/373، مغني المحتاج 1/108.

    [34] انظر : المغني 1/477، المبدع 1/267، الإنصاف 1/334 .

    [35] انظر : فتح القدير، حاشية ابن عابدين: المواضع السابقة.

    [36] انظر : المجموع، مغني المحتاج : المواضع السابقة.

    [37] انظر : المغني، المبدع، الإنصاف: المواضع السابقة نفسها.

    [38] انظر ِ: مواهب الجليل 1/367، المجموع 2/273، مجموع فتاوى ابن تيمية 19/140، المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية – ص74، الشرح الممتع 1/400، الحيض والنفاس/ الدبيان 1/70، رسالة في الدماء الطبيعية/ الشيخ ابن عثيمين – ص6، الفتاوى السعدية نقلاً عن سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/17.

    [39] الموضع السابق.

    [40] الطلاق: 4 .

    [41] المغني : 1/ 447.

    [42] أخرجه الترمذي في سننه- أبواب النكاح- باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج 3/417، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض- باب السن التي وجدت المرأة حاضت فيها 1/319، وأورده ابن الجوزي في التحقيق 2/267، وذكر الألباني في الإرواء 1/199 أنه موقوف على عائشة رضي الله عنها.

    [43] المغني 1/447، المبدع 1/267 .

    [44] المبسوط 3/146، المحيط البرهاني 1/ 238، والحديث رواه البخاري في صحيحه – كتاب النكاح- باب إنكاح الرجل ولده الصغار 9/189 بشرح فتح الباري، ومسلم في صحيحه- كتاب النكاح – باب تزويج الأب البكر الصغيرة 9/206 بشرح النووي.

    [45] المبدع 1/167 وانظر : المجموع 2/ 374، المغني 1/ 447 .

    [46] المبسوط : الموضع السابق.

    [47] المغني : الموضع السابق.

    [48] البقرة : 222 .

    [49] انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية 19/241، الشرح الممتع 1/402 .

    [50] انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية ، الشرح الممتع : المواضع السابقة، الحيض والنفاس / الدبيان 1/81 .

    [51] انظر : المراجع السابقة نفسها.

    [52] مجموع فتاوي ابن تيمية 19/ 338 .

    [53] انظر على سبيل المثال : المبسوط 3/ 149، فقد ذكر بعض تلك الوقائع.

    [54] خلق الإنسان بين الطب والقرآن – ص89 .

    [55] ذكر ذلك الشيخ جاسم الياسين في كتابه: الطهارة عند المرأة – ص14 نقلاً عن الطبيب عبدالله العجيمان.

    [56] إحداهن في الهند، وأخرى في اليمن. ذكره الشيخ الدبيان في كتابه : الحيض والنفاس 1/83 .

    [57] انظر : موقع منتديات الحصن النفسي – موضوع: التلوث الكيميائي سبب البلوغ المبكر لدى الفتيات، موقع : http://Forum.brg8.com موضوع: سبب البلوغ المبكر عند الأطفال.

    [58] الدر المختار مع حاشية ابن عابدين عليه 1/ 304 .

    [59] انظر : فتح القدير 1/ 442 ، حاشية ابن عابدين 1/ 304 .

    [60] الكفاية 1/442 بهامش فتح القدير.

    [61] المبسوط 3/149، وانظر : المحيط البرهاني 1/238.

    [62] انظر : مواهب الجليل 1/367، حاشية الدسوقي 1/16، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 1/78 .

    [63] في كتاب العدة وطلاق السنة 2/426 .

    [64] انظر : حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب 1/148، حاشية الجمل على شرح المنهج 1/235 .

    [65] المغني 1/ 445 .

    [66] المرجع السابق 1/ 446 .

    [67] الإنصاف 1/ 334، وانظر : الشرح الكبير 2/386 ، المبدع 1/ 267 .

    [68] شرح الزركشي 1/ 452 ، وانظر : الشرح الكبير 2/ 388 ، المبدع 1/ 268 .

    [69] انظر : حاشية ابن عابدين 1/303 ، البيان والتحصيل / ابن رشد 1/126، مواهب الجليل 4/ 148، المجموع 2/ 374، حاشية الشرقاوي 1/ 148، حاشية الجمل 1/ 235، المبدع 1/ 268 .

    [70] المغني 1/ 211 .

    [71] انظر : المحلى 2/ 190، مجموع فتاوي ابن تيمية 19/ 240، الشرح الممتع 1/ 402، الفقه الإسلامي وأدلته/ د. الزحيلي 1/ 456، حاشية الروض المربع / ابن قاسم 1/372 ، فقه السنة 1/83، رسالة في أحكام الحيض والنفاس/ الجكني – ص22، الفتاوى السعدية 9/17 نقلاً عن فتاوى علماء البلد الحرام.

    [72] الموضع السابق.

    [73] الطلاق : 4.

    [74] انظر : المغني 1/ 446 ، الشرح الكبير 2/ 388 ، المبدع 1/ 268 .

    [75] لم أقف على تخريج لهذين الأثرين، رغم أن الزركشي في شرحه ذكر بأن الدارقطني قد روى الأثر الأول، وأن أحمد قد ذكر الأثر الثاني في رواية حنبل عنه، وكذلك قاله البهوتي في الروض المربع 1/ 372، وقد ذكر هذين الأثرين كذلك ابن قدامة في المغني : الموضع السابق لكنه لم يذكر من رواهما من أهل السنن.
    وقد ذكره الألباني في الإرواء 1/200 وقال : لم أقف عليه، ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد، ولعله في بعض كتبه التي لم نقف عليها.

    [76] شرح الزركشي 1/ 453 .

    [77] هو موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب، وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة ابن الأسود بن المطلب، تزوج بأم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فولدت له محمداً وإبراهيم وعبدالله وفاطمة وزينب ورقية وكلثم وخديجة. ذكر ترجمته هذه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 381.

    [78] المغني 1/ 446 .

    [79] الطلاق: 4 .

    [80] مجموع فتاوى ابن تيمية 19 /204 ، المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية – ص74، وانظر : حاشية ابن قاسم على الروض 1/ 372 .

    [81] انظر : الشرح الممتع 1/ 403 .

    [82] البقرة : 222 .

    [83] البيان والتحصيل 1/ 105، وانظر : الشرح الممتع 1/ 402 .

    [84] انظر : المحلى 2/191 ، مجموع فتاوي ابن تيمية 19/ 241، الحيض والنفاس/ الدبيان 1/ 98، حاشية ابن قاسم : الموضع السابق.

    [85] هكذا كتبت، ولعلها رأت .

    [86] الطلاق : 4 .

    [87] مجموع الفتاوى 19 /240 .

    [88] المحلى 2/ 190 .

    [89] الشرح الممتع 1/ 403 .

    [90] حاشية الروض المربع 1/ 372 .

    [91] سن اليأس / د. جون ستد، د. مر جريت ثوم – ترجمة : سيد علي قنصوه – ص 7، ص6 .

    [92] رسالة في الدماء الطبيعية – ص6، وذكره الدكتور خالص جلبي في كتابه الطب محراب الإيمان- ص68.

    [93] خلق الإنسان بين الطب والقرآن – ص 89 .
    وذكر الشيخ جاسم الياسين نقلاً عن الدكتور عبدالله العجيمان دكتور قسم النساء في مستشفى الولادة في الكويت: أنه تبين من الإحصائيات التي عملوها أن متوسط سن الحيض في الكويت من تسع سنوات إلى ثلاث عشرة سنة، ولذلك يجب على المرأة أن تفحص إذا تأخر ظهور الحيض لديها عن السن السابع عشر. انظر : الطهارة عند المرأة – ص15 .

    [94] انظر : المبسوط 3/150 ، فتح القدير 1/142، حاشية ابن عابدين 1/304، مواهب الجليل 4/148، مجموع فتاوي ابن تيمية 19/ 240، المحلى 2/191 .

    [95] حاشية الشرقاوي 1/ 157 .

    [96] حاشية ابن عابدين 1/304، وانظر : المبسوط ، فتح القدير : المواضع السابقة.

    [97] 1/ 104 وانظر : مواهب الجليل : الموضع السابق.

    [98] انظر : مواهب الجليل 1/ 367، حاشية الدسوقي 1/ 168، المغني 1/ 211، الإنصاف 1/ 355.

    [99] المغني : الموضع السابق.

    [100] مسائل الإمام أحمد – رواية ابنه عبدالله –ص46، وانظر : الشرح الكبير 2/ 388، المبدع 1/ 268 .

    [101] انظر : ص22 من البحث .

    [102] مجموع فتاوى ابن تيمية 19/ 238، 241 .

    [103] المرجع السابق 19/ 240 .

    [104] خلق الإنسان – ص131 .

    [105] انظر : الطهارة عند المرأة/ الياسين – ص15.

    [106] سن اليأس – ص6 ، ص10 .

    [107] انظر : الأم 1/ 67، الإقناع / ابن المنذر 1/74 ، حلية العلماء 1/ 281، المجموع 2/ 377، المغني 1/388، شرح الزركشي 1/ 406، المبدع 1/ 269 .

    [108] 1/ 109 وانظر : المجموع : الموضع السابق.

    [109] 1/ 39 وانظر : حلية العلماء : الموضع السابق.

    [110] الموضع السابق وانظر : الإنصاف 1/ 336 .

    [111] الإنصاف : الموضع السابق.

    [112] انظر : الأصل 1/ 458، بدائع الصنائع 1/40، المحيط البرهاني 1/236، تبيين الحقائق 1/159.

    [113] انظر المبسوط 3/147، تبيين الحقائق: الموضع السابق.

    [114] المبسوط 3/ 147، الهداية وشرحها العناية 1/ 142، 143 مع فتح القدير، الاختيار/ الموصلي 1/26، المحيط البرهاني 1/236، تبيين الحقائق 1/ 159 .

    [115] انظر : المدونة الكبرى 1/50، الكافي / ابن عبد البر – ص31، المنتقى/ الباجي 1/123، بداية المجتهد 1/53، القوانين الفقهية – ص31، البيان/ العمراني 1/345، المحلي 2/191، مجموع فتاوى ابن تيمية 19/237، الشرح الممتع 1/ 406 ، فقه السنة 1/84، موسوعة مسائل الجمهور 1/111 .

    [116] الموضع السابق.

    [117] 1/ 78 بهامش بلغة السالك، وانظر : القوانين الفقهية – ص31 .

    [118] انظر : المحلى 1/ 193 .

    [119] قال ابن قدامة في المغني 6/188: القبض مطلق في الشرع فيجب الرجوع فيه إلى العرف.. ثم قال وقبض كل شيء بحسبه، فإن كان مكيلاً أو موزوناً.. فقبضه بكيله ووزنه.. إلى آخر كلامه.
    وقال في 12/427: والحرز ما عد حرزاً في العرف، فإنه لما ثبت اعتباره في الشرع من غير تنصيص على بيانه، علم أنه رد ذلك إلى أهل العرف.. ثم ذكر حرز الأشياء كالذهب والفضة والثياب والحيوان.. وغير ذلك في الموضع نفسه.

    [120] انظر : المهذب 1/38، البيان/ العمراني 1/343، حاشية الشرقاوي 1/147، المغني 1/389، الشرح الكبير 2/ 293، شرح الزركشي 1/406، المبدع 1/269.
    وقول الشافعي أخرجه البيهقي في سننه الكبرى – كتاب الحيض- باب أقل الحيض 1/ 320، وقول الأوزاعي أخرجه الدارقطني في سننه- كتاب الحيض 1/ 209، والبيهقي في الموضع السابق نفسه.

    [121] البقرة : 228 .

    [122] البقرة : 283 .

    [123] انظر : المغني، الشرح الكبير : المواضع السابقة.

    [124] لم أقف على تخريج لهذا الأثر عن علي رضي الله عنه بهذا اللفظ مع طول البحث في مظانه من كتب السنن والآثار- والتي بين يدي- لكن ابن حجر أورده في التلخيص الحبير 1/172 وقال : حديث علي : أقل الحيض يوم وليلة كأنه يشير إلى ما ذكره البخاري تعليقاً عن علي وشريح أنهما جوزا ثلاث حيض في شهر. انتهى كلامه.
    والحديث الذي يقصده أورده البخاري معلقاً في صحيحه في كتاب الحيض – باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض.. 1/424 بشرح فتح الباري، لكن دلالته تختلف عن الحديث المذكور الذي فيه نص على تحديد أقل الحيض، بينما هذا الحديث ليس فيه نص على ذلك، بل أن البيهقي في السنن الكبرى 1/320 قال فيه : وروينا عن علي وشريح أنهما جوزا ثلاث حيض في شهر.. قال الشافعي : ونحن نقول بما روي عن علي رضي الله عنه لأنه موافق لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل للمحيض وقتا.
    وقد استدل بهذا الأثر ابن قدامة في المغني 1/390 لكنه أورده بصيغة التمريض ، وتبعه صاحب الشرح الكبير 2/394، وابن مفلح في المبدع 1/269. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوي 21/ 623 بعد أن ذكر قول من قال بأن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في هذا شيء.

    [125] رواه الدارمي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب الحيض – باب ما جاء في أكثر الحيض، وباب في أقل الحيض 1/229، 231، والدارقطني في سننه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في كتاب الحيض 1/218، وقال : لا يثبت، فقد ضعف اثنين من رواته في السند، وضعفه ابن قدامة في المغني 1/309 وقال في سنده مجهول، وسئل ابن تيمية عن نص الحديث " الحيض للجارية البكر ثلاثة أيام ولياليهن، وأكثره خمسة عشر " فقال : أما نقل هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل، بل هو كذب موضوع باتفاق علماء الحديث . مجموع الفتاوى 21/ 623، وانظر : التحقيق/ ابن الجوزي 1/161، والدراية 1/84 فقد ذكروا بعض روايات هذا الحديث وضعفوها ، ونصب الراية 1/191 فقد ذكر الروايات المتعددة لهذا الحديث وأقوال العلماء فيها.

    [126] فتح القدير 1/ 143، وانظر : المبسوط 3/147 .

    [127] رواه الدارمي في سننه عن أنس رضي الله عنه في كتاب الحيض – باب في أكثر الحيض 1/230، والدارقطني في سننه عن ابن مسعود وأنس رضي الله عنهما في كتابه الحيض 1/209، 210، وقد ضعف تلك الروايات لضعف بعض رواتها في السند، ورواه البيهقي في السنن الكبرى عن أنس رضي الله عنه في كتاب الحيض باب أكثر الحيض 1/322، وقد ضعفه لضعف أحد رواته، وكذلك ضعف هذه الرواية ابن عبد البر في التمهيد 16/ 81، والزيلعي في نصب الراية 1/192 .

    [128] بدائع الصنائع 1/40 .

    [129] الحديث أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب الحيض – باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض 1/ 425 بشرح فتح الباري، ومسلم في صحيحه. كتاب الحيض – باب المستحاضة 4/16 بشرح النووي.

    [130] انظر : المحيط البرهاني 1/ 236، التمهيد/ ابن عبد البر 16/81، شرح الزركشي 1/409، المحلى 1/195.

    [131] البقرة : 222 .

    [132] انظر : الإشراف على نكت مسائل الخلاف / ابن نصر المالكي 1/ 186، المنتقى/ الباجي 1/123، رسالة في الدماء الطبيعية – ص7 .

    [133] البقرة : 228 .

    [134] المحلى 1/ 192 .

    [135] الحديث رواه البخاري في صحيحه – كتاب الحيض – باب الاستحاضة 1/409 بشرح فتح الباري، ومسلم في صحيحه- كتاب الحيض – باب غسل المستحاضة وصلاتها 4/16 بشرح النووي.

    [136] انظر : المنتقى / الباجي 1/123، المحلي 1/192، الحيض والنفاس 1/156 .
    وقد ذكر البيهقي في السنن الكبرى 1/320 أن الشافعي قد احتج بهذا الحديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للحيض وقتاً.

    [137] انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية 19/237، المحلى 1/192، فقه السنة 1/84، رسالة في الدماء الطبيعية – ص8.

    [138] هذا الدليل ذكره السرخسي في المبسوط 1/147، وقال : إنه احتج به مالك رحمه الله تعالى ، وانظر كذلك : العناية/ البابرتي 1/142 بهامش فتح القدير.

    [139] بعد أن ذكرت هذا التعليق على إيراد السرخسي لدليل المالكية، وجدت أن الباجي قد ذكره مختصراً في المنتقى 1/124 حيث قال : ودليلنا من جهة القياس أن هذا دم يسقط فرض الصلاة ، فلم يكن لأقله حد كدم النفاس.

    [140] سبق تخريجها.

    [141] شرح الزركشي 1/ 408، 409 ، وانظر : التمهيد 16/ 81، الأم 1/64، المغني 1/ 390، المحلى 1/197، 198 .

    [142] المحلى 1/ 196 .

    [143] رسالة في الدماء الطبيعية – ص10 وانظر : التمهيد : الموضع السابق.

    [144] مجموع الفتاوى 19/ 236، 237 .

    [145] انظر : المدونة الكبرى 1/50، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 1/187، الكافي / ابن عبد البر – ص31، التمهيد 16/71، المنتقى / الباجي 1/124، بداية المجتهد 1/53، الشرح الصغير 1/78 .

    [146] انظر : الأم 1/67، المهذب 1/38، حلية العلماء 1/281، البيان / العمراني 1/346، مغني المحتاج 1/109، حاشية الشرقاوي 1/147، حاشية الجمل 1/237 .

    [147] انظر : المغني 1/388، الشرح الكبير 2/392، شرح الزركشي 1/409، المبدع 1/270 .

    [148] انظر على سبيل المثال : القوانين الفقهية – ص31، المراجع السابقة للمالكية: المواضع نفسها.

    [149] المغني : الموضع السابق.

    [150] الإنصاف 1/ 336، وانظر : شرح الزركشي : الموضع السابق.

    [151] انظر : الأصل 1/458، المبسوط 3/147، المحيط البرهاني 1/236، تبيين الحقائق 1/159، فتح القدير 1/343.

    [152] انظر : مجموع الفتاوى 19/ 237، الشرح الممتع 1/407 ، فقه السنة 1/84 .

    [153] 16/72 .

    [154] الموضع السابق ، وانظر : موسوعة مسائل الجمهور 1/112 .

    [155] انظر : ص33 من البحث.

    [156] هو عطاء بن أبي رباح المكي، من أئمة التابعين ، مفتي الحرم، كان أعلم أهل زمانه بمناسك الحج، ولد في أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه، وتوفي سنة 114هـ ، وقيل : 115هـ . انظر : سير أعلام النبلاء 5/78، شذرات الذهب 1/147 .

    [157] الأثر أخرجه الدارمي في سنه – كتاب الطهارة – باب ما جاء في أكثر الحيض وباب في أقل الحيض 1/229، 231، والدارقطني في سننه – كتاب الحيض 1/208، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب أقل الحيض وباب أكثر الحيض 1/320، 321، وأورده البخاري في صحيحه معلقاً في كتاب الحيض – باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض.. وقال ابن حجر : وصله الدارمي بإسناد صحيح 1/424 بشرح فتح الباري.

    [158] هو شريك بن عبدالله النخعي الكوفي، القاضي بواسط ثم الكوفة، كان عادلاً فاضلاً شديداً على أهل البدع، صدوق، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، أخرج له البخاري معلقاً ومسلم في صحيحه وأصحاب السنن الأربعة. توفي سنة 177هـ أو 178هـ. انظر : تقريب التهذيب 1/ 351 .

    [159] أخرج هذا الأثر الدارقطني في سننه – كتاب الحيض 1/209، والبيهقي في سننه الكبرى – كتاب الحيض – باب أكثر الحيض 1/321 .

    [160] نقل الزركشي في شرحه 1/ 410 عن البيهقي قوله : إنه لم يجد هذا الحديث في شيء من كتب الحديث، وكذلك نقله عنه ابن حجر في التلخيص 1/162 ، وقال بعد أن أورد الحديث : لا أصل له بهذا اللفظ.
    وقال ابن الجوزي في التحقيق 1/263 بعد أن أورد لفظ تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي : وهذا لفظ لا أعرفه.
    وقال عنه ابن الملقن في الخلاصة 1/77 : لا أصل له، قاله ابن منده والبيهقي وابن الجوزي وغيرهم، وهو في المتفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. انتهى . فأصل الحديث إذاً متفق عليه، وإنما الذي لا أصل له وروده بلفظ تمكث شطر عمرها.
    وقال عنه ابن كثير في تحفة الطالب – ص361: لم أره في شيء من الكتب الستة ولا غيرها.
    ونقل الزيلعي في نصب الراية 1/192 قول ابن الجوزي عنه : وهذا حديث لا يعرف.

    [161] شرح الزركشي 1/410، وانظر : إخلاص الناوي / المقرىء 1/96، المبدع 1/270 .

    [162] المحلى 1/199، وانظر : المنتقى / الباجي 1/124 .

    [163] انظر : ص34 في البحث.

    [164] انظر : ص36 من البحث.

    [165] انظر : المغني 1/ 388، الشرح الكبير 2/392، شرح الزركشي 1/410، المبدع 1/270، الإنصاف 1/336.

    [166] جاء في تهذيب التهذيب 11/340 : الماجشون لقب ليعقوب بن أبي سلمة التيمي مولى آل المنكدر، أبو يوسف المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، وروى عنه ابناه عبد العزيز ويوسف وآخرون.
    سمي بالماجشون هو وولده يوسف، وكان فيهم رجال لهم فقه ورواية للحديث والعلم، والماجشون بالفارسية : الورد، توفي سنة 124هـ.

    [167] المحلى 1/199، وانظر : الشرح الكبير ، شرح الزركشي ، المبدع : المواضع السابقة.

    [168] المبسوط 3/ 148، وانظر : العناية / البابرتي 1/ 143 بهامش فتح القدير.

    [169] فتح القدير 1/ 144، وانظر شرح الزركشي 1/ 410، المبدع 1/270، كشاف القناع 1/ 203.

    [170] المحلى 1/200 .

    [171] بداية المجتهد 1/54 .

    [172] مجموع الفتاوى 19/ 237 ، 238 .

    [173] حاشية الروض المربع 1/ 374 وانظر : الفروع / ابن مفلح 1/ 267 .

    [174] قال النووي في المجموع 2/ 378: وغالب الحيض ست أو سبع بالاتفاق .

    [175] رواه الشافعي في مسنده من كتاب الحيض 1/310، وأحمد في مسنده 6/439، وأبو داود في سننه – كتاب الطهارة – باب من قال إذا أقبلت الحيضة.. 1/76، والترمذي في سننه – أبواب الطهارة – باب ما جاء في المستحاضة 1/225 وقال : هذا حديث حسن صحيح، قال : وسألت محمداً – أي البخاري – عن هذا الحديث، فقال : هو حديث حسن صحيح وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح ، وابن ماجه في سننه – أبواب الطهارة – باب ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاصة.. ص88، والدارقطني في سننه – كتاب الحيض 1/214، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب المبتدئة لا تميز بين الدمين 1/338، وانظر : تلخيص الحبير 1/163، وقال مجد الدين في منتقى الأخبار: رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححاه. انظر : نيل الأوطار 1/271، وحسنه الألباني في الإرواء 1/202 ، 224 .

    [176] انظر : المهذب 1/ 39 ، البيان / العمراني 1/ 346 ، المجموع 2/ 393 ، مغني المحتاج 1/109، مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبدالله –ص49، المغني 1/ 411، شرح الزركشي 1/419، المبدع 1/271، كشاف القناع 1/203، مجموع فتاوى ابن تيمية 19/ 238 .

    [177] انظر : حلية العلماء 1/284،ـ حاشية البيجوري 1/215، حاشية الشرقاوي 1/ 147، حاشية الجمل 1/237.

    [178] الشرح الممتع 1/ 408 .

    [179] انظر : طب النساء بقلم عشرة اساتذة – ص47 ، ص52 .





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الطوارئ على الحيض

    الطوارئ على الحيض (3-2)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "
    د. ناهدة عطا الله الشمروخ



    الفصـل الثانـي
    الطوارئ على الحيض
    ويتضمن سبعة مباحث :
    المبحث الأول : تقدم أو تأخر موعد الحيض عن المعتاد.
    المبحث الثاني : زيادة مدة الحيض أو نقصانها عن المعتاد.
    المبحث الثالث : الصفرة والكدرة وما يلحق بهما.
    المبحث الرابع : تقطع الحيض النقاء المتخلل بين الدمين.
    المبحث الخامس: الدم الذي تراه الحامل.
    المبحث السادس : أثر موانع الحمل على الحيض.
    المبحث السابع : قواعد فقهية وتطبيقات عملية للطوارىء على الحيض.
    المبحث الأول : تقدم أو تأخر موعد الحيض عن المعتاد
    أي كأن يكون موعد الحيض المعتاد هو أول الشهر فينتقل إلى أوسطه مثلاً، أي يتأخر، أو أن يكون موعده في أوسط الشهر فيتقدم ويكون أوله.
    وذكر الزركشي فيما إذا تقدمت العادة، قال : وتحتها صورتان :
    إحداهما : تتقدم جملة بأن تكون تحيض الخمسة الثانية من الشهر فتصير تحيض الخمسة الأول،
    الثانية : أن يتقدم بعضها بأن تكون تحيض اليوم السادس فتحيض اليوم الخامس أو الرابع ونحو ذلك[1].
    فما الحكم في هذه المسألة ؟
    اختلف العلماء في ذلك على قولين :
    القول الأول : أن الحيض إذا تقدم أو تأخر عن موعده المعتاد فهو حيض.
    وهو مذهب المالكية والشافعية وأبي يوسف من الحنفية، واختاره من الحنابلة ابن قدامة وابن تيمية[2].
    القول الثاني : إنه حيض كذلك لكن بشرط التكرار.
    فأبو حنيفة ومحمد ورواية عن أحمد: اشترطوا تكراره مرتين، والرواية الأخرى عن أحمد وهي الأشهر، اشترط تكراره ثلاث مرات حتى يحكم بأنه حيض[3].
    أدلة القول الأول :
    1- قوله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى "[4].
    وجه الدلالة : أن الله تعالى علق أحكام الحيض بوجوده، فمتى وجد حكم به، ومتى لم تره المرأة حكم بطهرها[5].
    قال الشافعي : والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم، وغير حائض إذا لم تره [6].
    2- استدل ابن قدامة لهذا القول بحديث عائشة رضي الله عنها حينما حاضت في عمرتها في حجة الوداع[7]، فقال : إنما علمت الحيضة برؤية الدم لا غير، ولم تذكر عادة ، ولا ذكرها لها النبي صلى الله عليه وسلم ، والظاهر إنه لم يأت في العادة؛ لأن عائشة استكرهته واشتد عليها، وبكت حين رأته، وقالت : وددت أني لم أكن حججت العام، ولو كانت لها عادة تعلم مجيئه فيها وقد جاء فيها، ما أنكرته ولا صعب عليها[8].
    3- إن الأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتى يقوم دليل على انه استحاضة، لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي[9].
    أي ولا يلزم المرأة أن تنتظر الشهر القادم أو الذي يليه حتى تعرف أن هذا الدم المتقدم أو المتأخر هو حيض، ما دام أنه دم الحيض المعهود لديها.
    أدلة القول الثاني :
    1- إن العادة مشتقة من العود، ولن يحصل العود بدون التكرار[10].
    2- إن الشيء لا ينسخه إلا ما هو مثله أو فوقه، قال الله تعالى " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها"[11]، والأول متأكد بالتكرار فلا ينسخه إلا ما هو مثله في التأكد[12].
    الترجيح :
    أرى أن القول الأول القائل بأن الحيض إذا تقدم أو تأخر عن موعده المعتاد فهو حيض وإن لم يتكرر مرتين أو ثلاثا هو القول الراجح وذلك لقوة ما استدلوا به، أما أدلة الذين اشترطوا التكرار حتى يعدونه حيضاً فهي لا ترقى إلى مستوى وجاهة وقوة أدلة القول الأول.
    فدليلهم القائل بأن العادة مشتقة من العود، أجاب عنه النووي بقوله :
    وأما احتجاج الآخرين بأن العادة من العود فحجة باطلة، لأن لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به[13]. أي فلم يصح استدلالهم بأن الحيض عادة للمرأة ينبغي تكرارها حتى يحكم بأنها حيض فيما بعد لو طرأ عليه طارىء التقديم أو التأخير.
    وأما استدلال الحنفية بقوله تعالى " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" فإنه لا دلالة لهذه الآية على المسألة المذكورة مطلقاً، فهذه الآية تتحدث عن التشريع وعن نسخ الأحكام وإبدالها بخير منها، وقيل : خير لكم في المنفعة وأرفق بكم[14].
    بل لو شئنا لقلنا إن قولهم هذا فيه حرج ومشقة على المرأة، فمن يقول بأنه استحاضة فإنه يوجب عليها فيه الصلاة والصوم، فإذا تكرر وتبين إنه حيض وجب عليها قضاء صيام ما صامته في تلك الأيام[15].
    فكيف إذاً هو خير لها، مع إنهم لا يقصدون بالآية ما قلته لكني أجيب بالآية نفسها على عدم صواب استدلالهم بها فيما يريدون لأنه لا وجه للدلالة فيها على ذلك البتة.
    وقال ابن قدامة في اختياره للقول الأول ورده على مذهب الحنابلة :
    وهذا أقوى عندي .. فلو كانت العادة معتبرة على الوجه المذكور في المذهب، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولما وسعه تأخير بيانه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقته، وأزواجه وغيرهن من النساء يحتجن إلى بيان ذلك في كل وقت، فلم يكن ليغفل بيانه، وما جاء عنه عليه السلام ذكر العادة ولا بيانها إلا في حق المستحاضة لا غير[16].
    المبحث الثاني : زيادة مدة الحيض أو نقصانها عن المعتاد :
    وصورته : أن يكون حيض امرأة خمسة من كل شهر فيصير ستة، فهذه زيادة، أو يصير أربعة فهذا نقصان عما اعتادت عليه، فما الحكم والحالة هذه؟
    أما بالنظر لمن نقصت أيام حيضها عن المعتاد، أي أنها رأت الطهر قبل انتهاء حيضها المعتاد، فقد وجدت أن الفقهاء متفقون على أنها تعتبر طاهر تغتسل وتصلي، إلا أنهم اختلفوا في بعض التفصيلات التي لا علاقة لها بموضوع البحث، مثل هل يحل لزوجها وطؤها إذا طهرت قبل أيامها المعتادة أم تنتظر حتى تمضي عادتها احتياطاً وخوفاً من معاودة الدم، والجمهور على جواز ذلك وعدم كراهيته خلافاً للحنفية[17].
    وإما إذا زادت أيام الحيض عن المعهود لديها، فإن الفقهاء متفقون في الجملة بأن الزائد من الأيام يعد من الحيض ما لم يجاوز أكثر مدة الحيض – على اختلاف في تحديده كما سبق - ولكن الاختلاف بينهم هل يعد من الحيض بمجرد ثبوته مرة واحدة أم لابد من التكرار والمعاودة، كما سبق ذكره في المبحث السابق.
    قال النووي في هذه المسألة والتي قبلها : العمل بالعادة المتنقلة متفق عليه في الجملة، ولكن في بعض صوره تفصيل وخلاف[18].
    وقال الزركشي حينما تكلم عن هاتين المسألتين – وهما مسألة زيادة الحيض عن المعتاد، ومسألة تقدمه أو تأخره- : وبالجملة هذه المسألة والتي قبلها من مسلك واحد، والكلام على إحداهما كالكلام على الأخرى، والله أعلم[19].
    وهو كما قال ، لذلك سأذكرها باختصار مع الإحالة على المبحث السابق تجنباً للإطالة والتكرار، ذلك لأن أغلب الكتب الفقهية قد أسهبت في هذه المسألة والتي قبلها في ذكر الأقوال والتفصيلات التي أرى أن المقام لا يستدعيها بالضرورة.
    فالفقهاء كما ذكرت متفقون في الجملة بأن الزيادة على الحيض تعد حيضاً ما لم تجاوز أكثر مدة الحيض فتكون استحاضة ، لكنهم اختلفوا في بعض التفصيلات أو اشترط بعضهم شروطاً لم يذكرها غيره، واختلافهم هذا وجدته حتى بين أصحاب المذهب الواحد.
    قال السرخسي : أعلم بأن صاحبة العادة المعروفة إذا رأت الدم زيادة على عادتها المعروفة يجعل ذلك حيضاً، ما لم يجاوز أكثر الحيض فإن جاوز ردت إلى أيام عادتها فيجعل ذلك حيضها وما سواه استحاضة، لأن طبع المرأة لا يكون على صفة واحدة في جميع الأوقات فيزداد حيضها تارة باعتبار قوة طبعها وينقص أخرى بضعف طبعها، وأمر الحيض مبني على الإمكان فإذا لم تجاوز العشرة – وهو أكثر الحيض لدى الحنفية – فالإمكان قائم في الكل، وإن جاوز العشرة فقد صارت مستحاضة[20].
    وهذا هو مذهب الحنفية، وقال بعضهم : إنه حيض اتفاقاً بشرط أن يكون بعده طهر صحيح[21].
    وقال آخر : إنه حيض بالاتفاق، وإنما الخلاف في أنه يصير عادة لها أو لا.. وهذا بناء على نقل العادة بمرة أو لا[22].
    وأما المالكية :
    فقد قال ابن عبد البر : أمرأة لها أيام ترى الدم فيها، وتختلف بها الأيام فيطول عدد أيامها ويقصر، فإنها تقعد عن الصلاة إذا رأت الدم، وتصلي إذا رأت الطهر.
    ثم ذكر الأقوال في المذهب فقال :
    وقيل : تستظهر[23] على أكثر أيامها، وقيل : بل على أقلها، وقيل : لا تستظهر، وإذا زاد دمها على خمسة عشر يوماً – وهو أكثر الحيض عندهم – رجعت إلى أقل العادة[24].
    وأما الشافعية فقولهم لا خلاف فيه بينهم.
    قال الشيرازي : ويجوز أن تنتقل العادة فتتقدم وتتأخر وتزيد وتنقص[25].
    ونقل ابن قدامة قول الشافعي في كل هذه الطوارىء التي تطرأ على الحيض من زيادة أو انتقال في الموعد المعتاد حيث قال :
    وقال الشافعي : جميعه حيض، ما لم تتجاوز أكثر الحيض[26].
    وأما مذهب الحنابلة فقد سبق ذكره في المبحث السابق، فقد قال ابن قدامة:
    وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال، فالمذهب : أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة، حتى يتكرر ثلاثاً أو مرتين على اختلاف الروايتين[27].
    وأما الأدلة فإن ما ذكرته من الأدلة في المبحث السابق تصلح للاستدلال بها في هذا المبحث لأن أغلب الكتب الفقهية ذكرت هاتين المسألتين في موضع واحد وباستدلال واحد.
    والراجح في هذه المسألة :
    أن الزيادة عن مدة الحيض المعتادة تعتبر حيضاً دون شروط أو تفصيلات ، بدليل :
    " أن عائشة رضي الله عنها كانت تبعث إليها النساء بالدّرجة[28] فيها الصفرة والكدرة فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"[29].
    قال ابن قدامة : ومعناه لا تعجلن بالغسل حتى ينقطع الدم وتذهب الصفرة والكدرة، ولا يبقى شيء يخرج من المحل، بحيث إذا دخلت فيه قطنة خرجت بيضاء، ولو لم تعد الزيادة حيضاً للزمها الغسل عند انقضاء العادة وإن كان الدم جارياً[30].
    وقال ابن تيمية: وكذلك المرأة المنتقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال، فذلك حيض حتى يعلم أنه استحاضة باستمرار الدم[31].
    وقال في الإنصاف بعد أن ذكر اختيار ابن قدامة :
    وهو الصواب، وعليه العمل، ولا يسع النساء العمل بغيره.
    وذكر أن كثيراً من الأصحاب قد اختاره، فقال بعضهم : وهو أشبه، وقال غيره : وهو الصحيح، وقيل : وهو المختار، ثم قال : واختاره الشيخ تقي الدين، وإليه ميل الشارح[32].[33]
    وقال الشيخ ابن سعدي في مسألة انتقال الحيض : أما ما ذكره الحنابلة أنها لا تنتقل إليه حتى يتكرر ذلك، فهو قول ليس العمل عليه، ولم يزل عمل الناس جارياً على القول الصحيح الذي قاله في الإنصاف.. وهذا هو الذي عليه عمل نساء الصحابة رضي الله عنهن والتابعين من بعدهم، حتى الذين أدركنا من مشايخنا لا يفتون إلا به، لأن القول الذي ذكروا قول لا دليل عليه وهو مخالف للدليل[34].
    المبحث الثالث : الصفرة والكدرة وما يلحق بهما :
    والمقصود بالصفرة: شيء كالصديد يعلوه صفرة[35]، وقيل: هو أصفر كماء الجروح[36]، وقيل : الصفرة لون دون الحمرة[37].
    وأما الكدرة فهي مأخوذة من كدر الماء كدراً: إذا زال صفاؤه ، والاسم الكدرة وهي في اللون، والكدورة في الماء والعين[38].
    والكدرة كلون الماء الكدر أو الوسخ[39]. وقيل : هي ماء ممزوح بحمرة، وأحياناً يمزج بعروق ، أي هو سائل أبيض فيه عروق[40]. وقيل : الكدرة لون ليس بصافٍ بل يضرب إلى السواد وليس بالأسود الحالك[41].
    والمقصود أنهما ليسا على ألوان الدماء[42].
    ويلحق بهما ألوان أخرى ذكرها بعض الفقهاء كالتربية، قيل هي ما يكون لونها كلون التراب وهي نوع من الكدرة[43].
    وقيل بل هي التريّة بدون باء: وهي الشيء اليسير الخفي، أي الخفاء في اللون، يعني لوناً غير خالص وهو أقل من الكدرة والصفرة، وقيل هي التي على لون الرئة، مشتقة منها.
    وتفسيرها : ما ترى المرأة من الحيض صفرة أو غيرها قبلاً وبعداً[44].
    وهذه الصفرة والكدرة ونحوهما يخرجان من المرأة أحياناً قبل الحيض وأحياناً بعد الحيض[45]، - أي بعد الطهر-، وكذلك يخرجان قبل انتهاء الحيض أي قبل الطهر[46]. وهذا هو الأغلب، وهو واقع ما تعيشه غالب النساء.
    وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الصفرة والكدرة وما يلحق بهما، هل هما من الحيض أم ليسا كذلك وذلك على ثلاثة اقوال، قولان طرف وقول وسط بينهما.
    فمنهم من قال: إنها حيض مطلقاً، ومنهم من قال: بل إنها ليست بحيض مطلقاً، ومنهم من توسط ففصل في المسألة، والأقوال هي كالتالي :
    القول الأول :
    أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض، وفي غير أيام الحيض ليست كذلك.
    وهو مذهب الحنفية[47]، واختاره بعض المالكية، وقال ابن رشد: وروي عن مالك[48]، وهو أحد قولي الشافعي[49]، وهو مذهب الحنابلة، قال ابن قدامة: نص عليه أحمد، وقال في الإنصاف: وهذا المذهب وعليه الأصحاب[50]. وهو قول أكثر الفقهاء[51].
    قال السرخسي : وهو حيض في قول أبي حنيفة ومحمد سواء رأت في أول أيامها أو في آخر أيامها، وقال أبو يوسف: إن رأت الكدرة في أول أيامها لم يكن حيضاً، وإن رأتها في آخر أيامها يكون حيضاً، لأن الكدرة من كل شيء تتبع صافيه[52].
    القول الثاني :
    أنهما حيض مطلقاً.
    وهو مذهب مالك في المشهور عنه ، وأصح قولي الشافعي.
    قال ابن عبد البر : والصفر والكدرة عند مالك حيض في أيام الحيض وفي غير أيام الحيض، وقد قيل : إنما تكون كالحيض في أيام الحيض أو بعقبه، والأول : تحصيل مذهبه[53].
    وقال في بلغة السالك : إن الصفرة والكدرة حيض – أي مطلقاً – هو المشهور ومذهب المدونة[54].
    وجاء في مغني المحتاج : الصفرة والكدرة كل منهما حيض في الأصح.. والثاني : لا ، ومحل الخلاف – أي في مذهب الشافعية – إذا رأت ذلك في غير أيام العادة، فإن رأته في العادة فحيض جزماً[55].
    القول الثالث : أن الصفرة والكدرة وما يلحق بهما ليستا بحيض مطلقاً.
    وهو قول داود الظاهري وابن حزم[56]، وقال في الإنصاف : وحكى الشيخ تقي الدين وجهاً : أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقاً[57].
    وقال في الفروع : وذكر شيخنا- أي ابن تيمية – وجهين : أحدهما ليست حيضاً مطلقاً ، وعكسه[58].
    وجاء في بلغة السالك بعد أن ذكر مذهب مالك في المشهور عنه في هذه المسألة:
    وقيل : إنهما ليسا بحيض مطلقاً[59]. يريد أنه قول لدى المالكية – فيما يظهر-.
    أدلة القول الأول : وهم الجمهور القائلون بأنه الصفرة والكدرة حيض في أيام الحيض، وأما في غيرها فلا :
    1- قوله تعالى : " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن "[60].
    وجه الدلالة : الآية لها وجهان، الأول : أن قوله تعالى " قل هو أذى " يتناول الصفرة والكدرة وما يلحق بهما فكلهم في حكم الأذى سواء[61].
    والثاني : قوله :" حتى يطهرن" أن من رأت صفرة أو كدرة في أيام العادة صدق عليها أنها لم تطهر[62].
    2- عن عائشة رضي الله عنها " أنها كانت تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الكُرْسف[63] فيها الصفرة والكدرة، فتقول : لا تعجلن حتى ترين القصَّة البيضاء[64]"[65].
    تريد بذلك الطهر من الحيضة[66].
    3- أما دليلهم على أن الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض لا تكون حيضاً فهو قول أم عطية رضي الله عنها : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً "[67].
    وهو يتناول ما بعد الطهر والاغتسال، أي بعد انقطاع الدم[68].
    وقولها كنا : أي في زمانه صلى الله عليه وسلم مع علمه بذلك، وبهذا يعطى الحديث حكم الرفع، وهو يدل بمنطوقه أنه لا حكم للكدرة والصفرة بعد الطهر، وبمفهومه أنهما وقت الحيض حيض[69].
    4- وأيضاً قول عائشة رضي الله عنها " ما كناّ نعد الكدرة والصفرة حيضا"[70].
    فهذا يجمع بينه وبين قولها السابق بأن هذا بعد أن رأت الطهر كما قالت أم عطية رضي الله عنها[71].
    5- وكذا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال " إنما هو عرق ، أو إنما هو عروق"[72].
    وهو واضح الدلالة على أن ما تراه بعد الطهر مما ترتاب فيه أي تشك في أنه من الحيض بأنه ليس من الحيض، فدل بمفهومه على أن ما تراه قبل الطهر هو من الحيض[73].
    6- قالوا : ولأنه مائع إذا وجد في أيام العادة كان حيضاً، فوجب إذا وجد في أيام يجوز أن تكون أيام حيض أن يكون حيضاً كالدم[74].
    أدلة القول الثاني : وهم القائلون بأن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً.
    1- استدلوا بقوله تعالى " يسألونك عن المحيض قل هو أذى"[75].
    وجه الدلالة : أن الكدرة والصفرة وإن كانتا ليستا على ألوان الدماء فإنهما يعدان من الحيض، وإن لم يتقدمهما دم، لأنهما أذى وقد سمى الله تعالى الحيض أذى[76].
    2- حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كنا نعد الصفرة والكدرة حيضاً"[77].
    أي أن قولها هذا مطلق ولم تقيده بأيام الحيض أو قبل الطهر، فوجب أن يحمل على إطلاقه، وتكون الصفرة والكدرة وما يلحق بهما حيضاً مطلقاً[78].
    3- استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم وفيه أنها تقول " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"[79].
    وجه الدلالة : أن عائشة رضي الله عنها اعتبرت الصفرة والكدرة حيضاً، فتكون كذلك سواء ظهرت في أيام الحيض أو في غير أيامه، مع الدم أو بلا دم، فإن حكم الشيء الواحد في نفسه ليس يختلف[80].
    4- إنه دم صادف زمان الإمكان ولم يجاوزه فأشبه إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام عادتها[81]. أي اعتبروا الصفرة والكدرة من الدم، والأصل فيما تراه المرأة في زمن الإمكان – أي إن لم تكن صغيرة أو آيسة – أنه دم حيض[82].
    أدلة القول الثالث : وهم القائلون بأن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقاً:
    1- عن فاطمة بنت أبي حبيش كانت استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دم الحيض أسود يعرف ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق "[83].
    وجه الدلالة : قوله صلى الله عليه وسلم يُعْرَف بضم الياء وسكون العين وفتح الراء، أي تعرفه النساء، وقد روي يَعْرِف بكسر الراء أي له رائحة تعرفها النساء[84].
    والمقصود أن دم الحيض مميز وهو الذي يمنع المرأة عن الصلاة وغيرها ، أما ما عداه فإنه لا يعتبر حيضاً.
    قال ابن حزم : متى رأت الدم الأسود فهو حيض ومتى رأت غيره من أثرة الدم الاحمر أو كغسالة اللحم أو الكدرة أو البياض أو الجفوف التام فقد طهرت[85].
    2- حديث أم عطية السابق " كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئاً"[86].
    وهو واضح الدلالة على ما ذهبوا إليه أنها ليست بحيض مطلقاً سواء في أيام الحيض أم في غيرها ، لأن الحديث مطلق لم يقيد بزمن دون زمن.
    3- قالوا : إن الصفرة والكدرة ليست بدم، وإنما هي من سائر الرطوبات التي ترخيها الرحم[87].
    المناقشة والترجيح :
    بعد استعراض أدلة كل فريق، أرى أن أدلة الجمهور هي الأقوى في الاستدلال والأقدر على الجمع بين الأدلة المتعارضة في ظاهرها، فمثلاً استدلال من قال بأن الصفرة والكدرة حيض مطلقاً بحديث عائشة رضي الله عنها " كنا نعد الصفرة والكدرة حيضاً " وأنه مطلق سواء في أيام الحيض أو غيرها فأنه يجاب عنه بحديث أم عطية المتقدم وقد قيدته بـ - بعد الطهر – مما يدل على أن تلك الإفرازات التي ليست على لون الدم إن كانت قد تقدمت الحيض أو جاءت قبل انقطاعه في أيام الحيض فهي من الحيض تثبت لها أحكام الحيض تبعاً للحيض.
    يقول الشيخ ابن عثيمين : إذ من القواعد الفقهية : " أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً"[88]، أما بعد الطهر فقد انفصل، وليس هو الدم الذي قال الله فيه " هو أذى" فهو كسائر السائلات التي تخرج من فرج المرأة ، فلا يكون له حكم الحيض[89].
    وكذلك بالنسبة لحديث عائشة رضي الله عنها " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء" تريد في أيام الحيض، وليس على إطلاقه.
    قال ابن رشد بعد أن ذكر هذا الحديث وحديث أم عطية السابق :
    ومن رام الجمع بين الحديثين قال : أن حديث أم عطية هو بعد انقطاع الدم، وحديث عائشة في أثر انقطاعه، أو أن حديث عائشة هو في أيام الحيض، وحديث أم عطية في غير أيام الحيض[90].وهو كذلك.
    وهذا الرد يصلح كذلك على ما استدل به القائلون بأن الكدرة والصفرة ليستا بحيض مطلقاً بحديث أم عطية السابق وليس فيه قيد بعد الطهر فالرواية التي قيدت الحديث صحيحة- كما سبق-.
    وأما استدلالهم بحديث فاطمة بنت أبي حبيش " إن دم الحيض أسود يعرف .. " .
    فإن مناسبة الحديث واضحة وأن هذه الصحابية قد أطبق عليها الدم الشهر كله، وليس لها طريق بأن تعرف أيام طهرها إلا بهذا التمييز فهي مستحاضة، والمسألة التي نحن بصددها في غير المستحاضة التي ترى في أيام حيضها إفرازات ليست على لون الدم لكنها متصلة بالحيض إما قبله أو بعده.
    وأما استدلال الفريق الثاني بأنه كما جعلت الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيضاً، فتجعل كذلك في غير أيام الحيض ، وبخلاف ذلك قال الفريق الثالث وأنه كما جعلت بعد الطهر ليست بشيء وأنها كسائر رطوبات الرحم فتجعل كذلك في أيام الحيض.
    بأن هذا القياس يخالف النص ومن ذلك ما ورد عن أم عطية في تقييدها " بعد الطهر " وكذلك في حديث عائشة " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء " ، فلم يبق إلا الجمع بين كل هذه الأدلة الصحيحة والقول بأن تلك الإفرازات إن كانت في أيام الحيض فهي حيض، أما إن كانت بعد الطهر فإنها ليست كذلك، وهذا ما يناسب واقع النساء فعلاً وما يرينه في الغالب، فإن الحيض بلونه المعروف والمعهود لا يأتي ابتداءً إلا وقد تقدمته تلك الإفرازات التي ليست على لون الدم وكذلك لا ينقطع تماماً إلا بعد أن يخف شيئاً فشيئاً، وهذا ما رأته الصحابيات والذي كن يسألن عنه أم المؤمنين عائشة وأم عطية وغيرهما رضي الله عنهن.
    ومن واقع التجربة كذلك فإن الشخص لو أصيب بكدمة مثلاً ونزف دماً تحت الجلد، فإنه يرى مثل تلك الألوان ثم تخف تدريجياً حتى يختفي أثر النزيف تحت الجلد، فأظن أن هذا مثله – والله تعالى أعلم-.
    المبحث الرابع : تقطع الحيض النقاء المتخلل بين الدمين :
    وصورته : أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً، أو تحيض يوماً أو يومين وتطهر يوماً أو يومين.. ونحو ذلك.
    والمقصود بالنقاء : أن ينقطع جريان الدم ولا يبقى له أثر، بحيث لو أدخلت المرأة قطنة في الفرج تخرج نقية لا شيء عليها.
    وهو يختلف عن الفترات المعتادة بين دفعات الحيض، فالفترة هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم، ويبقى أثر، فلو أدخلت قطنة في الفرج لخرجت ملوثة[91].
    وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
    القول الأول : أنه يضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً، وما بينهما من النقاء يكون طهراً.
    ويسمى هذا عند الفقهاء بالتلفيق أو اللقط .
    وهو مذهب المالكية، وأحد قولي الشافعي، والصحيح من مذهب الحنابلة وعليه جماهير أصحابهم[92].
    قال ابن رشد : ذهب مالك وأصحابه في الحائض التي تتقطع حيضتها.. إلى أنها تجمع أيام الدم بعضها إلى بعض، وتلغي أيام الطهر.. فإذا اجتمع لها من أيام الدم خمسة عشر يوماً فهي مستحاضة.
    قال : وروي عن مالك أيضاً أنها تلفق أيام الدم وتعتبر بذلك أيام عادتها، فإن ساوتها استظهرت بثلاثة ايام، فإن انقطع الدم، وإلا فهي مستحاضة[93].
    أي على الرواية الأخرى لو كانت امرأة معتادة وأيام حيضها خمسة فتقطع حيضها فمرة ترى دماً ومرة ترى نقاءً ، فإنها تضم أيام الدم فإن أكملت خمسة أيام كعادتها، انتظرت ثلاثة أيام بعدها فإن انقطع عنها الدم فهي طاهر، وإن لم ينقطع اعتبرت ما زاد على ثمانية أيام استحاضة.
    وأما الحنابلة فعندهم أن مجموع أيام الدم وأيام الطهر إذا تجاوزت أكثر الحيض عندهم وهو خمسة عشر يوماً فإن ما زاد على ذلك يعتبر استحاضة.
    قال ابن قدامة : إذا رأت يوماً طهراً ويوماً دماً ولم يجاوز أكثر الحيض فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً، وما بينهما من النقاء طهر، ولا فرق بين كون زمن الدم أكثر من زمن الطهر أو مثله أو أقل منه، فأن جميع الدم حيض إذا تكرر ولم تجاوز المدة أكثر الحيض[94].
    القول الثاني : أن النقاء بين الدمين في أيام الحيض يعتبر حيضاً وهو مذهب الحنفية، والقول الآخر للشافعي وهو الأظهر والمعتمد عندهم، والرواية الأخرى عن أحمد ، واختارها ابن تيمية[95].
    وهذا القول يسمى بالسحب ، لأن حكم الحيض ينسحب على كل الأيام.
    وهذا هو ملخص مذهب الحنفية، قال في الاختيار: والطهر المتخلل في المدة حيض[96].
    لكن لهم روايات متعددة عن أبي حنيفة وصاحبيه وتفصيلات كثيرة في المسألة .
    قال ابن عابدين:
    اعلم أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان خمسة عشر يوماً فأكثر – وهو أقل الطهر عندهم- يكون فاصلاً بين الدمين في الحيض اتفاقاً ، فما بلغ من كل من الدمين نصاباً جعل حيضاً – وأقل الحيض عندهم ثلاثة أيام ولياليها- وأنه إذا كان أي الطهر أقل من ثلاثة أيام لا يكون فاصلاً، وإن كان أكثر من الدمين اتفاقاً ،أي أن هذا الطهر يعتبر حيضاً.
    ثم قال : واختلفوا فيما بين ذلك على ستة أقوال كلها رويت عن الإمام أشهرها ثلاثة[97].
    وقال في الهداية : وعن أبي يوسف رحمه الله وهو روايته عن أبي حنيفة رحمه الله، وقيل : هو آخر أقواله: أن الطهر إذا كان أقل من خمسة عشر يوماً لا يفصل وهو كله كالدم المتوالي؛ لأنه طهر فاسد فيكون بمنزلة الدم، والأخذ بهذا القول أيسر.
    وقال ابن عابدين في حاشيته: وكثير من المتأخرين افتوا به لأنه أسهل على المفتي والمستفتي[98].
    وقال في المبسوط: والأصل عند محمد وهو الأصح وعليه الفتوى أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلاً ، فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام أو أكثر نظر فإن استوى الدم بالطهر – أي من حيث عدد الأيام – في أيام الحيض أو كان الدم غالباً لا يصير فاصلاً، وإن كان الطهر غالباً يصير فاصلاً – أي يكون طهراً صحيحاً-[99].
    وأما الشافعية فقد اشترطوا لهذا القول ما جاء في مغني المحتاج :
    والأظهر أن النقاء بين دماء أقل الحيض فأكثر حيض تبعاً لها بشروط : وهي أن لا يجاوز ذلك خمسة عشر يوماً – وهو أكثر الحيض لديهم-، ولم تنقص الدماء عن أقل الحيض – وهو يوم أو ليلة عندهم-، وأن يكون النقاء محتوشاً بين دمي حيض، فإذا كانت ترى وقتاً دما ووقتاً نقاء، واجتمعت هذه الشروط حكمنا على الكل بأنه حيض[100].
    أدلة القول الأول : وهم القائلون بالتلفيق وأن أيام الدم هي حيض، وأيام النقاء طهر :
    1- قوله تعالى : " يسألونك عن المحيض قل هو أذى"[101].
    وجه الدلالة : أن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذى، فإذا ذهب الأذى وجب أن يزول الحيض[102].
    2- قول ابن عباس رضي الله عنهما : " أما ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل "[103].
    وجه الدلالة : أن الطهر في أثناء الحيض يعتبر طهراً صحيحاً، ولا فرق بين قليل الطهر وكثيره[104].
    وقوله : البحراني : أي الشديد الحمرة، كأنه قد نسب إلى البحر وهو اسم قعر الرحم، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبالغة، يريد الدم الغليظ الواسع، وقيل نسب إلى البحر لكثرته وسعته[105].
    3- حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم وفيه " لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء"[106]
    وجه الدلالة : أن عائشة رضي الله عنها جعلت غاية الطهر انقطاع الحيض، وتحقق الطهر إما بالجفاف أو برؤية الماء الأبيض – كما سبق -، فيكون طهرها والحالة هذه طهراً صحيحاً.
    4- ولأنه لو جاز أن يجعل أيام النقاء حيضاً لجاز أن يجعل أيام الدم طهراً، ولما لم يجز أن تجعل أيام الدم طهراً لم يجز أن تجعل أيام النقاء حيضاً، فوجب أن يجري كل واحد منهما على حكمه[107].
    أدلة القول الثاني : وهم القائلون بمبدأ السحب، وأن جميع أيام الدم وأيام النقاء تكون حيضاً.
    1- قالوا : إن استيعاب الدم مدة الحيض ليس بشرط إجماعاً، فيعتبر أوله وآخره[108].
    2- إن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعاً لهما، كما في الزكاة فإن كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة، ونقصانه في خلال الحول لا يضر[109].
    2- إن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى، ولو لم يكن هذا النقاء من الحيض لم يحتسب من مدته[110].
    4- ولأنه لو كان ما رأته من النقاء طهراً لانقضت العدة بثلاثة منها[111]. أي بثلاثة أيام من أيام الدم الذي تخلله نقاء، أو بثلاثة أوقات منها إن كان استمرار الدم يزيد أو ينقص عن اليوم.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الطوارئ على الحيض

    الطوارئ على الحيض (3-2)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "
    د. ناهدة عطا الله الشمروخ

    المناقشة والترجيح :

    بعد ذكر أدلة كل من القولين، أرى أن أدلة أصحاب القول الأول وهم القائلون بالتلفيق أكثر قوة من أدلة أصحاب القول الثاني القائلين بالسحب، حيث استدلوا بالكتاب وبالسنة وبالقياس، رغم أن بعض أدلة القول الثاني فيها وجاهة إلا أن اصحاب القول الأول أجابوا عن معظم أدلتهم تلك ومن ذلك :
    قولهم إن الدم يجري تارة وينقطع أخرى ، قال ابن قدامة: لا عبرة بالانقطاع اليسير، وإنما إذا وجد انقطاع كبير يمكن فيه الصلاة والصيام وتتأدى العبادة فيه وجبت عليها، لعدم المانع من وجوبها[112].
    وأما قياسهم على نصاب الزكاة فقد أجاب عنه صاحب البحر الرائق بقوله :
    قياسها على النصاب غير صحيح، لأن الدم منقطع في أثناء المدة بالكلية، وفي المقيس عليه يشترط بقاء جزء من النصاب في أثناء الحول، وإنما الذي اشترط وجوده في الإبتداء والانتهاء تمامه[113].
    وأما قولهم بأنه لو كان ما رأته من النقاء طهراً لانقضت العدة بثلاثة منها، فإنه لا يلزم لأن المسألة المتنازع فيها هي في حال كون الحيضة الواحدة لتلك المرأة متقطعة ، فهذا الأمر يعد من الطوارىء على الحيض، وليس بحيض معتاد قطعاً حتى يقال بذلك، وهذا مما لم يقل به أحد من الفقهاء لا من أصحاب القول الأول ولا الثاني ولا غيرهم[114]، وأما إذا كان هذا حالها دائماً كل الشهر فإنها تكون مستحاضة وترد إلى أحوال المستحاضة المعلومة لدى الفقهاء.
    وقال ابن قدامة :
    ويتوجه أن انقطاع الدم متى نقص عن اليوم فليس بطهر، بناءً على الرواية التي حكيناها في النفاس أنها لا تلتفت إلى طهر ما دون اليوم[115]. وهو الصحيح إن شاء الله، لأن الدم يجري مرة، وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي بقوله سبحانه : " وما جعل عليكم في الدين من حرج"[116]. فعلى هذا لا يكون انقطاع الدم أقل من يوم طهراً إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء[117].
    قال ابن عثيمين : فيكون قول صاحب المغني هذا وسطاً بين القولين . والله أعلم بالصواب[118].
    وارى أن هذا القول حقيقة هو الأولى بالصواب من القولين السابقين، فكون أن المرأة على القول الأول تلزم بالاغتسال وقد يكون أكثر من مرة في اليوم فهذا فيه حرج ومشقة، وأيضاً على القول الثاني إذا ابتليت بتقطع الحيض وقد تطول مدته ولم ينقطع بالكلية، فتبقى في حيرة واضطراب لا تعرف هل هي طاهر أم حائض وقد يفوت عليها مواسم فاضلة كشهر رمضان وأداء العمرة ومناسك الحج.. وغيرها فكونها تأخذ بهذا القول الوسط فهو الأيسر لها من حيث رفع الحرج، والأنسب من حيث عدم تفويت العبادات عليها طيلة أيام تقطع الحيض.
    على أنني أرى أن هذا الطارىء على الحيض قد يندر وجوده بالفعل ، خاصة بعض ما ذكره الفقهاء من أنها قد تطهر نصف يوم أو بضع ساعات، والمقصود بالنقاء ما سبق ذكره من أنه لا أثر تماماً لدم الحيض ولا لغيره من الإفرازات من كدرة وصفرة ونحوهما، ذلك لأنه من المعلوم طبياً كيفية حدوث الحيض، فللرحم غشاء يبطنه من الداخل، وتبدأ دورة الرحم بعد انتهاء الحيض مباشرة، فنجد الغشاء المبطن للرحم بسيطاً ولا تزيد ثخانته عن نصف ملمتر.. وأوعيته الدموية وغدده بسيطة كذلك، ثم ينمو هذا الغشاء إلى ثمانية ملمترات أي يتضاعف كثيراً وتنمو الغدد ويكثر عددها ويستعد الرحم للحمل، فإذا قدر الله ولم يحصل الحمل، فإن هرمون الحمل اليروجسترون يقل فجأة ، وكذلك هرمون الاستروجين، فإذا قلت الكمية في الدم انقبضت الأوعية الدموية المغذية لغشاء الرحم انقباضاً شديداً فيذوي الغشاء ويتفتت ما تحته من أوعية دموية فيخرج منها الدم المحتقن، وينزل دم الحيض محتوياً على قطع من الغشاء المبطن للرحم [119].
    وبالتالي يبعد بعد ذكر آلية حدوث دم الحيض أن تمر المرأة بفترة نقاء تامة ولمدة قصيرة ثم يرجع بعد قليل فينزل دم الحيض، لأن نزول هذا الدم وانقطاعه مرتبط ببعض الهرمونات الأنثوية – كما سبق – منها الاستروجين والبروجسترون، مع أن الحالة النفسية لها أيضاً علاقة وثيقة بتغيير نسب هذه الهرمونات وبالتالي تؤثر في نزول دم الحيض وانقطاعه لكن ليس على الصورة المذكورة تماماً.
    وبمناسبة ختام ذكر أغلب الطوارىء على الحيض، ومن خلال هذا الطارىء على وجه الخصوص، فقد رأينا كيف ان المذاهب الفقهية قد أكثرت وتوسعت في ذكر التفصيلات والاشتراطات في حالة حدوث ما يطرأ على الحيض فاختلفت في تحديد أقل الحيض وفي تحديد أكثره وفي تحديد أقل الطهر بين الحيضتين.. وغير ذلك وهذا التحديد قد أفرز تفصيلات أخرى عديدة قد لا يستوعبها طلاب العلم فما بالك بنساء قد يكنّ غير متعلمات بتاتاً، أو غير متعلمات علماً شرعياً لا يفقهن معه مثل هذه التفصيلات، ولو أنهم رحمهم الله جميعاً ونفع بعلمهم لم يقولوا بالتحديد واكتفوا بما وفق إليه بعضهم من أن الحكم يدور مع علته، فإذا وجد الحيض ثبت حكمه، وإذا انقطع زال حكمه لزالت كثير من الإشكالات. والله الموفق للصواب.
    المبحث الخامس : الدم الذي تراه الحامل :
    جعلت هذا المبحث من مباحث الطوارىء على الحيض، ذلك لأنه من غير المعتاد أن تحيض الحامل أو ترى الدم أثناء حملها، فإن النساء إنما يعرفن الحمل بانقطاع الحيض، لكن ماذا لو رأت تلك الحامل الدم فهل يعد دم حيض أم دم فساد؟
    قال ابن رشد : اختلف الفقهاء قديماً وحديثاً هل الدم الذي ترى الحامل هو حيض أم استحاضة؟[120]
    وذلك على قولين :
    القول الأول : أنه دم حيض، وهو قول مالك والشافعي في أصح قوليه، وذكر ابن تيمية أن الخرقي حكاه رواية عن أحمد، بل حكي أنه رجع إليه[121].
    قال في الأنصاف : وعنه – أي عن أحمد – أنها تحيض، واختارها الشيخ تقي الدين.. وقال في الفروع : وهي أظهر . ثم قال : قلت : وهو الصواب[122].
    القول الثاني : أنه دم فساد، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وقول الشافعي في القديم[123].
    الأدلة : استدل كل فريق بأدلة أذكر أهمها :
    أدلة القول الأول :
    1- قوله تعالى : " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " [124].
    فالآية الكريمة مطلقة[125]، أي لم تقيد وجود الحيض بزمن دون آخر، ولا بحال دون أخرى، بل متى وجد الدم ثبت حكمه.
    2- عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " إذا رأت الحبلى الدم فلتمسك عن الصلاة فإنه حيض"[126].
    وهو صريح الدلالة في كون الدم الذي تراه الحامل دم حيض لا دم فساد.
    3- الأصل أن كل ما يخرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة، لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم يرخيه الرحم، ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض ، والأصل الصحة لا المرض[127].
    ثم إن هذا الدم هو بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه، وهو متردد بين دمي الجبلة والعلة، والأصل السلامة من العلة[128].
    4- ولأنه دم لا يمنعه الرضاع، فلا يمنعه الحمل[129].
    قال النووي : معناه أن المرضع لا تحيض غالباً، وكذا الحامل، فلو اتفق رؤية الدم حال الرضاع كان حيضاً بالاتفاق، فكذا في حال الحمل فهما سواء في الندور، فينبغي أن يكون سواء في الحكم[130].
    أدلة القول الثاني :
    1- جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبايا أوطاس[131]: " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة"[132].
    فالرسول صلى الله عليه وسلم جعل وجود الحيض علمأً على براءة الرحم من الحبل، ولو اجتمعا لم يكن علماً على انتفائه[133].
    أي لو تصور اجتماع الحيض مع الحمل، لم يكن الحيض حينئذ علامة على انتفاء الحمل.
    2- ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " مره فليراجعه ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً"[134].
    فهنا النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن يطلق امرأته إما طاهراً أو حاملاً مع منعه لطلاقه لها في حال الحيض، فعلم أن الحيض لا يجامع الحمل[135].
    3- ورد عن عائشة رضي الله عنها : " إن الحامل لا تحيض "[136].
    4- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " إن الله رفع الحيض عن الحبلى، وجعل الدم رزقاً للولد"[137].
    5- ولأن فم الرحم ينسد بالحبل، كذا العادة، أي العادة المستمرة عدم خروج الدم، وهو للانسداد، ثم يخرج بخروج الولد للانفتاح به، وخروج الدم من الحامل أندر نادر فيجب أن يحكم في كل حامل بذلك اعتباراً للمعهود[138].
    المناقشة والترجيح :
    بعد إيراد أدلة كل فريق وبيان أوجه دلالتها، أرى أن القول الأول القائل بأن الدم الذي تراه الحامل هو دم حيض إذا كان بصفته المعهودة هو القول الراجح ؛وذلك لقوة ما استدلوا به ولإمكان الرد على أدلة القائلين، بأنه دم فساد، فاستدلالهم بحديث سبي أوطاس أجاب عنه ابن عبد البر بقوله : ليس في قوله عليه السلام " لا توطأ حامل حتى تضع .. " ما ينفي أن يكون حيض على حمل، لأن الحديث إنما ورد في سبي أوطاس حين أرادوا وطأهن فأخبروا عن الحامل لا براءة لرحمها بغير الوضع، والحائل لا براءة لرحمها بغير الحيض، لا أن الحامل لا تحيض[139].
    وأما استدلالهم بحديث ابن عمر ، فقد رد ابن القيم بأنه لا دلالة لهم فيه حيث قال :
    في حديث ابن عمر إباحة الطلاق إذا كانت حائلاً بشرطين : الطهر وعدم المسيس ، فأين هذا والتعرض لحكم الدم الذي تراه على حملها.. ذلك لأن الحامل تخالف غيرها في الطلاق، وأن غيرها إنما تطلق طاهراً غير مصابة ، ولا يشترط في الحمل شيء من هذا، بل يطلق عقيب الإصابة ، وتطلق وإن رأت الدم[140].
    وأما الأثر الوارد عن عائشة رضي الله عنها وفيه أن الحامل لا تحيض، وأنها إذا رأت الدم فلتغتسل ولتصل، فقد ورد عنها أيضاً بأن الحامل إذا رأت الدم فلا تصلي . ونقل ابن القيم عن الإمام أحمد بأن هذا الخبر أصح من الأول. وكذا قاله ابن قدامة في المغني[141].
    أما أثر ابن عباس رضي الله عنها فيجاب عنه : بأن قوله يحمل على الغالب لدى النساء، لكن إن وجد ما يخالف هذا الغالب وكان على صفة دم الحيض المعروف فإنه يحكم به.
    وقد قال ابن رشد : وسبب اختلافهم – أي الفقهاء – عسر الوقوف على ذلك بالتجربة واختلاط الأمرين[142].
    أي أنه لا يوجد شيء متيقن يرجع إليه، لكن إن وجد حكم به.
    وأما قولهم : إن فم الرحم ينسد بالحبل عادة، فيجاب عنه : بأن ذلك هو الغالب الشائع بين النساء ، لكن قد يحدث أن ترى بعضهن – وإن كان نادراً- دماً بصفة الحيض، وبالتالي لا يمكن أن يحكم عليه بغير ذلك اعتباراً بالأصل[143].
    كما أنني قد رجعت لبعض الكتب الطبية لاستجلاء هذه المسألة فوجدت أن أغلب الأطباء يقولون بعدم إمكانية حيض الحامل ، لأن أبرز علامات الحمل هو انقطاع الحيض، إلا أن الدكتور محمد البار ذكر رأيه في هذه المسألة بعد أن أورد رأي الفقهاء في هذا الدم فقال : وإذا استعنا بالمعلومات الطبية فإننا نجد الجنين لا يملأ تجويف الرحم إلا بعد الشهر الثالث من الحمل، وعليه فإن سقوط شيء من غشاء الرحم- وهو الذي يسقط عادة في الحيض – يجعل هذا الدم شبيهاً جداً بدم الحيض.
    ورغم ندرة حصول هذا الدم[144]، إلا أنه يمكن أن يعتبر على هذه الصفة حيضاً، وذلك في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل.
    أما بعد ذلك فإنه يكون نتيجة إصابة في المشيمة ويتحول إلى دم سقط، سواء كان السقط منذراً[145] أو كاملاً[146].
    إذاً يرى الطبيب محمد البار أن الحامل يمكن أن تحيض، وإن كان ذلك هو نادر الحدوث – وهو بالفعل كذلك فقلما تسمع بذلك في واقع النساء -، وأما غيره من الأطباء فلم يتطرقوا البتة لهذا الموضوع بل عدوا الدم الذي تراه الحامل دلالة على عارض صحي ينبغي عليها التنبه له ومراجعة المختصين للبت في شأنه فوراً، وألا تتهاون حياله[147].
    ويمكن الجمع بين الرأي الراجح في هذه المسألة ورأي الأطباء القائلين بأنه عارض صحي وأنه ليس بدم حيض، بأن المرأة التي لعائلتها تاريخ بحدوث هذا الأمر لدى نسائها أو بعضهن حتى أن الحمل يستمر طبيعياً عندهن دون أن يتعرضن لإجهاض ونحوه بأنها تجعل ما تراه من دمٍ حيضاً، خاصة وأن النساء يعرفن صفة دم الحيض وما يرافقه من عوارض.
    أما إن كانت هذه المرأة لم يسبق لأي من نساء عائلتها حدوث مثل هذا الأمر بينهن، فعليها مراجعة الطبيب والتنبه لهذا الدم فقد يكون دلالة على أمر لا ينبغي التهاون بشأنه، والله أعلم.



    [1] شرح الزركشي 1/ 446 .

    [2] انظر : المبسوط/ السرخسي 3/ 175، المدونة الكبرى 1/49، الكافي / ابن عبد البر – ص32، الأم 1/66، المهذب 1/41 ، مغني المحتاج 1/115، المغني 1/434، مجموع فتاوي ابن تيمية 19/ 239 .

    [3] انظر : المبسوط 3/175، بدائع الصنائع 1/42، فتح القدير 1/157 ، المجموع 2/409، المغني 1/432، الشرح الكبير 2/ 437، المبدع 1/286، الإنصاف 1/ 348 .

    [4] البقرة : 222 .

    [5] انظر : الشرح الممتع 1/431، رسالة في الدماء الطبيعية – ص14 .

    [6] الأم 1/ 66 .

    [7] حديث حج عائشة رضي الله عنها ... رواه البخاري في صحيحه – كتاب الحيض – باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت 1/407 بشرح فتح الباري، ومسلم في صحيحه – كتاب الحج – باب بيان حج الحائض – 8/ 138 بشرح النووي.

    [8] المغني 1/435 ، وانظر : شرح الزركشي 1/445 .

    [9] مجموع فتاوى ابن تيمية 19/ 238 .

    [10] المبسوط 3/ 175، وانظر : العناية 1/156 بهامش فتح القدير ، المغني 1/433، الروض المربع 1/394 مع حاشية لابن قاسم.

    [11] البقرة : 106 .

    [12] المبسوط : الموضع السابق .

    [13] المجموع 2/ 409 وانظر : مغني المحتاج 1/ 115 .

    [14] انظر : جامع البيان/ الطبري 1/ 381، أحكام القرآن/ الجصاص 1/ 59 .

    [15] انظر على سبيل المثال : المغني 1/433 ، الشرح الكبير 2/437، شرح الزركشي 1/444، مجموع فتاوى ابن تيمية 21/632، الشرح الممتع 1/430 وقد قال الشيخ ابن عثيمين فيمن أوجب على تلك المرأة الصوم مرتين أو الغسل مرتين : وهذا ضرر لا تأتي بمثله الشريعة، والعبادات تجب مرة واحدة لا أكثر.

    [16] المغني 1/ 435 .

    [17] انظر : المبسوط 3/208 ، الاختيار / الموصلي 1/28، تبيين الحقائق 1/ 171، الدر المختار 1/294 المدونة الكبرى 1/52، الكافي / ابن عبد البر 1/ 32، الشرح الصغير 1/79 ، الأم 1/66، المهذب 1/41 إخلاص الناوي 1/98، مغني المحتاج 1/115، المغني 1/436، شرح الزركشي 1/446، المحلى 1/198 .

    [18] المجموع 2/411 .

    [19] شرح الزركشي : الموضع السابق.

    [20] المبسوط 3/ 178 .

    [21] انظر : البحر الرائق 1/ 216، حاشية ابن عابدين 1/ 301 .

    [22] فتح القدير 1/ 157 .

    [23] أي تضيف أو تجمع، كأنه من التظاهر أي التعاون والتساعد، وهو من باب الاحتياط. انظر : النهاية في غريب الحديث – ص571 .

    [24] الكافي 1/32 وانظر : المدونة الكبرى 1/50 ، المنتقى / الباجي 1/124 .

    [25] المهذب 1/ 41 .

    [26] المغني 1/ 434 وانظر : الأم 1/ 66 .

    [27] المقنع/ ابن قدامة 1/ 286 مع شرحه المبدع، وانظر : الشرح الكبير 2/ 436، الإنصاف 1/ 348.

    [28] قال ابن الأثير في النهاية – ص302 : الدِرَجة : هكذا يروى بكسر الدال وفتح الراء، جمع درج وهو كالسفط الصغير – أي الوعاء – تضع فيه المرأة خف متاعها وطيبها، وقيل : إنما هي الدُرجة بالضم وجمعها الدرج، وأصله شيء يدرج : أي يلف. وقال الزرقاني في شرحه على الموطأ 1/171: والمراد وعاء أو خرقة. وانظر : فتح الباري 1/ 420 .

    [29] الحديث أورده البخاري في صحيحه معلقاً في كتاب الحيض – باب إقبال المحيض وإدباره – 1/420 بشرح فتح الباري، وأخرجه مالك في الموطأ – كتاب الطهارة – باب طهر الحائض – ص49، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/ 218 .

    [30] المغني : الموضع السابق، وانظر : الشرح الكبير 2/ 439، شرح الزركشي 1/446 .

    [31] مجموع الفتاوى 19/ 239 .

    [32] انظر : الشرح الكبير 2/ 439 وما بعدها.

    [33] الإنصاف 1/ 348، وانظر : كشاف القناع 1/ 212، حاشية الروض المربع / ابن قاسم 1/ 394 .

    [34] الفتاوى السعدية نقلاً عن سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/ 17 .

    [35] انظر : فتح الباري 1/426، المجموع 2/ 389، المبدع 1/ 288، كشاف القناع 1/ 213، جامع أحكام النساء/ مصطفى العدوي 1/75 .

    [36] الشرح الممتع 1/ 433 .

    [37] المصباح المنير ص131 .

    [38] انظر : المصباح المنير – ص 201 ، القاموس المحيط – ص602 .

    [39] انظر : المبسوط/ السرخسي 3/ 150 ، حاشية ابن عابدين 1/ 289، حاشية الروض المربع 1/ 396 .

    [40] الشرح الممتع : الموضع السابق.

    [41] النظم المستعذب 1/ 39 بهامش المهذب .

    [42] انظر : الشرح الصغير 1/ 78 بهامش بلغة السالك، المجموع 2/ 389، مغني المحتاج 1/ 113، إخلاص الناوي 1/95، حاشية الروض المربع: الموضع السابق.

    [43] انظر : طلبة الطلبة/، النسفي – ص29، الكفاية ، العناية شرحي الهداية 1/145 بهامش فتح القدير.

    [44] انظر : طلبة الطلبة – ص29، تبيين الحقائق 1/161، المنتقى / الباجي 1/119 .

    [45] الشرح الممتع : الموضع السابق.

    [46] المنتقى : الموضع السابق.

    [47] انظر : الأصل 1/ 337، المبسوط 3/150، الاختيار 1/27، تبيين الحقائق 1/160، فتح القدير 1/144، حاشية ابن عابدين 1/ 289 .

    [48] بداية المجتهد 1/ 56، وانظر : الإشراف على نكت المسائل 1/195، المنتقى 1/119، بلغة السالك 1/78 .

    [49] انظر : حلية العلماء 1/283، إخلاص الناوي 1/95 مغني المحتاج 1/113 .

    [50] انظر : المغني 1/ 413، المحرر 1/24، شرح الزركشي 1/430، المبدع 1/288، الإنصاف 1/351.

    [51] حاشية الروض المربع / ابن قاسم 1/ 396 .

    [52] المبسوط : الموضع السابق، وانظر : مصادر الحنفية السابقة.
    وقد رد علماء الحنفية كما في المصادر السابقة على قول أبي يوسف ، من ذلك رد الزيلعي بقوله : والحجة عليه أثر عائشة رضي الله عنها – وسيأتي – ومثله لا يعرف إلا سماعاً، وقال الموصلي: ولنا ما روينا عن عائشة من غير فصل، ولأنها من ألوان الدم فسواء كانت أولاً وآخرا كغيرها من الألوان، وقال الزيلعي في الموضع نفسه: وفم الرحم منكوس فتخرج الكدرة أولاً كالجرة إذا ثقب أسفلها . أ . هـ.
    أما كون فم الرحم منكوس فهو صحيح وهو ثابت علمياً فشكل الرحم مثل الكمثرى شكلاً وحجماً، وعنقه في الأسفل، لكن كون هذا الشكل هو الذي يجعل الكدرة تنزل أولاً ففيه نظر، لأن الكدرة تنزل كذلك آخراً بعد الدم الصافي. فتأمل . انظر في تركيب الرحم: خلق الإنسان/ د. البار- ص83.

    [53] الكافي – ص31، وانظر : التمهيد 16/ 76، بداية المجتهد 1/ 56 .

    [54] 1/ 78، وانظر : المدونة الكبرى 1/55، بداية المجتهد : الموضع السابق.

    [55] الموضع السابق، وانظر : المهذب 1/ 39 .

    [56] انظر : بداية المجتهد 1/57، حلية العلماء 1/283، المحلى 1/ 162 ، 191 .

    [57] 1 / 351 .

    [58] 1/ 272 ، وانظر : الإنصاف : الموضع السابق .

    [59] 1/78 ، وانظر : نيل الأوطار 1/ 274 .

    [60] البقرة : 222 .

    [61] انظر : المبسوط 3/150 ، المغني 1/413، الشرح الكبير 2/450 ، المبدع 1/ 288، كشاف القناع 1/213 ، نيل الأوطار : الموضع السابق.

    [62] شرح الزركشي 1/430 .

    [63] قال ابن الأثير في النهاية ص785: الكرسف : القطن. وبيّن الباجي سبب اختيارهن للقطن هنا فقال : لأنه أفضل ما يستبرأ به الرحم لنقائه وبياضه وتجفيفه الرطوبات فتظهر فيه آثار الدم ما لا تظهر في غيره. المنتقى 1/118، ,انظر : شرح الزرقاني على الموطأ 1/ 171 .

    [64] القصة : بالفتح : الجص بلغة الحجاز، وهو معروف ، ومنه النهي عن تقصيص القبور أي تجصيصها. والقصة البيضاء قيل : هي شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله، وقيل : هي بمعنى الجفوف وهو أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة.
    قال الباجي : وعادة النساء تختلف في ذلك فمنهن من عادتها أن ترى القصة البيضاء ومنهن من عادتها أن ترى الجفاف – وهو كما قال – انظر : طلبة الطلبة – ص28، المصباح المنير – ص193، النهاية في غريب الحديث- ص744، المنتقى 1/ 119 .

    [65] سبق تخريجه.

    [66] انظر : المبسوط 3/151، الاختيار 1/27، تبيين الحقائق 1/160، فتح القدير 1/144، بداية المجتهد 1/57، المغني 1/414، الشرح الكبير 2/450، شرح الزركشي 1/431.

    [67] رواه أبو داود في سننه – كتاب الطهارة – باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر 1/83، والحاكم في مستدركه – كتاب الطهارة 1/282، وقال : هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب الصفرة والكدرة .. 1/337 ، ورواه البخاري في صحيحه بغير لفظ بعد الطهر في كتاب الحيض – باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض، وقال ابن حجر في الفتح 1/ 426: أن رواية أبي داود – أي التي فيها بعد الطهر – موافقة لما ترجم به البخاري، وكذلك رواه النسائي في سننه – كتاب الحيض – باب الصفرة والكدرة – ص65، وصححه الألباني في الإرواء 1/ 219، وانظر : الخلاصة 1/82، التلخيص 1/171 .

    [68] انظر : المنتقى 1/ 119، بداية المجتهد 1/ 57، المهذب 1/39 ، المغني ، الشرح الكبير ، شرح الزركشي : المواضع السابقة.

    [69] انظر : فتح الباري 1/426 ، نيل الأوطار 1/ 274 .

    [70] رواه البيهقي في السنن الكبرى- كتاب الحيض- باب الصفرة والكدرة 1/337، وقال : وروي ثم معناه عن عائشة بإسناد أمثل من ذلك. وقال ابن حجر في التلخيص 1/170: وقال البيهقي روي بإسناد ضعيف عن عائشة... ثم ذكر ضعف أحد رواته.

    [71] انظر : المغني ، الشرح الكبير : المواضع السابقة.

    [72] رواه أحمد في مسنده 6/71 ، 160، وابو داود في سننه – كتاب الطهارة – باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة 1/ 78، وابن ماجه في سننه – أبواب الطهارة – باب ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر ... 1/212، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب الصفرة والكدرة 1/337، وذكر الشوكاني في نيل الأوطار 1/ 274 : أن في إسناده مجهولاً وبقية الإسناد ثقات، والحديث حسنه المنذري.

    [73] ذكر هذا الدليل الزركشي في شرحه 1/431، لكنه لم يذكر وجه دلالته لأنه ظاهر.

    [74] الإشراف على مسائل نكت الخلاف 1/195 .

    [75] البقرة : 222 .

    [76] إخلاص الناوي 1/ 95 .

    [77] لم اقف على تخريج لهذا الأثر بهذا اللفظ، وقد قال ابن حجر في التلخيص 1/170 بعد أن أورده : قال النووي في شرح المهذب : لا أعلم من رواه بهذا اللفظ. انتهى ، ثم ذكر أثراً عن عائشة بمعناه رواه البيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب الصفرة والكدرة .. 1/ 336 وفيه : أنها كانت تنهى النساء أن ينظرن إلى أنفسهن ليلاً في الحيض وتقول إنها قد تكون الصفرة والكدرة، وذكر الأثر الآخر عنها والذي فيه : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء – وسبق تخريجه -، ثم قال : وهذا قريب مما أورده الرافعي – أي في شرح الوجيز – انتهى.
    وقال ابن الملقن في الخلاصة 1/82 بعد أن ذكر هذا الأثر : غريب كذلك رواه البيهقي بنحوه، وانظر : نيل الأوطار 1/ 273 .

    [78] استدل بهذا الحديث الشيرازي في المهذب 1/39، وابن أبي بكر المقرىء في إخلاص الناوي 1/95، لكنهما لم يذكرا وجه دلالته لوضوحه.

    [79] سبق تخريجه .

    [80] انظر : بداية المجتهد 1/ 57، كما أن الباجي في المنتقى 1/119 قد استدل بهذا الحديث، وقد أشكل علي هل استدلاله لمن قال إنهما حيض مطلقاً، أم لمن قال إنهما حيض في زمن الحيض.

    [81] المهذب 1/ 39 .

    [82] انظر : مغني المحتاج 1/113 ، والباجي أيضاً استدل بدليل قريب من هذا المعني انظر : المنتقى : الموضع السابق.

    [83] رواه أبو داود في سننه – كتاب الطهارة – باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة 1/74، والنسائي في سننه – كتاب الحيض – باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة – ص64، والدراقطني في سننه – كتاب الحيض 1/207 ، والحاكم في مستدركه – كتاب الطهارة 1/281 ، وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب المستحاضة إذا كانت مميزة 1/325، وصححه الألباني في الإرواء 1/223، وانظر : الخلاصة 1/81 ، التلخيص 1/169، نيل الأوطار 1/270 .

    [84] نيل الأوطار 1/ 271 .

    [85] المحلى 1/ 191 .

    [86] سبق تخريجه.

    [87] بداية المجتهد 1/ 57 .

    [88] وهي قاعدة فرعية ذكرها ابن رجب الحنبلي في قواعده برقم 133 – ص298، وأظنها تندرج تحت القاعدة الفقهية الكلية : التابع تابع والتي تندرج تحتها قواعد فرعية كثيرة ، لكن لم أجد القاعدة المذكورة بنصها من ضمنهم، وربما أقربها لها قاعدة : أنه لا يفرد بالحكم لأنه إنما جعل تبعاً. انظر : أشباه السيوطي – ص117، أشباه ابن نجيم – ص120 .

    [89] الشرح الممتع 1/434 ، وهذا هو اختيار الشيخ ابن عثيمين كذلك في رسالته في الدماء الطبيعية – ص15، إلا إني سمعته قبل وفاته بأشهر قليلة قد سئل عن ذلك في إذاعة القرآن فأفتى بأن الصفرة والكدرة ليست بحيض مطلقاً واستدل بحديث أم عطية الذي رواه البخاري وليس فيه قيد – بعد الطهر-، وكذلك أخبرتني بعض زميلاتي الأكاديميات بنفس ما سمعته منه، ولعله يرحمه الله قد ظهر له مؤخراً في هذه المسألة ما لم يكن قد ظهر له من قبل، لكن الفتوى الخطية لا زالت كما هي في السابق – حسب علمي.

    [90] بداية المجتهد 1/57 ، وانظر : المغني 1/414، فتح الباري 1/ 426 .

    [91] انظر : المجموع 2/ 468 ، مغني المحتاج 1/ 119 .

    [92] انظر : الكافي / ابن عبد البر – ص31، بداية المجتهد 1/54 ، القوانين الفقهية –ص31، الشرح الصغير 1/79 بهامش بلغة السالك، الأم 1/66، المهذب 1/39، حلية العلماء 1/293، المجموع 2/ 464، مغني المحتاج 1/119، حاشية الجمل 1/247، المغني 1/440، المحرر 1/24، الشرح الكبير 2/ 452، الفروع 1/273، المبدع 1/288، الإنصاف 1/352 .

    [93] بداية المجتهد : الموضع السابق وانظر : مواهب الجليل 1/ 368 ، حاشية الدسوقي 1/ 170 .

    [94] المغني 1/ 441 ، وانظر : الشرح الكبير : الموضع السابق.

    [95] انظر : المبسوط 1/154، بدائع الصنائع 1/40، تبيين الحقائق 1/ 171، فتح القدير 1/152 ، البحر الرائق 1/ 216، حاشية ابن عابدين 1/ 289، المهذب 1/39، حلية العلماء 1/293، المجموع 2/ 465، إخلاص الناوي 1/96، مغني المحتاج 1/119، حاشية الجمل 1/247، الفروع 1/273، الإنصاف 1/352، الفقه الإسلامي وأدلته 1/464 .

    [96] 1 / 27 .

    [97] حاشية ابن عابدين 1/289 ، وقد أعرضت عن ذكر تلك الأقوال وأشهرها، لكثرة تفصيلاتها واشتراطاتها وأمثلتها فمن أراد الإطلاع عليها فليراجعها ثمت، كما أنها مذكورة كذلك في المبسوط، البدائع ، تبيين الحقائق ، فتح القدير، البحر الرائق : المواضع السابقة.

    [98] المواضع السابقة.

    [99] المبسوط 1/156 ، وانظر : الأصل 1/457 .

    [100] الموضع السابق ، وانظر : إخلاص الناوي : الموضع السابق.

    [101] البقرة : 222 .

    [102] المغني 1/438 ، الشرح الكبير 2/444، وانظر : الأم 1/66 .

    [103] أورده البخاري في صحيحه معلقاً في كتاب الحيض – باب إذا رأت المستحاضة الطهر 1/428 بشرح فتح الباري، وأبو داود في سننه – كتاب الحيض – باب من قال إذا أقبلت الحيضة.. 1/ 74، ورواه الدارمي في سننه – كتاب الحيض – باب في غسل المستحاضة 1/224، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الحيض – باب المرأة تحيض يوماً .. 1/340 ، وانظر : تغليق التعليق 2/182 ..

    [104] ذكر هذا الدليل ابن قدامة وصاحب الشرح الكبير في المواضع السابقة والزركشي في شرحه 1/447، ولم يذكروا وجه دلالته لوضوحه.

    [105] النهاية في غريب الحديث – ص66 ، وانظر : معالم السنن 1/75 .

    [106] ذكر هذا الدليل ابن قدامة وصاحب الشرح الكبير والزركشي في المواضع السابقة ولم يذكروا وجه دلالته.

    [107] المهذب 1/39، وانظر : مغني المحتاج 1/119، حاشية الجمل 1/247، المبدع 1/ 289 .

    [108] تبيين الحقائق 1/ 172، البحر الرائق 1/217، وانظر : الاختيار 1/27 .

    [109] المبسوط 1/156، وانظر : تبيين الحقائق : الموضع السابق.

    [110] انظر بداية المجتهد 1/55، المغني 1/437، الشرح الكبير 2/ 444 .

    [111] المهذب 1/ 39 .

    [112] المغني 1/ 438 وانظر : الشرح الكبير : الموضع السابق.

    [113] البحر الرائق 1/ 217 .

    [114] انظر : المجموع 2/ 465 ، رسالة في الدماء الطبيعية – ص16 .

    [115] قال ابن قدامة في المغني 1/429/ وقد روي عن أحمد أنها – أي النفساء – إذا رأت النقاء لدون اليوم لا تثبت لها أحكام الطاهرات.

    [116] الحج : 78 .

    [117] المغني 1/ 441 ، وانظر : الشرح الكبير 2/ 443.

    [118] رسالة في الدماء الطبيعية – ص17 .

    [119] انظر : خلق الإنسان/ د. البار – ص125، حمل سهل / د. محمد مرسي – ص20، الطب محراب الإيمان –ص70، طب النساء بقلم عشرة أساتذة – ص44 .

    [120] بداية المجتهد 1/ 56 .

    [121] انظر : المدونة الكبرى 1/54 ، بداية المجتهد 1/56، القوانين الفقهية ص31، المهذب 1/39، 45، المجموع 2/384، مغني المحتاج 1/118، المغني 1/443، مجموع فتاوى ابن تيمية 19/239، المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية ص109، زاد المعاد 5/731، موسوعة مسائل الجمهور 1/112 .

    [122] المرداوي 1/335، وانظر : الفروع 1/267 .

    [123] انظر : المبسوط 3/ 149، 212 ، المحيط البرهاني 1/ 237، تبيين الحقائق 1/186، فتح القدير 1/164، البحر الرائق 1/229، المجموع 2/ 384، المغني 1/443، شرح الزركشي 1/450، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة – ص30 .

    [124] البقرة : 222 .

    [125] مغني المحتاج 1/ 118 .

    [126] رواه الدارمي في سننه – كتاب الطهارة – باب في الحبلى إذا رأت الدم 1/ 244، ورواه البيهقي في السنن الكبرى – كتاب العدد- باب الحيض على الحمل 7/423، ومالك في الموطأ بلاغاً في كتاب الطهارة – باب جامع الحيضة –ص50، وقد صحح الإمام أحمد هذا الأثر كما في زاد المعاد 5/731، وابن قدامة في المغني 1/443.

    [127] مجموع فتاوي ابن تيمية 19/238، وانظر : الفروع 1/267 .

    [128] انظر : المجموع 2/286 ، مغني المحتاج 1/ 118، المغني 1/444 .

    [129] المهذب 1/39 .

    [130] المجموع 1/384 .

    [131] قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات 3/18 : أوطاس : بفتح الهمزة وإسكان الواو، وهو وادٍ في بلاد هوازن وبه كانت غزوة النبي صلى الله عليه وسلم هوازن يوم حنين، وأوطاس من قولهم : وطست الشيء أوطسه وطسًا: إذا وطئته وطئاً شديداً، فأوطاس جمع وطس بالتحريك، وسمي المكان بذلك، لأنه موطأ ليّن ويمكن أن يكون من الوطيس : وهو حفرة يختبز فيها فسمي بذلك، لأنه مكان ذاهب في الأرض كالهوة ونحوها. وجاء في حاشية ابن القيم 6/154: إن سبايا أوطاس من العرب.

    [132] رواه أحمد في مسنده 3/62، 87، وأبو داود في سننه – كتاب النكاح – باب في وطء السبايا 2/248، والحاكم في مستدركه في كتاب النكاح 2/212، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال ابن حجر في التلخيص 1/171: إسناده حسن ، وصححه الألباني في الإرواء 1/200 لكثرة شواهده. وانظر : نصب الراية 4/252، الخلاصة 1/83 .

    [133] شرح الزركشي 1/450، وانظر : تبيين الحقائق 1/187، فتح القدير 1/165، المغني 1/444، كشاف القناع 1/202 .

    [134] الحديث متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه – كتاب الطلاق – باب قول الله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء.." 9/345 بشرح فتح الباري ، ومسلم في صحيحه – كتاب الطلاق- باب تحريم طلاق الحائض 10/60 بشرح النووي.

    [135] انظر : المغني 1/444، شرح الزركشي 1/451، كشاف القناع 1/202 .

    [136] روى هذا الأثر الدارقطني في سننه – كتاب الحيض 1/219، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب العدد- باب الحيض على الحمل 7/423، وذكر رواية أخرى لهذا الأثر عن عطاء عن عائشة ثم قال : وقد ضعف أهل العلم بالحديث هاتين الروايتين عن عطاء، لكن الألباني ذكر أن عطاء قد روى عن عائشة من طريقين أنها قالت : " إن الحبلى لا تحيض، فإذا رأت الدم فلتغتسل ولتصل " وإسناده صحيح . إرواء الغليل 1/202 .

    [137] أورد هذا الاثر ابن القيم في زاد المعاد 5/ 733 ، وقال : رواه أبو حفص بن شاهين. وكذا قاله الزركشي في شرحه 1/451 .
    وقد بحثت عن تخريج لهذا الأثر في السنن والمصنفات التي بين يدي ولم أقف عليه.

    [138] انظر : المبسوط 3/212، المحيط البرهاني 1/237، تبيين الحقائق 1/187، فتح القدير 1/165، مغني المحتاج 1/119.

    [139] التمهيد 16/ 87 .

    [140] زاد المعاد 5/ 736 .

    [141] زاد المعاد 5/ 731، المغني 1/ 443 .

    [142] بداية المجتهد 1/ 56 .

    [143] انظر : مغني المحتاج 1/ 119، مجموع فتاوي ابن تيمية 19/238، المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية- ص109 .

    [144] حدد د. محمد البار نسبة حصوله لدى الحوامل خلال الأشهر الثلاتة الأولى بنصف في المائة فقط، أي بحدود خمس نساء لكل ألفٍ منهن . وهذه النسبة وإن كانت قليلة إلا أنها تثبت حدوث هذا الأمر لدى بعض الحوامل.

    [145] الفرق بين الإجهاض المنذر والإجهاض الكامل أن الأول يحدث معه نزيف بسيط بدون ألم أو مع مغص خفيف وممكن أن يستمر الحمل، أما الكامل فإن النزيف مستمر، والألم شديد ويسقط الجنين بإرادة الله جل وعلا. انظر : اسرار المرأة ص82 ، حمل سهل – ص74 .

    [146] خلق الإنسان بين الطب والقرآن – ص131 .

    [147] انظر : أسرار المرأة –ص82، حمل سهل – ص72، اسرار المرأة الطبية – ص102، القرار المكين – ص42.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الطوارئ على الحيض

    الطوارئ على الحيض (3-3)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "
    د. ناهدة عطا الله الشمروخ


    المبحث السادس : أثر موانع الحمل على الحيض :

    وفيه تمهيد ومطلبان :
    التمهيد :
    وأذكر فيه طرق موانع الحمل، حيث إن هناك طرقاً عديدة لمنع الحمل قد مارسها الإنسان منذ القدم، وهي كثيرة جداً نوجزها فيما يلي :
    1- طرق تمنع وصول الحيوانات المنوية إلى عنق الرحم : وهي عادة تتم بطريقة ميكانيكية وليس بطريقة كيميائية، وبالتالي لا يكون معها آثار جانبية على الدورة الشهرية أو على الجسم عموماً، ومنها : الجماع بدون إيلاج، والعزل وهو الإنزال خارج الفرج، واستخدام العوازل الذكرية، أو استعمال الحواجز لتغطية عنق الرحم.. وغيرها.
    2- تنظيم الجماع بحيث يقع في أول الدورة الشهرية وآخرها:
    ويتجنب وسطها الذي تخرج فيه البويضة من المبيض، وهو عادة اليوم الرابع عشر قبل بدء الحيض من الدورة التالية.
    وهذه الطريقة أيضاً لا توجد آثار ضارة منها، وبغض النظر عن مدى فعاليتها في منع الحمل هي والطريقة التي قبلها.
    3- طرق تمنع المبيض من إفراز البويضة، وإذا أفرزت تمنع وصول الحيوانات المنوية بسبب لزوجة إفراز عنق الرحم :
    وأهم هذه الطرق هي استعمال حبوب منع الحمل التي ظهرت عام 1956م، والتي تستعملها الآن أكثر من مائة مليون امرأة في مختلف أرجاء المعمورة[1].
    وهذه الحبوب مكونة من مشتقات هرومون البروجسترون- وهو ما يعرف بهرمون الحمل-، أو من هرمون الاستروجين – وهو ما يعرف بهرمون الأنوثة – أو مشتقاته مع هرمون البرجسترون.
    4- استعمال أداة داخل الرحم اللولب.
    وقد انتشر استعمال اللوالب بأنواعها المختلفة التي تزيد على مائة نوع في السبعينات من القرن العشرين، وإن كان تاريخها موغلاً في القدم.. ويرجع الفضل في استعمالها إلى العرب الذين كانوا يدخلون أنابيب بها أحجار صغيرة إلى رحم الناقة عندما يريدون السفر الطويل، ويمنعونها بذلك من الحبل[2].
    ويوجد بالإضافة للوالب الرحم التقليدية لوالب أخرى مطلقة للهرمون.
    5- التعقيم : وذلك إما بتعقيم الرجل أو المرأة، وفي العصر الحديث انتشر تعقيم الرجال بربط الحبل المنوي وقطعه، وأما الطريقة الشائعة لتعقيم المرأة فهي قطع قناتي الرحم وربطهما، وتسمى هذه العملية بربط الأنابيب .
    6- الرضاعة: وهي أحد العوامل القديمة والهامة في تحديد النسل، فا لمرضع عادة تتوقف عادتها الشهرية، ويمتنع المبيض نتيجة الإرضاع عن إفراز بويضته المعهودة في كل شهر[3].
    المطلب الأول : آثار موانع الحمل على المرأة من الناحية الطبية :
    وأكثر ما يهمنا في طرق منع الحمل المذكورة : الطريقة الثالثة والرابعة لأنهما الطريقتان التي تستخدم فيهما مواد كيميائية وهرمونات، أو أجهزة توضع داخل الرحم مما يؤثر تأثيراً مباشرًا على جسم المرأة، وأذكر هذه الآثار سواء كانت على الجسم أو على الحيض خاصة.
    أولاً: الآثار السلبية لحبوب منع الحمل :
    فتلك الحبوب على اختلاف أنواعها لها مساوئ وأضرار، وأشهر هذه المساوئ هي : زيادة الجلطات في الساقين والرئتين والقلب، وزيادة الإصابة بمرض السكر، وإصابة الكبد، وضغط الدم، والاضطرابات النفسية، واحتمال زيادة في سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي، بالإضافة إلى الصداع والغثيان والقيء وزيادة الوزن، وزيادة التصبغات في الوجه الكلف.
    والجدير بالذكر أن الأكثرية العظمى من النساء تتحمل استعمال حبوب منع الحمل تحملاً جيداً مع مشكلات قليلة إذا كانت في سن الخامسة والثلاثين من العمر فما دون، أما بعد هذا العمر أو في سن الأربعين فإنها تمنع من استخدامها في العادة خوفا ًمن هذه الآثار السلبية المحتملة[4]. وهذه الآثار تصيب أجهزة الجسم عموماً.
    أما آثارها على الحيض فقد جاء في كتاب طب النساء : أن هناك العديد من الآثار الجانبية البسيطة التي تستقر خلال أشهر قليلة من البدء بحبوب منع الحمل، وعدّ منها : النزف غير المنتظم.
    - وإذا استخدمت المرأة حبوب منع الحمل المقتصرة على مشتقات البروجسترون فإن لها آثاراً جانبية شائعة وهي : نزف حيضي شاذ أو غائب.
    - إما إذا استخدمت مشتقات البروجسترون عن طريق الحقن العضلية، وهذه تعطى مرة واحدة كل ثلاثة أشهر، فإنها تسبب اضطراب حيضي مستمر[5].
    وقال د. محمد البار في آثارها إذا كانت عن طريق الحقن : وكثيراً ما تسبب النزف في المرأة، وإذا تكرر إعطاؤها سببت ضمور الرحم وتوقف الطمث بالكلية والعقم الدائم[6].
    ثانياً : الآثار السلبية لاستعمال اللولب :
    ليس لاستعمال اللوالب آثار سلبية على جسم المرأة عموماً، لكن له آثار على رحمها خاصة، لأن وجوده منحصر في الرحم بخلاف حبوب منع الحمل فإن تأثيرها يصل لجميع أجهزة الجسم من خلال الدم.
    وأبرز آثاره ذكرها الدكتور محمد البار فقال :
    ومثالب هذا اللولب كثيرة أيضاً وأشهرها : النزف المتكرر من المرأة التي تضعه في رحمها، وثانيها : الآلام التي قد تكون مبرحة، وثالثها: اختراق هذا اللوالب للرحم مما يسبب انثقاب الرحم وهو أمر خطير جداً، أو أن اللولب ينغرز في جدار الرحم، ورابعها : الإنتان – أي الالتهاب – المتكرر الذي يصحب إدخال اللولب وبقاءه في الرحم[7].
    وجاء في كتاب طب النساء بأنه في حال تركيب هذه اللوالب فإنها تؤدي إلى تنقيط مستمر ونزف غير منتظم في الأشهر القليلة الأولى للاستعمال، بالإضافة لزيادة عسر الحيض[8].
    المطلب الثاني : أثر استعمال موانع الحمل على الحيض من الناحية الفقهية :
    بعد أن تبين لنا الآثار السلبية لتلك الموانع على الرحم والحيض خاصة، فلا غرابة بعد ذلك من كثرة الإشكالات والالتباسات التي تطرأ على الدورة الشهرية، ولا غرابة من ازدياد شكاوى النساء من هذا الأمر، لاسيما وأنه متعلق بطهارتها ، والتي تتعلق بها عبادات كثيرة مفروضة وغير مفروضة.
    وقد قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حول هذا الموضوع :
    مشاكل النساء في الحيض بحر لا ساحل له، ومن أسبابه استعمال هذه الحبوب المانعة للحمل، والمانعة للحيض[9].
    وما كان الناس يعرفون مثل هذه الإشكالات الكثيرة من قبل، صحيح أن الإشكال ما زال موجوداً منذ وجد النساء، لكن كثرته على هذا الوجه الذي يقف الإنسان حيران في حل مشاكله أمر يؤسف له[10].
    وسئل فضيلته عن حكم استعمال حبوب منع الحيض فأجاب:
    استعمال المرأة حبوب منع الحيض إذا لم يكن عليها ضرر من الناحية الصحية ، فإنه لا باس به، بشرط أن يأذن الزوج بذلك، ولكن حسب ما علمته أن هذه الحبوب تضر المرأة ومن المعلوم أن خروج دم الحيض خروج طبيعي، والشيء الطبيعي إذا منع في وقته فلابد أن يحصل من منعه ضرر على الجسم.
    وكذلك أيضاً من المحذور في هذه الحبوب أنها تخلط على المرأة عادتها فتختلف عليها، وحينئذ تبقى في قلق وشك في صلاتها ومن مباشرة زوجها وغير ذلك[11].
    وقال أيضاً : وقد علمنا عن كثير من النساء اللاتي يستعملن هذه الحبوب أن العادة عندهن تضطرب وتتغير ويَتعبن ويُتعبن العلماء في كيفية جلوسهن.
    وقال في موضع آخر :
    الذي أرى أن المرأة لا تستعمل هذه الحبوب، لأنه ثبت عندي من تقرير الأطباء أنها مضرة جداً على المرأة على الرحم والأعصاب والدم، وكل شيء مضر، فإنه منهي عنه..
    وقال أيضاً في ضرر هذه الحبوب سواء حبوب منع الحمل أم حبوب منع الحيض :
    حتى قال لي بعضهم – أي بعض الأطباء - : أنه إذا استعملتها امرأة بكر فإنه يكون موجباً للعقم، وهذا خطر عظيم، وما قاله بعض الأطباء ليس ببعيد.
    لكنه استثنى رحمه الله من احتاجتها للحج والعمرة فقال :
    لكن في مسألة الحج والعمرة ربما تدعو الحاجة أو الضرورة إلى استعمال هذه الحبوب، وهو استعمال مؤقت وربما لا تعود المرأة إليه مدى عمرها فمثل هذا أرجو ألا يكون به باس ولا ضرر[12].
    وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال الآتي :
    في الأيام الحاضرة تستعمل النساء موانع الحمل الاصطناعية كالحبوب واللولب، وأي طبيب قبل وضع اللولب أو إعطاء الحبوب يعطي المرأة حبتين للتأكد من عدم حمل المرأة، بهذه الحالة يجب أن يأتيها الدم إن لم تكن حاملاً.
    والسؤال : إن هذا الدم الذي ينزل عليها خلال أيام معدودة هل حكمه حكم دم الحيض.. علماً أن فترة نزول هذا الدم ليست وقت حيضها المعتاد، كذلك بعد وضع اللولب أو استعمال الحبوب عند بعض النساء يتغير نظام دورة الحيض، فتزيد فجأة بعد استعمال المانع للحمل حتى إن بعضهن لا تطهر خلال الشهر أكثر من أسبوع .. ويكون الدم النازل نفس الدم الذي ينزل عند الحيض، وكذلك نفس الدم الذي ينزل عند أخذ الحبتين المذكورتين.. ؟
    فأجابت : إذا كان الدم الذي نزل بعد أخذ الحبتين هو دم العادة المعروف للمرأة فهو دم حيض تترك وقته الصوم والصلاة، وإذا كان غير ذلك فلا يعتبر دم حيض يمنع الصوم والصلاة والجماع، لأنه إنما نزل بسبب الحبوب[13].
    هذا ما تيسر لي جمعه من وقائع وفتاوى لحالات النساء اللاتي يستعملن تلك الحبوب وقد تختلف غيرهن من النساء ببعض التفصيلات ، لكني أظن أن هذه الأجوبة والقواعد التي سأذكرها في المبحث التالي تكفي لقياس غير تلك الحالات عليها.. والله الموفق للصواب.
    المبحث السابع : قواعد فقهية وتطبيقات عملية للطوارئ على الحيض :
    تمهيد :
    قال ابن رشد عندما تحدث عن أحكام الدماء الخارجة من الرحم وقسم الكلام فيها إلى عدة أبواب : ونحن نذكر في كل باب من هذه الأبواب من المسائل ما يجري مجرى القواعد والأصول لجميع ما في هذا الباب على ما قصدنا إليه مما اتفقوا عليه واختلفوا فيه[14].
    وهو لا يقصد قطعاً القواعد والأصول الفقهية المعروفة والمبسوطة في كتب القواعد الفقهية، وإنما مقصوده أنه لا يدخل في التفصيلات والتفريعات الكثيرة لمسائل الحيض كما هو حال أغلب الكتب الفقهية، وذلك لحصر تلك المسائل وسهولة فهمها والقدرة على تطبيقها بيسر، وقد وفى – رحمه الله- بذلك وأجاد وأفاد في مجمل المسائل التي ذكرها في كتاب الحيض.
    وردّ مسائل الحيض، وخاصة الطوارئ عليه – لأنها هي التي لا تنضبط وتختلف النساء فيها اختلافاً بيناً – إلى قواعد الفقه الكبرى المعروفة وفروعها، وكذا إلى القواعد الفقهية الكلية التي يتخرج عليها ما لا ينحصر من الصور الجزئية، مما يسهل على النساء معرفة أحكام ما يطرأ على الحيض، وكذا على طالب العلم فيفهم ثم يفيد غيره.
    ولقد بذلت جهداً ليس باليسير، لحصر بعض الوقائع الخاصة بالطوارئ على الحيض مما ذكرته في هذا البحث من خلال تتبع كتب الفتاوى لعلمائنا الأجلاء وبعض الكتب الطبية للوقوف على آراء الأطباء والجمع بينها وبين رأي الشريعة ما أمكن، ومن ثم رد تلك الوقائع للقواعد الفقهية سواء الكلية أم الفرعية من خلال الرجوع لكتب القواعد الفقهية – التي بين يدي – وذلك ليسهل فهمها وحفظها وكذا لتطبيق ما يستجد من تلك المسائل عليها، على الرغم من قلة ما استطعت استنباطه من تلك القواعد ، لكن لعل الله يجعل فيه خيراً كثيراً.
    وسوف أذكر تلك الوقائع وما يصلح أن ترد إليه من قواعد حسب المسائل التي ذكرتها في هذا البحث وعلى الترتيب نفسه ما أمكن.
    أولاً : في مسألة انتقال الحيض سواء في تقدمه أو تأخره عن الموعد المعتاد، أو نقص مدته أو زيادتها عن المعتاد.
    - إذا اضطربت عادة المرِأة في الحيض بتقدم أو تأخر، أو زيادة أو نقص ، فماذا تفعل؟
    وأجاب عنه العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله فقال :
    إن المرأة إذا رأت الدم جلست فلم تصل ولم تصم، وإذا رأت الطهر البين تطهرت واغتسلت وصلت، سواء تقدمت عادتها أو تأخرت ، وسواء زادت مثل أن تكون عادتها خمسة أيام وترى الدم سبعة ، فإنها تنتقل إليها من غير تكرار[15].
    - ومثله سؤال ورد لفضيلة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله وهو عن امرأة كانت عادة حيضها ستة أيام، ثم زادت أيام عادتها؟
    فقال : إنها تبقى لا تصلي حتى تطهر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حداً معيناً في الحيض، وقد قال الله تعالى " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى "[16].
    - وسئل أيضاً عن امرأة كانت تحيض في آخر الشهر ثم رأت الحيض في أول الشهر، فما الحكم؟ فأجاب : إذا تقدمت عادة المرأة عن وقتها، مثل أن تكون عادتها في آخر الشهر فترى الحيض في أوله فهي حائض[17].
    ويلاحظ هنا أن علماءنا الأجلاء رحمهم الله قد أجابوا على تلك التساؤلات والطوارىء على حيض أولئك النسوة بما صح لديهم والذي هو القول الراجح: أن العادة تثبت بمرة واحدة، وأنه لا يشترط التكرار الذي اشترطه الحنفية والحنابلة.
    وبمراجعة كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي وجدته قد ذكر هذه المسألة في القاعدة الفقهية الكبرى : العادة محكمة[18]، فقال :
    وتتعلق بهذه القاعدة مباحث ثم ذكر المبحث الأول وهو : بماذا تثبت العادة؟
    قال : وفي ذلك فروع ومنها :
    العادة في باب الحيض، ثم ذكر الخلاف المشهور فيها بين أبي حنيفة ومحمد وبين أبي يوسف.
    وأن أبا يوسف قال تثبت بمرة واحدة، قال : وعليه الفتوى[19].
    وكذلك ذكرها السيوطي في القاعدة نفسها إلا أنه رجح ما عليه مذهبه- أي المذهب الشافعي – ونقل كلام الغزالي وغيره وهو أن العادة في باب الحيض أربعة أقسام وذكر منها:
    ما يثبت بالثلاث ، وفي ثبوته بالمرة والمرتين خلاف، والأصح: الثبوت ، وهو قدر الحيض والطهر[20].
    والمقصود أن الفقهاء قد ردوا هذه المسألة إلى القاعدة الفقهية الكبرى العادة محكمة على خلاف بينهم حسب ما عليه مذهبهم الفقهي أو بما صح لديهم من الدليل، هل تثبت العادة بمرة واحدة أم بأكثر.
    ثانياً : مسألة الصفرة والكدرة وما يلحق بهما :
    - سئل فضيلة الشيخ محمد العثيمين عن امرأة رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد، فتركت الصلاة ثم نزل الدم على عادته ، فما الحكم؟
    فأجاب : تقول أم عطية رضي الله عنها : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً"[21]
    وعلى هذا : فالكدرة التي سبقت الحيض لا يظهر لي أنها حيض، لاسيما إذا كانت أتت قبل العادة، ولم يكن علامات للحيض من المغص ووجع الظهر ونحو ذلك ، فالأولى لها أن تعيد الصلاة التي تركتها في هذه المدة.
    - وهكذا جوابه عمن استفتاه عن حكم السائل الاصفر الذي ينزل من المرأة قبل الحيض بيومين؟ حيث قال : فإذا كانت هذه الصفرة قبل الحيض ثم تنفصل بالحيض فإنها ليست بشيء، أما إذا علمت المرأة أن هذه الصفرة هي مقدمة الحيض فإنها تجلس حتى تطهر.
    - وسئل فضيلته عن حكم الصفرة والكدرة التي تكون بعد الطهر ؟
    فأجاب : إن القاعدة العامة : أن المرأة إذا طهرت ورأت الطهر المتيقن في الحيض، وأعني الطهر في الحيض: خروج القصة البيضاء، وهو ماء أبيض تعرفه النساء، فما بعد الطهر من كدرة أو صفرة أو نقطة أو رطوبة فهذا كله ليس بحيض.. قالت أم عطية: " كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً" أخرجه البخاري، وزاد أبو داود " بعد الطهر " وسنده صحيح.
    وعلى هذا نقول : كل ما حدث بعد الطهر المتيقن من هذه الأشياء فإنها لا تضر المرأة .. ولكن يجب أن لا تتعجل حتى ترى الطهر، لأن بعض النساء إذا خف الدم عنها بادرت واغتسلت قبل أن ترى الطهر، ولهذا كان نساء الصحابة يبعثن إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالكرسف – يعني القطن – فيه الدم فتقول لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء[22].[23]
    - وهكذا سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وفضيلة الشيخ عبد الله الجبرين عن وقائع لنساء حدث لهن مثل ما ذكر آنفاً، لكن باختلاف طفيف أو بتفصيل آخر.. وقد أجابوا بمثل ما أجاب فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمهم الله أجمعين-[24].
    ونلاحظ أنهم أخذوا في هذه المسالة بالرأي الراجح وهو أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي غير أيام الحيض ليست كذلك.
    ولو أردنا أن نرجع هذه المسائل إلى إحدى القواعد الفقهية لكان أقربها لها :
    القاعدة الفقهية الكبرى اليقين لا يزول بالشك[25]، والقاعدة الفرعية التي تندرج تحتها : ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين [26].
    ذلك لأن تلك المرأة التي رأت الكدرة قبل حيضها المعتاد كانت متيقنة بأنها طاهر، ثم ما طرأ عليها من الكدرة لم تتيقن منه وشكت بأنه حيض فبقيت على يقين الطهارة؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، وأيضاً ما ثبت بقين وهو الطهارة لا يرتفع إلا بيقين وهو دم الحيض لا مجرد الإفرازات التي ترددت فيها هل هي حيض أم لا.
    وهكذا بالنسبة للسائلة التي سألت عن الصفرة والكدرة بعد الطهر فأجيب بأنها ليست بشيء، ذلك لأنها متيقنة من طهرها لكنها شكت بعد ذلك بتلك الإفرازات هل هي من الحيض أم لا، واليقين لا يزول بالشك، أو يقين طهارتها لا يرتفع إلا بيقين مثله وهو رجوع دم الحيض.
    أما لو كانت تلك الصفرة أو الكدرة في أثناء الحيض وقبل انقطاعه مثلاً بفترة فإنها تعد من الحيض حتى ترى الطهر الخالص، لأن هذه المرأة متيقنة من عدم طهارتها فلا يزول ذلك بالشك في الطهارة بل لابد من يقين مثله وهو انقطاع دم الحيض وما يلحق به ورؤية الطهر فحينها تعتبر طاهراً.
    ومن القواعد الفرعية التي سبق ذكرها ما استدل به الشيخ " ابن عثيمين في مسألة الصفرة والكدرة وأنها في أيام الحيض حيضاً وفي غيرها لا، قاعدة : يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً[27].
    وقد بحثت عنها في كتب القواعد الفقهية التي بين يدي ولم أجدها إلا في قواعد ابن رجب [28]، وهي قاعدة فرعية وأظنها تتبع القاعدة الكلية : التابع تابع ، وتحتها قواعد فرعية منها :
    أنه لا يفرد بالحكم ، لأنه إنما جعل تبعاً، و يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها أو يغتفر في الشيء ضمنا مالا يغتفر فيه قصداً وأظنها متقاربة المعنى.
    والمقصود أن تلك الصفرة والكدرة ونحوهما إذا استقلت وانفصلت عن الحيض فلا تعد شيئاً، لكنها في أيام الحيض تعد تبعاً له، فالتابع تابع، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: الطوارئ على الحيض

    الطوارئ على الحيض (3-3)

    " دراسـة فقهية مقارنـة "
    د. ناهدة عطا الله الشمروخ

    ثالثاً : مسألة تقطع الحيض أو النقاء المتخلل بين الدمين :

    - سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال التالي :
    قد ترى المرأة دماً في موعد حيضتها ثم ينقطع بعد يومين وتطهر تماماً، وبعدها بيوم أو يومين ترى الدم مرة أخرى، فهل يعد الدم في اليومين الأولين حيضاً، وهل عليها صلاة أم ماذا؟
    فأجابت : اليومان اللذان رأت فيهما الدم في موعد الحيض تجلسهما ولا تجوز الصلاة فيهما؛ لأن الدم دم حيض، وأما اليومان اللذان رأت فيهما الطهر فتصلي فيهما بعد أن تغتسل وهكذا اليومان الأخيران تجلسهما ، لأن الدم فيهما دم حيض[29].
    - وسئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال الآتي :
    أنا سيدة في الثانية والأربعين من العمر يحدث لي أثناء الدورة الشهرية أنها تكون لمدة أربعة أيام ثم تنقطع لمدة ثلاثة أيام ، وفي اليوم السابع تعود مرة أخرى بصورة أخف ، ثم تتحول إلى اللون البني حتى اليوم الثاني عشر.. إلى آخر سؤالها.
    فأجاب :
    جميع الأيام المذكورة الأربعة والستة كلها أيام حيض.. وعليك أن تغتسلي بعد الأربعة ، وكذلك بعد الأيام الستة وتصلي وتصومي كسائر الطاهرات، لأن الدورة الشهرية تزيد وتنقص، وتجتمع أيامها وتفترق[30].
    - وسئل فضيلة الشيخ ابن جبرين السؤال التالي :
    إن دم الحيض في أيام العادة الشهرية يأتي يومين ثم ينقطع ثم في اليوم الرابع يعود مرة أخرى.. فهل أصلي اليوم الثالث من أيام العادة أم لا أصلي ؟
    فأجاب : ما دامت المرأة في أيام عادتها التي تعرفها فإنها تسقط عنها الصلاة، ولا يجزئها الصوم في وسط أيام العادة ولو توقف الدم في بعض الأيام ما دامت في زمن العادة ولم تر علامة الطهر وهي القصة البيضاء التي تعرفها النساء علامة على انقضاء الحيض[31].
    ويلاحظ في هذه الأجوبة على تلك الوقائع في مسألة تقطع الحيض أنهم أخذوا بمبدأ التلفيق والذي هو مذهب المالكية والحنابلة، وحتى السؤال الثالث فإن تلك المرأة ذكرت أن دم الحيض ينقطع فقط، ولم تذكر أنه ينقطع تماماً أو ترى نقاءً بين تلك الأيام التي ينزل عليها دم الحيض، وهذا يعد من الفترات في الحيض، لأن دم الحيض يسيل تارة وينقطع أخرى وبالتالي ينسحب عليها حكم الحيض بخلاف النقاء التام.
    - ومسألة تقطع الحيض أو النقاء المتخلل بين الدمين ذكرها السيوطي أثناء حديثه عن القاعدة الفقهية الكبرى العادة محكمة حيث قال :
    ويتعلق بهذه القاعدة مباحث :
    الأول : فيما تثبت به العادة، وفي ذلك فروع : أحدها : الحيض، ثم ذكر أن العادة في باب الحيض أربعة اقسام وذكر منها:
    ما لا يثبت بمرة ولا بمرات، على الأصح، وهو التوقف عن الصلاة ونحوها بسبب تقطع الدم إذا كانت ترى يوماً دماً ويوماً نقاء[32].
    وهو هنا رجح أظهر قولي الشافعي الذي يقول بالسحب وأن النقاء المتخلل بين الدمين يعد من الحيض وتنسحب عليه أحكامه، وهو قول مرجوح – على ما سبق-.
    - ويمكن رد الجواب على السؤال الثالث والذي تذكر فيه السائلة أن الدم ينقطع عليها في اليوم الثالث من أيام الحيض ثم يعود في اليوم الرابع حيث أجيبت بأن كل تلك الأيام حيض وأنها لا تلتفت لهذا الانقطاع، بأن تلك السائلة لم تتيقن من الطهر وأنها لا زالت في أيام الحيض فتنطبق عليها القاعدة الفرعية : ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين بخلاف السؤالين اللذين قبله حيث كان الانقطاع عن الدم انقطاعاً تاماً. والله أعلم.
    - كما أن القول الوسط الذي ذكره ابن قدامة في هذه المسألة من أن المرأة لا تلتفت إلى طهر ما دون اليوم لأن الدم يجري مرة وينقطع أخرى، وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة بعد ساعة حرج ينتفي بقوله سبحانه : " وما جعل عليكم في الدين من حرج"[33]، يمكن إرجاعه إلى القاعدة الفقهية الكبرى المشقة تجلب التيسير .
    قال العلماء : يتخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته.
    ومعناها الشرعي : أن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة.. فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج[34].
    رابعاً : مسألة حيض الحامل :
    - سئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : إذا تبين حمل المرأة، ثم رأت الدم على العادة، فهل يحكم بأنه حيض؟
    فأجاب : المرأة التي تبين أنها حامل ثم رأت الدم على العادة، فالخلاف مشهور، هل تحيض الحامل أم لا؟ فالمذهب – أي الحنبلي- أنها لا تحيض.. والرواية الثانية عن أحمد أنها قد تحيض وهي الصحيحة، وقد وجد ذلك كثيراً، فيكون هذا دم حيض، يثبت له جميع أحكام الحيض، وهذا الذي نختاره ، والله أعلم[35].
    - وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال التالي :
    أتحيض الحامل أو لا؟ لأني رأيت روايتين بقول عائشة رضي الله عنها أن الحامل لا تحيض" ، وفي رواية أخرى عن عائشة أيضاً بقولها : " إذا رأت الحامل الدم فلتدع الصلاة"[36]، فأي القولين أحسن؟
    فأجابت : اختلف الفقهاء في الحامل هل تحيض وهي حامل أم لا؟
    والصحيح من القولين : أنها لا تحيض أيام حملها، وذلك أن الله سبحانه جعل من أنواع عدة المطلقة أن تحيض ثلاث حيض ليتبين بذلك براءة رحمها من الحمل، ولو كانت الحامل تحيض ما صح أن يجعل الحيض عدة لإثبات براءة الرحم.
    - وسئلت كذلك عن امرأة حبلى يخرج منها دم وليس دم العادة، ومع هذا فهي تصلي وتصوم ، فهل هذا التصرف صحيح؟
    فأجابت : الدم الذي يخرج من المرأة الحامل دم فساد لا حيض .. إلى آخر الإجابة[37].
    ويلاحظ أن جواب الشيخ السعدي هو على القول الراجح، بينما جواب اللجنة الدائمة هو على مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب الحنابلة، وهو قول مرجوح – كما سبق -.
    وقد راجعت ما استطعت من قواعد الفقه الكبرى أو الكلية وكذلك الفرعية لأجد ما تتخرج عليه هذه المسالة ، فلم أجد أقرب من القاعدة التي سبق الاستدلال بها في أكثر مسائل طوارىء الحيض وهي القاعدة الكبرى العادة محكمة ذلك لأن تلك المرأة الحامل التي رأت الدم على العادة وبصفته المعتادة، فينبغي جعل تلك العادة محكمة أي حَكَماً لإثبات حكم الحيض الشرعي، وبخلافه لو رأت الدم على غير صفته المعتادة فإنه لا يقوى على إثبات هذا الحكم. والله أعلم.
    خاتمة البحث :
    الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات ، أحمده تعالى وأشكره أن بلغني ختام بحثي هذا الذي أسأله عز وجل أن ينفع به وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وقد تبين لي من خلال هذا البحث نتائج عدة أذكر أهمها :
    1- اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة : دم الحيض وهو الخارج على جهة الصحة، ودم الاستحاضة وهو الخارج على جهة المرض، وأنه غير دم الحيض، ودم نفاس وهو الخارج مع الولد.
    2- اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الحيض، لكنها في الغالب تتحدث عن ماهية الحيض ووقت حدوثه، وموضع خروجه ..وغير ذلك.
    والتعريف المختار هو تعريف الشربيني صاحب مغني المحتاج وهو أنه : دم جبلة يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة من غير سبب في أوقات معلومة.
    فتعريفه جامع مانع، فهو عرف دم الحيض بذكر سببه وموضع خروجه ووقته، ومنع دخول غيره فيه من الدماء كدم الاستحاضة والنفاس والنزيف بسبب المرض ونحوه.
    3- خلق الله عز وجل دم الحيض لحكمة تربية الولد، لذلك فإن الحامل لا تحيض في الغالب، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبناً يتغذى به الطفل، لذلك قلما تحيض المرضع.
    4- اختلف الفقهاء في تحديد أقل سن تحيض فيه المرأة، فمنهم من حده بتسع سنوات وهم الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة ومتأخري المالكية، ومنهم من حده بأقل من ذلك ومنهم من حدّه بأكثر، أما الإمام مالك فلم يجعل له حداً واختاره الدارمي من الشافعية وابن تيمية من الحنابلة وغيرهم وهو القول الراجح في نظري، وأن المرجع في ذلك إلى الوجود، فأي قدرٍ وجد في أي حال وسن كان، وجب جعله حيضاً.
    5- وبنحوه اختلفوا في تحديد السن الذي ينتهي فيه الحيض وهو المسمى بسن الإياس، فالجمهور منهم قالوا إن لانتهاء الحيض عند المرأة سناً معينة حدها أغلبهم بخمسين سنة، ومنهم بخمس وخمسين ومنهم إلى الستين، والقول الآخر أنه لا آخر لسن الحيض فهو ممكن ما دامت حية، وهو قول الشافعي ورواية عن أبي حنيفة واختاره بعض علماء المالكية وابن تيمية وغيرهم ، وهو القول الراجح وذلك لعدم وجود نص من الكتاب أو السنة يقتضي التحديد سواء في ابتدائه أو انتهائه، وأن المرجع في ذلك إلى الوجود.
    6- ذكر الأطباء أن وقت بلوغ الفتاة يختلف من أمةٍ إلى أخرى، وفي البلاد الحارة يكون البلوغ مبكراً أكثر منه في البلاد الباردة، كما أن ذلك يختلف نتيجة بعض العوامل الوراثية، فيختلف من شعب إلى آخر ولو كانوا يعيشون في نفس المنطقة، وأغلب وقوعه فيما بين الثانية عشرة والخامسة عشرة في البلاد الحارة، والرابعة عشرة والسادسة عشرة في البلاد الباردة .
    7- توجد حالياً محفزات كثيرة للبلوغ المبكر منها عامل تحسن التغذية، وإضافة المنكهات والمحسنات الغذائية ومنها هرمونات النمو للدواجن والحيوانات .. ونحو ذلك، ووجود المثيرات للغريزة الجنسية في القنوات الفضائية والتقنيات الحديثة، والتوسع في الاختلاط بين الجنسين .. وغيره ، وكل ذلك ساهم في تدني سن البلوغ فأصبح مبكراً عما كان عليه في السابق.
    8- يرى الأطباء أن للمرأة سناً يتوقف فيه الحيض وهو سن اليأس ، وهو غالباً ما يكون بين 45-55 عاماً ، ومن النادر أن يستمر الحيض بعدها.
    9- القول الراجح في مسألة عودة الدم للآيسة بعد انقطاعه عنها فترة، أنه دم حيض إذا كان على صفته المعهودة، أما إذا لم يكن كذلك فعليها مراجعة الأطباء، للتأكد من طبيعة هذا الدم لأنه يخشى أن يكون بسبب عارض صحي يهدد صحتها.
    10- اختلف الفقهاء في أقل مدة الحيض وأكثره ، هل لهما حد معين أم أنه لا حد لهما، فالشافعية والحنابلة على أن أقل مدة الحيض هي يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً، والحنفية على أن أقلة ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام ولياليها ، أما المالكية فقد قالوا إنه لا حد لأقله ، بل قد تكون الدفقة الواحدة عندهم حيضاً، واختلفت الروايات عن مالك في أكثره فالمشهور عنه أنه خمسة عشر يوماً، وفي رواية أنه لا حد لأكثره وهو اختيار ابن تيمية وهو القول الراجح في نظري، وقد فصلت في ذكر أدلة كل قول ومناقشتها وأسباب اختيار الراجح منها.
    11- من الطوارىء على الحيض تقدمه أو تأخره عن الموعد المعتاد، وبالتالي هل إذا حدث ذلك فإن هذا الدم يعد دم حيض ولو حدث ذلك مرة واحدة أم أنه لابد من تكرار هذا التقدم أو التأخر عن الموعد مرتين أو ثلاثًا على خلاف بينهم ، والصحيح أنه حيض بغير شرط التكرار.
    12- الفقهاء متفقون على أن المرأة إذا طرأ على حيضها نقصان عن الأيام المعتادة، بأن رأت الطهر قبل انقضاء المدة المعتادة أنها تعتبر طاهرة فتغتسل وتصلي .. وغير ذلك مما تفعله حال الطهارة. أما إذا زادت أيام الحيض عن المدة المعتادة فالفقهاء متفقون كذلك على أنه يعد دم حيض ما لم يجاوز أكثر مدة الحيض – على اختلاف بينهم في تحديدها - ، لكن الاختلاف بينهم هل يعد من الحيض بمجرد ثبوته مرة واحدة أم لابد من التكرار كاختلافهم في تقدم موعده أو تأخره، كما أنهم اختلفوا في بعض تفصيلات هذه المسألة، فحدث الاختلاف حتى بين أصحاب المذهب الواحد، وقد ذكرت كل ذلك في موضعه بإيجاز غير مخل، ورجحت أن الزيادة عن مدة الحيض المعتادة تعتبر حيضاً دون تفصيلات أو شروط.
    قال ابن تيمية : وكذلك المرأة المتنقلة إذا تغيرت عادتها بزيادة أو نقص أو انتقال فذلك حيض، حتى يعلم أنه استحاضة باستمرار الدم.
    13- من الطوارىء على الحيض خروج سوائل بغير لون الدم المعهود كالصفرة والكدرة والتربية أو الترية .. ونحو ذلك سواء في أول الحيض أو عند انقطاعه فهل تعد من الحيض؟ اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال منهم من قال إنها حيض في أيام الحيض وليست كذلك في غير أيام الحيض، ومنهم من قال إنها حيض مطلقاً، ومنهم من قال إنها ليست بحيض مطلقاً أي سواء في أيام الحيض أم في غيرها وهذا القول هو قول ابن حزم، وقيل إنه قول لدى المالكية في غير المشهور عندهم، وهو أحد الوجهين لدى ابن تيمية ، لكن الراجح هو قول أكثر الفقهاء أنها حيض في أيام الحيض، وفي غير أيام الحيض ليست كذلك، وقد استدلوا بأدلة قوية من السنة مع إمكان الرد على المخالفين.
    14- كذلك مما يعد من الطوارىء على الحيض ما يمكن أن تراه المرأة من أيام طهر أو نقاء تتخلل أيام حيضها، فتبقى معه المرأة في حيرة هل تعتبره طهراً فتغتسل وتفعل ما تفعله الطاهرات ، أم أنه يكون حيضاً ما دام أنه في وقت الحيض.
    مع العلم أن المقصود بالنقاء أن ينقطع جريان الدم فلا يبقى له أثر، وليس مجرد الفترة المعتادة بين دفعات الحيض ، لأن الدم يسيل تارة وينقطع أخرى.
    وقد اختلفوا فيه على قولين فمذهب المالكية والحنابلة وأحد قولي الشافعي : أنه يضم الدم إلى الدم فيكون حيضاً وما بينهما من النقاء يكون طهراً، وهذا ما يسمى بالتلفيق.
    والقول الآخر للحنفية والأظهر عند الشافعية أن النقاء يعتبر حيضاً وهو ما يسمى بالسحب. واختار ابن قدامة قولاً وسطاً وهو الراجح في نظري وهو أنه متى نقص انقطاع الدم عن اليوم فليس بطهر .. وقد بينت أسباب الترجيح في موضعه.
    15- في المبحث الخامس من الفصل الثاني تحدثت عن الدم الذي تراه الحامل، واعتبر ضمن الطوارىء على الحيض، ذلك لأنه من غير المعتاد أن تحيض الحامل، لأن النساء إنما يعرفن الحمل بانقطاع الحيض، لكن لو رأت الحامل الدم على الصفة المعهودة – رغم ندرة ذلك - فهل يعد دم حيض أم دم فساد؟ وقد أوضحت الخلاف في هذه المسألة وبينت القول الراجح فيها مع مناقشة أدلة القول المخالف.
    كما أنني رجعت في هذه المسألة لكثير من الكتب الطبية لمعرفة رأي الأطباء في هذه المسألة، وقد تبين أن نسبة حصول ذلك لدى الحوامل خلال الثلاثة الأشهر الأولى يصل إلى نصف في المائة، أي بحدود خمس نساء لكل ألفٍ منهن، وهي نسبة وإن كانت قليلة لكنه لا يستهان بها، وتدل على أن الحامل ممكن أن ترى الحيض في الأشهر الثلاثة الأولى خاصة، لكن رؤيته بعد ذلك قد تكون نادرة جداً لأن الجنين يكون قد ملأ تجويف الرحم بعد الشهر الثالث.
    16- وفي المبحث السادس تناولت أثر موانع الحمل ويلحق بها موانع الحيض على الحيض ومهدت له بذكر طرق موانع الحمل ثم الآثار الضارة للموانع التي تستخدم فيها المواد الكيميائية ومنها هرمون الأنوثة الاستروجين وهرمون الحمل البرجسترون ، فهي كثيراً ما تسبب النزف غير المنتظم، والاضطرابات الحيضية مما يشكل على المرأة أمر حيضها وتشكك في طهارتها ، وقد أوضحت ذلك من الناحية الفقهية بالرجوع لفتاوى علمائنا المعاصرين، ذلك لأن هذه الحبوب وآثارها تعد من النوازل فهي مما لم تعرف في السابق.
    17- نظراً لما ذكرته من أن بعض الطوارىء على الحيض هي بسبب أمور مستحدثة لم تعرف في السابق كموانع الحمل الكيميائية التي على شكل أقراص أو حقن أو باستخدام ما يعرف باللولب الرحمي. وغير ذلك مما يزيد من ظهور حالات أو وقائع تشكل على النساء معرفتها، وهذا يستدعي وضع قواعد تسير عليها وترجع إليها تلك الحالات كلما وقعت. وهذا ما فعلته في ختام ذكر الطوارىء على الحيض في المبحث السابع، وهو جهد المقل وما استطعت أن أتوصل إليه من خلال معايشتي لمسائل الحيض والطوارىء عليه.
    ومن تلك القواعد الفقهية : قاعدة العادة محكمة ، وقاعدة اليقين لا يزول بالشك، وقاعدة ما ثبت بقين لا يرتفع إلا بيقين، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
    هذا وأسأل الله تعالى ان أكون قد وفقت للصواب.
    والحمد لله في الأولى وفي الآخرة
    *****

    * الدكتورة ناهدة عطا الله الشمروخ أستاذة الفقه المشارك في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض.





    [1] وقيل : ويقدر أن ما لا يقل عن 200 مليون امرأة قد استعملن هذه الحبوب في أرجاء العالم منذ أن صنعت – طب النساء – ص72.

    [2] وجاء في كتاب طب النساء ص78: ويقدر عدد النساء اللواتي يستخدمن هذه الطريقة لمنع الحمل بخمسين مليون امرأة في العالم.

    [3] انظر : خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص477 وما بعدها، طب النساء – ص71 ما بعدها ، الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء في الفقه الإسلامي/ د. محمد منصور – ص128 .

    [4] انظر : المراجع السابقة عدا الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء.

    [5] طب النساء – ص77 .

    [6] خلق الإنسان – ص490 .

    [7] خلق الإنسان – ص479 .

    [8] ص78 .

    [9] فحبوب منع الحيض أيضاً تتكون من مواد كيميائية مثل بريملوت ن فهي تتكون من هرمون البرجسترون. انظر : الموقع الالكتروني http://www.alriyadh.com – موضوع : العيادة النسائية.

    [10] فتاوى الحيض والاستحاضة والنفاس – ص28 .

    [11] المرجع السابق – ص52، سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/ 19 .

    [12] فتاوى الحيض والاستحاضة والنفاس/ جمع : أشرف بن عبد المقصود ص82، ص91، ص118 .

    [13] المرجع السابق – ص54 .

    [14] بداية المجتهد 1/ 52 .

    [15] فتاوي الحيض والاستحاضة والنفاس –ص23، سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/ 17 .

    [16] البقرة : 222 .

    [17] فتاوى الحيض والاستحاصة والنفاس – ص25 ، ص23 .

    [18] ومعنى القاعدة في اللغة : إن العادة هي المرجع للفصل عند التنازع ، وأما معناها في الاصطلاح الفقهي فهو : " إن العادة تجعل حَكَمًا لإثبات حكم شرعي" . انظر : الوجيز / د. محمد البورنو – ص215 ، ص 217.

    [19] ص94 .

    [20] الاشباه والنظائر – ص90 .

    [21] سبق تخريجه.

    [22] سبق تخريجه.

    [23] فتاوى الحيض والاستحاصة والنفاس ص 27- ص29 .

    [24] المرجع السابق : ص29 ، ص31 .

    [25] ومعناها في الإصطلاح الفقهي : أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً. الوجيز/ د. البورنو –ص105، وانظر تطبيقات هذه القاعدة وفروعها في أشباه السيوطي –ص50 وما بعدها، اشباه ابن نجيم – ص56 وما بعدها.

    [26] واستدل بهذه القاعدة أيضاً في مسائل الحيض لكن في غير هذه المسألة السرخسي في المبسوط 3/179، والشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق 1/168 .

    [27] الشرح الممتع 1/ 434 .

    [28] ص298 .

    [29] فتاوى الحيض والاستحاضة والنفاس – ص24 .

    [30] انظر : مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز 2/119 .

    [31] سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/ 19 .

    [32] الأشباه والنظائر – ص90 .

    [33] الحج : 78

    [34] انظر : أشباه السيوطي – ص76، أشباه ابن نجيم –ص75، الوجيز – ص157 .

    [35] فتاوى الحيض والاستحاضة والنفاس – ص32 .

    [36] سبق تخريجها.

    [37] فتاوى الحيض والاستحاضة والنفاس – ص32، ص 33، سلسلة فتاوى علماء البلد الحرام 9/18 .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •