للأذان مكانة جليلة، وله فضائل كثيرة قرَّرَتْها الشريعة الإسلامية، فمنها: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ، وَلَا إِنْسٌ، وَلَا شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَـة)) [1]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الْمُؤَذِّنُون َ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَة)) [2].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّـهُمَّ ارْشِدْ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِين َ)) [3].
ولمعرفة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بمكانة الأذان وفضله، فقد كانوا يتمنون تأديته؛ للحصول على ثوابه العظيم، فهذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذَّنْت"[4].
ومن فضل الله تعالى وكرمه أنْ جعل لمن يُردِّد الأذان مع المؤذِّن الأجر العظيم، فقد جاء في الحديث عـن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ)) [5].
قال المناوي رحمه الله في فيض القدير: "أي: فله أجر كما للمؤذن أجر، ولا يلزم منه تساويهما في الكم والكيف"[6].
ويؤكد فضل المؤذن وثواب مَنْ يُردِّد معه ما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال ينادي، فلمَّا سكت، قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ مِثْلَ هَذَا يَقِينًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) [7].
ومن فضائل الأذان أيضًا أنه طارد للشيطان، فقد جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ، فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ)) [8].
ومن أعظم فضائل الأذان؛ أنه من أسباب حصول شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّـتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [9].
والمتأمِّل لعبارة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث سالف الإشارة: ((اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ)) يجد أنها عبارة ذات مدلول دعوي وتربوي عظيم.
قال ابن رجب رحمه الله:
"والمراد بالدعوة التامة: دعوة الأذان؛ فإنها دعاء إلى أشرف العبادات، والقيام في مقام القرب والمناجاة؛ فلذلك كانت دعوة تامة؛ أي: كاملة لا نقص فيها، بخلاف ما كانت دعوات أهـل الجاهلية: إما في استنصار عـلى عدوٍّ، أو إلى نعي ميت، أو إلى طعـام، ونحو ذلك مما هو ظاهره النقص والعيب" [10].
وقال السندي رحمه الله: "سُمِّيت تامة لكمالها وعظم موقعها، وقال ابن التين: لأن فيها أتم القول، وهو: لا إله إلا الله "[11].
إن الأذان في حقيقته باب عظيم للدعوة إلى الله تعالى، لو تعرفنا على كيفية استثماره، ولعل مما يُعين على أن يكون الأذان دعوة تامة، ويحقق مقاصد الشريعة منه؛ أن يكون المؤدي له حَسَن الأداء، وجميل الصوت؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن زيد رضي الله عنه: ((فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَـا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)) [12].
قال النووي رحمه الله معناه: أرفع صوتًا، وقيل: أطيب، فيؤخذ منه استحباب كون المؤذن رفيع الصوت وَحَسَنَه، وهذا متفق عليه [13].
______________
[1] صحيح البخاري، باب: رفع الصوت بالنداء، حديث رقم: 574، والنسائي، باب: رفع الصوت بالنداء، حديث رقم: 640، وموطأ مالك، باب: ما جاء في النداء للصلاة، حديث رقم: 138.
[2] صحيح مسلم، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، حديث رقم: 580، وسنن ابن ماجه، فضل الأذان وثواب المؤذنين، حديث رقم: 717، ومسند أحمد، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه، حديث رقم: 12268.
[3] سنن أبي داود، باب: ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، حديث رقم: 434، وسنن الترمذي، باب: ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، حديث رقم: 191.
[4] مصنف ابن أبي شيبة، حديث رقم: 12، الجزء الأول، ص: 255، والسنن الكبرى؛ للبيهقي، باب: الترغيب في الأذان، ص 433.
[5] المعجم الكبير؛ للطبراني، حديث رقم: 16159، الجزء الرابع عشر، ص 365.
[6] المناوي؛ فيض القدير، الجزء السادس، ص 200.
[7] النسائي في السنن، باب: ثواب سمـاع الأذان، حديث رقم: 668، الجزء الثالث، ص 63، وحسَّنه الألباني في تعليقه.
[8] صحيح مسلم، باب: فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه، حديث رقم: 582.
[9] صحيح البخاري، باب: الدعاء عند النداء، حديث رقم 579.
[10] ابن رجب؛ فتح الباري، كتاب: الصلاة، الجزء الرابع، ص 214.
[11] السندي؛ شرح سنن النسائي، باب: الدعاء عند الأذان، الجزء الأول، ص 471.
[12] سنن أبي داود؛ باب: كتاب الأذان، حديث رقم: 421، الجزء الثاني، ص93، وصحَّحه الألباني في تعليقه.
[13] النووي؛ شرح مسلم، باب: بدء الأذان، حديث رقم: 568، الجزء الثاني، ص 100.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/133197/#ixzz5hxUHByEx