من شرحي على ((بداية المتفقه)):
قوله: (دِيَةُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ - وَلَوْ طِفْلًا - مِئَةُ بَعِيرٍ)
: لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا: مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا»([1]).
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الرَّجُلِ مِئَةٌ مِنَ الْإِبِلِ»اهـ([2]).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ فِي النَّفْسِ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ مِئَةٌ مِنَ الْإِبِلِ»([3]).
قوله: (دِيَةُ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ نِصْفُ ذَلِكَ): وقد ورد في ذلك حديث مرفوع عن النبي ﷺ، وهو ضعيف، ووردت آثار صحيحة عن الصحابة، وهو أمر أجمع عليه العلماء.
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعُوا أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ»اهـ([4]).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ»اهـ([5]).
قوله: (دِيَةُ الْكِتَابِيِّ الْحُرِّ نِصْفُ دِيةِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ): لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهَدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ»([6]).
قوله: (دِيَةُ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحُرَّةِ): قال ابن قدامة رحمه الله: «فَأَمَّا دِيَاتُ نِسَائِهِمْ، فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ.
وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ دِيَةُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ، كَذَلِكَ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ»اهـ([7]).
قوله: (دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ وَالْكَافِرِ ثَمَانِ مِئَةِ دِرْهَمٍ): قال ابن قدامة رحمه الله: «وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَقَلَّ مَا اخْتُلِفَ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ﭬ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: دِيَتُهُ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ كَدِيَةِ الْكِتَابِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ».
وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: دِيَتُهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حُرٌّ مَعْصُومٌ، فَأَشْبَهَ الْمُسْلِمَ.
وَلَنَا قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَقَوْلُهُ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ»؛ يَعْنِي: فِي أَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ لَا تَحِلُّ لَنَا»اهـ([8]).
قوله: (دِيَةُ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْكَافِرَةِ نِصْفُ ذَلِكَ): قال ابن قدامة رحمه الله: «وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ بِإِجْمَاعٍ»اهـ([9]).
قوله: (دِيَةُ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ): قال ابن قدامة رحمه الله: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ فِي الْعَبْدِ الَّذِي لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ قِيمَتَهُ، وَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ أَوْ زَادَتْ عَلَيْهَا، فَذَهَبَ أَحْمَدُ رحمه الله إلَى أَنَّ فِيهِ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ بَلَغَتْ دِيَاتٍ»اهـ([10]).
قوله: (دِيَةُ الْجَنِينِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ): سواء كانت مسلمة، أو كتابية، أو كافرة؛ فدية جنينها عُشر ديتها؛ ذكرًا كان الجنين أو أنثى.
فإن كانت أمه حرة مسلمة؛ فديتها خمسون من الإبل، وعشرها خمس من الإبل.
وإن كانت كتابية؛ فديتها خمس وعشرون من الإبل، وعشرها بعيران ونصف، والنصف يقدَّر بالقيمة.
وإن كانت كافرة من غير الكتابين؛ فديتها أربع مئة، وعشرها أربعون درهمًا.
لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، فَقَالَ وَلِيُّ المَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ [حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ]: كَيْفَ أَغْرَمُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ([11])، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهَّانِ»؛ [مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ]([12]).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «وَالْغُرَّةُ هِيَ الْعَبْدُ أَوِ الْأَمَةُ الَّتِي قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ.
وَاعْتَبَرَ الْعُلَمَاءُ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْغُرَّةَ قَدْ تَزِيدُ وَقَدْ تَنْقُصُ؛ لَا سِيَّمَا وَأَنَّ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: «عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ» شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَأَنَّ الْغُرَّةَ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْعَبِيدِ؛ بَلْ كُلُّ مَا يَرْغَبُ فِيهِ مِنَ الْمَالِ فَهُوَ غُرَّةٌ؛ لِأَنَّ غُرَّةَ الشَّيْءِ مُقَدَّمُهُ؛ كَغُرَّةِ الشَّهْرِ مَثَلًا، وَغُرَّةِ الْإِنْسَانِ لِوَجْهِهِ»اهـ([13]).
هذا إن نزل من بطنها ميتًا، أو نزل حيًّا، ولكن ليست فيه حياة مستقرة، وأما نزل حيًّا وفيه حياة مستقرة؛ كأن يتحرك بقوة، ففيه دية كاملة، حتى ولو مات بعدها مباشرة.
وإن تعددت الأجنة، ففي كل جنين غرة.
قال ابن المنذر رحمه الله: «وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فِي الْجَنِينِ غُرَّةٌ.
وَأَجْمَعُوا - إِذْ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا - أَنَّ فِي جَنِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِي َّةِ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا طَرَحَتْ أَجِنَّةً مِنْ ضَرْبَةٍ ضُرِبَتْهَا، فَفِي كُلِّ جَنِينٍ غُرَّةٌ»اهـ([14]).


[1])) أخرجه أحمد (13220)، وأبو داود (4588)، والنسائي (4791)، وابن ماجه (2627)، وصححه الألباني في «الإرواء» (2197).

[2])) «الإجماع» (ص164).

[3])) «الاستذكار» (25/ 37).

[4])) «الإجماع» (ص164)، و«الإشراف على مذاهب العلماء» (7/ 395).

[5])) «الاستذكار» (25/ 63).

[6])) أخرجه أحمد (6692)، وأبو داود (4583)، والترمذي (1413)، والنسائي (4806)، وابن ماجه (2644)، وغيرهم، مع اختلاف في اللفظ، وحسنه الألباني في «الإرواء» (2251).

[7])) «المغني» (12/ 53).

[8])) «المغني» (12/ 55).

[9])) «المغني» (12/ 55).

[10])) «المغني» (11/ 505).

[11])) (يطل): يهدر، ولا يطالَب بديته.

[12])) متفق عليه: أخرجه البخاري (5758)، ومسلم (1681).

[13])) «الشرح الممتع» (14/ 136).

[14])) «الإجماع» (ص171).