الأحبة هم الأحبة



يسرى الخطيب

هل غضبت من أحبائك ذات مرة وبشدة.. فانسكب في نفسك شيء من النفور، وامتلأ قلبك بمشاعر سلبية تجاههم؟ فتنقلب حياتك في لحظات الخصام مع أحبتك، وما اعتقدته سحابة صيف يتحول إلى غيوم سوداء ملبدة ، وبرق ورعد وصواعق، وعواصف ووحل ! وتتحول أنت بعدها إلى شخص آخر، جاف الطباع، تختار أقسى الكلمات وأخشنها، تتحدث باقتضاب، وترد بقسوة، ويصبح الجو مشحوناً ملغوماً، أي شيء يستفزك، أي موقف يدفع بحنجرتك لتعمل بأعلى كفاءة ليمتلئ البيت صراخاً، وتتجمع كل تقاطيع وجهك المنبسطة في عقدة مخيفة تحتل كل الجبين !!

وأنت إذ تتأمل نفسك، تنبهر بما يحدث، فأنت لست بهذه القسوة ولا تلك العصبية، وتتساءل: كيف تبرد مشاعرك الدافئة؟ وكيف يغتال الصراخ عذوبة حديثك؟ وكيف تقف الكلمات الحنونة الجميلة على أطراف شفتيك تتسلل إلى الداخل كلما هَممت بتلفظها؟!
ألا تختلط عليك مشاعرك حينها، وتتساءل: كيف يتوارى الحب فجأة ليختبئ خلف هذا الجبل الهائل من الغضب؟ ما الذي يعكر صفو نهر الحب الجاري بين الأحبة بهذه الصورة وبهذا القدر؟!
ألا تنتظر ما ينعش فؤادك، كلمة، لفتة، عتاب، فلا تجد سوى دموعك مطراً ينهمر لتنبت كل الأوجاع! فتصاب بالخيبة والكآبة، وتتمنى أن لا تطول لحظات الخصام، وتتمنى أن يعطيك حبيبك إشارة ولو صغيرة لتلقي بحمول فؤادك المضنية عند أعتاب قلبه، لتكتشف حينها أن الذي أتعبك هو ليس المشاكل بذاتها واختلاف وجهات النظر، إنما البعد وطول فترة الخصام. فالحياة من غير أحبتنا جافة فمن يهزم الخوف والكآبة والألم والوحدة؟ من يفعل ذلك غير الأحبة؟
وطالما الأمر كذلك، فلماذا نطيل لحظات الخصام، فنجعلها تأكل جهدنا، ووقتنا، وعمرنا، وحبنا؟ لماذا ندع الغضب يحرق فرحتنا وأعصابنا؟
نعم، نحن نتخاصم مع أحبتنا، مع أزواجنا، وأولادنا ، وإخواننا وأصدقائنا، لكن كيف نتعامل مع هذا الخصام؟ ألا نبالغ في تعقيده شيئاً فشيئاً حتى يستعصي الحل؟! لماذا لا نعطيه حجمه الحقيقي من جهدنا ووقتنا؟! لماذا لا نسعى للصلح؟
عندما نعيش حلاوة الصلح، تتقزّم مرارة الخصام في نفوسنا. ومَن غير الأحبة نعيش معهم حلاوة القرب؟ فما أتعسنا بخصامكم أيها الأحبة، وما أجمل الصلح بعد الخصام !!