من كتابي ((الإبداع في شرح الإقناع)) يسر الله إتمامه:
في المذهب الحنبلي يحرم دخول الخلاء بالمصحف، إلا لحاجة؛ كأن يخاف سرقته.
قال المرداوي رحمه الله: «أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعًا، ولا يتوقف في هذا عاقل»اهـ([1]).
وهو موافق لمذهب المالكية.
قال الخرشي رحمه الله: «يجب تنحية كامل مصحف، ولو مستورًا، حال نزول خبث واستبراء، وبعدهما وقبلهما، ومن المحرَّم أيضًا ما إذا أحدث بموضع ليس معدًّا لقضاء الحاجة، فلما تم حاجته أراد القراءة؛ وهذا ما لم تدعُ ضرورة من ارتياع أو خوف ضياع، فيجوز.
ويُكره الدخول في محل الخلاء بشيء فيه قرآن أو ذِكْر غير مستور، ما لم تدع إلى ذلك ضرورة، كما تقدم، ولو غير مستور، ويجوز التحرز ببعض قرآن مستورًا، لا بجميعه»اهـ([2]).
وذهب الشافعية إلى الكراهة فقط.
قال النووي رحمه الله: «واستصحاب ما عليه ذكر الله تعالى في الخلاء مكروه، لا حرام»اهـ([3]).
قال القليوبي رحمه الله: «قوله: (مكروه)؛ ولو نحو مصحف، وإن حرم من حيث الحدث، وعليه يُحمل كلام الأذرعي بالحرمة»اهـ([4]).
وظاهر مذهب الحنفية القول بالكراهة أيضًا.
فقد جاء في «مجمع الأنهار»: «ولا يدخل فيه وفي كمه مصحف، إلا إذا اضطر»([5]).
وجاء في «حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح»: «الأفضل أن لا يدخل الخلاء وفي كمه مصحف، إلا إذا اضطر، ونرجو أن لا يأثم بلا اضطرار»اهـ([6]).
قلت: ودليل من قال بالتحريم أو الكراهة أن المصحف فيه كلام الله تعالى، ودخول الخلاء به فيه نوع من الإهانة.


[1])) «الإنصاف» (1/ 190).

[2])) «شرح مختصر خليل» (1/ 145)، ط دار الفكر للطباعة، بيروت.

[3])) «روضة الطالبين» (1/ 66)، ط المكتب الإسلامي.

[4])) «حاشيتا قليوبي وعميرة على منهاج الطالبين» (1/ 43)، ط دار الفكر، بيروت.

[5])) «مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر» (1/ 67)، ط دار إحياء التراث العربي.

[6])) «حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح» (ص54)، ط دار الكتب العلمية، بيروت.