بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله و على صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُروحوا القلوب تعي الذكر
فوائد الملح و النوادر و الطرائف
قال ابن الجوزي:
وبعد فإني لما شرعت في جمع أخبار الأذكياء وذكرت بعض المنقول عنهم ليكون مثالاً يحتذى لأن أخبار الشجعان تعلم الشجاعة آثرت أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين لثلاثة أشياء.
الأول: أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وهب له مما حرمون فحثه ذلك على الشكر.
عن الحسن أنه قال: خلق الله عز وجل آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى وأخرج أهل النار من صفحته فخرجت يوماً فأتيت أهلي فضحكت معهم فوقع في نفسي شيء فلقيت أبا بكر فقلت: إني قد نافقت قال: وما ذاك قلت: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الجنة والنار فكنا كأن رأينا رأي عين فأتيت أهلي فضحكت معهم.
فقال أبو بكر: إنا لنفعل ذلك.
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: " يا حنظلة لو كنتم عند أهليكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطريق يا حنظلة ساعة وساعة ".
وقال علي بن أبي طالب: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان.
وقال أيضاً: إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً.
وعن أسامة بن زيد قال: روحوا القلوب تعي الذكر.
وعن الحسن قال: إن هذه القلوب تحيى وتموت فإذا حييت فاحملوها على النافلة وإذا ماتت فاحملوها على الفريضة.
وعن الزهري قال: كان رجل يجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثهم فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث قال: " إن الأذن مجاجة وإن القلوب حمضة فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم ".
وقال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض الباطل كراهية أن أحمل عليها من الحق ما يكلها.
وعن محمد بن إسحاق قال: كان ابن عباس إذا جلس مع أصحابه حدثهم ساعة ثم قال حمضونا فيأخذ في أحاديث العرب ثم يعود يفعل ذلك مراراً.
وعن الزهري أنه كان يقول لأصحابه: هاتوا من أشعاركم هاتوا من حديثكم فإن الأذن مجة والقلب حمض.
وقال ابن إسحاق: كان الزهري يحدث ثم يقول: هاتوا من ظرفكم هاتوا من أشعاركم أفيضوا في بعض ما يخفف عليكم وتأنس به طباعكم فإن الأذن مجاجة والقلب ذو تقلب.
وعن مالك بن دينار قال: كان الرجل ممن كان قبلكم إذا ثقل عليه الحديث قال: إن الأذن مجاجة والقلب حمض فهاتوا من طرف الأخبار.
عن ابن زيد قال: قال لي أبي: إن كان عطاء بن يسار ليحدثنا أنا وأبا حازم حتى يبكينا ثم يحدثنا حتى يضحكنا ثم يقول: مرة هكذا ومرة هكذا.
قال ابن الجوزي: وما زال العلماء والأفاضل يعجبهم الملح ويهشون لها لأنها تجم النفس وتريح القلب من كد الفكر.
ووصف رجل من النساك عند عبيد الله ابن عائشة فقالوا: هو جد كله فقال لقد أضاق على نفسه المرعى وقصر طول النهى ولو فككها بالإنتقال من حال إلى حال لنفس عنها ضيق العقدة وراجع الجد بنشاط و حدة.
وعن الأصمعي قال سمعت الرشيد يقول: النوادر تشحذ الأذهان وتفتق الآذان.
وعن حماد بن سلمة أنه كان يقول: لا يحب الملح إلا ذكران الرجال ولا يكرهها إلا مؤنثهم.
الإضحاك المحرم والإضحاك المباح:
فإن قال قائل: ذكر حكايات الحمقى والمغفلين يوجب الضحك وقد رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليتكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها أبعد من الثريا "
فالجواب: إنه محمول على أنه يضحكهم بالكذب وقد روي هذا في الحديث مفسراً: " ويل للذي يحدث الناس فيكذب ليضحك الناس ".
وقد يجوز للإنسان أن يقصد إضحاك الشخص في بعض الأوقات ففي أفراد مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لأكلمن رسول الله لعله يضحك قال: قلت: لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة فوجأت عنقها.
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما يكره للرجل أن يجعل عادته إضحاك الناس لأن الضحك لا يذم قليله فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو نواجذه وإنه يكره كثيره لما روي عنه عليه السلام أنه قال: " كثرة الضحك تميت القلب ".
والإرتياح إلى مثل هذه الأشياء في بعض الأوقات كالملح في القدر
============================== ========
لص فقيه مالكي سني
روي عن يموت ، عن المبرد ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن المعدل البصري ، قَالَ : كنت جالسا عند عَبْد الملك بْن عَبْد العزيز الماجشون ، فجاءه بعض جلسائه ، فَقَالَ : يا أَبَا مروان أعجوبة ، قَالَ : وما هي ؟ قَالَ : خرجت إلى حائطي بالغابة، فلما أن صحرت وبعدت عن البيوت بيوت المدينة ، تعرض إليّ رجل ، فَقَالَ : أخلع ثيابك
قلت : وما يدعوني إلى خلع ثيابي ؟
قَالَ : أنا أولى بها منك
قلت : ومن أين ؟
قَالَ : لأني أخوك وأنا عريان ، وأنت مكسي
قلت : فالمواساة
قَالَ : كلا قد لبستها برهة ، وأنا أريد أن ألبسها كما لبستها
قلت : فتعريي وتبدي عورتي
قَالَ : لا بأس بذلك ، قد روينا ، عن مالك ، أنه قَالَ : لا بأس للرجل أن يغتسل عريانا
قلت : فليقاني يعني الناس فيرون عورتي
قَالَ : لو كان الناس يلقونك فِي هذه الطريق ما عرضت لك فيها
قَالَ : فقلت : أراك طريقا فدعني حتى أمضي إلى حائطي وأنزع هذه الثياب فأوجه بها إليك
قَالَ : كلا ، أردت أن توجه إليّ أربعة من عبيدك فيقيموا عليّ ويحملوني إلى السلطان فيحبسني ويمزق جلدي ، ويطرح فِي رجلي القيد
قلت : كلا ، أحلف أيمانا أفي لك بما وعدتك ولا أسوءك
قَالَ : لا إنا روينا عن مالك ، أنه قَالَ : لا تلزم الأيمان التي يحلف بها اللصوص
قلت : فأحلف أن لا أحتال فِي إيماني هذه
قَالَ : هذه يمين مركبة عَلَى أيمان اللصوص
قلت : فدع المناظرة بيننا ، فواللَّه لأوجهن لك بهذه الثياب طيبة بها نفسي
فأطرق ثم رفع رأسه ، وَقَالَ : تدري فيما فكرت ؟
قلت : لا
قَالَ : تصفحت أمر اللصوص فِي عهد رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى وقتنا هَذَا فلم أجد لصا أخذ بنسيئة ، وأكره أن أبتدع فِي الإسلام بدعة يكون عليّ وزرها ، ووزر من عمل بها بعدي إلى يوم القيامة ، اخلع ثيابك ، قَالَ : فخلعتها ، ودفعتها إليه فأخذها وأنصرف .
ذيل تاريخ بغداد/ لابن النجار