إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار، أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.
إخواني في دين الله؛ الاستغفار يمنع العذاب العامَّ للأمة، فإذا كان أفرادها يكثرون من الاستغفار، فلن تُستأصل هذه الأمة، ولن تهلِكَ ولن يذهبَ ريحُها إذا وُجدَ فيها واحدٌ من أمرين:
الأول: وجودُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بينها، فوجوده منع الهلاك العامِّ للأمة في عصره.
الثاني: ما بعده صلى الله عليه وسلم؛ يمنع الهلاك العام، ويمنع الاستئصال وهو استغفارُ أفرادها، قال سبحانه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].
بل كثرة ذكر الله بالتوبة والاستغفار، تجلبُ الغيث والأرزاق والأمطار، وبالتوبة والاستغفار؛ يكون المدد بالأموال والأولاد والبساتين والأنهار والثمار، قال سبحانه عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه ما أوحي إليه ربه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ [نوح: 10- 14].
إنَّ التوبةَ من الذنوب والخطايا والسيئات؛ أن يعترف بذنبه، ويندمَ على ما فرّط في جنب الله، ويستغفرَ الله، فيتوب الله سبحانه وتعالى عليه، ويغفر له، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَة، إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الذَّنْبِ: النَّدَمُ وَالاسْتِغْفَار ُ". (حم) (26322)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1433)، الصَّحِيحَة: (1208).
وفي رواية: "فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ". (خ) (2518).
وفي رواية: "فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ اللهَ، غَفَرَ اللهُ لَهُ". (حم) (624)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يغشاه مَا يَغْشَاهُ مِنْ السَّهْوِ الَّذِي لَا يَخْلُو مِنْهُ الْبَشَرِ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ أَبَدًا كَانَ مَشْغُولًا بِاللهِ سبحانه وتَعَالَى، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ وَقْتاً مَا عَارِضٌ بَشَرِيٌّ يَشْغَلُهُ عَنْ أُمُور الْأُمَّةِ وَالْمِلَّة وَمَصَالِحهمَا، عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا وَتَقْصِيرًا، فَيَفْرُغُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ . عون المعبود (3/ 440).
وهذا السهو عن الذكر يسمى الغَين، فَعَنْ الْأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ". (م) 41- (2702)، (د) (1515)، (خ) (5948)، (جة) (3815).
وفي رواية: "حَتَّى أَسْتَغْفِرَ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ". (حم) (17882)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
وعَنْ الْأَغَرِّ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ وَأَسْتَغْفِرُه ُ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ". (حم) (18319)، (م) 42- (2702)، (حب) (929)، الصحيحة: (1452).
فأكثر أخي المؤمن! من الاستغفار اقتداءً بنبي الله المصطفى المختار صلى الله عليه وسلم، عَنْ أبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ جُلُوسٌ)، فَقَالَ: ("مَا أَصْبَحْتُ غَدَاةً قَطُّ، إِلَّا اسْتَغْفَرْتُ اللهَ فِيهَا مِائَةَ مَرَّةٍ"). (ش) (35075)، (ن) (10275)، صَحِيح الْجَامِع: (5534)، الصَّحِيحَة: (1600).
أخي في دين الله! لا تيأس من الاستغفار، ولا تملّ من التوبة، فالاستغفار والتوبة حسناتٌ تمُحَى بها السيئات، وتزال بها الخطايا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ")؛ ("صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ") -من السيئات- ("زَادَتْ")؛ -النكتة السوداء- ("حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ")، ("فَذَلِكَ هُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عز وجل فِي كِتَابِهِ: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾"). (المطففين: 14)، (ت) (3334)، (جة) (4244)، (حم) (7939)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1670)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1620).
ومن أدعية الاستغفار؛ أدعيةٌ قليلةُ الكلمات، عظيمةُ الأجر، كثيرةُ الثواب، عَنْ أَبِي يَسَارٍ زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ". (ت) (3577)، (د) (1517).
وفي رواية: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؛ ثَلَاثًا، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ". (ك) (2550)، (طب) (ج9 ص103 ح8541)، انظر الصَّحِيحَة: (2727).
والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينْسَ أمته من الاستغفار لها، كيف؟ وقد أمره الله سبحانه وتعالى بذلك: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].
إنه صلّى الله عليه وسلم يذكر أمته في كلّ صلاة فيستغفر لها، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله -تعالى- عنها قَالَتْ: (لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم طِيبَ نَفْسٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ لِي)، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ"، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- حَتَّى سَقَطَ رَأسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟"، فَقَالَتْ: (وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ؟!) فَقَالَ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "وَاللهِ! إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ". (حب) (7111)، (ك) (6738)، انظر الصَّحِيحَة: (2254).
فلا تنس أخي المؤمن، أخي الحبيب، لا تنس إخوانك المؤمنين، لا تنسهم من أن تستغفر لهم، مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، استغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولا تستثن أحدا منهم، إياك أن تقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ إلا فلانا وفلانة!
بل ادع للجميع، فربما من استثنيتهم أحوجُ إلى الاستغفار من غيرهم، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً". (مسند الشاميين للطبراني) (2155)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (6026)، رأيت يا عبد الله! استغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا استثنيت؛ خصم عليك من الحسنات بقدر ما استثنيت.
قال شيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى: [التَّوْبَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ، وَالْحَسَنَاتُ كُلُّهَا مَشْرُوطٌ فِيهَا الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ، وَمُوَافَقَةُ أَمْرِهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالِاسْتِغْفَا رُ مِنْ أَكْبَرِ الْحَسَنَاتِ وَبَابُهُ وَاسِعٌ.
فَمَنْ أَحَسَّ بِتَقْصِيرِ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَمَلِهِ، أَوْ حَالِهِ أَوْ رِزْقِهِ، أَوْ تَقَلُّبِ قَلْب؛ فَعَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ -أي: قول لا إله الله- وَالِاسْتِغْفَا رِ، فَفِيهِمَا الشِّفَاءُ إذَا كَانَا بِصِدْقِ وَإِخْلَاصٍ.
وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ الْعَبْدُ تَقْصِيرًا فِي حُقُوقِ الْقَرَابَةِ وَالْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ، وَالْجِيرَانِ وَالْإِخْوَانِ؛ فَعَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالِاسْتِغْفَا رِ...]. مجموع الفتاوى (11/ 698).
ولو أنَّ كلَّ عمل عمِلته؛ سواء أكان طاعة أم عبادة، عملَ دنيا أو دين ختمته بالاستغفار؛ كان أرجى لقبوله إن كان عبادة.
ومضاعفة بركته إن كان من الأعمال الدنيوية.
أو مغفرة وصفحا وعفوا عن تقصير، إن كان عن ذنب أو غير ذلك، نحو قولك عندما تخرج من قضاء الحاجة، تقول: "غفرانك" عند الخروج من الخلاء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وَلِهَذَا شُرع الاسْتِغْفَار فِي خَوَاتِيم الْأَعْمَال، قَالَ -سبحانه وتَعَالَى- في سورة (آل عمرَان): ﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾، قَالَ بَعضهم: (أحْيَوُا اللَّيْل بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا كَانَ وَقت السحر؛ أمروا بالاستغفار)،
وَفِي -الحديث- الصَّحِيح: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا انْصَرف من صلَاته اسْتغْفر ثَلَاثًا)، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام، ومنك السَّلَام، تَبَارَكت يَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام".
وَقَالَ -سبحانه و- تَعَالَى في (سورة الْبَقَرَة) -في كلام الله عن الحج-: ﴿ فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام... ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿... وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم ﴾.
وَقد أَمر الله نبيه بعد أَن بلَّغ الرسَالَة، وجاهد فِي الله حقَّ جهاده، وأتى بِمَا أَمر الله بِهِ؛ مِمَّا لم يصل إِلَيْهِ غَيره، فَقَالَ: ﴿ إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح * ورَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا * فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، وَلِهَذَا كَانَ قِوام الدّين بِالتَّوْحِيدِ وَالِاسْتِغْفَا ر]. التحفة العراقية لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص: 79).
وأنا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الآخرة:
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
إخواني وأحبابي في الله وفي دين الله، فلنحذر الشياطين عامة، والشيطان الأكبر إبليس؛ لأنه لم يهدأ له بال إلى الممات يريد إغوائنا بالسيئات، فلنحذر من إغواء إبليس لنا بالمعاصي والذنوب، فإن وقعنا في ذنب أتبعناه مباشرة بتوبة واستغفار فـإن الله غفور رحيم، فهذه محاورة بين الله عز وجل مع إبليس، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لِرَبِّهِ: بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ، لَا أَبْرَحُ أُغْوِي بَنِي آدَمَ مَا دَامَتْ الْأَرْوَاحُ فِيهِمْ، فَقَالَ اللهُ: فَبِعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَا أَبْرَحُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي ". (حم) (11262), (ك) (7761)، صَحِيح الْجَامِع: (1650)، والصحيحة: (104).
أيها المستغفرون الله كثيراً والمستغفرات! ستجدون غِبَّ ونتيجة هذا الاستغفار عند الوفاة وبعد الممات، ستجدون كم أنتم محظوظون في الموقف وعلى الصراط، وعند النجاة من النيران ودخول الجنات، يا من فعلتم فاحشةً أو ظلمتم أنفسكم في دنياكم بالليل وفي ضوء النهار، فندمتم وتبتم واستغفرتم لذنوبكم دون إصرار، فأبشروا بالمغفرة والجنات والأنهار، والنجاة من النار ومن غضب الجبار، فقد قال العزيز الغفار سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 135، 136]، الاستغفار يمحو الذنوب، ويوجب المغفرة، ويوجب الجنات العاليات، والأنهار الجاريات.
لذلك كان أكثَرُ المؤمنين يوم القيامة سروراً -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- أكثرَهم في الدنيا استغفارا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا". (جة) (3818)، (ن) (10289)، صَحِيح الْجَامِع: (3930)، هداية الرواة: (2295).
فما أشدّ فرحة من استلم كتابه وصحيفته بيمينه، ففتحها فوجدها مليئة بالاستغفار، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ، فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ ". (طس) (839)، (هب) (648)، صَحِيح الْجَامِع: (5955)، الصَّحِيحَة: (2299).
وإليكم بعض ما ثبت في الحديث الصحيح، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله -تعالى- عنه عَنْ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم، قَالَ: ("سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ")، ("أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ")، قَالَ: ("وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ"). (س) (5522)، (خ) (5947)، (ت) (3393)، (حم) (17152)، انظر الصَّحِيحَة: (1747)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("إِنَّ أَوْفَقَ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي يَا رَبِّ، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، إِنَّكَ أَنْتَ رَبِّي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ إِلَّا أَنْتَ"). (حم) (10693)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: ("اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"). (م) 70- (2719)، (خ) (6035)، (حم) (19753).
يا صاحب الهموم، يا صاحب الغموم، يا صاحب الأحزان والآلام، توجه إلى الله عز وجل بهذا الدعاء، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحاً")، فَقِيلَ: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ !) فَقَالَ: ("بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا") . (حم) (3712), (ش) (29318) (يع) (5297)، (طب) (10352)، انظر الصَّحِيحَة: (199)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (1822).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد السراج المنير، الهادي البشير، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه، إلى يوم نلقاه.
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنا وَنحن عَبادُكَ، ونحن عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا، نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنا، نَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَينا، وَنَبُوءُ لَكَ بِذنوبنا، فَاغْفِرْ لنا، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبّنا وَنحن عبادُكَ، ظَلَمْنا أنَفسنا، وَاعْتَرَفنا بِذنوبنا يَا رَبّنا، فَاغْفِرْ لنا ذنوبنا، إِنَّكَ أَنْتَ رَبنا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ إِلَّا أَنْتَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا خَطِيئَاتِنا وَجَهْلَنا، وَإِسْرَافَنا فِي أَمْرِنا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا جِدَّنا وَهَزْلَنا، وَخَطَأَنا وَعَمْدنا، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدنا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا مَا قَدَّمْنا وَمَا أَخَّرْنا، وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنا، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
اللهمَّ إنَّا عبيدُك بنو عبيدك، بنو إماءك نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمُك، عدلٌ فينا قضاؤك؛ نسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك وعلّمتَه أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا، ونورَ صدورنا، وجلاءَ أحزاننا، وذهابَ همومنا وغمومنا.
وأقم الصلاة ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/132822/#ixzz5g3kycfsW