ليسوا كبارا على الزواج !!

أحمد الدسوقي



بينما كان الطفل الصغير في أحضان والده ... كان الجد الذي كسا البياض شعره ورسمت سنوات العمر خطوطها المميزة على جبينه يفجر مفاجأة من العيار الثقيل أمام الأسرة عندما أخبرهم بأنه سيتزوج من جديد !
عقدت الدهشة الجميع وارتسمت العيون بالذهول الذي سرعان ما تحول إلى ثورة عارمة من الأبناء تجاه الجد ؛ فكيف سيصبح عريسا في تلك المرحلة العمرية المتقدمة .. نظرات الغضب سادت الجميع بينما واجه الأب الموقف بتحد وإصرار على قراره رافعا شعار .. هذا حقي ولن أتراجع عن الزواج .. إنكم أنانيون انشغلتم بأنفسكم ونسيتموني ،أما أنا فلن أنس نفسي وسأدخل الدنيا من جديد !!
الوحدة القاتلة

محمد السيد في العقد السادس من عمره يشغل وظيفة مرموقة بإحدى الوزارات وهو من النماذج التي أقدمت على الزواج في هذا السن المتأخر يبرر أسباب رغبته في الزواج قائلا : لدي من الأبناء فتاتان بالمرحلة الجامعية وتستعدان لإتمام زواجهما وأربعة أبناء ذكور .. اثنان منهم أنهيا دراستهما الجامعية واستقلا بحياتهما والآخران يدرسان بالجامعة وينويان الاستقلال أيضا بمجرد التخرج .. شعرت أني بعد عامين على الأكثر سوف أصير وحيدا بعد وفاة زوجتي ولن أجد من يملأ على المنزل وكان أمامي اختياران لا ثالث لها إما أن أتزوج أو أن أدخل دارا لرعاية المسنين وقد فضلت الاختيار الأول لكي لا أتحطم نفسيا فما زلت قادرا على العطاء والحب والإخلاص .
ومما شجعني أكثر على الزواج وجود سيدة تستحق أن أقوم بتلك المغامرة من أجلها فهي أرملة مثلي ولديها نفس اهتماماتي وميولي وأحس معها بقدر كبير من التفاهم .. بالتأكيد أعترض أبنائي وأبنائها إلا أننا لم نلق بالا بتلك الاعتراضات وضربنا بها عرض الحائط وتزوجنا ونعيش معا في سعادة بالغة بدلا من الموت حزنا بسبب الوحدة .
وإذا كانت الوحدة سببا في زواج بعض الآباء فإن عصام عبد الله - 65 عاما - يقول : تقدم العمر بزوجتي وأصيبت بالعديد من الأمراض التي أعجزتها عن القيام بأعباء المنزل وفوجئت بأبنائي يأخذونها لرعايتها ويرفضون التكفل برعايتنا نحن الاثنين في شقتنا مبررين ذلك بانشغالهم بشؤون حياتهم الخاصة وعرضوا علي بالفعل الإقامة معهم لكني رفضت ولم أجد أمامي سوى الزواج مرة أخرى والإنجاب لأبدأ حياة جديدة مع زوجتي الجديدة وطفلي اللذين أشعر بسعادة عظيمة معهما وأحرص على إن أوفر لهما كل سبل السعادة التي ربما يحرمان منها بعد وفاتي ..
وليس تجاهل الأبناء للآباء فقط هو الذي يدفع الآباء إلى الزواج والإنجاب من جديد بل قد يكون طمع الأخوة أحد الأسباب وراء انتشار تلك الظاهرة .. يقول ( مجدي رؤوف ) 70 عاما .. عشت حياة قاسية حرمت نفسي كافة المتع وبذلت قصارى جهدي في العمل حتى استطعت تكوين ثروة كبيرة أحمد الله عليها ، ولكني في وسط ذلك نسيت أن أتزوج .. نعم اقصد جيدا كلمة نسيت حيث كان همي الأول والأخير في تلك الدنيا هو جمع أكبر مبلغ من المال ولم أدرك قيمة ذلك إلا عندما أصبت بمرض في الساقين أقعدني في الفراش فترة طويلة أدركت وقتها ماذا تعني الوحدة لم أجد أحدا يقف بجانبي بل أصبح أخوتي ينتظرون وفاتي بفارغ الصبر إلا أنى الحمد لله تجاوزت الأزمة وأجريت عملية جراحية وعدت للسير على قدماي من جديد وقد استفدت جيدا من تلك التجربة وخاصة إنها جعلتني أفكر جيدا في الزواج وبالفعل تزوجت وأنجبت من زوجتي طفلا سيرثني – إن شاء الله - ويستمتع بأموالي من بعدي أما أخوتي فقد ظهرت نواياهم الحقيقية سامحهم الله .
معادلة صعبة

الدكتورة ماجدة خورشيد أستاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة ترى أن ظاهرة انتشار زواج كبار السن في المجتمعات العربية بدأت في النمو بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وتشكل في واقع الأمر معادلة صعبة وصراعا بين وجهتي نظر : أولهما تؤكد على حق كبار السن في وجود رفقة لانشغال الأبناء عنهم باحتياجاتهم وحياتهم الخاصة .. وفي الوقت نفسه نظرا لطبيعة عاداتنا وتقاليدنا لا يجد الأب أو الأم الذي رحل شريك عمره رفقة بديلة إلا الزواج ..
وجهة النظر الثانية هي صدمة الأبناء عندما يجدون أحد الوالدين يتحدث عن الزواج لان هذا يشعرهم ويشعر الآخرين أن هناك عدم وفاء ، أو أن هناك مراهقة متأخرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يعتبر رفض الأبناء زواج الأب نوعا من الأنانية؟!!
تجيب الدكتور نادية جمال الدين مديرة المركز القومي للبحوث التربوية :إذا كان الأبناء كلهم قد تزوجوا ولهم حياتهم الخاصة .. هنا يكون الرفض لزواج الأب أنانية مفرطة على اعتبار أن الزوجة القادمة ستأخذ جزءا من الميراث وستحل محل الأم وهذا اعتقاد خاطئ ، بل على العكس يفترض في حالة زواج جميع الأبناء أن يكون من الواجب عليهم أن يعرضوا على الأب الزواج من باب البر به ، أما في حالة إن يكون الأبناء قصر ويحتاجون إلى رعاية الأب فلابد وأن يختار ذات الدين والخلق خاصة عندما يكون هناك احتمالات لإنجابها فلابد وأن يستبشر فيها المساواة في المعاملة بين الابن الجديد وأبنائه