وأن تصدقوا خيرٌ لكم


هناء المداح



من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل التصدق على الفقراء والمساكين والغارمين والمرضى وتفريج كربات المسلمين.
فالمؤمن الحق هو من يدرك قيمة العطاء والتكافل والتراحم ومد يد العون والمساعدة لإخوانه المحتاجين، لا يعيش لذاته وينشغل طول الوقت بتحقيق وإشباع رغباته الشخصية المختلفة فقط، بل يخرج عن طيب خاطر من مال الله الذي هو مستخلف عليه ليتصدق دون أن ينتظر جزاءً ولا شكورًا من العباد، قاصدًا رضا الله والفوز بالأجر والثواب العظيم ..
قال تعالى: {آمِنوا بالله ورسوله وأنفِقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبير} الحديد- 7.
عن أبي سعيد الخضري قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، إذ جاء رجل على ناقة له فجعل يصرفها يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زادٍ فليعد به على من لا زاد له" حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل. صحيح سنن أبي داود.
العاقل هو من ينافس في حب الخير وفي التصدق على الفقراء والمساكين، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" صححه الألباني.
من فضائل الصدقة:
للصدقة عدة فضائل عظيمة وضحها القرآن والسنة ومن بينها:
أولًا: الصدقة دليلٌ على إيمان وتقوى العبد:
من صفات أهل الإيمان واليقين أداء ما عليهم من صدقات وزكاوات ابتغاء مرضاة الله وطمعًا في رحمته وغفرانه، قال تعالى: {آلم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}. 1-3 البقرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله، تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو حجة عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" أخرجه مسلم.
ثانيًا: الصدقة سبب في حصول البركة وزيادتها:
بالصدقة تتنزل البركات وتزداد الخيرات وتُضاعَف الحسنات.. قال تعالى:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مَنًّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} البقرة- 261
وقال سبحانه: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} البقرة- 276
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله أنفِق يا ابن آدم أُنفِق عليك" رواه البخاري.
ثالثًا: الصدقة سبب للوقاية من الأمراض والفتن:
تقي الصدقة صاحبها من شر الأمراض والفتن وتفرج عنه ما يعاني من كربات ، وتخفف عنه الهموم والأحزان.. قال جل شأنه: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} البقرة- 274.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرج الله عنه كربة من كربات الآخرة، ومن ستر أخاه المؤمن في الدنيا ستره الله في الآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" أخرجه أبو داود والترمذي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة".
رابعًا: الصدقة تطفئ غضب الرب:
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون} البقرة- 254.
عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء".
وعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتطفئ وتدفع عن ميتة السوء" أخرجه الترمذي.
خامسًا: الصدقة تطهر النفس والمال:
قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بهم وصلِ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليم} التوبة- 103.
وقال عز وجل أيضا: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون* إن تقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم} 17، 16-التغابن.
سادسًا: الصدقة تقي من عذاب النار:
قال تعالى: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجرًا عظيما} 35- الأحزاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم أحدٌ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة" أخرجه أحمد.