هل تحبين الحكايا في عيد الحب؟!

بقلم : منال الدغيم



في ليلة شاتية مضيئة، رأيتك جالسة في دعة، يتجاذب قلبك طفولة عابثة وشباب ناضر، كنت ترمقين الأفق، إذ خفقت في فؤادك الغض نبضة حميمة، جرفها الحنين إلى شيء بعيد، ثم تراكضت بين جنبيك مشاعر متدفقة، نهشتك بالقلق والتوتر..
قلتِ باسمة رغم الحيرة.. إنه عيد العشاق..

ورحت تداعبين وردة حمراء غفت خلف أذنك، تشدين بلحن عاطفي حميم.. تهدج كثيرا وأنت لا تشعرين..
وتذكرتكِ..
تذكرتُ قلبك الصغير يا صغيرتي، تتأرجح في نبضاته طفلة شقية، لما كنت تتشبثين بأهداب ثوبي متوسلة: أحب الحكايات يا معلمتي، احكي لي حكاية أرجوك!
كم كانت روحك تتيه نشوة بقصص البطولات وأمجاد الماضي، حدثتك حينئذ عن شجاعة الصحابة وعزتهم، كنت تحبين قصة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه لما رفض نصف مملكة الروم مقابل أن يرجع عن دينه طرفة عين، وشعرت بالبهجة تدير رأسك فرحا بأنفة الرشيد لما هدد كلبهم وسامهم سوء العذاب، وأحببتك لما أغضت عيناك الباسمتان.. هيبة لعظمة صلاح الدين، محرر المسجد الأقصى من دنس الضالين..
كان الحديث عن الأقصى ذو شجون..
قلت لي بحماس فائر: وتلك يا معلمتي.. تلك الوثيقة التي صالح بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصارى الشام! أريد أن أقرأها أنا! وتقدمتِ بثقة رائعة، وأخذت تتلين سطور المجد والعزة بتأثر خاشع:
روى سفيانُ الثوري عن مسروق عن عبد الرَّحمن بن غنم قال : كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام ، وشرط عليهم فيه ألاَّ يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسةً ، ولا يجدِّدوا ما خربَ ، ولا يكتموا غشَّاً للمسلمين ولا يعلِّمُوا أولادَهم القرآنَ ولا يُظهروا شركاً ، وأن يوقِّرُوا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوسَ ، ولا يتشبَّهوا بالمسلمين في شيءٍ من لباسِهم ولا يتكنَّوا بكناهم ولا يركبُوا سرجاً ولا يتقلَّدوا سيفاً ، وأن يجزُّوا مقادمَ رؤوسِهم ، وأن يلزمُوا زيَّهُم حيثُ كانوا ، ولا يظهروا صليباً ، ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طُرُقِ المسلمين ، فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمةَ لهم ، وقد حلَّ للمسلمين منهم ما يحلُّ من أهلِ المعاندةِ والشِّقاقِ .ا.هـ.
وخفضنا رؤوسنا جميعا لهذه العزَّة والكبرياء والشموخ الذي يجرجِرُ أذيالَه زاهيةً بَقَبَسٍ من ضياءِ العظمةِ وبهاء الخلودِ وروعةِ الخُيلاءِ ، يخطفُ نورُه عيونَ الشَّمسِ وتترسَّم بريقَ خطاه فضَّةُ القَمَر.
إنه الإيمان والاعتزاز الذي يسمو كبرياؤه في سماواتِ العُلا، ويشهقُ مجدُه في معارجِ السموِّ، حتى تكونَ الثريَّا من غبارِ حافرِهِ ، ليسطِّرَ بأحرفٍ من ضياءٍ رفعة الإسلامِ ومبادئِهِ وتميُّز أتباعِهِ..
كنتِ تنصتين إلى قصصهم الرائعة وانتصاراتهم الحاسمة، فينبض فؤادك بالحنين الجارف إلى نجوم المجد، ويرفرف الحب من أعماقك حمائم صغيرة.. تطير أسرابا أسرابا.. بجمال حميم إلى أضواء القمة.. فلا تتمالكين لآلئ دمعات انحدرت على وجنتيك بمرارة عميقة، والواقع الأليم يخلد بك إلى أرض تتمرغ مهانة، وتنغمس في أوحال الهزيمة والذل..
قلت لي يومها بأسى صادق: يا معلمة! متى تعود لنا العزة؟!
حنانيكِ..
دعوتكِ حينئذ بشوق: تعالي.. تعالي يا تلميذتي وإليًّ بتلك الكفين البضتين، أشد عليهما ثقة وعزما، وأعقد بهما ألوية آمال عريضة، تضج هتافات نصر وصيحات تكبير عظيمة..
أجل.. كفاك ولا غير! كفاك تلك التي ترتفع سبابتها توحيدا ورفعة وسموا مرات ومرات، كفاك التي تنضم بتضرع وافتقار تحت عباءة الدجى، كفاك التي تنعقد على صدرك قائمة بالصلاة لله، خاشعة منيبة، سائلة داعية..
قلت لي بتردد: لكن.. من أنا؟ إنني واحدة.. والمجد مجد أمة لا فرد..
فهتفت بك: كلا! لا تعدي نفسك مجرد رقم بين آلاف الملايين، بل أنت مسلمة.. مسلمة، من أمة موعودة بالنصر إذا حققت الإيمان بالله ولوازمه، وهل تدرين يا صغيرتي.. من هذا الذي يجب عليه أن يحقق الإيمان، فتحوز الأمة أطراف المجد في الدنيا.. كل الدنيا حينئذ؟
إنها أنتِ.. وأنا، وكل فرد من حولنا مطالب بترسيخ الإيمان في قلبه، والقيام بلوازمه في نفسه ومن حوله، وحينئذ يمن الله على الأسرة بالصلاح، فالمجتمع، فالأمة، فيكتب الله لها النصر المؤزر والرفعة العزيزة.
رباه! ما زلت أذكر عينيك كيف تألق فيهما الحماس، مشتعلا بالشوق ملتهبا بالعزم، فلهج قلبي لك بدعوات تملأ الأكوان طيبا.. وأنا أرمقك بإعجاب وامتنان..
ثم رأيتك اليوم..
ورأيت وردتك، لطخة دم لوثت فطرة كانت تسطع في روحك ناصعة، وسمعت لحنك، نعيقا يخنق صيحات نصر حدثتك عنها في أيام خاليات..
فإلى أين يا صغيرتي؟
أغاضت أشواقك إلى المجد؟ أرضيت أن تتخلي عن رسالة السمو في معارج الإيمان، حتى نسعى في صلاح أنفسنا وهداية من حولنا، لتتبوأ أمتنا من المجد قمما؟!
أخبريني بربك! عيد العشاق هذا.. عشاق ماذا؟ ولأي سبب عظموا هذا اليوم؟ وعلى أي عقيدة ارتكزوا؟
أجبتني ببسمتك الساذجة الطيبة: إنه مشاعر وأحاسيس.. تتدفق نحو من أحب..و..
ثم صمتِّ..
فهات كفك، أريد كف تلك الطفلة البسيطة في أعماقك، بفطرتها الناصعة وحبها الحميم، لأحكي لها حكايات شيقة.. ستحبها كثيرا..
وردتك هذه التي تحتفل بما أسموه عيدَ الحبِّ زوراً، هي تُحيي بذلك ذكرى قدِّيسِ يسمى بالشَّفيعِ للعُشَّاقِ، يدعُونه ويعظِّمُونه ويتوسَّلُون إليه ويتوكَّلُون عليه، ويزيِّنُون بصوَرِه جدرانَ كنائسهم وقبابَ معابدِهم، ويبتهلُون إليه ليكشِفَ ما يلاقُونه من تباريحِ الهوى ولواعجِ الغرام، وحين نستقصي تاريخِه المظلِمِ المتلطِّخِ، نرجع إلى مهرجانِ الخصبِ عند الرومان الوثنيين، والذي يقامُ كلَّ عامٍ لتعظيمِ آلهتهم وعظمائهم، في احتفالاتٍ فاجرةٍ داعرةٍ يمارَسُ فيها شتَّى صنوفِ الخنا والفساد، وبعدَ دخولِ النصرانيَّةِ إلى الرومان ، حوَّلته الكنيسةُ في محاولةٍ لجعلِ هذا المهرجان عيداً نصرانياً خالصاً ، من عيدٍ للجسدِ إلى عبادةٍ رومانسيَّةٍ ، وزوَّقت صنيعَها ذاك بعنصُرِ تشويقٍ ، وهو قصَّةُ وقوعِ القسِّيسِ فالنتين في الحبِّ ، وبعثه عشيَّةَ مقتلِه ، برسالةٍ إلى فتاتِه، ممهورةً بتوقيعِه الشَّهيرِ ( من المخلص فالنتين ) ، وهذه قصَّةٌ لا تثبت .
وفيما بعدُ ، اتُّخِذَ هذا العيدُ ، يوماً دينيَّاً نصرانيَّاً معظَّماً ، لتخليدِ تضحيَةِ القسِّيسِ فالنتين بحياته ، من أجلِ حقيقَةِ الرَّبِّ الخالدةِ ، وفي سبيلِ التَّبشيرِ بالنَّصرانيَّةِ ، وإعلامِ البشريَّةِ بسرِّ الحبِّ الإلهيِّ في زعمِهم ، وقد نصَّ أكثرُ من مرجعٍ على أنَّ هذا القدِّيس برهن على هذا الحبِّ الإلهيِّ لَمَّا ماتَ خلالَ دعوتِهِ إلى دينِ الربِّ ، ويقولون : هذا هو الحبُّ الذي نحتفلُ بعيدِ فالنتين حقَّاً من أجلِه .

هذا هو العيد الذي مشيت خلف جموعه.. في حيرة وضياع، وقد جاءك الأمر {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا)، أي أقِم وجهَك ، ومحِّض ودَّك ، وأخلِص انتماءَك ، إلى خالقِك وبارئِك والمنعمِ عليك ، ومن برحمته اختصَّك وإلى هداه أرشدَك، فلا تشح عنه مزعزعَ الانتماء متهاوي الولاءِ والبراء!!
أتصدقين! لقد نُقِلَ أنَّ رجالَ الدِّين النصرانيِّ قد ثاروا على ما سبَّبهُ هذا العيدُ من إفسادٍ لأخلاقِ الشَّباب والشَّابات ، فتمَّ إبطالُه في إيطاليا معقلِ النَّصارى الكاثوليك ، ثم أعيدَ بعد ذلك وانتشَرَ في البلاد الأوروبيَّةِ ، ومنها انتقلَ إلى كثيرٍ من بلادِ المسلمين، أوَ ليسَ المسلمون أولوا الشَّريعةِ الطاهرةِ ، والعفَّةِ المتألِّقَة ، والفضيلَةِ النقيَّةِ ، أحقَّ بأن تشمخَ نفوسُهم أَنَفَةً من هذا العيدِ المتمرِّغِ في أوحالِ الشَّهوَةِ والمُمعِنِ في ظُلُماتِ الضَّلالِ ؟!
هذا بالإضافة لما آلَ إليه في العهودِ المتأخِّرة ، من متاجرةٍ بالعواطفِ والأحاسيس ، في استنزافِ الأموالِ في شراءِ الهدايا والبطاقاتِ والورودِ والحلوى ، حتى بلغَت مبيعاتُ رموزِ الاحتفالِ هذِهِ أرباحاً خياليَّةً ، وتباعُ في العامِ الواحدِ ما يزيدُ على ملياري بطاقةِ تهنئةٍ بهذا العيدِ عبرَ العالم.
واعجَبي يا صغيرتي، لمن يُهوِّنُ من شأنِ الاحتفالِ معهم ، زاعمين أنَّها مناسبةٌ عالميَّةٌ ، لا بأسَ فيها بالانشراحِ والسُّرورِ والفرحِ مع باقي الشُّعوب ، في حين أنَّ النَّصارى أنفسُهُم اعترفوا كما تقدَّمَ ،بأنَّهم اتَّخذُوا هذا العيدَ لتخليدِ حقيقةِ الحبِّ النصرانيِّ والقسِّيسِ الذي قُتِلَ في سبيله ، و لَم يخلُ مرجعٌ نصرانيٌّ تناولَ بالبحث هذا العيدَ ، من هذه الحقيقة .
إنَّ العيدَ عبادةٌ ..
فهو تعظيمٌ ليومٍ ، والتعظيمُ لا يكونُ إلاَّ من دينٍ وعقيدةٍ وتشريعٍ ، وهو مظهرٌ مميِّزٌ للأديانِ والأمم ، وفي ديننا الحنيف هو من جملةِ الشَّرعِ والمناهجِ والمناسكِ التي قال الله فيها :{ لُكِلٍّ جَعَلنَا شِرعَةً وَمِنهَاجَاً } ، وأنت ترين أنَّ الأعيادَ المشروعةَ في الدِّين يجبُ فيها أو يُستحبُّ من العاداتِ ما لا يُشرع في غيرها كالصَّلاةِ أو الذِّكر أو الصَّدقة ، ولهذا وجب علينا فطرُ العيدين وقُرِنَ بالصَّلاة في أحدهما الصَّدقةُ وقُرن بها في الآخَرِ الذَّبحُ ، وهما عبادتان لا تُصرفان إلاَّ لله عزَّ وجلَّ ، " ذَلِكَوَمَنيُعَ ظِّمْشَعَائِرَا للَّهِفَإِنَّهَ امِنتَقْوَىالْق ُلُوبِ".
ولهذا كانت الموافقةُ فيما أحدثوه هؤلاء الضَّالين من الأعيادِ والعباداتِ الباطلَةِ أقبحُ ، فإنَّه لو أحدَثَهُ المسلمون من تعظيمِ شفعاءَ واحتفالٍ بميلادهم وإحياءَ لذكراهم ، لكان شركاً بواحاً ، فكيف ببدَعِ الدِّياناتِ الباطلةِ التي شَعشَع نورُ إسلامِكَ على ظلامها فبدَّدَه ، وكيف بمحدثاتِ الأهواءِ الضَّالَّةِ التي شَمَخُ حقُّ عقيدتِك على باطلِها فأزهقَه ؟
قال مجاهد في تفسير قوله تعالى { وَالَّذِينَ لا يَشهَدُونَ الزُّورُ } : إنَّها أعيادُ المشركين . وقال مثلَه الرَّبيعُ بن أنس والقاضي أبو يعلى والضحَّاك .
وإذا كان الله قد مدحَ تركَ شهودها الذي هو مُجرَّدُ الحضورِ برؤيةٍ أو سماعٍ ، فكيف بالموافقةِ بما يزيدُ على ذلك من العملِ الذي هو عَمَلُ الزُّورِ لا مُجرَّد شهوده ؟
قال الإمامُ الذهبيُّ رحمه الله تعالى : فكيف تطيبُ نفسُك بالتشبُّهِ بقومٍ هذه صفتُهم و هم حطبُ جهنَّم .
وقال عبدُ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : من بَنَى ببلادِ الأعاجِمِ ، فصنع نيروزَهم ، و مهرجانَهم ، و تشبَّه بهم حتى يموتُ وهو كذلك ، حُشِرَ معهم يومَ القيامة .ا.هـ.
{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
قال ابنُ القيِّم : وأمَّا التهنئة بشعائرِ الكفرِ المختصَّةِ به فحرامٌ بالاتِّفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادِهم وصومِهم فيقولُ : عيدٌ مبارَكٌ عليك ، أو : تهنأُ بهذا العيدِ ، ونحوه ، فهذا إن سَلِمَ قائلُه من الكُفر فهو من المحرَّمات ، و هو بمنزلة أن يهنئه بسجودِه للصَّليب ، بل ذلك أعظمُ إثماً عندَ الله وأشَدُّ مقتاً من التهنئةِ بشري الخمرِ وقتلِ النَّفسِ وارتكابِ الفرجِ الحرامِ ونحوه ، وكثيرُ من لا قدرَ للدِّين عندَه يقع في ذلك ولا يدري قُبحَ ما فَعَل . فمن هَنَّأَ عبداً بمعصيةٍ أو بدعةٍ أو كفرٍ فقد تعرَّضَ لمقتِ الله وسخطِه . ا.هـ.
************
انكسرت نظراتك نحو الأرض بأسى، بينما كنت أتحدث.. وزفرت بعمق..
قلت لي وأنت تعبثين بأناملك في توتر: والحب؟!
ما له الحب؟!
إن كانت تلك المشاعر الخفاقة، ما زالت ترفرف بين جنبيك، فأفيضي إلى المعالي شلالاتِ حبِّك الهادِرَة، وارفَعي إلى ربِّك الدَّعواتِ والمناجَاة في اللَّحظاتِ الغامرة ، عُودي إلى مقامِه فإنَّه يفرحُ بك ، ويفرحُ بتوبتك ، ويقتربُ منك ، يطِّهرُ قلبَك ويغفرُ ذنبَك ويكلؤ روحَك ، ويحبُّك ، فإذا أحبَّك كان سمعَك الذي تسمعين به وبصرَك الذي تبصرين به ، ويدَك التي تبطشين بها ورجلَك التي تمشين بها ، ولئن سألته ليعطينَّك ولئن استعذته ليعيذنَّك !
أو ليس هذا هو الحبُّ الخالد ؟ أو ليس هذا هو الانتماءُ الحميمُ ؟!
بلى ! هنا جنَّةُ الحبِّ الحقيقيِّ ، فطيِّبي أنفاسَك بأنفاسِها العاطرة وانهَلي من أنوارِها الباهِرَة ..
هنا قلوبٌ عرفَت الحبَّ الصادقَ فأخلصَت الودادَ ، وسرى نقيَّاً رقراقاً طاهراً من كلِّ ما يشوبه من سَخَطِ ربِّ العباد ، فكُوني مع أولياءِ الرَّحمن تتقلَّبين في رحماتٍ ورضوان ، ويظلُّكم الله عزَّ وجلَّ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلِّه ..
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :قال r : " إنَّ من عبادِ الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء ،يغبطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ يومَ القيامة بمكانهم من الله تعالى ، قالوا : يا رسول الله تخبرنا من هم ؟ قال : " هم قومٌ تحابُّوا بروح الله على غير أرحامٍ بينهم ولا أموالٍ يتعاطونها ، فوالله إنَّ وجوههم لنورٌ وإنهم على نورٍ ، لا يخافون إذا خافَ النَّاسُ ولا يحزنون إذا حزن النَّاس " ، وقرأ هذه الآية : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
هكذا إذن هي عقيدتنا، تريدُنا أن نكونَ مميَّزين مستقلِّين ، أولي هويَّةٍ فريدَةٍ عميقة ، و تاريخٍ شامخٍ مجيدٍ لا نرتضي به بدلاً ، تضيءُ فيه نقطتان فقط كلَّ عامٍ ، عيدُ الفطر وعيدُ الأضحى ، وهذا هو الحق ، وما سواهُ من تاريخِ وأيَّامِ و تراثِ غيرِنا لا شأنَ لنا به ولا نحفلُ بأمره ، ولا نتَّبعهم في ذلك أبداً مهما كانت الدَّعوةُ إلى اللَّهو البريء والمرحِ والفسحة ، فإنَّ لدينا أعظَمَ النِّعَمِ على الإطلاق { الصِّراطِ المستقيمِ } نعتزُّ به ونشمخُ ، معلين رؤوسنا رافعين هاماتِنا ، بعقيدةٍ راسخةٍ وعزَّةٍ عميقَةٍ وثباتٍ قويٍّ إن شاء الله .. ونسيرُ ونحن نردِّدُ :{ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.
رفعت عيناي إليك حينئذ..

ورأيت دمعاتك الندية تترقرق متألقة.. وعلى وجهك أطياف نور..
وبقايا وردة تعبثين بها بقدمك.. على الأرض..