" من عيون الوصايا في العلم وطلبه تلك التي كتبها الشيخ
د فيصل المنصور، وهذا بعض ماجاء فيها :
"كيف تريد أن تكون عالمًا وأنت تلقي إلى العلم بفُتات وقتك وتضَنّ عليه بالحظّ الأجزل من ساعاتك وتزحَمه بكلّ تافهٍ من شغولك وأعمالك؟!
"ليس العالم هو الغزير الحفظ أو التصنيف، ولكن العالم هو الذي يعلم ما يخرج من رأسه، فيعرف دليله وعلّته ولوازمه والاعتراضات عليه والجواب عنها، قال سعدون: قلت للكسائي: (الفراء أعلم أم الأحمر؟) فقال: (الأحمر أكثر حفظًا، والفراء أحسن عقلًا وأنفذ فكرًا وأعلم بما يخرج من رأسه).
"تردادُ الحفظ خمسين مرّة في خمسة أوقات متباعدة أفضل
من ترداده مئة مرة في مجلس واحد.
"لا بدّ للعالِم أن يتحلّى بقدر كبير من الجرأة محفوفٍ بقدر كبير من الحذر.
"ينبغي للمفكّر وصاحب العلم أن يوازن بين الخلطة والعزلة، فإن أكثر الأفكار تنقدح في الخلطة وتختمر في العزلة.
"آفات القراءة خمس:
ضعفُ التأمّل، وإغفالُ الحفظ للمهمّ، وتركُ التقييد للنّادر، وعدمُ المراجعة للمحفوظ والمقيَّد،
وقلّةُ تَكرار الكتاب الجيّد.
"نحن إلى إقامة دورات في (كيفية القراءة البطيئة) أحوجُ منا إلى دورات في (كيفية القراءة السريعة).
" لن يبقى لك من قراءتك إلا ما كرّرته فحفظته أو كتبته فراجعته أو لخّصته فدرَسته أو درّسته.
" أفضلُ الطُّرُق لإتقان علمٍ ما
أو مسألةٍ ما هي على الترتيب: التأليف فيه، وتدريسه، وتلخيصه.
"طولُ الاشتغال بالمسائل الجزئية يُضعف استحضارَ المسائل الكلية.
"لم تعمَل كلمةٌ في نفسي عملَها كقول إمامنا الخليل رحمه الله: (إني لأغلقُ عليّ بابي فما يجاوزه همّي)!
"لا يبني الناسُ غالبَ آرائِهم في عامّة القضايا على النظر المجرَّد المنصف إلى أدلتها، وإنما يبنونها على الحدس أو الإلْف أو الاستحسان، ثم يطوّعون الأدلة لذلك.
"توليد المعاني الدقيقة وتشقيقها صعبٌ، ولكن أصعبَ منه الإبانةُ عنها وجودةُ إبرازها للمخاطب حتى يتصوّرها في نفسه ويعقلَها كتصوّر كاتبها لها وعقلِه إياها.
"لن تبلغ سماءَ الصواب إلا على رُكام الأخطاء. ولن تحسّ ببَرْد اليقين إلا إذا شواك لهيبُ الشَّكّ.
"لن تستطيع أن تشعب همّك على العلم وتوفّره على حسن النظر حتى تطويَه عن كثير من اللّغو وترغب به عن مّا يتهافت عليه غوغاء الناس وغثراؤهم.
"التأصيل الراسخ في العلم يسهّل عليك قراءة المطوّلات بعده ويُضاعف فهمك لها وبصرَك بانتزاع فوائدها والقدرة على ربطها بنظائرها وعدم نسيانها.
"لا بد لطالب العلم مهما بلغ فهمه وقوي عزمه من صاحب معين. وقد ذُكر أن سيبويه قال لصاحب له بعد موت الخليل: (تعال نتعاون على إحياء علم الخليل).
"أُولى خطوات طلب العلم أخذ الحظّ الكافي من النوم.
" قال عيسى بن عمر شيخ سيبويه (ت ١٤٩): (ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي) أي ظهري. وبمثلِ ذلك صاروا علماء!
"ليس يعيب الحقَّ ولا يصيِّره باطلًا استغلالُ بعض أصحاب المآرب له.. ولو أن العلماء كلما عرفوا حقًّا تركوا قوله مخافةَ ذلك لضاع الحقّ وساد الباطلُ.
"يا طالبَ العلم، الحِفظ هو عِزّك وسُوددك، فخذ منه أو دَعْ، فكم من متظاهر بالعلم منتحلٍ رسمَه كشّفته المَحاضرُ وجلَت عنه المبادَهاتُ!
"ينبغي للمعلّم أن يُقبل على من يرى فيه مخايلَ الذكاء من طلابه وأن يقرّبه ويختصّه بضرب من المعاملةِ ليحبّب إليه العلم ويشجّعه على التحصيل.. وفي كتب التراجم أن الخليل كان إذا رأى سيبويه رحّب به، وقال: (مرحبًا بزائر لا يُمَلّ). وكان أبو حيّان عظيم التقدير للطلبة الأذكياء، وكان يقبل عليهم وينوه بهم. ولذلك ظهر منهم المرادي وابن هشام وابن عقيل والسمين الحلبي.
- أسهل طريقة تستطيع أن تضبط بها علمًا من العلوم هي أن تختار كتابًا مناسبًا من كتبه وتختمه مرارًا على أوقات متفرّقة حتى تستظهر أكثره!
"لا يزالُ الرجل مستورًا معافًى حتى يتكلَّم في غير فنِّه.
"إذا طالعتَ كتابًا وانتفعتَ به فلا تبخَل على مؤلِّفه بالدعاء له بالرحمةِ والمغفرةِ، فإن هذا من أدنى حقِّه عليك.
"خذوا هذه الوصيّة من أبي عثمان الجاحظ: (وإذا مرّ بك الشّعر الذي يصلح للمثَل والحفظ فلا تنس حظّك من حفظه).
- يؤلّف الرجل من علمائنا الأوائل الكتابَ يعجِز عن (تحقيقه) العصبة ألُو القوة من الرجال على طول تعاورهم له وإمهال الزمان لهم.. ألا ما أشدّ ضعفنا!
"طريقة ربط الحرف بالحرف للحفظ قديمة، قال ابن رستم: (سألت التوزي عن التحنيب والتجنيب، أيهما في اليدين وأيهما في الرجلين؟) فقال: (الجيم مع الجيم).
"من الكتب ما حقه الحفظ، ومنها ما حقه أن تجعل لك فيه وردًا، ومنها ما يقرأ مرة، ومنها ما يقرأ مرات، ومنها ما يتصفح تصفحًا، فأعط كل ذي حقّ حقّه.
"قد يُعاب العالم بقول (لا أدري) في ما استنباطه يسير، قال ابن جني: (وكان الأشبه بقدر سيبويه أن لا يقف في قياس ذلك وأن لا يقول لا أدري).
منقول ....