* لقد أسست سورة (الأنفال) ، وغيرها : لقاعدة وسنة كونية وشرعية مهمة ، هي من قضاءات الله تعالى في عباده ، من أغفلها لم تسلم له حياة لا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، تلكم السُّنَّةُ هي سنة : ( الْـمُقَدِّمَات ِ ، والْأَسْبَابِ ) ، فقد قضى الله تعالى كونًا وشرعًا ، أنَّ (لكل نتيجةٍ وأثرٍ ، مقدمةً و سببًا) ، فإذا لم يحصل الأول وهو المقدمة والسبب ، لم يحصل بقدر الله تعالى- الثاني ، وهو النتيجة والأثر ؛ ولهذا أمر تعالى بالإعداد للكفار وإخوانهم لملاقاتهم : (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ٦٠) -الأنفال- ، وما نَصْرُ المؤمنين في (بدر) ، إلا نتيجة ما كان في مكة من مقدمات وإعداد وهجرة ، وما دخل الناس في دين الله تعالى أفواجا إلا بعد ما بلَّغ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمانة ، وأدى الرسالة ، وقدم بمقدماته ، وإنْ رُمت دليلا على قولي فتأمل كيف كان يَعُدُّ الصحابة صلحَ الحديبية هو الفتح ، وفي الأحزاب أمرهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفر الخندق نزولًا على مشورةِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ، ولما نصرهم بالريحِ ، قال : (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا ٩) -الأحزاب- ، إشارة إلى أهمية ما قدمو به من حفر الخندق ، وإن لم يكن هو السببَ الأكثر أثرا في حصول النصر ، ومن ذلك -أيضا- : قاعدة التغيير ، وأهمية التقديم بطلب ذلك من النفس ، ثم إحداث بداية التغيير منها ، قال تعالى : (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ...١١) -الرعد- ، وتحصيل الإيمان لا يكون بقدر الله- ، إلا بإتيان مقدمات وأسباب ذلك من (اليقينِ ، والصبرِ)على التزام الأوامر والنواهي ، وعلى الجانب السَّلبي ، قرَّر القرآن تلك القاعدة -أيضا- ، ومثال ذلك : ما أمر به آدم عَلَيْهِ السَّلَامُ- ينهاه فيه عن الأكل من الشجرة ، فلم ينهه عن مجرد ذلك ، بل نهاه قبله عن مقدماته ؛ لأنه لا يقترف النهي بدون اقتراف مقدماته ، لأنها تفضي إليه ، وإن لم تفض بالفعل ، أفضتْ بالقوة ، (وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٣٥) -البقرة- ، وكذلك لما نهى المؤمنين عن الزنا : (وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا ٣٢) -الإسراء- ، وجاء النهي عن خطوات الشيطان عموما ، قال تعالى : (وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ ١٦٨) -البقرة- ، وفي حديث عَدَّه بعضُ العلماء ربُعَ ، أو ثُلُثَ الْإِسْلام ، ألا وهو حديث النعمانِ بنِ بَشِيرٍرَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (...وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْـحَرَامِ)البخاري 3/4 ، ومسلم3/1219- 1220- ، فهل نفقَهُ سُنَنَ ربِّنا حتى ننالَ رزقَه ، ونصرَه وفضلَه ، وحتى لا تزلَّ أقدامُنا ، ثبتنا الله على دينه ، وختم لنا بالجميل.