اللباس في الاسلام (1-2)
رضا البطاوي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسل الله، وبعد:
فهذا كتاب اللباس في الإسلام.
- اللباس لكل الأنواع:
من المعلوم أن الله جعل لكل نوع من المخلوقات لباسا يرتديه، وهو يختلف باختلاف النوع، فمن الألبسة الشعر للماعز والصوف للغنم والوبر للإبل، وهذه الألبسة تتصف بالآتي:
-أنها ألبسة نامية بمعنى أنها مستمرة في الوجود عن طريق الطول حتى يأذن الله بموتها عن أي طريق من طرق موتها.
-أنها ألبسة مستمرة طوال الحياة والمراد أن المخلوق لا يفقد لباسه مهما مر عليه الزمان إلا نادرا وهو حالة المرض الجلدي.
-أنها ألبسة تقوم بوظائف متعددة منها تغطية العورة والحماية من الحر والبرد.
ومما ينبغي قوله أن كل الأنواع لها ألبسة بما فيها النباتات، والإنسان له لباس كبقية خلق الله ولكنه لباس يغاير ألبسة الأنواع الأخرى في الآتي:
-أن لباسه يتبدل كله ويتغير.
-أن لباسه من مواد مختلفة من الأنواع الأخرى.
-أن لباسه ليس جزءا من جسمه.
ويجب علينا أن نعلم الآتي:
أن الأصل في الإنسان اللباس وليس العري وفق الآتي:
-أن آدم عليه الصلاة والسلام وزوجه كانا يعيشان دون عري وإنما وهما يرتديان لباسا معينا يغطي عوراتهما بدليل أنهما لما ارتكبا خطيئة الأكل من الشجرة المحرمة ظهرت لهما عوراتهما بعد أن كانت مختفية عنهما.
-أن الله وعد آدم عليه الصلاة والسلام ألا يعرى في الجنة ما دام يعمل بأمره فقال له كما في سورة طه: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى}.
-أن الله أنزل على أبناء الأبوين لباسا أي ريشا لتغطية العورات عند هبوطهما من الجنة وفي هذا قال في سورة الأعراف: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا}.
لباس الأبوين:
ألبس الله الأبوين في الجنة لباسا كان الغرض منه تغطية عورة كل منهما ويمكننا أن نقول إنه كان حريرا؛ لأن الحرير هو لباس المسلمين بالجنة وفي هذا قال اله في سورة الحج: {ولباسهم فيها حرير}، وقد بين الله لهما أن الجنة ليس فيها كل من: الجوع وهو الرغبة في الأكل، والعرى وهو انكشاف العورات، والظمأ وهو العطش، والضحى وهو التعرض لحر الشمس وفي هذا قال في سورة طه: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}.
وقد بين الله أن هذه الأشياء تكون معدومة ما عملا على تنفيذ الأمر بعدم الأكل من الشجرة المحرمة.
اللباس وانكشاف عورة الأبوين:
لقد وسوس الشيطان وهو الشهوة للأبوين وكان سبب الوسوسة هو أن الشيطان وهو الشهوة أراد أن يبدو أي يظهر للأبوين ما ووري من سوآتهما أي ما خفي من عوراتهما وهذا يعني أن العورة تنقسم إلى قسمين:
الأول الجزء الموارى أي المخفى، والثاني الجزء البادي أي الظاهر، وفي هذا قال تعالى في سورة الأعراف: {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}، وقد أفلح الشيطان في نزع أي خلع لباس الأبوين من على الأجزاء الخفية من عوراتهما، وقد طالبنا الله بألا يفعل الشيطان وهو شهوات أنفسنا كما فعل بأبوينا، وفي هذا قال الله في سورة الأعراف: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما}.
- اللباس هو الأصل:
لما استمع الأبوان لكلام الشيطان وهو شهوات أنفسهما ذهبا للشجرة فأكلا من ثمارها وكانت النتيجة هي بدو السوآت أي ظهور العورات لهما، وكان رد الفعل منهما هو الخجل والحياء من انكشاف العورات ومن ثم حاولا إخفاء العورات عن بعضهما فعملا على قطع أوراق من شجر الجنة ووضعوها على عوراتهما التي كانت خفية عنهما، وفي هذا قال الله في سورة الأعراف: {فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} والمستفاد من هذا النص هو أن الأصل في الإنسان أن يكون على عورته التي يجب إخفاؤها بلباس يخفيها عن أعين الناس بدليل أن الأبوين خجلا من أن يرى كل منهما عورة الآخر التي كانت مخفاة، ووجوب إخفاء العورة التي أخفاها الأبوين بدليل أن الأبوين عملا على إخفاء العورة بالطريقة التي وجداها وهي التغطي بورق الشجر.
- أسباب خلق الله اللباس:
1-تغطية العورة أي بتعبير القرآن مواراة السوءة وفيها قال الله في سورة الأعراف: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا}.
2-وقاية الإنسان من الحر وبما أن الضد يدل على الضد فإنه يقي من البرد، وفي هذا قال الله بسورة النحل: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر}.
3-الوقاية من بأس الإنسان وهو أذى السلاح الذي يخترعه الناس، وفي هذا قال الله في سورة النحل: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم}.
4-التحلي وهو التجمل، وقد وردت الوظيفة مشارا لها بقوله تعالى في سورة النحل: {وتستخرجوا منه حلية تلبسونها}.
- اللباس وعورة الإنسان:
خلق الله اللباس لمواراة الجزء الذي ينبغي أن يخفى عن أنظار الآخرين والإنسان كله عورة، بمعنى أن العورة تشمل الجسم كله وتنقسم العورة إلى جزئين:
1-يجب مواراته أي إخفاؤه عن طريق اللباس ويدل على وجوده قوله تعالى في سورة الأعراف: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما} أي ليظهر لهما ما خفي عنهما من عوراتهما ومن هنا نستطيع أن نقول: إن السوءة بعضها خفي وبعضها ظاهر.
2-يباح كشفه أي إظهاره لأنظار الآخرين والدليل على وجوده قوله تعالى في سورة النور: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أي ولا يظهرن جسمهن إلا ما أبيح منه.
مما يصنع اللباس؟
يصنع اللباس الدنيوي من مواد مخلوقة تنتجها أنواع أخرى ومن هذه المواد:
أصواف الأغنام وأوبار الإبل وأشعار الماعز، وفي هذا قال الله في سورة النحل: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} والأثاث هو الملابس، والمعنى: ومن أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها ملابس ومنافع إلى وقت معلوم، والمستفاد هو أن الملابس لها عمر تنتهي فيه ويتم تصنيع اللباس عن طريق الغزل وهو إعطاء النسيج قوة عن طريق لحمه ببعضه بطرق معينة، وقد ذكر هذا بقوله تعالى في سورة النحل: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا} وتصنع الملابس من المعدن بدليل تصنيع داود عليه الصلاة والسلام السابغات من الحديد؛ وذلك للحماية من البأس وهو أذى الناس وفي هذا قال الله بسورة سبأ: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات}.
تقسيمات اللباس:
- تنقسم الملابس إلى أنواع حسب أساس التقسيم، ومن هذه التقسيمات:
أ*- ملابس الوقاية من الحر وبما أن الضد يدل على الضد فهناك ملابس للوقاية من البرد ويمكن تسميتها ملابس المناخ.
ب*- ملابس الوقاية من بأس الإنسان وهي الملابس التي تحمي من خطر السلاح الذي يضربه به الإنسان الآخر، وقد ورد هذا التقسيم في قوله تعالى في سورة النحل: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} وأساس التقسيم هو السؤال: مم تقي الملابس؟
أ-ملابس مخفية للعورة وفيها قال تعالى بسورة الأعراف: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا}.
ب-ملابس متبرجة وهي الملابس الكاشفة للعورة التي يجب أن تخفى وفيها قال الله في سورة الأحزاب: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
أحكام اللباس:
1-يجب على كل من الزوجات وهن زوجات النبي [ وبناته ونساء المؤمنين إدناء الجلابيب عليهن أي إرخاء الجلابيب على أرجلهن والمراد تطويل الجلابيب حتى تغطي السيقان تماما، والسبب أن يعرفن فلا يؤذين أي أن يعلمن فلا يصل لهن ضرر أي عقابا على الكشف لبعض العورة التي يجب إخفاؤها، وفي هذا قال الله في سورة الأحزاب: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}.
2-أن القواعد من النساء وهن النساء اللاتي لا يرغبن في الزواج بعد الطلاق أو الترمل ليس على أي منهن عقاب إذا وضعت ثيابها غير متبرجة بزينة أي خففت ملابسها غير مظهرة لعورة، وهذا يعني أن لباس المرأة يتكون من ثوبين: الأول تحتي والثاني فوقي وكل منهما ساتر للعورة التي يجب إخفاؤها، والمرأة القاعدة لها أن تخلع الثوب الفوقي على شرط أن يكون الثوب التحتي مغطيا ومخفيا لعورتها، وقد بين الله للقاعدة أن الأفضل هو الاستعفاف وهو الإبقاء على الثوبين معا، وفي هذا قال الله في سورة النور: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن}.
3-أن على كل من ملك اليمين والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم والذين بلغوا، الاستئذان ثلاث مرات في الأوقات التالية:قبل صلاة الفجر، والوقت الذي يضع الإنسان فيه ثيابه والمراد الذي يتخفف فيه الإنسان بخلع بعض ثيابه أو كلها وذلك في الظهيرة وبعد صلاة العشاء، والسبب هو أن العورات وهي الأجزاء التي يجب إخفاؤها وتكون مكشوفة بين الأزواج تكون عرضة للانكشاف في هذه الأوقات لأنها الأوقات محل الشهوة الجنسية، وفي هذا قال الله في سورة النور: {يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم}.
4-عدم تبرج النساء تبرج الجاهلية الأولى والمراد عدم خلع النساء الملابس المخفية للجزء الواجب إخفاؤه عن الأغراب كما كن يخلعن أيام الكفر المعروفة، وفي هذا قال تعالى بسورة الأحزاب: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
5-ألا تبدي المرأة ما خفي من زينتها والمراد ألا تظهر المرأة ما أخفته الملابس من عورتها إلا ما أباح الله إبداءه، وفي هذا قال الله بسورة النور: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}.
6-أن تضرب النساء بخمرهن على جيوبهن والمراد أن تغطي النساء بأغطية الرأس على الأجزاء الظاهرة من فتحات الجلابيب العلوية وفي هذا قال الله في سورة النور {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.
7-أن المسموح للمرأة بكشف الأجزاء الخفية من العورة أو بعضها أمامهم التي تغطيها الملابس هم الآباء ويشملون الأب الصلبي ومن الرضاعة والجد والأعمام والأخوال، وآباء البعولة وهم آباء الأزواج وأجدادهم وأعمامهم وأخوالهم، وأبناء المرأة وهم أولادها الرجال وأبناء الزوج وهم أولاد الزوج الذكور من نساء أخريات، والإخوة الذكور وأبناء الإخوات الذكور والنساء وملك اليمين من الرجال، والتابعون من غير أولى الإربة، وهم المجانين والأطفال غير البالغين والزوج، وفي هذا قال الله في سورة النور: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء}.
8-ألا تضرب المرأة برجلها والمراد ألا تخرج المرأة ساقها من الثياب بالحركة؛ وذلك حتى لا يعرف ما تخفيه من زينتها أي عورتها، وفي هذا قال الله في سورة النور: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}.
9-أن الأب عليه أن يحضر الكسوة وهي الملابس لزوجته وولدها كما يحضر لنفسه وذلك كما ينفق عليهم بالمعروف، وفي هذا قال الله تعالى في سورة البقرة: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.
10-أن ولي السفيه وهو الطفل اليتيم عليه أن يرزقه من المال ويحضر له الكسوة وهي الملابس، وفي هذا قال الله في سورة النساء: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها}.