هل يقول الله (كن)؟


د. أمير الحداد



- كنت في طريقي إلى استراحتي الأسبوعية التي تبعد نصف ساعة جنوب البلاد، أدرت المذياع فإذا بأحدهم في إذاعة القرآن الكريم يتحدث عن خلق الله بـ(كن) فيكون.
يزعم المتحدث أن هذا مجرد (كناية) عن إرادة الله عز وجل.
- هذا الكلام غير صحيح، بل جميع الآيات التي ورد فيها هذا الأمر تدل على أن الله يقول (كن)، أورد شيخ الإسلام ابن تيمية في (دقائق التفسير) قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (النحل:40)، وذلك الشيء معلوم قبل إبداعه وقبل توجيه الخطاب إليه وبذلك كان مقدرا مقضيا.

«فإذا قال السائل إن كان المخاطب موجودا فتحصيل الحاصل محال، يقال له: هذا إذا كان موجودا في الخارج، وأما ما علم وأريد وكان شيئا في العلم والإرادة والتقدير فليس وجوده في الخارج محالا بل جميع المخلوقات لا توجد إلا بعد وجودها في العلم والإرادة وهو قول السائل إن كان معدوما فكيف يتصور خطاب المعدوم.. ويقال له».
قاطعني..
- هل لك أن تشرح لي هذه العبارات بكلمات بسيطة بعيدا عن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية؟
تبسمت لتعليق صاحبي.
لك ذلك، ببساطة نثبت أن الله إذا أراد أن يخلق شيئا، أي يوجده بعد أن لم يكن، فإنما يقول كلمة (كن)، وذلك أن جميع السماوات والأرض، كما في الحديث عن عبدالله بن عمر أن رسول الله [ قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» (مسلم)، فكل شيء مقدر ومكتوب وإنما قوله سبحانه (كن) ليظهر إلى الوجود ما كتبه الله وأراده، والآيات التي ذكر فيها الله -عز وجل- هذا الأمر تدل على ذلك بمقتضى اللغة وانتفاء المانع.. على سبيل المثال:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117).
{قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران:47).
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران:59). {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (مريم:35). {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (يس:82).
- ويوضح ابن تيمية الأمر بإعطاء مثال: «مثل ذلك يجده الإنسان في نفسه فيقدر أمرا في نفسه يريد أن يفعله ويوجه إرادته وطلبه إلى ذلك المراد المطلوب الذي قدره في نفسه ويكون حصول المراد المطلوب بحسب قدرته فإن كان قادرا على حصوله حصل مع الإرادة والطلب الجازم وإن كان عاجزا لم يحصل، وقد يقول الإنسان ليكن كذا أو ليت يكون كذا، من صيغ الطلب فيكون المطلوب بحسب قدرته عليه ولله المثل الأعلى، فإن الله -عز وجل- على كل شيء قدير فما شاء كان دون شك، فإن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له (كن) فيكون، فكل ما يحدث في الكون فهو كائن بكلمة (كن)...) (دقائق التفسير).
- وضح الأمر... ولنذكر خلق آدم وعيسى عليهما السلام!
- إن الله سبحانه خلق آدم من تراب ثم قال له كن فكان، ونفخ فيه الروح، وكذلك المسيح عيسى ابن مريم خلقه من تراب ثم قال له كن فكان، وهذه مراحل الخلق الثلاث، أن يخلق، ويبريء، ويصور ، فهو سبحانه (الخالق البارئ المصور)، بهذا الترتيب في خلق كل شيء ولاسيما الإنسان.
كاد وقت العشاء أن يحين، طلب صاحبي أن نتجه في سيرنا إلى المسجد، فعلنا.. تابعت الحديث:
- ودعني أزيدك مما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في تفسير هذه الآيات «إن أمره - سبحانه- إذا أراد شيئا أن يقوله له: (كن) فيكون، لكنه - جل وعلا- يخلق الأشياء بأسباب ومقدمات تتكامل شيئا فشيئا حتى تتم كما لو شاء خلق الجنين في بطن أمه في لحظة لكنه يخلقه أطوارا حتى يتكامل، كذلك السماوات والأرض لو شاء لخلقها وما بينهما في لحظة ولكنه سبحانه يخلق الأشياء تتكامل شيئا فشيئا.

واشتهر عند العوام يقولون: يا من أمره ببين الكاف والنون.. وهذا غلط ليس أمر الله بين الكاف والنون، بل بعد الكاف والنون.
وكلام الله -عز وجل- صفة جليلة من صفاته، يتكلم بما شاء متى شاء كلاما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، يتكلم بصوت مسموع -سبحانه وتعالى- ليس ككلام البشر، ومما يقوله: سبحانه (كن) للأشياء فتكون، هذا مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الأمر.