يَحرمُ الدَّفنُ (في مسجدٍ ونحوهِ، كمدرسةٍ، ورباطٍ، لتعيينِ الواقفِ الجهةَ لغيرِ ذلكَ، ويُنبشُ مَن دُفنَ بمسجدٍ ونحوهِ، ويُخرجُ نصَّاً، تداركاً للعملِ بشرطِ الواقفِ)[1].
ويُكرهُ دفنُ الْميِّتِ في بيتهِ أو مزرعتهِ أو غيرهِ من أملاكهِ[2].
فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: لا تَجعَلُوا بُيوتكُم مقَابرَ، إِنَّ الشيطانَ يَنفرُ منَ البيتِ الذي تُقرأُ فيهِ سُورةُ البقَرَةِ)[3].
(فإنَّ ظاهرَهُ يَقتضي النهيَ عنِ الدَّفنِ في البيُوتِ مُطلقاً)[4].
ولو (أوصَى بأنْ يُدفَنَ في دارهِ فوَصيتُهُ باطلَة)[5].
(والمقبرةُ أفضلُ بالاتفاقِ)[6]، لأنَّ الدَّفنَ في البيوتِ سُنَّةٌ خاصَّةٌ بالأنبياءِ عليهم السلام، لأنهم يُدفنون في مَوْضع مَوْتهم، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: (لَمَّا قُبضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اختلَفُوا في دَفْنهِ، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: سمعتُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نسيتُهُ، قال: «ما قَبَضَ اللهُ نبيَّاً إلاَّ في الموضع الذي يُحبُّ أن يُدفَنَ فيه»، ادفنُوهُ في مَوْضع فراشهِ)[7].
فهذا (دليلٌ ووجهٌ على تخصيصِ الأنبياءِ بذلك)[8].
ولم يَرِد أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَرَ أحداً من الصحابة رضي الله عنهم في بيتِ الْميِّت أو أرضهِ -فيما أعلمُ- ولأنَّ الدَّفنَ في البيوت يَضرُّ بالورثةِ، ويَتسبَّبُ في حرمانِ الْميِّتِ من كثرةِ الدُّعاءِ له من الزائرينَ للقبورِ، (ولَمْ يَزل الصَّحابةُ والتابعونَ ومَن بعدَهُم يُقْبَرُون في الصَّحاري)[9]، (ولأنه أشبه بمساكنِ الآخرةِ)[10].
قال ابنُ رجب رَحِمَهُ اللهُ: (وقال أيضاً -أي الإمام أحمد-: «ما أُحبُّ أن يُدفنَ في بيتهِ، يُدفنُ في المقابرِ مَعَ المسلمين»، وقال فيمن وَصَّى أن يُدفنَ في دارهِ: «يُدفنُ في المقابرِ مَعَ المسلمين، وإنْ دُفنَ في داره أضرَّ بالورثةِ، والمقابرُ مَعَ المسلمين أعجبُ إليَّ»، وتأوَّلَه بعضُ أصحابنا على أنه نقصَ من قيمة الدار بدفنهِ فيها أكثرَ من مقدار ثلث مال الموصي، وهذا بعيدٌ جداً، بل ظاهرُ هذه الروايةِ تدلُّ على أنَّ مَن وَصَّى في دفنهِ بمكروهٍ، أو بما هو خلافُ الأفضلِ أنه لا تُنفَّذُ وصيَّـتُه بذلكَ)[11].
(فإن قيلَ: فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم قُبرَ في بيتهِ...؟.
قُلنا: قالت عائشةُ: «إنما فُعلَ ذلكَ لئلاَّ يُتخذَ قبرُهُ مسجداً» رواه البخاريُّ[12].
ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَدفنُ أصحابهُ في البقيعِ، وفعلُهُ صلى الله عليه وسلم أولى من فعلِ غيرِهِ، وإنما أصحابُهُ رأوا تخصيصَهُ بذلكَ، ولأنهُ رُويَ: «يُدفَنُ الأنبياءُ حيثُ يَموتُونَ»[13].
وصيانةً له صلى الله عليه وسلم عن كَثرةِ الطُّرَّاقِ، وتمييزاً لهُ صلى الله عليه وسلم عن غيرِهِ)[14].
والله تعالى أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
[1] كشاف القناع 4/ 230 لمنصور البهوتي، ويُنظر: حاشية ابن عابدين 3/ 166.
[2] يُنظر: المدونة 1/ 255 للإمام مالك، المغني 3/ 441 لابن قدامة، فتح الباري 1/ 529-530 لابن حجر، حاشية الطحطاوي ص612.
[3]رواه مسلم 1/ 539 ح121-780 (باب استحبابِ صلاةِ النَّافلةِ في بيتهِ وجوازها في المسجدِ).
[4] فتح الباري 1/ 530 لابن حجر.
[5] تكملة البحر الرائق شرح كنز الدقائق 9/ 301 لمحمد الطوري.
[6] المجموع 5/ 174.
[7]رواه الترمذي 2/ 502 ح1039 (باب ما جاء في دفن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيثُ قُبض)، وفي الشمائل المحمدية ح390 ص331 (باب ما جاء في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال الألباني: (حديثٌ ثابتٌ بما له من الطرق والشواهد) أحكام الجنائز ص137 رقم 90.
[8] الاستذكار 8/ 295 لابن عبد البر.
[9] المغني 3/ 441.
[10] شرح منتهى الإرادات 2/ 145 للبهوتي.
[11] فتح الباري 3/ 233 لابن رجب.
[12] رواه البخاري ح1390 (بابُ ما جاء في قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما) بلفظ: (لولا ذلكَ أُبرزَ قبرُه، غيرَ أنه خَشيَ أو خُشيَ أن يُتخذ مسجداً)، ومسلم ج1/ 376 ح19-529 (بابُ النهي عن بناءِ المساجدِ على القبورِ واتخاذِ الصورِ فيها والنهي عن اتخاذِ القبورِ مساجدَ) بلفظ: (فلولا ذاكَ أُبرزَ قبرُه، غيرَ أنه خُشيَ أن يُتخذَ مسجداً).
[13] قال محققو مسند الإمام أحمد رَحِمَهُ اللهُ 41/ 219: (حديث صحيح بطرقه).
[14] المغني 3/ 441.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131977/#ixzz5cEMTaaXe