يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :" اعلم أن العلماء أجمعوا على من صرف شيئا من الدعاء لغير الله فهو مشرك ولو قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وصام وصلى إذ شرط الإسلام مع التلفظ أن لا يعبد إلا الله . فمن أتى بالشهادتين وعبد غير الله فما أتى بها حقيقة . وإن تلفظ بها كاليهود الذين يقولون لا إله إلا الله وهم مشركون ومجرد التلفظ لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناها وإعتقاده إجماعاً " إ .هـ . تيسير العزيز الحميد .-وقال وهو إجماع صحيح معلوم من الدين بالضرورة . وقد نص العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادات وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن دعاء الله عبادة فيكون صرفه لغيرالله شركاً " إ . هـ -------------------يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن : " أجمع العلماء سلفاً وخلفاً من الصحابة والتابعين وجميع أهل السنة أن المرء لا يكون مسلماً إلا بالتجرد من الشرك الأكبر والبراءة منه وممن فعله وبغضهم ومعاداتهم حسب الطاقة والقدرة وإخلاص الأعمال كلها لله ".إ.هـ الدرر السنية جـ 11 .----------------------------------- لا ترتفعُ صفةُ الشِّركِ على المتلبِّسِ بالشرك الأكبرِ، وتثبتُ مع الجهل قبل قيام الحُجَّة الرِّسالية وبعدَها؛ لأنّ عبادةَ غيرِ اللهِ لا توجد مع الإسلام البتة، ولا توجد إلاّ من مُشركٍ وإن كان مُصرّحًا بالإسلام، ومعنى ذلك أنّ مَنْ عَبَدَ اللهَ تعالى وعَبَدَ معه إلهًا آخَرَ لم يكن مُسلمًا، ومَن لَمْ يَعْبُدْهُ بل استكبرَ عن عبادته لم يكن مُسلمًا، فالمشركُ ليس من عِداد المسلمين؛ لأنّ دِينَ الإسلام الذي ارتضاه اللهُ وبعثَ به رُسُلَهُ هو الاستسلام لله وحده، والخضوعُ له وحده لعبادته دون ما سواه؛ ذلك لأنّ الناس على صِنفين: إمّا موحّد لا يعبد إلاّ الله وحده لا شريك له، وإمّا مُشركٌ يعبدُ غيرَ اللهِ تعالى، وليس في بني آدمَ قسم ثالث، فكلّ من قدّم شيئًا لغير الله ممَّا لا يكون إلاّ لله من خصائص الإلهية فليس ممَّن عَبَدَ اللهَ مُخلصًا له الدِّين، وإذا لم يكن مُوحِّدًا كان مُشركًا ولا ثالث لهما، وقد ذَكَرَ ابنُ القيِّم -رحمه الله- في معرِض قوله تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠]، أنّ الله تعالى قسم الخلائق قسمين: سفيهًا لا أَسْفَهَ منه، ورشيدًا؛ فالسفيهُ من رَغِبَ عن مِلَّتِهِ إلى الشِّرك، والرشيدُ من تَبَرَّأَ من الشِّرك قولاً وعملاً وحالاً فكان قولُه توحيدًا، وعملُه توحيدًا، وحالُه توحيدًا، ودعوتُه توحيدًا. فالمعرِضُ عن التوحيد مُشرك شاءَ أم أبى، والمعرِض عن السُّنَّة مُبتَدِعٌ ضالٌّ شاء أم أبى------وقال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله -
((ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلابد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا، وليس في بني آدم قسم ثالث. بل إما موحد ، أو مشرك ، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل : النصارى ومن أشبههم من الضلال ، المنتسبين إلى الإسلام)) مجموع الفتاوى ج 14 هذا، وينبغي أن يعلم أنّ ثبوت صفة الشرك قبل قيام الحُجَّة عليه له حكم يختلف عنه بعد قيام الحُجَّة، فصاحبُ الشِّرْكِ قَبْلَ قيام الحُجَّة مُشركٌ لكن لا يستحقُّ صاحبُه العقوبةَ في الدَّارَيْنِ: القتل في الدنيا، والخلود في النار في الآخرة، وهذا إنما يكون للمشرِك بعد قيام الحجَّة الرِّسالية(٢)؛ لأنّ العقوبةَ والعذابَ متوقّفٌ على بلاغ الرسالة لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: ١٥]، فالشركُ ثابتٌ في كِلتا الحالتين: قبل البلاغ وبعده، غير أنه من لم تبلغه الحُجَّة الرِّسالية فشركه غير معذّب عليه؛ لأنه «لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِشَرْعٍ»، «وَالشَّرْعُ يَلْزَمُ بِالبَلاَغِ مَعَ انْتِفَاءِ المُعَارِضِ»، وأهله قبل بلوغ الحُجَّة ليسوا بموحِّدين.
فالحاصـل: إنّ مَنْ لَمْ تبلغْهُ الدعوةُ والحُجَّة الرِّساليةُ وكان متلبِّسًا بالشرك الأكبر فمعذورٌ لعدم البلاغ لا لمجرّد الجهل، إذ لا يعذر في أصول الإيمان بجهله، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(٣)، فمن لم تبلغه الدعوةُ بحالٍ ولا سمع بها بخبر فينتفي عنهم الكفر باعتبار ما يترتَّب عليه من العقوبة في الدارين -كما تقدّم- غير أنه لا يُحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مُسَمَّى المسلمين؛ لأنّ الشرك يصدق عليهم واسمه يتناولهم ولا يبقى إسلام مع مناقضة قاعدته الكبرى شهادة: «أن لا إله إلاّ الله»؛ فشأنهم كشأن أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميّزوا شيئًا فينتفي عنهم الشرك باعتبار أنه لا يترتَّب عليهم من العقوبة في الدارين غير أنهم مشركون في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم.
أمّا مَنْ بلغته الحُجَّة الرِّسالية -خاصّة ممّن يعيش في البلدان الإسلامية- فإنّ وصف الشِّرك يثبت في حقّه بمجرّد فِعله ويستحقّ الوعيد بالعذاب ولا عُذر له بالجهل بأصول الإيمان، -لِمَا تقدَّم من حديث أبي هريرة السابق- ولا علاقةَ ترابطية بين حُكم الشِّرك ونفي العذاب، فكلُّ مُعذّب في الدارين فهو مُشرك، وليس كلّ مشركٍ معذّبًا إلاّ بعد قيام الحجّة الرسالية[للشيخ محمد على فركوس بتصرف]