الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:
فتأمَّل في آيات التوكُّل تجدها في الغالب مقترنةً بذكر الدعاء بعدها؛ مثل: قوله سبحانه: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 5، 6]، وقوله سبحانه: ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الممتحنة: 4، 5]، وقوله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران:173- 174] وغيرها آيات كثيرة.
يبقى السؤال: المهم ما السرُّ في ذلك؟!
الجواب: السرُّ أن المؤمن لا يستطيع تحقيق التوكُّل على الله عز وجل، ولا الفوز بنتائجه العظيمة، إلا بإعانة من الله سبحانه؛ كما قال: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [هود: 88].
ولذا فإن الذي يدعو الله بإلحاح وبيقين جازم مع بذله الأسباب المشروعة وعدم تعلُّق قلبه بها هو أفضل وأقوى المتوكِّلين.
وقد قال العلماء: إن كثرة الاستخارة مع تفويض الأمر لله سبحانه من علامات قوة توكُّل العبد على ربِّه سبحانه.
ومن فضائل التوكُّل قوله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]؛ يعني: كافيه ما أهمَّه.
والتوكُّل عبادة قلبية عظيمة، تدلُّ على قوة إيمان العبد.
فإذا علمت فضائل التوكُّل، فينبغي أن تشتاق لتحقيقه، وأن تسأل ربَّك سبحانه بإلحاح أن يرزقك قوَّة التوكُّل.
وحبسب نفسك في مواطن ضعف توكُّلك على الله؛ أي: مواطن تعلُّقك بالأسباب أكثر من تعلُّقك به سبحانه.
ومن أسباب قوة التوكُّل:
أ*- قوة التوحيد، خاصة توحيد الأسماء والصفات، وما يتضمَّنه من عظمته وقُدْرته سبحانه،
وأنه سبحانه السميع البصير القادر المعطي المانع الناصر وحده سبحانه.
ب*- وبهذا يؤمن المؤمن أنه سبحانه أعظم سبب لتيسير الخيرات ودفع الشرور والمكروهات، فلا ينفكُّ عن الاستعانة به سبحانه، والتوكُّل عليه وحده دون غيره طرفة عين.
ت*- قوة اﻹيمان بالقدر؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ [التوبة: 51]، ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كل شيء بقدر، حتى وضعك يدك على خدك".
ث*- كثرة الدعاء بطلب التوكُّل؛ لأن التوكُّل رزق عظيم لا يُؤتاه إلَّا ذو حظٍّ عظيم من ربٍّ كريم.
ج*- المطالعة في سير المتوكلين وأعظمهم نبيُّنا صلى الله عليه وسلم.
ح*- معرفة فضائل التوكُّل؛ أي: أجره ونتائجه من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ثم ما كتبه السابقون والمعاصرون عنه.
من أفضل ما قرأته عن التوكُّل من الكتب المعاصرة، كتاب أخي د. عبدالله الكنهل وعنوانه: (عمل القلب الفريضة الغائبة)، وهو موجود بالمكتبات وبالإنترنت، حفظكم الله، وأسأل الله أن يرزقكم قوة التوكُّل والثبات.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131945/#ixzz5c0S6FksU