لعلاج أخطاء الأبناء : نعم للاعتراف.. لا للتبرير


ريم بنت عبد العزيز بن محمد الشويش

كثيرا ما ينتاب الوالدان الدهشة حين يقفا أمام خطأ محقق قام به طفلهما، لكنه يظل يردد : "إنها ليست غلطتي" !!
بالأمس وعندما حان وقت مراجعة الدروس تململ "سلمان" وهو يبحث في حقيبته حيناً ويختلس النظر إليَّ حيناً آخر، ثم قال: ماما أمهليني دقيقة واحدة، سأتصل بـ "حسن" لأسأله عن الواجبات. وأدركت حينها أن مذكرة الواجبات والتي كانت في درج المكتب بالمدرسة منذ ثلاثة أيام مازالت في بيات شتوي.. وحين رآني أستشيط غضباً، قال: لقد كانت غلطة صديقي "حسن" استعارها مني وحين أرجعها لم يذكِّرني أن أضعها في الحقيبة، وأمس الأول كان الأستاذ هو السبب فقد أخذها ليكتب ملاحظاته وأعطاني إياها بعد أن أغلقت الحقيبة، أما اليوم فلا تتصوري كم كان إزعاج الأولاد عندما دق جرس نهاية الدوام لدرجة أنهم أنسوني أن أضعها في الحقيبة فوضعتها في الدرج.
هذا موقف من عشرات المواقف التي تمر علينا في تعاملنا مع أبنائنا.. لم يهدأ روعي إلا بعد ما قرأت عدة كتب لأساتذة في فسيولوجية الأطفال والبالغين، وعرفت أن الطفل في سن المدرسة يستعمل المنطق ليهرب من اللوم ويفلت من العقاب، وهو في سن السابعة تقريباً يكون مهياًً لذلك من الناحية الإدراكية والانفعاليـــة .. فهو يعرف أنه مسؤول عن تصرفاته؛ لذا يتهرب من أخطائه بالتبرير. وإلى جانب قدرته – نوعاً ما – على الحد من دوافع الخطأ فهو يعرف الصواب، أو على الأقل يعتذر عن أخطائه إما بالأسف أو التبرير، وعادة ما يلجأ للتبرير ؛ فالاعتراف بالخطأ من أصعب الأمور على الكبار، فكيف بالصغار الذين يقترن الاعتراف بالخطأ لديهم بسوء تقدير الذات والخوف من العقاب، أو على الأقل الخوف من الرفض والاستنكار من قبل الوالدين؟! وكم مرت علينا هذه المشاعر عندما كنا صغاراً، فكم مرة أخطأنا وحاولنا إخفاء أخطائنا أو تبريرها، ورددنا عبارات من قبيل "أمي ستقتلني لو علمت" ، "أبي سيوجعني ضرباً لو رآني"، لا خوفاً من القتل أو الضرب، بل خوفاً من فقدان محبتهم.
هذا التصرف وإن كان يقع فيه الكثير من الأطفال، بل غالبيتهم، إلا أنه يظل ينشئ أطفالاً لا يشعرون ولا يتحملون المسئولية، بل يبررون كل ما يدور حولهم دون اتخاذ خطوات جادة لحل مشاكلهم، ويكمن هذا التبرير وراء نوعية اللوم الموجه إليهم، فالطفل الذي يعنف باستمرار وبشدة على كل صغيرة وكبيرة يحاول أن يبرر أخطائه ليقلل نسبة الاصطدام مع الوالدين، بينما لو قوبلت أخطاء الأطفال بشيء من التفهم والنقاش لمعرفة الأسباب والعواقب، ومن ثم اتخاذ الحلول؛ فإن ذلك يقلل نسبة التبرير لدى الأطفال، بل ينشئ جيلاً يعترف بخطئه ويقدر على اتخاذ الحلول وتصحيح المسار.. فمثلاً حين نسي سلمان مذكرته كان الأولى أن يفتح نقاشاً هادئاً مثمراً :
- لقد نسيت المذكرة.
- كيف ستحل الواجب الآن؟
- سأتصل بحسن.
- جيد، لكن هل يكتب حسن كل ما يكتبه الأستاذ بدقة؟
- ليس تماماً.
- إذاً ماذا ستفعل؟
- سأتصل بـ "خالد" وآخذ منه باقي الواجبات.
- يبدو لي أن أمه تتضايق من كثرة الاتصال.
- لا بأس، سأجرب "محمداً" ..
- ترى كم من الوقت كنا سنختصر لو أحضرت المذكرة؟
- عشر دقائق.
- ماذا كنت ستفعل فيها؟
- ألعب..
- إذا سنخصم اليوم من وقت اللعب عشر دقائق للبحث عن الواجبات، وهكذا كل مرة تنسى فيه المذكرة.
- سأحرص غداً أن أحضرها.
وفي اليوم التالي والذي يليه قد يحضر المذكرة وقد ينساها، فإن أحضرها فخير، وإن نسي كالعادة.. يكرر النقاش مع الحزم :
- سلمان، ماذا تقترح أن نفعل حتى لا تنسى المذكرة مرة أخرى؟
- احرص إن شاء الله أن أتذكر.
- وإن نسيتها مرة أخرى؟
- سأكتب عشرة مرات "لن أنساها"
- وإن نسيتها؟
- مم .. مم
- لا تستطيع اللعب مع أصدقائك ذلك اليوم.
- آه .. مع بعض دموع التماسيح.
- ستكون لفترة حتى تعتاد عدم نسيان المذكرة؛ لأنك تتعب يومياً في تحصيل الواجبات من أصدقائك.

وهكذا ابدئي بالبعد عن التعنيف الشديد، فذلك يخفف من حدة الرغبة في التبرير الذي يستعمله طفلك دفاعاً عن نفسه؛ لأنه سيأمن جانبك ويطمئن على مكانته عندك، ثم ناقشيه في الخطأ الذي ارتكبه بطرح كل الاحتمالات الممكنة التي تدور حول المشكلة أو "الخطأ" الذي يقوم به .. يليه اتخاذ قرارات حازمة قابلة للتطبيق (فمثلا لا تقولي له: لن تخرج من البيت أسبوعا.ً فذلك غير ممكن)، ثم تطبيق ما اتفق عليه مسبقاً بحزم، ولا تتصوري أن مرة واحدة تكفي، بل قد يتكرر الموقف نفسه أو شبيه له عشرات المرات .. لكن الحزم في تطبيق ما اتفق عليه يقلل عدد الأخطاء، ولنتذكر الحديث الشريف: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون".
هذه الطريقة في المعالجة تجعل طفلك يعترف بأخطائه. وسيأتي يوماً ليقول لك بحزن: يبدو أنني لن ألعب مع أصدقائي اليوم، لقد نسيت مذكرتي .. هذه الصراحة والجرأة في الاعتراف متولدة من شعوره بالأمن؛ لأنه اشترك في اتخاذ القرار.
حتى لو فشل هذا الأسلوب في معالجة مشكلة ما، لكنه يغرس في طفلك شعوراً بالمسؤولية، وفي نفس الوقت قد يسعى بعض الأطفال لتغيير قواعد متفق عليها مسبقاً، فلا تلتفتي لأي عمل يقوم به في بكاء وعويل أو حتى إعادة مناقشة ما تمت مناقشته ووضعت قوانينه، فعدم استجابتك لمحاولاته هذه يربيه على أن هناك ثوابت لا يُتنازل عنها، وأنه مسؤول عن تصرفاته.
· احذري

وفي حالة نجاحك في جعل الطفل يعترف بخطئه حذار أن تقعي في منزلق آخر، وهو إعادة التأنيب.. فمثلا لو قال طفلك: "ماما بطني تؤلمني؛ لأني أكلت ولم أغسل يدي قبل الأكل"، فالأولى أن تقولي : "سلامتك.. لتغسلها الآن، ولتأخذ بعض العسل؛ عله يخفف آلامك، وجميل أنك عرفت السبب".. أفضل من قول: "ألم أقل لك ألف مرة: اغسل يديك قبل الأكل.. هذا الألم لأنك لم تسمع الكلام".

مثال آخر: "أمي، لقد اتسخ قميصي بالحبر فقد تركت القلم مفتوحاً" .. فالأولى أن تقولي: "أعرف أنك لا تقصد ذلك.. لكن جرب هذا المنظف لعله يزيل الحبر من قميصك، وإلا فستفقد قميصك المفضل".. أفضل من: "قلت لك مراراً: انتبه إلى القلم، لا تتركه مفتوحاً.. أنت دائماً هكذا لا تبالي بشيء"..
فالأمثل أن تقبلي اعتراف طفلك بالخطأ بسعادة وحنان ورفق دون تأنيب، يقول بعض علماء التربية: اسلك في تربية ولدك طريق الترغيب قبل الترهيب، والموعظة قبل التأنيب، والتأنيب قبل الضرب.

وأخيراً فالعملية التربوية بحاجة لصبر طويل لتعطي نتائج أفضل.