كيف نعدل سلوك أبنائنا 5
نجلاء على هيكل
بينما كنت أقرأ الورد اليومي من القرآن والذي أتعمد أن أقرأه أمام أبنائي، ذاكرة إياهم عن عدم مقاطعتي أثناء قراءتي للقرآن، حتى يتعلموا وينطبق بأذهانهم هذا المشهد لى فيتعلموا أن قراءة القرآن شيء يومي هام، معلمة إياهم أن هجر قراءة القرآن لمن الأمور المحرمة شرعاً، وأن قراءة القرآن تبعد الشيطان عن المنزل، وتهدئ نفوسنا فلا يتعارك الإخوة مع بعضهم البعض، وخصوصا البنين الذين لديهم من الطاقة مالا تستطيع الأم في بعض المواقف كبح جماحها.
فسمعت ابني الصغير يحكي لأخته عن زميله بالمدرسة الذي لا يلعب معه إلا إذا أعطاه الحلوى الخاصة به وتذكرت الآية الكريمة لقوله تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (26) سورة آل عمران .حيث إن هذه الآية الكريمة ترشدنا إلى أن نكون أعزاء النفس، وأن العز والذل بيد الله وليس بيد أي شخص آخر، وترشدنا لأهمية البناء النفسي للإنسان منذ الصغر، وبالطبع بما أننا كآباء وجب علينا أن نزرع هذه الصفة الكريمة في نفوس الأبناء .
والآن نتابع هذا المشهد ونلاحظ كيف تعالج الأم هذا الموقف الذي يبدو في نظرنا بسيطا لكنه لا شك في نفوس الأولاد له أثر كبير:
الأم : بني قرة عيني احضر هنا بجواري، يا ترى ماذا صنعت اليوم بالمدرسة؟ .
الابن : الحمد لله يا أمي .
الأم : ويا ترى ما هي أخبار المعلمة،هل أجبت على كل ما طلبته منك؟
الابن : نعم يا أمي فلقد كنت أميز تلميذ بالفصل، كما أن المعلمة أعطتني نجمة كبيرة جداً .
الأم (وهي تحتضنه وتقبله): ما شاء الله، أنا فخورة بك يا بني.
الابن : بعد إذنك يا أمي سوف أذهب للعب مع أخي .
الأم : حبيبي لم تحكِ لي ما صنعته اليوم في أرجوحة المدرسة .
الابن : لعبت يا أمي واستمتعت.
الأم : يا ترى مع من ؟ أحمد أم مروان؟
الابن : مع أحمد لأن مروان كان غائبا .
الأم : و ما اللعبة التي لعبتها مع أحمد ؟
الابن : لعبنا لعبة الجري .
الأم :حقا, لعبة جميلة جداً .ما رأيك في أن نلعبها معاً ؟
الابن : يضحك .
الأم : ويا ترى أكلت البسكويت الذي أعطيته لك اليوم ؟
الابن: لا يا أمي .
الأم : لماذا؟ لم يعجبك؟
الابن :بالطبع لا، فأنا أحبه ولكن أحمد قال لي: إذا أردت اللعب معي أعطني البسكويت الذي معك .
الأم : وأعطيته إياه؟ .
الابن: نعم يا أمي لكي ألعب معه .
الأم : ولكنك يابني تحب البسكويت، وكان عليك ألا تعطيه لأحد، هل والدته لا تعطيه بسكويت؟
الابن : كلا يا أمي، هي أعطته ولكنه أكله كله .
الأم : حبيبي عليك أن تلعب مع أصدقائك بدون مقابل لأنهم يلعبون معك أنت وليس من أجل إعطائهم شيئا.
الابن :أمي, وإذا لم أجد من يلعب معي، ماذا أفعل؟
الأم :حينما تعود للمنزل،سوف ألعب أنا معك كل اللعب الذي تحبه.
الابن: حاضر يا أمي .
الأم : نحن نلعب معاً، ومع أصدقائنا لأننا أصدقاء، وليس من أجل البسكويت والحلوى.
الابن : إذن فمتى نتشارك بالحلوى ؟
الأم : حينما تأكل طعامك، وتحافظ على حلوتك، سوف أحضر لك حلوي تتشارك بها مع الفصل كله.
الابن: حاضر أمي.
الأم :الأم تحتضن ولدها وتقبله .
الابن: يضحك ويقبل أمه، ويكمل اللعب مع إخوته.
ملاحظات على الأبناء :
إنه من الممكن في العمر الصغير أن يتعود الابن على أن يقدم خدمات أو أشياء للآخرين مقابل اللعب معه، وبالطبع هذه الصفة تتطور في المستقبل لأشياء أخري مثل : أن يكون مضحكة لزملائه، حتى يفوز بمرضاتهم من أجل صداقتهم، أو من أجل أن يتنزه معهم، أو ليخرج معهم في نزهة ويدفعوا له الحساب وغيره من الأمور التي نعلهما، والتي من الممكن أن تجعل الإنسان في الكبر يخالف ضميره وذلك من أجل الحصول على المال لوضع معيشي أفضل، قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ ) (المنافقون: من الآية8) فنتعلم أننا مطالبون بالعزة، لأن كل عمر له متعه ومتطلباته التي يسعد الإنسان بها, فلا ينبغي أبدا أن نذل أنفسنا من أجل الحصول على مكسب مادي أو متعة عاجلة.
إن تبصرة الأبناء منذ الصغر على هذه الأمور الصغيرة تعمل على تفادي عواقبها بالمستقبل القريب وغير البعيد .
نصائح الأجداد :
ولم يترك أمر الذل دون التوجيه والنصيحة من الأجداد لما له من أهمية خاصة في نفوس العرب، وبما أنهم قوم يحافظون على عزتهم ومنهجيتهم في الحياة فقد كافأهم الله عز وجل بالإسلام فيقول في هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله ".
إن من عادات العرب كرههم لأن يستذلوا فإذا قدروا عفوا، فهذه هي الفطرة التي خلق الإنسان عليها، ولم ينس الشاعر أن يذكر أهمية هذا الأمر من خلال هذين البيتين :
وصدق القائل:
لا تخضعن لمخلوق على طمع
فإن ذلك نقصٌ منك في الدين
واسترزق الله مما في خزائنه
فأمر ربك بين الكاف والنون
وإن رسولنا الكريم نبهنا لذلك في حديثه الشريف حيث كان يتعوذ بالله من الذل : " اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقِلَّةِ، والذِلّةِ، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم" .
فهذا الحديث الشريف آخر ما نختتم به مرددينه دائماً على ألسنتنا مذكرين أنفسنا وأبناءنا بقدرة الله عز وجل على صون عزتنا وكرامتنا وإنها بيده عز وجل وليست بيد أي مخلوق سواه.