تَهادوا.. تحابوا



هناء المداح




الهدية من أفضل الأسباب التي تحبب المؤمنين بعضهم إلى بعض، وتحقق المودة بين القلوب، والوئام بين النفوس، والصفاء والتراحم والترابط بين الإخوان والأصدقاء والأزواج، حيث تُقَّرِب البعيد وتصل المقطوع، كما أنها من أعظم ما يسترضي به الغضبان، ويُكافأ به الأبناء..

وهي قبل ذلك وبعده شريعة من شعائر الإسلام الثابتة بالقرآن والسنة والإجماع..

قال تعالى:

{وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب} البقرة 177

وفي رواية للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لو دعيتُ إلى ذراعٍ أو كُراعٍ لأجبت، ولو أُهدِيَ إِلَيَ ذراعٌ أو كُراعٌ لقبلت".

وقال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا". رواه البخاري.

للهدية آدابٌ ينبغي مراعاتها عند تقديمها أو أخذها لتحقق مرادها دون الوقوع فيما يغضب الله ورسوله:

1- اختيار المكان والوقت المناسب ومراعاة الظروف المحيطة بالمهدى إليه عند تقديمها:

فلا يجوز مثلًا منحه إياها في بداية الأوقات العصيبة مثل وقوع حادث أليم أو وفاة أحد ذويه المقربين.


2- عدم العودة فيها:


فما أقبح أن يرجع الإنسان في هديته، وقد نهى نبينا الكريم عن ذلك،

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" رواه البخاري.

3- اجتناب المن بها:


من اللؤم والخِسة وقلة المروءة المَن بالهدية ومعايرة المهدى إليه!،

قال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} البقرة 264


4- ضرورة إيضاح السبب عند رد الهدية:


ربما يضطر المهدي إليه إلى رد الهدية لسبب أو لآخر، ولا شك أن المُهدي سيتأثر بهذا الرد، لذا ينبغي على المهدى إليه بَيان السبب الحقيقي الذي دفعه لذلك لاسيما لو كان سببًا شرعيا.


5- المكافأة على الهدية:

أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مكافأة المُهْدِي، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (مَن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أهدى لكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له) رواه أحمد.


- 6- عدم اختيارها على حسب ذوقك ورغبتك الشخصية، وإنما يجب مراعاة ميول وذوق المهدى إليه،

7- تجنب الإفصاح عن ثمن الهدية أو الحديث عن جمالها وقيمتها أمام المهدى إليه.



8- المبادرة بشكر من أهدي إليك، إما هاتفيًا او تحريريا وفي اليوم نفسه.

هدايا منهي عنها:



من الهدايا المنهي عنها لما فيها من ارتكاب ما حرم الله، أو التعدي على حقوق الآخرين والإضرار بهم :

أولًا: هدية بعض الأبناء دون البعض الآخر وإيثارهم بشيء من المال دون إخوانهم، مما يوقع بين الأبناء الشحناء والكراهية، ويورث العقوق للآباء والأمهات،

فعن النعمان ابن بشير رضي الله عنه قال: "إن أباه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَكُل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأرجعه رواه البخاري.

ثانيًا: الهدايا التي يحصل عليها بعض الموظفين من بعض المتعاملين معهم، والتي غالبًا ما تكون عبارة عن رشاوى نظير خدمة أو تحقيق مطلب في صميم أعمالهم المنوطين بها!،

فحين استعمل النبي صلى الله عليه وسلم ابن الأُتَبيَّة الأزدي على الصدقة، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا لكم، وهذا أُهدِي لي. فكَرِه النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، وقال: (فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر يُهدى له أم لا، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغاءٌ، أو بقرةً لها خُوار، أو شاةَ تيعَر، ثم رفع - صلى الله عليه وسلم - بيده حتى رأينا عُفرة إبطيه: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ ) رواه البخاري .
ثالثًا: هدية مَن قضى له بعض أموره وحوائجه، ومن شفع بشفاعة أو توسط بأمر من الخير، فمثل هذا من المعروف ينبغي أن يكون قربة وعملاً خالصاً لوجه الله، لا ينتظر صاحبه جزاءً ولا شكوراًا،


فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) رواه أبو داود.


رابعًا: الهدايا المحرمة:


هناك من الناس من يتهادون في هذا الزمان تماثيل وصورًا محرمة وآلات موسيقية أو زجاجات من الخمر أو أقراصًا مخدرة أو بعض الأسطوانات المدمجة التي تحوي أفلامًا ومشاهد جنسية وما إلى ذلك من هدايا يُحرَم إهداؤها وقبولها لما لها من آثار سلبية وعواقب وخيمة على الطرفين في الدنيا والآخرة.