كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله
ذكر الله عز وجل في كتابه أنواع من المعبودات صرف لها المشركون العبادة من دون الله، وسمَّاها الله بأسماء مختلفة ونحن إن شاء الله فى هذا الموضوع نبين بطريقه سهلة ومبسَّطَة انواع هذه المعبودات وكيفية الكفر بها ، قال الامام محمد بن عبد الوهاب - اعلم رحمك الله: أن معنى لا إله إلا الله، نفي وإثبات: لا إله نفي، إلا الله إثبات; تنفي أربعة أنواع; وتثبت أربعة أنواع; المنفي الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
فالإله ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر، فأنت متخذه إلها
والطواغيت: من عبد، وهو راض، أو ترشح للعبادة، مثل: شمسان; أو تاج، أو أبي حديدة.
والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام، من أهل، أو مسكن ,أو عشيرة، أو مال، فهو: ند، لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [سورة البقرة آية: 165] .
والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق، وأطعته مصدقا، لقوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة آية: 31]
وتثبت أربعة أنواع: القصد, كونك ما تقصد إلا الله, والتعظيم، والمحبة، لقوله عز وجل {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [سورة البقرة آية: 165] ، والخوف، والرجاء، لقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سورة يونس آية: 107] .
فمن عرف هذا، قطع العلائق من غير الله، ولا يكبر عليه جهامة الباطل، كما أخبر الله عن إبراهيم، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، بتكسيره الأصنام، وتبريه من قومه;
لقوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة آية: 4] ."
المصدر
الدرر السنية في الأجوبة النجدية
ج2/ص122-123
1- الأنداد: الند هو المثيل والشبيه والنظير،
قال تعالى: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(الب قرة: من الآية22). قال ابن جرير رحمه الله: عن بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (فلا تجعلوا لله أندادا) قال أكْفَاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله.
........قال بن زيد في قول الله (فلا تجعلوا لله أندادا) قال: الأنداد الآلهة التي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له.انتهى
وقال البغوي: ( فلا تجعلوا لله أندادا ) أي أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.انتهى
وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) (البقرة: من الآية165) ، قال ابن جرير: واختلف أهل التأويل في الأنداد التي كان القوم اتخذوها وما هي، فقال بعضهم هي آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله،............ عن السدي قال: الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله. انتهى-- قال ابن جرير -- يعني سادة لهم من دون الله يطيعونهم في معاصي الله فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم. انتهى
ويدخل في هذه الأنداد :
* الأوثان التي اتخذها المشركون آلهة لتقربهم إلى الله زلفى ورجوا من عندها النفع والضر، وقصدوها بالسؤال والدعاء، ونذروا لها النذور وقربوا لها القرابين.
** السادة الذين كانوا يطيعونهم في مخالفة دين الله، ويلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم ما يلتزمه المؤمنون من الانقياد لله تعالى - فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم.
-
2- الآلهة: قال تعالى: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح: 23)، قال ابن كثير: وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، قال البخاري ... عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بَعْدُ...... وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت.انتهى
وقال عز وجل: ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ) . فكل من قصده الناس بشيء من العبادة لجلب نفع أو دفع ضر فقد اتخذوه إلهاً مع الله.
-
3- الأرباب: قال عز وجل: (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)(آل عمران: من الآية64). قال ابن جرير: فإن اتخاذ بعضهم بعضا هو ما كان بطاعة الأتباع الرؤساء فيما أمروهم به من معاصي الله وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة الله كما قال جل ثناؤه: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).
وقال أيضا: (أربابا من دون الله) يعني سادة لهم من دون الله يطيعونهم في معاصي الله فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرمه الله عليهم ويحرمون ما يحرمونه عليهم مما قد أحله الله لهم. انتهى
فالأرباب: هم المتبعون والمطاعون فيما يخالف دين الله.
ويدخل في ذلك: العلماء والعبَّاد والشيوخ والرؤساء، الذين بدَّلوا دين الله، وغيروا أحكامه، ووضعوا القوانين والتشريعات التي تخالف دين الله.
-
4- الطواغيت: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(النساء:
وقال أيضا: (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)(ا لنساء: من الآية50). قال بن القيم الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله انظر فتح المجيد لعبد الرحمن بن حسين ص 16 ط 7 سنة 1377
الطاغوت هو: كل من طغى وجاوز حد العبودية لله، وصار يشارك الله في حقه الخالص بالعبادة والخضوع والاستسلام.
فكل من عُبد من دون الله ورضي بالعبادة فهو طاغوت، وعلى رأسهم الشيطان، قال تعالى: (لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّه ُمْ وَلَأُمَنِّيَنّ َهُمْ وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُبَتِّكُنّ َ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُم ْ فَلَيُغَيِّرُنّ َ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء:118: 119)
5- الأصنام والأوثان: قال تعالى: ( قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) (الشعراء: من الآية71).
وقال تعالى: ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) (العنكبوت:17).
قال ابن الأثير : قد تكرر ذكر الصنم والأصنام وهو ما اتُخِذ إلهاً من دون الله. وقيل: هو ما كان له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن.
وقال أيضاً : الفرق بين الوثن والصنم أن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تعمل وتنصب فتعبد، والصنم الصورة بلا جثة، ومنهم من لم يفرق بينهما وأطلقهما على المعنيين. وقد يطلق الوثن على غير الصورة.
ومنه حديث عدي بن حاتم قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي القي هذا الوثن عنك.انتهى --«الطاغوت»: ما تجاوز به العبد حدّه، من معبود، أو متبوع، أو مطاع. فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله r أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله.
قال مالك وغير واحد من السلف والخلف: كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت، وقال عمر بن الخطاب t وابن عباس رضي الله عنهما وكثير من المفسرين: الطاغوت الشيطان.
ويشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه، ويشمل أيضًا كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله
ـ «تحكيم» القوانين الوضعية: تحكيم للطاغوت.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -:«كل من حكم بغير شرع الله فهو: طاغوت»
ـ «النظم المخالفة لشرع الله» التي وضعت للتحاكم إليها، مضاهاة لتشريع الله، داخلة في معنى الطاغوت.--------قال الشيخ عبد العزيز بن باز:ومن أنواع الشرك الأكبر: من يجعل لله ندًا في التشريع، بأن يتخذ مشرعًا له سوى الله، أو شريكًا لله في التشريع، يرتضي حكمه، ويدين به في التحليل والتحريم، عبادة وتقرُّبًا وقضاءً وفصلاً في الخصومات، أو يستحله وإن لم يره دينًا ----«الغاية» من إرسال الرسل: إفرادهم وحدهم بالطاعة المطلقة والمتابعة، فإذا كانت الطاعة لغيرهم، لم تحصل الفائدة المقصودة من إرسالهم.-----قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن «وقول الرسول r: (وأن محمدًا عبده ورسوله)، أي: وشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أي: بصدق ويقين، وذلك يقتضي: اتباعه، وتعظيم أمره ونهيه، ولزوم سنته r؛ وأن لا تعارض بقول أحد، لأن غيره r يجوز عليه الخطأ، والنبي r قد عصمه الله تعالى وأمرنا بطاعته والتأسِّي به، والوعيد على ترك طاعته بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ .
ـ «التوحيد» يتضمن، ويستلزم: تحكيم الرسول r في كل موارد النزاع، وهذا هو مقتضى الشهادتين، ولازمها، الذي لا بد منه.
-
6- الأولياء: قال جل ثناؤه: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:3). وقال: (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(لأعراف: من الآية30). وقال: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ)(الك هف: من الآية102).
7- الشركاء: قال تعالى: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ )(الأنعام: من الآية100) ، وقال: (وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ)(يونس: من الآية66) . وقال: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21).
-
وكل هذه الأنواع المذكورة ( الأنداد، والآلهة، والأرباب، والطاغوت، والأصنام والأوثان، والأولياء ، والشركاء) تختلف في الاسم وتتشابه مع بعضها في كونها كلها عُبِدَتْ من دون الله عز وجل ، وكلها معبودات باطلة، جعلها أصحابها شركاء لله الذي خلقها وأوجدها، فهي في الحقيقة عبد مملوك لله، كما قال تعالى: ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً). وقال عز وجل : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) . فجاوز بها المشركون حد العبودية لله إلى أن صارت شريكاً لله في العبادة، تُعبد كما يُعبد رب العالمين، حيث صرفوا لها ما هو حق خالص لخالق السموات والأرض.
ومن المعلوم أن العبادة بجميع أنواعها لا يستحقها إلا الله عز وجل، وأن التوحيد هو إفراد الله بجميع أنواع العبادة، وأن من أشرك مع الله غيره في شيء منها فهو كافر مشرك.
فالشرك هو أن تصرف شيئا من العبادة لغير الله، قال تعالى:
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) (الزمر:64) (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ) (النحل:52) (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً )(الأنعام: من الآية114)
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الأ نعام: من الآية14)
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )(الأنعام: من الآية164)
(قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً)(لأعراف: من الآية140)
(وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية26)
(وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110)
(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (الجـن:20) (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا)(آل عمران: من الآية64)
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء: من الآية36)
فهنا يجب معرفة أمرين لكي يعرف الإنسان حقيقة الشرك وصوره:
الأمر الأول: أن الشرك يحصل بأن تصرف شيئا من العبادة لغير الله ولو عبادة واحدة كالدعاء مثلا، وليس من شرطه أن تصرف العبادة كلها لغير الله، كما قال الله عز وجل (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)، فتأمل قوله (شيئا)
الأمر الثاني: أن كل ما سوى الله لا يستحق شيئا من العبادة، يستوي في ذلك جميع الخلق من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، وليس من شرط الشرك أن يكون المعبود صنماً، كما قال تعالى في الآيات السابقة (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) فانتبه لقوله (أَفَغَيْرَ اللَّهِ) في ست آيات سابقة، وكذلك قوله (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) في أربع آيات.
فأي شيء من العبادة صُرفت لغير الله فهي باطلة وشرك بالله الواحد الأحد وإن لم يسمها أصحابها شركاً.
وأي شيء صُرِف له شيء من العبادة غير الله فهو معبود باطل وإله لعابديه، وإن لم يسمه صاحبه إلها أو ربا أو معبودا أو شريكا لله، سواء كان نبيا أو ملَكا أو صالحا أو صنما.
فمن دعا نبيا أو وليا صالحا أو استغاث به لقضاء حاجة أو كشف كربة لا يقدر عليها إلا الله أو ذبح له أو نذر أو اعتقد فيه النفع والضر كان كمن عبد الأصنام والأوثان من دون الله، كل هذا شرك وكفر بالله.
فلا فرق بين من يعبد الصنم وبين من يعبد المسيح وبين من يعبد القبور وبين وبين التشريع وتبديل الدين والطاعة فى التحليل والتحريم المخالف لدين رب العالمين-- لأن الشرك هو أن يتخذ الإنسان مع الله معبوداً يعبده مع الله، فإذا حصل هذا المعنى فقد حصل الشرك بالله.
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه أصنافاً من الكفار لكل صنف إله يعبده مع الله فشملهم بحكم الكفر ووصف الشرك ولم يجعل اختلاف معبوداتهم سببا للتفريق بينهم.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: منهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين؛ ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم، والدليل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [سورة الأنفال آية : 39].
فدليل الشمس والقمر، قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [ سورة فصلت آية : 37].
ودليل الملائكة قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [ سورة سبأ آية : 40"41].
ودليل الأنبياء قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} الآية [سورة المائدة آية : 116]. وقوله: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [ سورة آل عمران آية : 80].
ودليل الصالحين قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} [سورة الإسراء آية : 56].
ودليل الأشجار والأحجار، قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [ سورة النجم آية : 19"20].انتهى
-
فانظر هداك الله في كتاب الله هل تجد فيه أن الله فرق بين من كان معبوده حجراً ومن كان معبوده شجراً ومن كان معبوده نبيا، ومن كان معبوده شيطانا رجيماً؟!!
قال الله عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31) ، فانظر كيف سوَّى الله بين عبادة الأحبار والرهبان التي كانت باتباعهم فيما شرعوه، وبين عبادة المسيح التي كانت باعتقاد ألوهيته مع الله والتقرب له بأنواع العبادة.
فهنا نجد اختلافا في العبادة وفي المعبود، ولا نجد اختلافا في الحكم على الفعل بأنه شرك بالله، وعلى الفاعل بأنه مشرك عابد لغير الله.