ما يحتاجه جيل المستقبل: مناهج إبداعية ومعلم إيجابي
محمد عبدالعزيز يونس




صناعة جيل عربي مسلم قائم على التفكر والتدبر والرؤى الإبداعية الخلاقة أمر ليس بالمستحيل، لكنه يحتاج إلى إرادة قوية، ومناهج تعليم قائمة على الإبداع والتفكير لا على التلقين والاستظهار، ومعلم نابه متمكن في مجاله، ومتقن في الوقت ذاته لاستخدامات التكنولوجيا العصرية، مع وجود حصانة إيمانية من خلال الأسرة والمؤسسات الدينية لدى الطالب ليتمكن من الاستفادة من إيجابيات التكنولوجيا دون الانزلاق إلى سلبياتها.. هذا ما يؤكد عليه متخصصون التقتهم «الوعي الإسلامي» لسؤالهم عن كيفية صناعة جيل المستقبل.. وماذا ننتظر منه؟


«ننتظر من جيل المستقبل الكثير على الرغم من أن واقع هذا الجيل في معظمه لا يسر».. بهذه العبارة بدأ د. هشام أنور محمد خليفة أستاذ تقنيات التعليم المساعد بكلية التربية جامعة بيشة (جامعة الملك خالد سابقا) وكلية التربية جامعة الأزهر بالقاهرة، موضحا: أملنا في الله كبير أن يتنبه هذا الجيل لمستقبله ومستقبل أمته، ويعي ما يحيط بأمته من فتن ومخططات ومحاولات تشويه للإسلام وللمسلمين، ويسعى جاهدا لأن يكون عامل بناء لوطنه وأمته لا معول هدم، ويخلص في عمله أيا كان عمله، وألا ينساق خلف الشهوات أو الشبهات التي يخطط ويروج لها أعداء الإسلام في داخل بلاد الإسلام وخارجها.. ولن يتحقق ما ننتظره من جيل المستقبل إلا بقيام المؤسسات التربوية على اختلاف أنواعها (الأسرة - المسجد - المدرسة - وسائل الإعلام...إلخ) بدورها تجاه هذا الجيل من توعية وتوجيه وإرشاد وتصحيح لمفاهيم خاطئة.

وحول توظيف التكنولوجيا في التحصيل العلمي وهل يتم التركيز على النواحي الدراسية وإهمال الأخلاقية يؤكد د.هشام أن لاستخدام التكنولوجيا في التعليم دورا لا ينكر في تنمية التحصيل العلمي، وقد أثبتت دراسات تربوية يصعب حصرها فاعلية استخدام التكنولوجيا في تنمية التحصيل ومختلف جوانب التعلم المرغوبة والمطلوبة، وكما أن لها مزايا عديدة فإن لها أيضا سلبيات منها إساءة استخدام بعض أدواتها، لذا فمن الضروري والواجب علينا ألا نهمل الجوانب الأخلاقية عند استخدامنا للتكنولوجيا، فلا يتم استخدام الإنترنت في الدخول على المواقع الإباحية مثلا، أو استخدام برامج التجسس على الآخرين وسرقة ملفاتهم.

وحول دور المعلم، وهل ينبغي أن يكون قريبا من أفكار جيل المستقبل يؤكد د. هشام: من واقع تجربتي وتعاملي مع معلمين في أكثر من دولة عربية أرى أن معلمي اليوم ليسوا قريبين من أفكار جيل المستقبل، بل هم تقليديون، ويظهر ذلك جليا في تعاملهم واستخدامهم للمستحدثات التكنولوجية التي تظهر يوما بعد يوم، وكثير منهم يقر بأنه يتعلم من أبنائه كيفية التعامل مع هذه المستحدثات، وهذا يوجب على معلمي اليوم والغد أن يحرصوا على أن يكونوا قريبين من أفكار جيل المستقبل وأن يواكبوها من خلال حرصهم على متابعة كل جديد وتنمية أنفسهم ذاتيا بصفة مستمرة.

وحول ما تحتاجه المناهج العربية لتلحق بمحاسن المناهج الغربية أضاف د. هشام: المناهج العربية ينقصها أشياء كثيرة أهمها:

- الاهتمام بالجوانب التطبيقية لما يرد بمحتوى المنهج: ويظهر ذلك جليا في طرق تقويم الطلاب في المناهج المختلفة، والمتتبع لاختبارات الطلاب يجد معظم أسئلتها تتطلب استظهار واسترجاع ما ورد بالكتاب المقرر.

- الإيجاز أو الاختصار في كثير من موضوعات المنهج: فالمتتبع لكثير من المناهج التي تدرس للطلاب، خاصة منهج اللغة للمرحلة الابتدائية يجد استطرادا في كثير من الموضوعات وأحيانا يعرف الشيء للطفل بما هو أصعب من معناه المعروف.

- الاهتمام بالتطوير الحقيقي للمناهج: فالمتتبع لمحاولات تطوير معظم المناهج ويقارن المنهج قبل وبعد التطوير يجد أن الفرق بينهما عبارة عن تقديم موضوع عن آخر أو حذف موضوع أو تغيير اسم الموضوع أو دمج موضوعين ولا يلحظ تطويرا حقيقيا، وكأن المسؤول عن التطوير أراد فقط أن يغير ما وضعه من سبقه وربما كان ما أعده من سبقه أفضل مما أعده هو.

مناهج إبداعية


بدورها، تؤكد د. ثريا أحمد البدوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، حتمية إيجاد مناهج إبداعية للطالب العربي لإعداد وتأهيل جيل قادر على مجابهة المستقبل وقيادته، موضحة أن الأزمة الحقيقية للشباب العربي تكمن في المناهج التعليمية القائمة على التبعية والتلقين.

وتشدد على ضرورة وجود إرادة سياسية لبناء مناهج جديدة تستهدف زرع قيم الحرية والمسؤولية والإبداع والتميز لدى الطالب، وأنه لا يمكن إيجاد المناهج القادرة على صناعة جيل يقود المستقبل إلا إذا توفرت الإرادة السياسية في الوطن العربي لذلك، مشيرة إلى أن كثيرا من المناهج الحالية تخضع للتبعية الغربية، ويتم التدخل فيها بصورة فجة من جانب الغرب حتى فيما يخص المناهج الدينية.

وأضافت أن رفعة المجتمع تتطلب جهود كل عناصر المجتمع صغارا وكبارا وفي القلب منهم الشباب، والذين ينبغي تعبئتهم واستثارة حماستهم من خلال تبني الإرادة والقيادة السياسية ووسائل الإعلام مشروعات قومية يلتف حولها الجميع، ويرون من خلالها مستقبلهم.

وشددت على ضرورة أن يتبوأ الإعلام دوره البناء في هذا الشأن، بدلا من توجيه طاقاته في ما لا طائل منه.

وحول ما إذا كان ضعف الإمكانات يحول دون وصول المناهج العربية إلى نفس مزايا المناهج الغربية، أكدت أن هذا أمر غير صحيح، موضحة أن الدول العربية لديها أفضل العقول والكفاءات، ولا ينقصها أي قدرات بشرية أو مادية، لاسيما في دول الخليج، مؤكدة أن السر يكون في وجود إرادة سياسية لتبني مناهج إبداعية قائمة على التفكير والإبداع وتحفيز التميز، إضافة إلى وجود كوادر تعليمية على قدر كبير من الكفاءة وتؤمن بضرورة التغيير والتحفيز للطاقات الإبداعية الكامنة في طلابهم، بما من شأنه صنع جيل من الكفاءات الشبابية المتميزة في مختلف المجالات، وليس جيلا من الطلاب المستنسخين كما هو الواقع الآن.


معلم إيجابي


أما د. حمادة محمد مسعود أستاذ تقنيات التعليم المشارك بجامعتي الأزهر بمصر وجازان بالمملكة العربية السعودية، فيؤكد أنه في ظل متغيرات العصر الكثيرة والمتعددة، ينتظر الجميع أن تضطلع المؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها بمسؤولية عظيمة وجسيمة نحو إعداد جيل المستقبل وهو الجيل الذي يقع على عاتقه خدمة الوطن بعيدا عن الانحراف الفكري والسلوكي، موضحا أن المربين يواجهون في هذا الصدد العديد من التحديات، أهمها الانفجار المعرفي الذي يتطلب مواكبة سريعة من قبل جيل المستقبل، كذلك التناقضات الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا العربي والإسلامي وانعكاس ذلك سلبا على شباب المستقبل، ولتلافي هذه الآثار ينبغي أن نوفر لأطفالنا جيل المستقبل مناخا أسريا يسمح برعاية أسرة ذات أساس تربوي معتدل، يشجع أطفال اليوم وجيل المستقبل على الاستقلالية مع مراقبة حثيثة لكل تصرفاتهم وإمدادهم بالخبرات الثقافية والاجتماعية التي تتفق مع العادات والتقاليد الإسلامية والعربية.

وأضاف أن عقول وأفكار جيل المستقبل ميدان مفتوح وعلى المربين أن يسابقوا للوصول إليها وحمايتها.

وعن مدى قدرة المعلم على بناء عقول جيل المستقبل في ظل الانفتاح المعرفي، أوضح أن الاتجاهات التربوية الحديثة تؤكد على ضرورة مواكبة النظم التعليمية لمتطلبات واحتياجات العصر، فضلا عن متطلبات المستقبل المتوقع حدوثها، لذا بات من الضروري إدخال التغيرات المطلوبة على العملية التعليمية بما يتناسب مع طبيعة العصر، وأصبح من الضروري أن يتحول التعليم من مجرد الحفظ والتلقين والتلقي السلبي إلى نوع مغاير تماما، ألا وهو التعليم الإيجابي حيث المشاركة الفعالة من جانب المتعلم من أجل تكامل العملية التعليمية من خلال أساليب تكنولوجيا التعليم السائدة التي تنقل التعلم من بيئة التعليم والتعلم التقليدية إلى بيئات أخرى أكثر فاعلية، والتي بات استخدامها متطلبا رئيسا من متطلبات الحياة العصرية، خاصة تطبيقاتها في مجال التعليم، للوصول إلى تعلم المعارف والمهارات بطريقة أكثر فاعلية.

ونبه إلى دور المعلم في توعية جيل المستقبل بما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا من خير وازدهار، وكذا التحذير من استخدامها بصورة سيئة، لأن دور المعلم لم يعد مقتصرا على مجرد إيصال الحقائق والمعلومات والمفاهيم إلى المتعلمين، بل اتسع وتنوع إلى أدوار أخرى لمواجهة التطورات المستمرة والسريعة في النواحي التكنولوجية والمعرفية وهو بهذه الأدوار أصبح مدرسا، ومربيا، وقائدا وموجها، ومرشدا، ومساهما في البحث والاستقصاء.

وأضاف أنه لا يستطيع المعلم القيام بهذه الأدوار إلا في ظل منظومة تربوية متكاملة تساعده على تحقيق هذه الأدوار، وفي مقدمتها المناهج التعليمية، لأن من أكبر الهموم التربوية والتعليمية التي نعاني منها ونواجهها هي المناهج التعليمية التي هي في حقيقتها ليست حصيلة مرحلة زمنية أو حصيلة عامل واحد، إنما نتاج تراكمات عبر أزمنة وحصيلة لظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية، وتتطلب تطويرا شاملا لتلبية احتياجات المتعلم وطبيعة العصر، وتكوين العقل الديناميكي الذي لا يؤمن بالأحادية والجمود، بل بالعقلانية والتنوع والتعدد بما يحقق التماسك الذي هو ضرورة حتمية للبقاء ولمواجهة تحديات العصر وتحديات العولمة وترسيخ مفاهيم وقيم التفكير العلمي، تأكيد التفاعل الإنساني والإقرار بالجماعية وإعلاء قيمة الحوار والعمل الجماعي.

معرفة وتدريب


بينما يتطرق شهاب غنيم مدرب تنمية بشرية إلى التقرير الأميركي: تقرير «أمة في خطر» موضحا: «الأمة في خطر: أمر إلزامي لإصلاح التعليم».. كان هذا هو عنوان تقرير الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان (Ronald Reagan) عام 1983م بخصوص اللجنة الوطنية للتميز التربوي. كان نشر هذا التقرير حدثا بارزا في تاريخ العملية التعليمية الأميركية الحديثة. فمن بين عدة أمور، ساهم هذا التقرير في النمو الذي لم يحدث قبل ذلك مطلقا (ولايزال موجودا) للشعور بأن المدارس الأميركية قد ضعفت.

وتابع: أكثر عبارة أثارت انتباهي في هذا التقرير هي: «لأول مرة في تاريخ أميركا يتخرج جيل لا يتفوق على آبائه!».. فاستنتجت من هذه العبارة أن معيار التقدم المجتمعي هو: تفوق الجيل القادم على الحالي، فكلما زادت نسبة التفوق دل ذلك على زيادة في معدل نهضة المجتمع، أما إن كانت النتائج تقول إن الجيل القادم يتمتع بنفس إمكانات الجيل الحالي فهذا يدل دلالة قطعية على أن معيار التقدم يساوي «صفر».

وأضاف شهاب: إذا أردنا استرداد ريادتنا من جديد فعلينا أن نبدأ الطريق بشكل إيجابي نحو التقدم والازدهار ورعاية تاريخ أمتنا المشرف بين الأمم، وأولى هذه الخطوات هو التقييم الدقيق للعملية التعليمية وتحليل هذا التقييم لمعالجة الخلل والقصور، ومن ثم تجهيز خطط وبرامج لتدريب الجيل القادم عليها لتحقيق الأهداف المرجوة، فالمراد من الجيل القادم أن يصل إلى نتائج أفضل مما هو عليه الحال الآن، فلا يخفى على كل ذي لب واقع الأمة المؤلم من حيث الضعف والعجز والانهزام النفسي من بعد عصور الريادة والسيادة.

ولفت إلى أنه تأمل في حديث النبي " صلى الله عليه وسلم" «إنما العلم بالتعلم» فوجد أن النبي " صلى الله عليه وسلم" قال: بالتعلم ولم يقل بالتعليم!! وبالبحث يتبين لنا أن لفظ التعلم أشمل من لفظ التعليم، فعملية التعلم عبارة عن مستويين تنظيري وتطبيقي، بينما عملية التعليم مقصورة على المستوى التنظيري فقط. ومن ذلك يتضح لنا أن صناعة جيل المستقبل لا يمكن أن تقتصر على عملية المعرفة فقط، بل لابد من الاهتمام بعملية التدريب وإعطاء هذه العملية مساحة أكبر في الوقت والجهد، حتى يمكن تنشئة الجيل القادم تنشئة تتمتع بالرصانة والقوة مما يعمل على اكتسابه الثقة بنفسه واسترداد الروح المعنوية الإيجابية للأمة من جديد بإذن الله.

ونبه شهاب في هذا الصدد إلى أهمية التكنولوجيا والتحصيل العلمي، وأنه يجب على النخبة في الأمة الإسلامية أن تعجل برفع كفاءة الجيل الحالي والقادم في المجال التقني ليتمكنوا من التحصيل العلمي، مع عدم إغفال دور المعلم، فهو الأكثر تأثيرا في الجيل القادم، لاسيما إذا تخلى عن ثقافة التفكير التقليدي الموروث، والذي تسبب في صنع فجوة كبيرة بين الأجيال لعدم قدرته على توظيف التكنولوجيا في تنمية وصناعة جيل المستقبل، الأمر الذي يحتم على المعلم أن يستدرك ما فاته ليكون قادرا على تنشئة جيل قوي بمقومات عصرية.. مشيرا إلى أن المناهج العربية ينقصها التحديث من حيث المعلومة والاهتمام بالجانب التدريبي من حيث العملية التعليمية التي ترتبط ارتباطا كليا وجزئيا بالمهارات والصفات الأخلاقية.

محوران لبناء المناهج


من جانبه، يوضح الباحث الإسلامي والقانوني إسماعيل أحمد محمد أنه وبمتابعة درجات العشرة الأوائل على الثانوية العامة والتي تلاصقت ما بين 410 درجة و408 تساءل: «هل تعكس هذه الدرجات تفوقا علميا فارقا عما كان عليه حالنا؟» وكان المتفوقون في زماننا أقل من ذلك بكثير وتتباعد درجاتهم لأكثر من درجة بين طالب وآخر، لكنني استبعدت أن يكون هذا التزاحم انعكاسا لتفوق حقيقي، لكن هذا التلاصق من فعل الدروس الخصوصية التي تعتمد على تدريب الطلاب على حل الامتحانات وليس تبسيط المعلومة وترسيخها في عقول الطلاب.

وتابع: بالنظر إلى مستقبل التعليم في بلادنا مقارنة بماضينا من ناحية والدول الناهضة من حولنا من ناحية أخرى، تذكرت ما قرأته عن التعليم في الهند ومحاولات إدخال التعليم الإلكتروني في العملية التعليمية، وأنا أتساءل عن الهدف الحقيقي للتعليم.. هل هو تطوير العقل وتغذيته بالمعلومات اللازمة لإتقان عمله أم مجرد الالتحاق بكليات القمة كما يقال، فالمفترض لتحقيق ارتقاء فعلي هو ربط التعليم بحاجة المجتمع وتطلعاته للمستقبل وهو ما يستلزم تحقق أمورا كثيرة.

وحول توظيف التكنولوجيا في التحصيل العلمي أوضح أنه لابد أن يسهم التطور الذي نعيشه في تحقيق نقلة نوعية في توثيق وتوضيح المعلومة لتناسب الفروق التي حققتها تطورات هذا الزمان، فأصبح ميسورا التواصل مع المصادر المباشرة للمعلومات سواء كانت لغوية أم تاريخية أم جغرافية أم كيميائية، كلها يمكن الآن للجميع أن يتلقاها من مصدرها المباشر فتسمع تفاصيلها وتراها كما هي بمعاونة التواصل والاتصال الميسر بفضل تقنيات هذا الزمان.

وأشار إلى أن العملية التعليمية كانت قبل خمسة عقود تزدان بقيم وأدبيات افتقدناها اليوم، وحين ينفتح العالم بفنونه وعلومه وأخلاقياته أمام الطلاب العرب ينبغي أن ترتكز المهمة الكبرى في تحصين أخلاقيات الطلاب وقد انتقلت العلوم والفنون من الغرب للشرق فلم تفقد دول المشرق هويتها ولا مميزاتها مثلما نرى في الهند والصين واليابان وغيرها.

وأوضح أن المعلم أصبح الآن أكثر تواصلا مع المنظومة الإدارية والفنية للتعليم من خلال وسائل الاتصال المستحدثة التي تتيح النقاش وتبادل المعلومات عبر مدن ودول متعددة، كما أن مصادر المعلومات من العلماء والمؤرخين واللغويين صارت ميسورة، فيمكن أن تتلقى المحاضرات في أي مجال ومن أي مكان عبر وسائل الاتصال المعاصرة ويكون المعلم في الفصل بمثابة المساعد لتوضيح المعلومات بعكس التعليم قبل نصف قرن الذي كان معلم الفصل ينفرد بنقل المعلومات لتلاميذه حسب فهمه هو وإدراكه.

وعن كيفية التحاق المناهج العربية بمحاسن المناهج الغربية أكد أن ذلك يتم من خلال محورين، الأول يهدف إلى ملاحقة التطور العلمي ومجاراة النهوض الاقتصادي والتكنولوجي الذي يعيشه عالمنا، والثاني يحافظ على هويتنا وتميزنا حتى لا تنجرف الأجيال الشابة في متاهات يأباها ديننا الحنيف، وهو ما تتحقق به رفعة المجتمع والتي تعتمد على إخلاص جيل المستقبل لأمته وحسن إعداده علميا وأخلاقيا.

استعادة أخلاقيات الجيل


وتطرق خالد الخليصي العجرمي مدير عام في التعليم وكاتب صحفي بجريدة «المواطن» إلى ظاهرة تدني الأخلاق في المدارس، موضحا أن لهذه الظاهرة أسبابا عديدة تدور حول الأسرة والمدرسة، فالأسرة منعزلة عن المدرسة عديمة الاهتمام بمتابعة الطالب، واهتمامها الوحيد يقتصر على التنسيق مع المدرسين الخصوصيين، ووصلت درجة الإهمال إلى أن أحد الطلاب أحضر أحد جيرانه ليمثل دور ولي أمره أمام المدرسة وذلك بسبب انقطاع الأسرة عن متابعة ابنها في المدرسة انقطاعا تاما.

وأضاف: هناك سبب آخر وهو عدم ثقة ولي الأمر في المدرسة وإيمانه بأن أولاده لا يخطئون.. والمتأمل في أخلاق وقيم طلاب مدارسنا على مختلف المراحل قبل عشرين عاما وأخلاق وقيم طلابنا في الوقت الحالي حتما سيدرك الفرق والتحول في تدني الأخلاق وضعف القيم.. مشيرا إلى أن المسؤول الأول عن تنمية الأخلاق والقيم بعد الوالدين هو المدرسة والمعلمون أنفسهم, ولذلك يجب على الجميع التكاتف والوقوف بجد وحزم في وجه هذا التدني وذلك الضعف، الذي ساعدت عليه القنوات الفضائية والانفتاح غير المتزن على الحضارات الأخرى، والذي يعزى في ظاهره إلى التطور والتقدم، وهو في حقيقته إلى غير ذلك تماما، ويجب أن نتدارك ذلك مستدلين بقول الشاعر أحمد شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وهذا ما ينبغي أن تستهدفه أي مناهج يراد لها أن تعد جيل المستقبل، وأن يكون هناك تلازم كبير بين التعليم والتربية يرتكز على الأخلاق والقيم والمبادئ, فالتعليم هو الحقل المناسب لترسيخ الأخلاق والقيم الإسلامية المتوافقة مع تطلعات المجتمع المسلم.

تعزيز القيم الإيمانية


بينما يؤكد الداعية الإسلامي ياسر القرشي على ضرورة توظيف الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا في تحقيق نهضة الجيل الحالي والجيل القادم، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب في المقابل تعزيز القيم الإيمانية من خلال الأسرة والمؤسستين الدينية والتعليمية، ليكون لدى الشاب حصانة إيمانية تمكنه من الاستفادة من إيجابيات التكنولوجيا، والابتعاد عن سلبياتها، فيستخدم شبكة الإنترنت مثلا في تحصيل العلم الشرعي، وتسخير التكنولوجيا لنشر الدعوة، والاستزادة من العلم في شتى المجالات النافعة، وفي المقابل يكون لديه الوازع والرادع الإيماني الذي يعصمه من الانزلاق إلى سلبيات هذه الشبكة.

وأضاف أن رفعة المجتمع تعتمد على إخلاص كل فئاته ومكوناته، وبخاصة جيل المستقبل الذين هم سواعد الأمة وأملها وقوتها، وفي الإخلاص في كل عمل وتأديته على أكمل وجه استجابة لتعاليم ديننا الحنيف الذي حثنا على الإخلاص في آيات كثيرة من كتابه العزيز: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة:5). ولو لم يكن الإخلاص من ضرورات حياة الناس لما أمر الله تعالى به في واحد وثلاثين موضعا من كتابه الكريم، فبالإخلاص ترتقي وتتقدم المجتمعات، ولعل كثيرا مما تعانيه مجتمعاتنا اليوم من مشكلات ناتج عن غياب الإخلاص في أعمالنا.