فأول ما يجب الدعوة اليه الدعوة إلى التوحيد الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله. ولا شك أن الدعوة أعمّ من الدعوة إلى التوحيد، ، إذًا فليكن اول ما تبدأ به من الدعوة -الدعوة إلى التوحيد الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، لماذا؟ لانه لا تصح الأعمال إلا به، فهو أصلها الذي تُبنى عليه، ومتى لم يوجد لم ينفع العمل، حينئذٍ صارت الدعوة إلى التوحيد أصلاً للدعوة إلى سائر أنواع المأمورات وترك المنهيات، لأنه لا فائدة من أن يفعل المأمورات ويكون عنده خلل في التوحيد -ومن الاصول والقواعد المقررة : أن الشرك إذا دخل العبادة أفسدها، كما أن الحدث إذا دخل الوضوء أفسده، حينئذٍ لا فائدة من الدعوة إلى الصلاة وإلى الزكاة وإلى الصيام وإلى الحج، ويكون المخاطب عنده شرك أكبر لا فائدة من ذلك، لأنه لو صلى وهو متلبس بالشرك الاكبر لن تنفعه الصلاة، لماذا؟ لأن عمله باطل، وهذا محل وفاق ولا خلاف بين أهل السنة والجماعة في ذلك من أن التوحيد شرط في صحة الأعمال، ومجانبة الشرك شرط في صحة العبادة، قال جل وعلا -وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ: وقال جل وعلا {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36]. ولا شك أن أول الأوامر التي تدخل في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ}. هو التوحيد ولَمَّا لم تصح العبادة إلا بترك الشرك عطفه عليه قال: {وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}. لِمَ خصه دون غيره من المنهيات؟ لأن العبادة لا تصح مع الشرك، كما أن الصلاة لا تصح بدون طهارة، هذا أمر مُسَلّم وعليه حينئذٍ الدعاء أو الدعوة إلى التوحيد هي أساس الدعوة، إذ لا تصح الأعمال إلا به فهو أصلها التي تُبْنَى عليه ومتى لم يوجد لم ينفع العمل، بل هو حابط ولأن معرفة معنى هذه الشهادة هو أول واجب على العباد كما في حديث معاذ «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله». فأول الواجبات هو التوحيد، وأعظم المأمورات هو التوحيد، فكان أول ما يُبدأ به في الدعوة هو الدعوة إلى التوحيد، --اذا فهمت ذلك فهم قلب تبين لك غربة الاسلام