المبحث الأول: الطلاق شيء يحبه إبليس اللعين
الطلاق شيء يُحبُّه إبليسُ اللعين؛ لأنَّ فيه تفريقًا وإحداثًا للشحناء بين المسلمين، ولأنه سبب لأغلب مصائب الدنيا والدين.
فَعَنْ جَابِرٍ ﭬ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ، فَيَلْتَزِمُهُ»([1]).
ولذلك فإنَّ الله تعالى حثَّ على الصلح بين الزوجين عند الاختلاف؛ فقال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)﴾ [النساء: 35].
وشرع الله تعالى ما يُحدث المودة بين الزوجين حتى بعد الطلاق؛ لعلهما يعودا ويرجعا؛ فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾ [الطلاق: 1].
فالمرأة إذا طُلِّقت طلاقًا رجعيًّا، فلا تخرج من بيتها، ولا يجوز لزوجها إخراجها؛ حتى تنتهي عِدَّتها؛ فلعل الخلافات تنتهي بينهما، وتعود المودة؛ كما قال تعالى: ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)﴾.
وضيَّق الشرع الحنيف طُرُقَ الطلاق والفرقة بين الزوجين؛ فنهى النبي ﷺ عن الطلاق في حيض أو في طهر قد جامعها فيه.
فلا يجوز للرجل أن يطلِّق زوجته إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أنْ يكون في طُهْر لم يجامعها فيه.
الحالة الثانية: أن تكون حاملًا.
فهاتان هما الحالتان الوحيدتان اللتان يجوز للرجل أن يطلِّق فيه زوجته؛ وهذا تضييق من الشرع؛ للحدِّ من هذا الأمر الخطير.
[1])) أخرجه مسلم (2813).