شبابنا على طريق الغد
هنادي الشيخ نجيب



أنت من عنصر الخلود لباب


كن إلى المجد طامحا يا شباب

مشعل العلم في يمينك يهدي

كل سار به ويجلى الضباب

نتمنى لك الثبات على الرشد

دوما أنت عندنا مستراب


هكذا نظن بشبابنا، فهم أمل المستقبل وقادته، ووعد الخير وحملة ألويته... فإذا سلم لنا شبابنا سلمت لنا الأمة، وتأملنا بغد واعد مشرق..

لاريب أن فئة مهما بلغت لن تسد مسدهم، أو تقوم بمهمتهم، لأن لهم من الخصائص ما ليس في غيرهم؛ من قوة البدن، وعلو الهمة، وصفاء الذهن، وتوقد العزيمة..

هم ثروات الأمة الحقيقية، فما لنا نراهم اليوم وقود الثورات المتآكلة، وضحايا حروب الغير: الفكرية والعقائدية والاقتصادية والعسكرية!

سألت أحدهم يوما: ماذا ننتظر منكم في قابل الأيام؟

أجابني: لعلك تجاوزت سؤالا أهم سأطرحه عليك لتفكري به:

«بل ماذا ننتظر منكم أنتم لتمهدوا لنا الطريق إلى ما تتمنون؟!»

قال بأسى وحسرة: «ماذا عن المصاعب التي نعاني منها على كل المستويات: من الاكتئاب والقلق، إلى الضياع والتخبط، ومن التفرق والضعف، إلى الفساد والمحسوبيات، من التحلل والانحراف، إلى الظلم والاستبداد...»

فإذا به يجسد حالة الشباب اليوم وواقعهم المعقد بكلمات تختصر أوجاعهم وتصور معوقاتهم، ثم يطالب بمد يد العون، حتى يتحقق ما ننتظره منهم!

لاشك أنهم يريدون أن يتغيروا، ونحن لاريب نريدهم أن يتغيروا.. ننتظر منهم أن ينفضوا عن كواهلهم هذه الأحمال، وأن يتخففوا من تلك الأعباء، حتى يتفرغوا لصناعة المستقبل كما يريدون، وكما نريده لهم!

إننا ننتظر منهم التغيير، ونعدهم أن نسلمهم مفاتحه.. ننتظر منهم الصلاح، بعد أن نخطو معهم خطوة الإصلاح.. ننتظر أن يكونوا ذوي شخصيات مسؤولة، متينة، ثابتة، جريئة، فاعلة، وإيجابية!

وفي هذا الطريق الطويل لن يكونوا وحدهم؛ سنصغي إليهم، ونفكر معهم لابدلا عنهم، ونتدارس وإياهم لا ندرس عليهم أو نلقنهم!

إن لديننا نظرته الخاصة في صياغة الشخصية الإنسانية، وله أدواته لتغييرها وبنائها بناء متكاملا؛ لأجل إيجاد الإنسان الصالح، المتوازن و«المتحرك»، ولإبراز الأنموذج المستقيم الذي يمشي في الناس حاملا مشاعل الخير والإصلاح، ماضيا في مسيرة السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة معا..

ولأن:

• القيم المبنية على الإسلام تولد داخل النفس إحساسا بالمسؤولية.

• والمعايير القائمة بالإيمان تعزز الشعور بالمراقبة.

• والمفاهيم المتحركة بالإحسان (اعبد الله كأنك تراه) تحرر من الخوف والتردد والريبة...

فهي - جميعا - تشكل خط الدفاع الأول عن شخصيات بناة المستقبل، والحصن المنيع للحؤول دون ذوبان ذواتهم، وحماية لهم من أن يكونوا أهدافا سهلة الاختراق، مهتزة القناعات، مهلهلة الحضور، سريعة التأثر، ضعيفة التأثير، هشة المسؤولية...

في مشوار التغيير الذي ننتظر جموع الشباب أن تمضي فيه، نذكرهم أن المسؤولية التي عليهم أن يتحملوها:

هي بالدرجة الأولى مسؤولية أمام الله تعالى: لأنهم قد أوتوا أدواتها، وأعطوا مفاتحها، وألهموا الإرادة لينهضوا بحقها...

وهي ثانيا: مسؤولية فردية، لأن «كل أمرئ بما كسب رهين».

وهي ثالثا: ضمان لهم أن لا يسألوا عن أعمال غيرهم، - وإن كانوا آباءهم - حتى لا يتذرعوا بعدم قيام من حولهم بمسؤولياتهم، {وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (البقرة:141)..

نعم... إنه التغيير في بعده القرآني ومفهومه الإسلامي الذي تؤكد عليه الكثير من التوجيهات القرآنية والإرشادات النبوية، فهو خصيصة من خصائص المنهج الإسلامي في التربية والدعوة والإصلاح، الأمر الذي يدعونا للعمل على تفعيله مع الشباب، وفق رؤية واقعية تتوافق مع قدراتهم وإمكاناتهم.

ولأن الشباب هم قلب الأمة النابض وعقلها المفكر وساعدها المنفذ، ولأنهم القوة التي تدفع في اتجاه التجديد، والقائد الميداني في ساحات التنفيذ، والمحرك الاجتماعي الذي يرفع الكسل والخمول، والرقيب الحازم الذي يحارب الزيغ والانحراف، ولأنهم يملكون قدرات إبداعية وطاقات هائلة وإمكانات مذهلة تبعث الجدة والحيوية والنشاط البشري في سائر أعضاء المجتمع؛ لأجل ذلك ننتظر منهم إبراز الهوية الإسلامية بينهم، لتحقيق الوعي الفكري والثقافي، واستثمار طاقاتهم من أجل خدمة دين الله ورسالته في الأرض ولأن واقع الأمة صعب ومعقد: فقد أوهن الضعف أركانها، وقتلت التبعية إبداعها، وارتخت بالترفيه أوصالها، وتعلق بالدنيا أبناؤها، واستقوى عليها أعداؤها، واستبد بشؤونها خصومها. ولأن الاستسلام لهذا الواقع المرير ليس من شيم المسلم الرسالي، فمن الواجب علينا أن ندعو للتغيير وننتظره ممن هم الأقدر عليه، فهو السبيل لاستفاقة الأمة من غفوتها، ونهضتها من كبوتها واستعادة صولتها، واختتام الجولات لحسابها.

إن التغيير في بعده الروحي والجسدي والعقلي هو الطريق إلى إعادة صياغة كل مكونات الحياة الحقيقية وفق الرؤية الإسلامية، وهو السبيل لتزكية النفوس وتطهيرها، وإعداد الأبدان وتهيئتها، وتنمية العقول وتحسين قدراتها...

إنه التغيير بالرحمة من غير ضعف، وبالقوة من غير عنف، من خلال التربية الدائمة والتعهد المستمر. فصناعة التغيير لا يتقنها إلا من استند في كل حركة ونشاط على أساس إسلامي تربوي أخلاقي، ولا يقوى عليه إلا من ربط مصيره الفردي بمصير أمته.

إن جيل المستقبل في مسيرتهم في عملية التغيير يحتاجون إلى ضمانات تؤمن لهم النجاح والاستمرارية:

ولضمان نجاح التغيير لابد من توفر خمسة عوامل:

1- الحماية: أي تأمين المحيط (وهي مسؤوليتنا).

2- القابلية: استثارة المشاعر وحماسة الجوارح.

3- الاستئذان: لتأمين الدعم والتشجيع.

4- التمرين: حرصا على التعود والإتقان.

5- الدليل: لضمان السير في الاتجاه الصحيح.

وللمضي قدما في عملية التغيير لا بد من:


1- التركيز على أن يكون التغيير تغييرا مقصودا عن وعي، منضبطا بالكتاب والسنة، ويهدف إلى إعمار الدنيا واستعمالها للوصول إلى السعادة الأخروية.

2- التأكيد على أن التغيير يبدأ من معالجة القلوب من أمراضها (كالغرور والحسد والكره والحقد والغش)، وبإعلان التوبة من سائر الذنوب والمعاصي، تمهيدا لإعداد أرضية سليمة تحتضن بذور المرحلة الجديدة.

3- القفز على الأنانية والذاتية، والخروج من الهامشية والانشغالات التافهة في الحياة، لأن المهمة صعبة والمسؤوليات أصعب.

إن التغيير الذي نتوقعه ينطلق من تغيير الفرد نفسه، فله الأولوية في التربية والإعداد، لذلك لابد من العمل على تطوير مهارات الشباب الشخصية من خلال:

- تدوين الأفكار والأهداف والخطط.

- القراءة والمطالعة المستمرة.

- الدراسة والتعلم والحرص على التخصص.

- التفكير بالمستقبل بشكل إيجابي ومتفائل.

5- الانخراط في العمل المنظم، وتجنيد الإمكانات الشابة، كل في المكان المطلوب، للمساهمة في الوصول إلى التغيير المقصود وتشييد البناء الحضاري المنشود.

6- تنمية قدرة الشباب على المقاومة والثبات - أي مقاومة أشكال النقص وعوامل التغيير السلبي - بالانضمام إلى العمل الجماعي الذي يؤمن الاحتضان العاطفي والاحتواء الفكري والحصانة التربوية وحسن استثمار وتوزيع الطاقات.

وأخيرا، إن التغيير الذي نطالب به أبناءنا وبناتنا يستوجب إيجاد قدوات يكونون بمثابة القادة لهذه المسيرة الضخمة والطويلة، لذلك فلابد من إعداد برامج لصناعة القادة تحت رعاية جهد منظم يعمل على:

- تنمية قدرة الشباب على العمل وإنجاز المهمات.

- تطوير مهارات التعامل مع الذات ومع الآخرين.

- تحسين مهارات التأمل والتفكير والتحليل.

إنها رحلة الألف ميل التي تبدأ بخطوة واحدة، خطوة التوكل على الله تعالى وطلب التيسير والتوفيق، فمنه العون والمدد، وشبابنا الأمل والسند.