تطور إلى الخلف !


مازن مطبقاني


عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لتتبعن سَنَن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا :يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم :فمن؟".
أتذكر هذا الحديث كلما أخذنا في تقليد الغرب في تقليعة من التقليعات أو في مجال من المجالات، ومن هذه المجالات عروض الأزياء ومسابقات ملكات الجمال أو فتيات الغلاف وغير ذلك.
لقد احتفلت محطة "سي إن إن" (cnn) بظهور صناعة عارضات الأزياء في بنجلاديش في برنامج دام حوالي نصف ساعة وأعيد عدة مرات ( كعادة هذه المحطات). وكأنّ المحطة تشيد بهذا التطور والتقدم في بنجلاديش، وتشير إلى ما يدره هذا العمل على الفتيات الفقيرات من دخل. ولعلها أشارت إلى الاعتراض على هذا العمل ولكن دون اهتمام يذكر بالاعتراض.
لا شك في أن بنجلاديش ليست الدولة الأولى في العالم الإسلامي التي تدخل هذا المجال، ولكن لعلها من آخر الدول دخولاً إلى هذا المجال. وقد اهتمت المحطة بالعارضات وأهداف الشركة المتبنية لهذا الموضوع، وكأنه لم يبق من مجالات التطور غير عرض الأزياء لتلحق هذه الدولة بركب الحضارة والتطور، وكأن صناعة عرض الأزياء وتصميمها من الصناعات التي لا تعد الدولة متطورة إن لم تدخلها. وأعتقد أن إخواننا في بنجلاديش حريصون على تطوير بلادهم في المجال العلمي والزراعي والتقني والصناعي، ولكن هناك جهات في العالم الإسلامي تريده أن يهتم بالقشور والمظاهر والتفاهات أكثر مما تريده أن يهتم بجوهر المدنية والحضارة.
صور التطور إلى الخلف لا تقتصر على ما حدث في بنجلاديش، بل يضاف إليه ما تقوم به بعض المحطات الفضائية من اهتمام بالبث والرعاية لما يطلق عليه فتاة الغلاف وهناك أكثر من جهة تتبنى قضية فتاة الغلاف، وقد كتبت صحيفة "الاقتصادية" في أحد أعدادها أن مسألة مسابقة ملكات الجمال أو فاتنات الغلاف إنما هي تغرير بالصغيرات في هذا المجال حتى إن أصغر متسابقة لفتاة الغلاف لا تتجاوز الثالثة عشرة. ومما كتبته "الاقتصادية "تحت عنوان "حفل يستغل الصبايا لاختيار فتاة غلاف" :" وإن كان أهذب وصف يطلق على موضوع الحفل وهدفه هو "الجاهليةالحديث " تلك الجاهلية التي عادت برقيقها الذي تحول إلى أبيض-تطور في اللون فقط".
وأضافت كاتبة المقالة (الأستاذة خيرية العبد الله) أن اختيار وجه غلاف للمجلة ـ أو بالأصح جسم غلاف ـ فالمسألة تجاوزت الوجه بكثير حتى وصلت لأمور نعرفها جميعاً…. واختيار وجه غلاف لا يأخذ من المجلات الأخرى أكثر من دقائق، وفي مبنى المجلة نفسه دون تكلفة تذكر سواء بالمال أو بالجهد، وعادت إحدى القنوات الفضائية - بعد شهرين لا أكثر من الحفل الأول - لترعى حفلاً ثانياً لمجلة فرنسية، وكان العرض من خلال اللقطات التي عرضت كنوع من الدعاية أكثر فضائحية وأكثر عرياً من الاحتفال الأول أو المسابقة الأولى. ومن الأمور الطريفة أن إحدى مسابقات اختيار "ملكات الجمال" قد اختارت الكاتبة الجزائرية "أحلام مستغانمي" في لجنة التحكيم، فهل جلوسها في لجنة التحكيم إلاً تأييد لهذا النوع من المسابقات الذي يمتهن المرأة ويجعلها كالسلعة تعرض على الأنظار؟
اعترضت كاتبة على مقالة تنادي بأن للرجل الخمسيني أن يجدد حياته بالزواج من فتاة تصغره بسنوات، ووصفت ذلك بأنه رجوع إلى عصر الجواري. والحقيقة أن العصر التي كانت تباع فيه الجواري كان أرحم بالمرأة وأكثر احتراماً لها، فالجواري أفضل من ملايين النساء في العصر الحديثممن يزعمن أنهن حرات. لقد أحصى أحد المؤرخين أن أكثر من ثلاثين خليفة في الدولة العباسية كانت أمهاتهم جوار أو أمهات ولد، فهل تبلغ الجواري في هذا العصر شيئاً من هذه المكانة؟
واليوم يصل بنا الحال من الضعف والتبعية إلى أن تُقدم إحدى الشركات المسلمة المنتمية لأرض الجزيرة الدعوة إلى الانحراف بمسيرة الإعلان والانعطاف به إلى طريق السفور المحلي، وفتح المجال والترويج لظهور الفتيات المسلمات من بناتنا كفتيات إعلان، يظهرن بكامل زينتهن متبرجات سافرات، متغنجات بأزياء غربية، وصرعات أجنبية، وملامح عربية أصيلة.. تلك هي البداية، والأمل معقود على أفراد الأمة بأن يستشعروا الواجب المحتوم عليهم في الانكار بألسنتهم ومواقفهم ومخاطباتهم وكتاباتهم ومهاتفاتهم، حتى يعلم أولئك أنَّ حراس العقيدة يقظون، وأنَّ دعاة الخير سبَّاقون، وسنتطلع جميعاً أن تكون المبادرة الحكيمة والإنكار المتزن من فتيات الأمة قبل فتيانها.