الشرط الجزائي في العقود التجارية
إعداد: د. محمود محمد الكبش



- الخلاصة الحكمية:


1- الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا، وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا؛ فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة.


2- إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغا من المال غرامة مالية جزائية إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد؛ فهو شرط باطل؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.


3- يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينا؛ فإن هذا من الربا الصريح.


4- الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، دون الأدبي أو المعنوي.


< القرارات، والتوصيات، والبحوث الصادرة من المجامع الفقهية، واللجان والهيئات الشرعية بخصوص هذا الموضوع:


- أولا: صدر قرار هيئة كبار العلماء المنشور في عام (1395هـ)؛ بخصوص الشرط الجزائي؛ وهذا نصُّه بتصرف يسير:


بعد مداولة الرأي والمناقشة، واستعراض المسائل التي يمكن أن يقاس عليها الشرط الجزائي، ومناقشة توجيه قياسه على تلك المسائل والإيراد، وتأمل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)، وما روي عنه " صلى الله عليه وسلم" من قوله: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». ولقول عمر "رضي الله عنه" : «مقاطع الحقوق عند الشروط»، والاعتماد على القول الصحيح: من أن الأصل في الشروط الصحة، وأنه لا يحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصا أو قياسا.


واستعراض ما ذكره أهل العلم من تقسيم الشروط في العقود إلى صحيحة، وفاسدة:


- وتقسيم الصحيحة إلى ثلاثة أنواع:


أحدها: شرط يقتضيه العقد؛ كاشتراط التقابض، وحلول الثمن.


الثاني: شرط من مصلحة العقد؛ كاشتراط صفة في الثمن كالتأجيل أو الرهن، أو الكفيل به، أو صفة في المثمن، ككون الأمة بكرا.


الثالث: شرط فيه منفعة معلومة، وليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته، ولا منافيا لمقتضاه؛ كاشتراط البائع سكنى الدار شهرا.


- وتقسيم الفاسدة إلى ثلاثة أنواع:


أحدها: اشتراط أحد طرفي العقد على الطرف الثاني عقدا آخر؛ كبيع، أو إجارة، ونحو ذلك.


الثاني: اشتراط ما ينافي مقتضى العقد؛ كأن يشترط في المبيع ألا خسارة عليه، أو ألا يبيع أو يهب ولا يعتق.


الثالث: الشرط الذي يتعلق به العقد، كقوله: بعتك إن جاء فلان.


وبتطبيق الشرط الجزائي عليها، وظهور أنه من الشروط التي تعتبر من مصلحة العقد، إذ هو حافز لإكمال العقد في وقته المحدد له، والاستئناس بما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن ابن سيرين: «أن رجلا قال لكريّه أدخل ركابك، فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره؛ فهو عليه».


وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود؛ تحقيقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1).


لذلك كله؛ فإن المجلس يقرر بالإجماع:


أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا، فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول.


وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية؛ فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة.


ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملا بقوله تعالى: { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء:58)، وقوله سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة:8)، وبقوله " صلى الله عليه وسلم" : «لا ضرر ولا ضرار».


انتهى القرار.


- ثانيا: ثم صدر قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في رجب عام 1409هـ بشأن موضوع: هل يجوز للمصرف أن يفرض غرامة جزائية على المدين بسبب تأخره عن سداد الدين في المدة المحددة بينهما؟ وقد جاء في قرار المجلس ما يلي: إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغا من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه.


انتهى القرار.


- التعليق:


يحتج كثير من الناس أن هذا شرط متفق عليه بين الطرفين؛ وهنا يقال: إن فرض بعض البنوك الإسلامية أو بعض الدوائر الحكومية لغرامة عند تأخر المدين عن الوفاء بالدين ليس تشريعا حتى يحتج به، ويجعل ذلك أصلا شرعيا يقاس عليه، ولا يجوز الاتفاق عليه؛ فمثله كمثل الاتفاق على أي محرم بشرط الرضا.


ولذا؛ فإن غرامة التأخير لا يجوز فرضها ولا أخذها على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأن ذلك كله من ربا الجاهلية، حيث كانوا يقولون للمدين إذا حل عليه الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي.


- ثالثا: ثم صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة؛ رقم: (109 (3/12)) بشأن موضوع الشرط الجزائي، ونصه:


بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع «الشرط الجزائي»، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء؛ قرر ما يلي:


أولا: الشرط الجزائي في القانون هو اتفاق بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا لم ينفذ الطرف الآخر ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.


ثانيا: يؤكد المجلس قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في «السلم» رقم 85 (2/9)، ونصه: لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير. وقراره في «الاستصناع» رقم 65 (3/7)، ونصه: يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطا جزائيا بمقتضى ما اتفق عليه العاقدان؛ ما لم تكن هناك ظروف قاهرة. وقراره في «البيع بالتقسيط» رقم 51 (2/6)، ونصه: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط بعد الموعد المحدد؛ فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط؛ لأن ذلك ربا محرم.


ثالثا: يجوز أن يكون الشرط الجزائي مقترنا بالعقد الأصلي كما يجوز أن يكون في اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر.


رابعا: يجوز أن يشترط الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها دينا؛ فإن هذا من الربا الصريح.


وبناء على هذا؛ فيجوز هذا الشرط - مثلا - في عقود المقاولات بالنسبة للمقاول، وعقد التوريد بالنسبة للمورد، وعقد الاستصناع بالنسبة للصانع إذا لم ينفذ ما التزم به أو تأخر في تنفيذه.


ولا يجوز - مثلا - في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المتبقية، سواء كان بسبب الإعسار أو المماطلة، ولا يجوز في عقد الاستصناع بالنسبة للمستصنع إذا تأخر في أداء ما عليه.


خامسا: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي.


سادسا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.


سابعا: يجوز للمحكمة بناء على طلب أحد الطرفين أن تعدل في مقدار التعويض إذا وجدت مبررا لذلك، أو كان مبالغا فيه.


- التعليق:


وقد صدر عن المجمع المشار إليه آنفا عام (1423هـ) الموافق لعام (2003م) قرار رقم: 133 (7/14) بشأن موضوع مشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الإسلامية، وأكد قراراته السابقة بالنسبة للشرط الجزائي الواردة في قراره في السلم رقم: 85 (2/9)، وقراره في الشرط الجزائي رقم: 109 (4/12).