علامة الشام

وهبة مصطفى الزحيلي في ذمة الله

​علامة الشام
إعداد: تركي محمد النصر

فقدت دمشق والأمة الإسلامية أحد مشايخها الكرام، وعلمائها الأعلام، الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي - رحمه الله وغفر له - والذي توفي صباح يوم السبت 24 شوال 1436هـ، الموافق 8 أغسطس 2015م, عن عمر ناهز 83 عاما وقد قال عنه أستاذه العلامة الشيخ صادق حبنكة الميداني: «إن الشيخ وهبة الزحيلي له في قلبي مكانة مكينة، ملكه إياها - وهو أحق بها - تواضعه بلا مذلة، واستقامته بغير انحراف، ودأبه على العلم الناصح والعمل الصالح، وما عملت يداه من الكتب المجيدة في المواضع المفيدة».
ولد وهبة مصطفى الزحيلي في بلدة «دير عطية» من ريف دمشق في عام 1351هـ/1932م, لأبوين كريمين موصوفين بالصلاح والتقوى.
كان لوالده الحاج مصطفى الزحيلي – الذي كان حافظا لكتاب الله، شديد التمسك بالسنة النبوية، كثير العبادة والصيام - الأثر الأكبر في توجيهه، وتحصيله العلمي الشرعي، وكانت والدته سيدة فاضلة شديدة الورع.
أتقن - رحمه الله - القرآن الكريم، حفظا وتجويدا، في كتاتيب بلدته عند امرأة حافظة صالحة، وأدخل بعدها المدرسة الابتدائية الرسمية وأتمها في بلدته أيضا.
دراسته وتحصيله العلمي
قدم - رحمه الله - دمشق سنة 1946م، بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في بلدته، وعمره 14 عاما؛ لمتابعة دراسته في معاهدها، حيث التحق بالثانوية الشرعية، ونال بعد دراسة ست سنوات الشهادة الثانوية الشرعية عام 1952م، وكان ترتيبه الأول على جميع المتقدمين، ثم توجه بعدها إلى مصر والتحق بعدد من الكليات في آن واحد، فدرس في الجامعة الأزهرية في كليتي الشريعة واللغة العربية، كما درس في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، وكانت حصيلة تلك الدراسة أن نال الشهادات الآتية:
1ـ الشهادة العالية في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة بالأزهر بتقدير ممتاز عام 1956م.
2ـ إجازة التخصص بالتدريس من كلية اللغة العربية بالأزهر عام 1957م.
3ـ إجازة في الحقوق من جامعة عين شمس بتقدير جيد عام 1957م.
وبعد تخرجه تابع دراسته التخصصية في كلية الحقوق في جامعة القاهرة بقسم الشريعة، ونال سنة 1959م, درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية، ثم نال الدكتوراه في الكلية ذاتها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1963م.
شيوخه
طلب الشيخ وهبة العلم على طبقة متميزة من الشيوخ والعلماء في الشام ومصر، وكانت هذه الطبقة من العلماء صاحبة نهضة علمية مباركة جددت معالم الدين في بداية هذا القرن، ومن أشهرهم:
1ـ الشيخ محمد هاشم الخطيب الرفاعي: خطيب الجامع الأموي، وقد قرأ عليه الشيخ وهبة الفقه.
2ـ الشيخ عبدالرزاق الحمصي: مفتي الديار الشامية بين عامي 1963 و1969م، وقد قرأ عليه الشيخ الزحيلي في الفقه.
3ـ الشيخ حسن الشطي: فقيه حنبلي فرضي، ومدير الكلية الشرعية بدمشق، تلقى عليه الشيخ وهبة علوم الفرائض والأحوال الشخصية.
4ـ الشيخ حسن حبنكة الميداني: شيخ الكل، وعلامة الشام، حضر الشيخ وهبة دروسه في التفسير.
5ـ الشيخ صالح الفرفور: مؤسس «جمعية الفتح الإسلامي» ومعهدها، وقد قرأ عليه المترجم في علوم اللغة العربية (البلاغة والأدب).
6ـ الشيخ محمد لطفي الفيومي: فقيه حنبلي، ومدرس بارع، قرأ عليه الزحيلي في أصول الفقه ومصطلح الحديث.
7ـ الشيخ محمود الرنكوسي: العالم العامل الفاضل، مدير «دار الحديث الأشرفية»، ورئيس رابطة العلماء، قرأ عليه الزحيلي في علوم العقائد والكلام.
8ـ الشيخ محمد أبوزهرة: الفقيه الإمام وعلم العصر، وقد تأثر الزحيلي بأسلوبه في الكتابة.
9ـ الشيخ محمود شلتوت: الفقيه المصلح، ومؤسس «مجمع البحوث الإسلامية».
10ـ الشيخ محمد علي الخفيف: أحد أعلام القضاء والفقه في مصر... وغيرهم كثير من العلماء والأعلام.
أعماله ومناصبه
كان أول عمل بدأ فيه الشيخ وهبة حياته العملية هو التدريس الجامعي، إذ عين مدرسا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1963م، ثم رقي إلى درجة أستاذ مساعد، وأستاذ.
وتنقل بعدها بين عدد من الجامعات العربية بصفة أستاذ زائر، فدرس في كلية الشريعة والقانون بجامعة بنغازي، وفي قسم الشريعة بجامعة الخرطوم بالسودان، والمركز العربي للدراسات الأمنية بالرياض، وأمضى خمس سنوات في جامعة الإمارات العربية في العين.
وخلال هذه الفترة شغل العلامة الزحيلي - رحمه الله - العديد من المناصب العلمية والإدارية منها:
ـ عين وكيلا لكلية الشريعة بجامعة دمشق.
ـ عين رئيسا لقسم الشريعة في كلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات العربية المتحدة، ثم عميدا للكلية بالنيابة حتى نهاية مدة إعارته سنة 1989م.
ـ عين رئيسا لقسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق.
ـ عضوا خبيرا في مجمع الفقه الإسلامي بجدة، ومكة المكرمة، والهند، والسودان وأميركا.
ـ عضوا في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن.
ـ عضوا في الموسوعة العربية بدمشق.
ـ رئيسا لهيئة الرقابة الشرعية لشركة المضاربة والمقاصة الإسلامية في البحرين.
ـ رئيسا لهيئة الرقابة الشرعية للبنك الإسلامي الدولي في البحرين.
ـ عضوا بهيئة الإفتاء الأعلى بالجمهورية العربية السورية...وغيرها الكثير الكثير.
كما شارك في معظم المؤتمرات والندوات الدولية الإسلامية التي تعقد في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية في (الكويت والأردن والبحرين والسعودية وأميركا... وغيرها).
أوصافه وأخلاقه
لقد حبا الله الأستاذ الزحيلي بسطة في العلم والجسم، فهو طويل القامة، حنطي اللون، خفيف العارضين، سريع المشي والحركة، ذو همة عالية.
يمتاز بحسن الخلق وطيب المعاملة، وهو لطيف المعشر، دائم البشر، يألف ويؤلف، وهو محب لطلابه وإخوانه، حريص على أوقاتهم، نصوح لهم، يؤثر خدمتهم، ويستجيب لدعواتهم، ويشاركهم في مناسباتهم بطيب خاطر.
وكان - رحمه الله - كارها للتعصب المذهبي كرها شديدا.
وقد أوتي الشيخ - رحمه الله - من الصبر والجلد والمحافظة على الوقت وعدم إضاعته، ما يجعله في ذلك مثلا يحتذى.
مؤلفاته ومقالاته
يعد الدكتور وهبة الزحيلي من أغزر المعاصرين تأليفا وأكثرهم إنتاجا فكريا، وهو يعد العمل بالتأليف بقصد نفع الآخرين وتبصيرهم بحقائق دينهم ودعوتهم إلى دين الله من آكد الواجبات، وقد بلغت كتبه وبحوثه ومقالاته نحو خمسمئة.
أما مقالاته الفقهية فهي كثيرة ومتنوعة، ومن أبرزها تلك التي خص بها الشيخ الزحيلي - رحمه الله - مجلة «الوعي الإسلامي» على مدار 15 سنة، ونشرتها المجلة في أعدادها ما بين سنتي 1966 إلى 1981م، ومن أبرزها:
1ـ حالات الضرورة الشرعية وقواعدها (1 و2). نشرا في العددين 51 و53.
2ـ مبادئ المسؤولية الجنائية (1 و2). نشرا في العددين 62 و65.
3ـ القيافة وأثرها في إثبات النسب. نشر في العدد 226.
4ـ البواكير الأولى لعلم أصول الفقه. نشر في العدد 239.
5ـ من هم العلماء ورثة الأنبياء. نشر في العدد 162.
6ـ أصول الفقه ومدارس البحث فيه (1 و2). نشرا في العددين 297 و298.
7ـ رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية. نشر في العدد 355.
هذا، وقد كان لمجلة «الوعي الإسلامي» مكانة خاصة لدى الشيخ وهبة الزحيلي، وظهر هذا من خلال كلامه عنها عندما وصفها بقوله:
«... إن مجلة «الوعي الإسلامي» تعمل وفق مجموعة من الغايات بهدف ترسيخ الفكر الإسلامي المعتدل، والفهم الصحيح للإسلام، وبناء نموذج متميز للإعلام الإسلامي الهادف، وتعزيز الانتشار الثقافي الإسلامي، والمساهمة في المعالجة الفكرية للمشكلات الإسلامية المعاصرة، وقامت أيضا بطباعة إصدارات مختلفة ومتنوعة من كتب وبوسترات وأسطوانات إلكترونية في جميع المجالات».