ساتطرق الى مسالتين باذن الله تعالى

المسألة الاولى :


" *تقسيم السنة إلى: تشريعية، وغير تشريعية*:
هذا التقسيم ليس له ذكر في كتب الأصوليين المتقدمين، فهو من البدع المعاصرة، وهذه البدع لابد أن يوجد لها -في الغالب- جذور عند السابقين، وهذه البدعة تعود إلى أصل بدعي معروف ألا وهو: ( *إنكار حجية السنة، والتقليل من شيوعها*).
*مما يندرج تحت هذا الأصل*:
1⃣ ماذهب إليه بعض المعتزلة وبعض الظاهرية: من *عدم قبول خبر الواحد مطلقاً*.
ماذهب إليه الجُبّائي من المعتزلة: وهو أن *خبر الواحد إنما يُقبل إذا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان ثم يرويه عن كل واحد منهما اثنان* إلى أن يصير في زماننا إلى حد يتعذّر معه إثبات حديث أصلاً.
3⃣ ماذهب إليه كثير من المتكلمين: *باشتراط عرض خبر الآحاد على الكتاب، فإن لم يكن في الكتاب مايدل على خلافه قُبِل وإلا فيُرد*.

*ويرتبط تقسيم السنة إلى: تشريعية، وغير تشريعية، بمسألتين في مسائل أصول الفقه*:
1⃣ *الأولى: حكم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم*، وأنها تنقسم إلى (أفعال خاصة، وبيانية، وجبلية، وعادية)، فوقع لبس أو تلبيس (بين مايدل على الإباحة من أفعاله صلى الله عليه وسلم، وبين السنة غير التشريعية).
- *والحق أن هذا النوع من أفعاله صلى الله عليه وسلم مع كونه دالّاً على الإباحة إلا أنه داخل تحت التشريع* ؛وذلك أن الإباحة حكم شرعي.
*الثانية: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ونوع هذا الاجتهاد*: فذهب الجمهور إلى جواز وقوع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز عليه الخطأ.
١- *وهذا إنما يكون في المصالح الدنيوية*.
٢- *وأما إذا كان هذا الاجتهاد ممايتعلق بأمور الدين*: فإنه يجوز الخطأ عليه صلى الله عليه وسلم في هذا الاجتهاد إلا أنه لايُقَر عليه يقيناً.
*والحاصل: أن من ذهب إلى تقسيم السنة إلى (تشريعية وغير تشريعية) جعل (اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية) من قبيل السنة غير التشريعية*.
*وهاهنا تنبيهات مهمة*:
*الأول: أن إطلاق القول بأن هناك (سنة غير تشريعية) من حيث الأصل بات مصطلحاً يحتاج إلى بيان وتفسير فهو لفظ مجمل*؛ إذ يحتمل معنى صواباً ومعنى باطلاً:
١- فإن أُريد بالسنة غير التشريعية أنها ليست محلاً للتأسي والاقتداء: فهو إطلاق صحيح.
٢- وإن أُريد بها أنها لاتدخل تحت حكم شرعي: فهو إطلاق باطل.
- فلابد من التفصيل والبيان؛ دفعاً لهذا الايهام والإبهام.
2⃣ *الثانية: أن القول بوجود (سنة غير تشريعية) من حيث الواقع صار من القضايا الخطيرة في هذا العصر*، حيث حُمِّل هذا المصطلح مالايحتمل، فصار معولاً تُهدم به الكثير من الأحكام الشرعية، *وقد تذرّع بهذا التقسيم فئام في هذا العصر إلى (عزل السنة المطهرة عن شوؤن الحياة العملية كلها*)، فالعادات والمعاملات والسياسة والإدارة والحرب والطب يجب -عند هؤلاء- أن تُترَك للناس وألّاتدخل السنة فيها آمرة ولا ناهية ولا موجِّهة ولا هادية، فانتهى الحال بهؤلاء إلى (حصر الدين في مجموعة من العقائد والعبادات فقط).
*الثالث: أن الاتيان بضابط دقيق يمكن به (تمييز السنة التشريعية من غير التشريعية) من الأمور المتعذّرة*، فلايصلح أن يجعل الضابط في ذلك هو (العبادات والعادات)، ولا أن يجعل الضابط هو (الأمور الدينية والدنيوية).
*الرابع: أن جميع سننه صلى الله عليه وسلم يُستفاد منها في كل الشؤون والأحوال*.
*الخامس: أن الأصل المحكم أن هذه (الشريعة عامة*)، فلايستثى من أحكامها أحد، ولاتعزب عن سلطانها حالة ولا مسألة، والشريعة حاكمة على أفعال المكلّفين".
*منهجيات أصولية* (ص: 89,88,87,86,85)

م