عذرا .. أنا حسَاسة


أ.مها العومي


هل تشعرين بتبدّل مزاجك فجأة لمجرد فكرة خطرت في بالك ؟ هل تجد الكآبة طريقها إلى محيَّاك فتتخرطين في بكاء لا تعرفين سره ؟ هل تشعرين بالغيظ لأتفه المضايقات فيتملكك اليأس والإحباط أمام أيسر العراقيل والعقبات ؟ هل يتملكك الغضب بدون مقدمات فتندفعين لمواجهة أي شخص حتى لو كان أكبر منك ؟ هل من السهل جرح شعورك ؟
إذا كنت على هذه الدرجة من الانفعال والحساسية، فلا بد أنك تشعرين بالذنب لما تتركه هذه الانفعالات من أثر سيئ عليك وعلى المحيطين بك، فعلاقتك بوالدتك متوترة، وإخوتك يخشون فورات غضبك، وصديقاتك يخشين الحديث معك.
عزيزتي.. إذا كنت سريعة التأثر والانفعال فلا تغتمي أو تتبرمي.. فمن الطبيعي أن تكوني مرهفة الحس وفيك من الحساسية ـ كأنثى ـ الشيء الكثير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفقاً بالقوارير"، كما قال: "استوصوا بالنساء خيراً"؛ لما فيهن من الضعف وشدة الحساسية.
إن التأثر والانفعال طاقة جعلها الله عز وجل في بني البشر جزءاً لا يتجزأ من تكوينهم البشري، وهي التي تشكل حساسيتهم تجاه الأمور على اختلاف درجاتها، فإذا مررنا بموقف أو حدث أو صدمة ما، فإن هذه الطاقة تعمل فيظهر تأثرنا بصورة تصغر أو تكبر حسب أهمية الحدث. إذ أطلقنا هذه الطاقة باعتدال وبطء كانت النتيجة عملاً خيراً، معتدلاً، هادئاً، أما إذا أطلقناها بلا ضابط، فإنها حتماً تسبب الكثير من المتاعب.
فإذا كنت ممن يعاني سرعة التأثر والانفعال غير المعتدل، فأنت بحاجة إلى أن تتدربي على إدارة انفعالاتك، وفهمها، ومن ثم التعبير عنها ضمن حدود منضبطة...ولكي تتمكني من ذلك.. عليك بالآتي:
* تمرّني على ضبط النفس وتذكري أن "الحلم بالتحلم والعلم بالتعلم"، وأن الأمر يحتاج إلى مران وتعود، فإذا واجهك أمر يثير أعصابك فتصنّعي رباطة الجأش، وتكلفي المواجهة بأعصاب متينة وهادئة، وستكتسبين بالتكرار عادة الهدوء والحلم.
* راقبي نفسك وانتبهي لحركاتك وما يبدو على مظهرك إذا انفعلتِ من أمر أثار حساسيتك، لاسيما مع الوالدين، أو من يكبرونك سناً، فستجدين نفسك في وضع لا ترضينه لنفسك..
- لا تتخذي أي ردة فعل إذا شعرت أنك في حالة غير طبيعية، بل اصمتي وتروّي، فكلماتك ستكون وليدة تسرع يورث الندم الذي غالباً ما تكون عواقبه وخيمة، وتذكري قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأحد أصحابه: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة"، لذا ألجمي الفورات الداخلية التي تدفعك إلى الغضب والانفعال، وإذا وقع هذا الغضب فتوضئي، كما جاء في الحديث من الحث على الوضوء عند الغضب.
- تنفسي بعمق عشر مرات متوالية في حالة عدم التحكم في الانفعال، فهذا يساعدك (بإذن الله تعالى) على استعادة هدوئك واتزانك، وتذكري أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرشدنا إلى تغيير أوضاعنا أثناء الانفعال، وقبل ذلك تعوذي بالله من الشيطان الرجيم.
- لا تتركي لمخيلتك أو أعصابك حرية العمل إذا شعرت بالحنق والغيظ، فإنها تضخم لك كل حادث أو كلمة مما يدفعك إلى التسرع. واسألي نفسك: هل الأمر يستدعي كل هذه الحساسية؟ فهذا يوقف انسياقك، وراء أي فكرة قد تتضخم إذا تركت لها العنان.
* اقبضي على زمام مزاجك واطردي الأفكار السوداء وعوامل اليأس التي قد تكون وليدة حساسيتك، واكتبي في مفكرة خاصة بعض ما يعتلج في صدرك، وفي هذا تنفيس لضيقك أو قلقك الداخلي.
* لا تلقي باللوم على أحد فيما أنت عليه من حساسية، فلا أحد يفهم ما يدور في ذهنك، أو يعرف كيف تفسرين الأمور في داخلك، فالتمسي لهم العذر؛ فهم يعاملونك حسب ما يظهر لهم من تصرفاتك وحركاتك.
* لا تعتزلي أسرتك مهما كنت حساسة، ظناً منك أنك غير مرغوبة لديهم، فبقدر اقترابك منهم وإحسانك إليهم ستحتلين مكانتك في قلوبهم.
* كوني واثقة بنفسك وتسلحي بروح الدعابة، ولا تظني أن كل حركة أو كلمة من الآخرين موجهة ضدك.
* لا تهربي إلى أحلام اليقظة وكوني واقعية، فإذا شعرت بوطأة حساسيتك وانفعالاتك، اختاري شخصاً مؤتمناً تثقين به ممن يعيش معك ويفهمك ليرشدك إلى التفكير السليم.
* اجعلي حساسيتك نعمة لا نقمة.. وذلك بأن تدفعك إلى الإنجاز والإتيان بكل خير لنفسك ولغيرك. فلتكوني حساسة تجاه:
* كل ما يخدش دينك وحياءك، فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يتمعّر وجهه لشيء إلا أن تنتهك حدود الله.

* كل مخادع ملتوي الأساليب (فالمؤمن كيس فطن) ، (لست بالخب ولا الخب يخدعني).
* أي تصرف يصدر منك فيه جرح للآخرين، وخصوصاً الوالدين.
* المساكين والفقراء ومآسي المسلمين في كل مكان.
* ضياع وقتك فيما لا طائل له.
* تفريطك في حقوق الله.
كل هذه الأمور تستدعي أن تكوني حساسة تجاهها؛ لتدفعك إلى الإنجاز والعمل. وتذكري أن نقصان الحساسية كزيادتها، فالإنسان الذي لا يبالي بشيء يفقد القوة الدافعة لعمل أي شيء، فيكون متبلد الإحساس. أما ما عدا ذلك فسيمكنك التغلب عليه وسيزول بإذن الله تعالى.