نوازل الاعتقادات: ما يتعلق بأحكام القرآن الكريم

د. محمود محمد الكبش


حكم تغيير رسم المصحف العثماني؛ ليوافق الرسم الإملائي، أو الرسم التعليمي

- الخلاصة الحكمية: يبقى رسم المصحف على الرسم العثماني، ولا ينبغي تغييره ليوافق قواعد الإملاء الحديثة؛ وذلك محافظة على كتاب الله من التحريف، واتباعا لما كان عليه أئمة السلف، إلا عند من يرى جواز ذلك في مجالات التعليم والتدريس؛ فلا بأس بمخالفة الرسم العثماني، والكتابة وفقا لقواعد الإملاء المتعارف عليها، وفق شروط محددة.
- القرارات والتوصيات الصادرة من المجامع الفقهية، والهيئات الشرعية بخصوص هذا الموضوع:
أولا: قرار «مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة»؛ شعبان (1388هـ)؛ الفقرة الثانية؛ بعنوان: «حكم كتابة القرآن الكريم بالرسم التعليمي»، وجاء فيه:
1- يقرر المؤتمر تقريرا إجماعيا مؤكدا وموثقا بأن ترتيب السور والآيات في القرآن الكريم هو ترتيب توقيفي، تلقاه الرسول عليه الصلاة والسلام بوحي إلهي، وأن هذا الترتيب هو الذي جاء في المصحف الإمام عن سيدنا عثمان بن عفان "رضي الله عنه" .
ويعلن المؤتمر أنه لا يجوز لأحد أن ينحرف عنه أو يخالفه بأي وجه من الوجوه.
2- يقرر المؤتمر وجوب المحافظة على رسم مصحف سيدنا عثمان "رضي الله عنه" في طبع القرآن الكريم في مصحف كامل، أو في طبع أجزاء منه، ولا يجوز استعمال الرسم التعليمي إلا إذا كان ذلك لبعض الآيات ضمن كتب تعليمية، أو لغرض اقتباس بعض الآيات أو الاستشهاد بها.
3- يوصي المؤتمر بعدم الجمع بين قراءات القرآن الكريم عند تلاوته في المجلس الواحد، في المحافل أو الإذاعة، أو التلفزيون، أو في تسجيله على أي من وسائط التسجيل الصوتي.
انتهى القرار.
< التعليق

الذي يظهر من هذا القرار: وجوب المحافظة على رسم مصحف سيدنا عثمان "رضي الله عنه" عنه في طبع القرآن الكريم في مصحف كامل، أو في طبع أجزاء منه، وأنه لا يجوز تغييره إلا لأغراض التعليم.
فالقرار - كما هو واضح - عام مخصوص.
ثم صدر في عام (1399هـ) قرار من هيئة كبار العلماء بالرياض رقم (71)؛ يحمل العنوان التالي: «حكم كتابة القرآن الكريم بطريقة الإملاء العادية»، وجاء فيه: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد: ففي الدورة الرابعة عشرة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة في الطائف في المدة من العاشر من شهر شوال إلى الحادي والعشرين فيه نظر المجلس فيما رفعه حسين حمزة صالح مدرس العلوم الدينية بمدرسة الإمام أبي حنيفة الابتدائية بمكة.. إلى جلالة الملك المعظم يطلب فيه المعونة في كتابة المصحف بطريقة الإملاء العادية، والمحال إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد برقم 3/ص/22035 في 22/9/1398هـ. واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في (حكم كتابة القرآن بطريقة الإملاء العادية وإن خالف ذلك الرسم العثماني).
وبعد دراسة الموضوع ومناقشته وتداول الرأي فيه.. تبين للمجلس أن هناك أسبابا تقتضي بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني وهي:
1- ثبت أن كتابة المصحف بالرسم العثماني كانت في عهد عثمان "رضي الله عنه" وأنه أمر كتبة المصحف أن يكتبوه على رسم معين، ووافقه الصحابة، وتابعهم التابعون ومن بعدهم إلى عصرنا هذا، وثبت أن النبي " صلى الله عليه وسلم" قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» فالمحافظة على كتابة المصحف بهذا الرسم هو المتعين؛ اقتداء بعثمان وعلي وسائر الصحابة، وعملا بإجماعهم.
2- إن العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليا بقصد تسهيل القراءة يفضي إلى تغيير آخر إذا تغير الاصطلاح في الكتابة؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر.. وقد يؤدي ذلك إلى تحريف القرآن بتبديل بعض الحروف أو زيادتها أو نقصها، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين، ويجد أعداء الإسلام مجالا للطعن في القرآن الكريم. وقد جاء الإسلام بسد ذرائع الشر، ومنع أسباب الفتن.
3- ما يخشى من أنه إذا لم يلتزم الرسم العثماني في كتابة القرآن أن يصير كتاب الله ألعوبة بأيدي الناس، كلما عنت لإنسان فكرة في كتابته اقترح تطبيقها، فيقترح بعضهم كتابته باللاتينية أو غيرها، وفي هذا ما فيه من الخطر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
وبناء على هذه الأسباب اتخذ المجلس القرار التالي:
يرى مجلس هيئة كبار العلماء أن يبقى رسم المصحف على ما كان بالرسم العثماني، ولا ينبغي تغييره ليوافق قواعد الإملاء الحديثة؛ محافظة على كتاب الله من التحريف، واتباعا لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
انتهى القرار.
< التعليق

العادة في مثل هذه الاجتماعات تدون أسماء الحاضرين، ويشار إلى الاسم الغائب منهم، أو من له وجهة نظر تتعلق بالموضوع تقييدا، أو تخصيصا أو ما شابه ذلك.
- ومن بين المجتمعين من هيئة كبار العلماء: فضيلة الشيخ: محمد بن إبراهيم ابن جبير، حيث ألقى وجهة نظره حول موضوع كتابة المصحف حسب قواعد الإملاء الحديثة- الذي بحثه مجلس الهيئة في دورته المشار إليها آنفا؛ فقال:
«بعد اطلاعي على البحث القيم الذي استوفى جميع أطراف الموضوع، والمعد من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أثابها الله وبارك في جهودها.
وبعد المناقشة التي تمت في مجلس الهيئة برئاسة سماحة الشيخ عبدالله ابن حميد حول موضوع: «كتابة المصحف بغير الرسم العثماني» وحيث إن الحديث عن هذا الموضوع قديم، بحثه الأئمة – رحمهم الله - قبل أكثر من ألف سنة، وحكموا بما ظهر لهم من التحريم أو الكراهة أو الجواز، وصنفوا في ذلك المصنفات العديدة، ولازال بحث هذا الموضوع يتكرر بين آونة وأخرى إلى يومنا هذا.
وحيث إن قراءة القرآن من المصحف المكتوب بالرسم العثماني على وجه الصواب ستكون خاصة بمن يتلقاه عن القراء، أما الصغار فسوف يكون تعليمهم من تلك المصاحف عسيرا.
لذلك فإنني أرى أن تطبع المصاحف بالرسم العثماني؛ حفظا لهذا الأثر العظيم الذي هو أصل ديننا، على أن يعاد طبع الكلمات بالرسم الإملائي المعتاد على الهامش في حيز خاص، وذلك تسهيلا لتعلم الصغار وقراءة الكبار الذين لم يتلقوا القرآن عن قارئ.
وبهذا نجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا، وبين تسهيل التعليم وعدم اشتباه القارئين.
والله الموفق، وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم».
انتهت وجهة نظره.
< التعليق

لأجل ما في القرار السابق من هيئة كبار العلماء من الإطلاق والتعميم؛ أراد فضيلة الشيخ الجبير أن يبين وجهة نظره في الموضوع، وأن ذلك ليس على إطلاقه؛ فيجوز عنده أن يعاد طبع الكلمات بالرسم الإملائي المعتاد على هامش المصحف؛ في حيز خاص؛ وذلك تسهيلا لتعلم الصغار، وقراءة الكبار الذين لم يتلقوا القرآن عن قارئ.
وفي عام (1399هـ)، عرض على المجمع الفقهي الإسلامي بمكة الخطاب المقدم من الشيخ هاشم وهبة عبد العال من جدة الذي ذكر فيه موضوع «تغيير رسم المصحف العثماني إلى الرسم الإملائي»، وبعد مناقشة هذا الموضوع من قبل المجلس واستعراض قرار هيئة كبار العلماء بالرياض رقم (71) السابق، وما جاء فيه من ذكر الأسباب المقتضية بقاء كتابة المصحف بالرسم العثماني.
ثم ذكروا ما سبق من قرار؛ فأقروه كما هو، ثم قالوا:
«وبعد اطلاع مجلس المجمع الفقهي الإسلامي على ذلك كله قرر بالإجماع تأييد ما جاء في قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية من عدم جواز تغيير رسم المصحف العثماني، ووجوب بقاء رسم المصحف العثماني على ما هو عليه ليكون حجة خالدة على عدم تسرب أي تغيير أو تحريف في النص القرآني، واتباعا لما كان عليه الصحابة وأئمة السلف رضوان الله عليهم أجمعين.
أما الحاجة إلى تعليم القرآن، وتسهيل قراءته على الناشئة التي اعتادت الرسم الإملائي الدارج، فإنها تتحقق عن طريق تلقين المعلمين، إذ لا يستغني تعليم القرآن في جميع الأحوال عن معلم، فهو يتولى تعليم الناشئين قراءة الكلمات التي يختلف رسمها في قواعد الإملاء الدارجة، ولاسيما إذا لوحظ أن تلك الكلمات عددها قليل, وتكرار ورودها في القرآن كثير, ككلمة «الصلوة»، و«السموات»، ونحوهما، فمتى تعلم الناشئ الكلمة بالرسم العثماني سهل عليه قراءتها كلما تكررت في المصحف، كما يجري مثل ذلك تماما في رسم كلمة «هذا»، و«ذلك» في قواعد الإملاء الدارجة أيضا.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا».
انتهى القرار.
< التعليق

يظهر للقارئ في هذا القرار مخرج آخر للحيلولة دون اعتماد الرسم الإملائي الحديث، وهو التعليم بالتلقين، فهذا القرار وافق على ما جاء عن هيئة قرار العلماء، ورد قضية الحاجة إلى التعليم باندفاعها بالتلقين من المعلمين والدارسين، ويبقى الرسم العثماني كما هو؛ لا سيما مع التكرار.