الفتاوى


إعداد: محمود محمد الكبش



معنى «الفتوى»

الفتوى هي الجواب عما أُشكِل من الأحكام، أو خَفِي عن بعض النّاس.
وفرّق بعض العلماء بين «الفتوى» و«علمها»؛ فجعل «فقهَها»: العلم بالأحكام بالكلية، و«علمها»: العلم بتلك الأحكام، وتنزيلها على النّوازل والأحداث.
فائدة: وقد ورد لفظ الفتوى في كتاب الله تعالى في سبعة مواضع هي:
الأول: قال الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُون كَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} (النساء: 127).
الثاني: قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَك قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} (النساء: 176).
الثالث: قال الله تعالى: {يأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يوسف:43).
الرابع: قال الله تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (الكهف: 22).
الخامس: قال الله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} (النمل: 32، 33).
السادس: قال الله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِم أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} (الصافات: 11}.
السابع: قال الله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِم أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} (الصافات: 149).
حكم الفتوى

فصّل الإمام الشّاطبي رحمه الله القولَ في حكمها فقال:«سؤال المتعلم للعالم... يلزم الجواب إذا كان عالمًا بما سئل عنه، متعيّنًا عليه في نازلة واقعة، أو في أمر فيه نص شرعي بالنسبة إلى المتعلم، لا مطلقًا، ويكون السائل ممّن يحتمل عقله الجواب، ولا يؤدي السؤال إلى تعمّق ولا تكلّف، وهو مما يبنى عليه عملٌ شرعي، وأشباه ذلك، وقد لا يلزم الجواب في مواضع، كما إذا لم يتعيّن عليه، أو المسألة اجتهاديّة لا نص فيها للشارع، وقد لا يجوز، كما إذا لم يحتمل عقله الجوابَ، أو كان فيه تعمّق، أو أكثر من السؤالات التي هي من جنس الأغاليط، وفيه نوع اعتراض».«المواف ات»:(5/372).
تاريخ الفتوى

أول من تولى أمر الفتوى هو الله سبحانه وتعالى، حيث قال في كتابه: {وَيَسْتَفْتُون كَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} (النساء:127)، قال القرطبي في تفسيره: «نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النّساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك؛ فأمر الله نبيه عليه السلام أن يقول لهم: الله يفتيكم فيهن؛ أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه».تفسير القرطبي: (5 / 402).
ثم قام بهذا المنصب الجليل خاتم أنبيائه محمد بن عبد الله: قال ابن القيم رحمه الله: «وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيبن عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده».
ثم قال رحمه الله: «وقد أمر الله عباده بالرد إليها أي: فتاويه عليه الصلاة والسلام حيث يقول: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» إعلام الموقعين: (1/11).
«ثم قام بالفتوى بعده بَرْكُ الإسلامِ، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن؛ أولئك أصحابُه؛ ألينُ الأمة قلوبًا، وأعمقُها علمًا، وأقلها تكلّفًا، وأحسنُها بيانًا، وأصدقُها إيمانًا، وأعمُّها نصيحةً، وأقربُها إلى الله وسيلة» إعلام الموقعين: (1/11).
ثمّ قام بها علماء الأمّة بعد الصّحابة من التابعين وتابعيهم بإحسان من الأئمة المجتهدين، والفقهاء الصادقين، يعلمون الناس أمر دينهم، ويبيِّنون لهم الحلال والحرام، عملاً بقول رسول الله: «يحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَف عدولُهُ؛ ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين» (رواه البيهقي).



قيام ليلة عيد الفطر
الفتوى رقم (17154)

عرض على «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» بالسعودية السؤال التالي:

قيام ليلة عيد الفطر-صلاة التراويح- بالمسجد ما حكم ذلك، وهل هي من رمضان أم من شوال؟
فأجابت بما يلي:

تخصيص ليلة العيد بقيام دون سائر الليالي يعتبر بدعة؛ لأنه لم يكن من سنة النبي: وقد قال:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، سواء قامها منفردًا أو مع جماعة، وأما من كان له قيام معتاد في سائر الليالي، فلا بأس أن يفعله في ليلة العيد، لكن لا يكون جماعة، وليلة عيد الفطر ليست من رمضان إذا ثبت دخول شهر شوال.
تأخير صلاة العيدين عن يوم العيد
الفتوى رقم (1944)
عرض على «اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء» بالسعودية السؤال التالي:

هل يجوز تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني ليتمكن جميع العمال من المسلمين العاملين في المصانع والمكاتب من الحصول على إجازة يوم العيد من المسؤولين؟ وبما أن يوم العيد غير معروف لديهم سابقًا؛ فلذلك يصعب عليهم إخبار المسؤولين عن يوم بعينه للإجازة.

فأجابت بما يلي:

صلاة العيدين فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها فرض عين كالجمعة، وبما أن المركز الإسلامي يقوم بإقامة صلاة العيد بناءً على رؤية الهلال؛ فإن هذه الصلاة تسقط فرض الكفاية عمن لم يحضرها، ولا يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني أو الثالث من شوال من أجل أن يحضرها جميع المسلمين في لندن؛ لأنّ هذا التأخير خلاف ما أجمع عليه الصحابة ومن بعدهم، فإنّنا لا نعلم أحدًا من أهل العلم قال بذلك، نعم يجوز تأخيرها إلى اليوم الثاني إذا لم يعلموا بالعيد إلا بعد زوال الشمس.
صلاة العيد في الشارع أمام المسجد
الموضوع (1123)
عرض على «لجنة الفتوى بالأزهر» السؤال التّالي:

يوجد بحي الشيخ مبارك بمصر القديمة بالقاهرة مسجد يتسع لجميع المصلين من أهل الحي، كما يوجد مسجدان آخران، وقد طلب بعض المصلين من الجمعية أن تقام صلاة العيد في الشارع أمام المسجد إحياءً للسنة النبوية الشريفة، وطلب السائل بيان الحكم الشرعي في هذا الموضوع.

فأجابت بما يلي:

جَرَت سُنَّة رسول اللّه صلوات اللّه وسلامة عليه على صلاة العيدين في المصلى، وقد كان يترك المسجد في هاتين الصلاتين؛ كما روى أنه صلى العيدين في المسجد في يوم مطير، وقد جرى الخلفاء الراشدون على هذه السنة.
وقد صح هذا في مذهب الإمام أبى حنيفة، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل، ويرى الإمام مالك أنّ صلاة العيد مندوبة خارج المسجد، ويكره أداؤها في المسجد بغير عذر.
أمّا الإمام الشافعي فيرى أن صلاة العيد في المسجد أفضل؛ إلا لعذر، كما إذا ضاق بالمصلين، وعندئذ يُسنّ الخروج للفضاء لصلاة العيد.
ومِن هذا يعلم أنّ صلاة العيد في الصحراء سنة الرسول " صلى الله عليه وسلم" ، وأنّه لم يصلها في المسجد إلا لعذر المطر.
وقد جرى على هذه السنة الخلفاء الراشدون، وصحّت هذه السنّة لدى الأئمة أبى حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل، ولم تصحّ عند الإمام الشافعي، ورأى أن الأفضل صلاة العيد في المسجد إلا لعذر الزحام في الصلاة.
هذا؛ وقد كانت صلاة الرسول -العيدين في الجبانة- والمراد بها المصلى العام في الصحراء، وكان من سنته أن يخرج إلى المصلى الذي على باب المدينة الشرقي، وكانت إذ ذاك لا حائط فيها ولا بناء، وكانت الحربة سترته يضعها أمامه.
ومن هنا؛ فإنّ صلاة العيد في الشارع أمام المسجد كما جاء بالسؤال لا تعتبر إحياء للسنة، بل السنة أن تكون الصلاة في الصحراء.
هذا؛ وينبغي للمسلمين ألا يختلفوا في أمر لهم فيه سعة، سيما وهو متعلق بالأفضلية، لا بصحة الصلاة، أو عدم صحتها، وعليهم جميعًا أن يتباعدوا عن أسباب الخلاف والنزاع ليتقبل اللّه العمل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران:103).
صيام ستة من شوال - العجز عن فدية الصوم
(1/242/125)

عرض على «لجنة الفتوى» بدولة الكويت الاستفتاءان التاليان، ونصُّهما:

أولاً: هل صيام الستة أيام من شوال لازم كل سنة أم يجوز أن أصوم سنة وأفطر أخرى؟

فأجابت اللجنة:

إنّ صيام ستة أيام من شوال سنة لا يجب الالتزام بها كل عام، والمواظبة عليها أولى.
ثانيًا: والدتي امرأة كبيرة في السِّنِّ وقد أجريت لها عملية في القلب، ولا تستطيع الصيام، وليس لديها مال حتّى تطعم؛ لأنها أرملة، فما هو الواجب عليها؟
فأجابت اللجنة:

أنه إذا توفر لديها المال فعليها الإطعام، فإن لم يوجد فلا يكلف اللَّه نفسًا إلاَّ وسعها، ولا شيء عليها إن شاء اللَّه تعالى.