القـيم الســياســية في الإســلام

محمد فؤاد

ولد الإسلام في مكة، ومنها انتقل إلى المدينة، ومن هناك انتشر في جميع أنحاء العالم عن طريق الفتوحات بفضل قيمه السامية الثابتة التي ترتفع بشأن ومكانة الانسان والمجتمع، وقد قامت الدولة الاسلامية على مجموعة من القواعد والقيم أبرزها القيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية، ومن أهم وأبرز القيم السياسية في الاسلام قيم الحرية، العدالة، الانتماء، الانخراط، التسامح.

الحرية

تمثل الحرية أهم القيم التي يسعى الإنسان المسلم وغير المسلم إلى الحصول عليها، وتندرج لفظة الحرية في الكتابات السياسية المعاصرة تحت مفهومين، أولهما الحرية السلبية التي لا تتعدى غياب القيود وانتفاء الإكراه المادي والمعنوي، وثانيهما الحرية الإيجابية التي تعني حصول الفرد على حقوقه وامتيازاته، ويتضح من المفهوم الثاني تميز الحرية عن غيرها من القيم الأخرى بسمات عدة منها «القدرة على الاختيار أو المفاضلة بين الأشياء المادية والمعنوية، الخصوصية حيث لا توجد حرية فيما يستطيع كل الناس أن يتمتعوا به كالهواء مثلا، فضلًا عن القدرة الإنسانية على تحقيق الأهداف»، وهناك علاقة طردية بين قيمتي الحرية والكفاية، وفي ذلك يقول د.عمار علي حسن في كتابه القيم «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر»: تزداد حرية الفرد حين تزيد فرص إشباع حاجاته.
وقد كان الإسلام واضحا في هذه النقطة تماما حين أقام مبدأ الحرية على دعامتين أساسيتين أولاهما تأمين الإنسان من الجوع، وثانيهما تأمينه من الخوف، وتعتبر الحرية السياسية رافدًا من روافد الحرية العامة، ويعرفها د.عمار علي حسن في كتابه سالف الذكر بأنها مجموعة من المبادئ التي نادت بها الأديان السماوية والمذاهب الوضعية ونصت عليها الدساتير المدنية، وتقوم الحرية السياسية في الإسلام على مجموعة من القواعد والأسس من بينها «حق الشعب في اختيار نوع الحكم الذي يريده ويناسبه، اختيار الحاكم بكامل إرادته ومحاسبته وردعه عن طريق الأجهزة النيابية والإعلامية، سحب الثقة منه وعزله حسب دستور محدد، جماعية القيادة أي عدم استئثار فرد واحد أو فئة معينة أو طبقة خاصة بالحكم، التزام الحكام برأي الجماعة أو الأغلبية، إزالة جميع أنواع التمييز بين أبناء الشعب، حق الفرد في الوصول إلى جميع المناصب في الدولة، أن يكون الفرد آمنا على حياته وماله وكرامته في ظل سيادة القانون، حرية الفرد في إبداء رأيه السياسي، وحرية التجمع والاجتماع وتشكيل الأحزاب والهيئات والجمعيات الأهلية وغيرها، بسط الدولة لسيادتها على أراضيها وعدم خضوعها لسيطرة دولة أو دول أخرى».

العدالة

العدالة هي القيمة الأساسية في الفكر السياسي الإسلامي وجوهره، وهي أيضا الفضيلة التي تنطوي تحتها كل الفضائل السياسية الأخرى، وحولها تدور كل تعاليمه وأحكامه الشرعية، وهي لديه فريضة واجبة وضرورة من الضرورات الاجتماعية والإنسانية، وليس حقًّا من الحقوق، ويمثل فرضها معيارًا للعلاقة السليمة بين الرعية وأولي الأمر، وتعرف الشريعة الإسلامية العدل بأنه مضاد الظلم والجور، ويتضح مما سبق ذكره قيام العدالة في الشريعة الإسلامية على جوانب قانونية وسياسية واجتماعية وإدارية، وتتمثل هذه الجوانب في عدل الولاة في الرعية، وعدل القضاة في المتحاكمين، وعدل الإنسان في أهل بيته، وحق المواطن في المشاركة في اتخاذ القرارات المجتمعية، وبناء على هذه الجوانب أو القواعد يقسم المفكرون العدالة إلى نوعين، الأول: العدالة التبادلية التي تقوم على المساواة المطلقة بشكلها الرياضي البحت، والثاني: العدالة التوزيعية التي تقوم على مبدأ الاستحقاق- أي أن يحصل كل فرد على ما يستحقه وفق إمكاناته واستعداداته وظروفه.

المساواة

تمثل المساواة الضلع الثالث في مثلث القيم الإسلامية العظيمة، حيث تشكل مع الحرية والعدالة المثل العليا التي يصبو الإنسان إلى تحقيقها منذ أول الحقيقة، وتعني المساواة بمفهومها العام وجود حالة من التماثل بين أفراد المجتمع أمام القانون بغض النظر عن الميلاد أو الطبقة الاجتماعية أو العقيدة الدينية أو الثروة أو الجنس أو المهنة.

الانتماء

تعتبر قيمة الانتماء من القيم السامية التي يقوم عليها النظام السياسي في الإسلام أو في غيره من الرسالات السماوية والأديان الوضعية، ويعني بها انتساب الإنسان إلى قيمة أو فكرة أو رمز أو مؤسسة اجتماعية بهدف الحصول على السعادة التي يشعر من خلالها بأهمية حياته وفائدتها وحماية نفسه من الصراع والضياع، وقد تجسدت قيمة الانتماء فيما يعرف في المؤلفات السياسية بالوطنية، أي الانتماء للوطن أرضًا وتاريخًا وحضارةً، وانتماء الفرد إلى الوطن يدفعه إلى العمل الجاد والمشاركة البناءة في سبيل تقدم ورفعة بلاده، وبغير هذا الشعور قد ينزلق الإنسان في الاتجاه المضاد، ويصبح متطرف التفكير والسلوك، بل تثار علامة استفهام حول هدف حياته، وعلى وجه العموم فإن قيمة الانتماء تتجلى في عدة مظاهر من بينها تشجيع الصناعة المحلية، والاعتزاز باللغة الوطنية والزي الوطني، والالتفاف حول علم يمثل رمزا للدولة، والتمسك بالقيم العامة التي تتفق عليها الجماعة الوطنية، والاستعداد للتضحية من أجل الوطن حين يتعرض للأخطار، بل يذهب البعض إلى حد اعتبار التسامح في المجتمعات التي تتسم بفسيفسائية عرقية أو لغوية أو دينية أو غيرها هو دليل على الانتماء، إذ إن التعصب يشكل ثغرة واسعة ينفذ منها العدو الطامع إلى الصفوف المتراصة والمنتظمة فيمزق وحدتها ويبدد شملها ويفرض سلطاته عليها، لأنه يجد في التعصب تربة خصبة يبذر فيها بذور الشقاق.

الانخراط

تعني قيمة الانخراط المشاركة بصفة عامة من خلال المنظمات الحكومية أو الجمعيات الأهلية في المشروعات القومية التي تحقق رفاهية الإنسان والمجتمع، كما أنها تعني التعاون القائم على الشعور بالمسؤولية الاجتماعية من أفراد المجتمع ومنظماته وقياداته والتي تنبع من اتجاه اجتماعي ومبادئ ثقافية وأخلاقية، أما المشاركة السياسية فتكمن في الأنشطة التطوعية التي يشارك بها الفرد بقية الجماعة الوطنية في اختيار الحكام وصناعة القرار وصياغة السياسات العامة بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وتشمل هذه الأنشطة الانتماء إلى الأحزاب السياسية والترشح في الانتخابات والتصويت والإسهام في الحملات الانتخابية، والتبرع بالمال لتعزيز خيار سياسي معين، وحضور الاجتماعات السياسية، وإجراء اتصالات بشخصيات سياسية رسمية، وكتابة الخطب وإلقاءها، والقيام بالدعاية لصالح حزب سياسي معين، أو حركة اجتماعية، والمشاركة في النقاش والجدل العام، وجمع المعلومات حول السياسات المحلية والدولية. وهناك عوامل عدة تحدد الرغبة في المشاركة ومستواها ودرجتها وشكلها، يمكن عرضها على النحو الوارد بكتاب د.عمار علي حسن سالف الذكر على النحو التالي:
1- هناك علاقة طردية بين حجم مشاركة الفرد ومستوى المثيرات السياسية التي يتعرض لها في حياته.
2- هناك علاقة طردية بين مستوى التأثيرات السياسية التي يتلقاها الفرد وبين الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها، ففي المتوسط العام فإن أبناء الطبقة المتوسطة يتعرضون لشواغل سياسية أكبر من أبناء الطبقة العاملة.
3- يختلف مستوى الاهتمام السياسي للفرد تبعا لاختلاف الثقافة السياسية السائدة في المجتمع والتي تسهم في صياغة معرفة الأفراد بشؤون السلطة والحكم وصناعة القيم التي تترسخ في نفوسهم، وتشكيل اتجاهاتهم السياسية.
4- في الغالب الأعم يميل الأفراد الأقل تعليمًا إلى تجنب المعلومات السياسية ورفضها في إطار ما يدور في أذهانهم من أوهام عن التمسك بكل ما يحمي الذات ويصون الهوية، لاسيما إذا كانت هذه المعلومات من النوع الذي يناقش بعض ما يعتقده الفرد حيال نفسه أو معتقداته الدينية.
5- يرتبط الاهتمام السياسي بالنوع لاسيما في الفئات الأقل تعليما حيث ينشغل الذكور بالسياسة بدرجة أكبر من الاناث.
6- يقود ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي للشخص إلى تعزيز شعوره بالثقة بالنفس ومن ثم رسوخ الاقتدار السياسي لديه، وسعيه إلى تنمية معارفه بالمجال العام، وإحساسه بأن بوسعه أن يؤثر في مجريات الأمور ويقوم بما عليه من واجب حيال وطنه.
7- يؤدي شعور الإنسان بالاغتراب إلى تدني رغبته في المشاركة السياسية لأنه لا يثق في السياسة والسياسيين، ويحس باللاجدوى من الانخراط في أي عمل إيجابي.
8- يميل الأشخاص القريبون من التجمعات والتنظيمات السياسية مثل العاملين في مختلف أجهزة الاعلام والمحامين إلى المشاركة السياسية أكثر من هؤلاء الذين يعملون في مهن بعيدة نسبيا عن الساسة والسياسة.
9- تتزايد المشاركة السياسية بتقدم العمر لتصل إلى ذروتها في منتصفه، ثم تبدأ في التراجع مع زحف الإنسان نحو الشيخوخة الهادئة حيث يتضاءل الوقت الذي يخصصه الإنسان لممارسة النشاط السياسي، وتضعف صحته فتخذله حين يحاول بذل أي مجهود تتطلبه الحياة السياسية بتعقيداتها وتشابكاتها.

10- يقبل سكان المدن على المشاركة السياسية أكثر من قاطني الريف لأن أهل المدن أكثر تعرضا للمعلومات السياسية، وترتبط طبيعة المهن التي يعملون بها بالمجال العام أكثر من ارتباط أعمال الفلاحة.